لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
أعتقد أنّ شكل التعليم الذي سأرغب فيه، هو التعلّم من خلال الممارسة، أي من خلال مشاريع تطبيقية تُتيح لي فرص البحث والتقصيّ بشكل ذاتيّ ونشّط، بحيث أكتسب المعرفة بالاكتشاف، وبمواجهة التحديات التي تساعدني على توظيف العمليّات العقليّة العُليا، مثل التحليل وحلّ المشكلات، والتفكير الإبداعي وغيرها. بهاتين الوسيلتين تكون المعرفة المُكتسبة ذات معنى، وقابلة للتطبيق في الحياة العمليّة، كما ستكون قابلة للنقل من سياق لآخر. هذا الشكل من التعلّم يكون المتعلّم مندفعًا داخليًّا ومستمتعًا به، ومحقّقًا شخصيّة المتعلم الباحث باستمرار أينما وجد، ومعتمدًا على نفسه، وواثقًا بذاته. بينما يكون فيه دور المربي/ة مُيسّرًا لتعلّم الطالب ومساندًا له، يتبادل معه الخبرات، فيكون كلاهما متفاعلين معًا بعملية تعلّم نشّطة مستمرّة.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
يُفترض، بشكل طبيعيّ، أن يتمّ العمل على تنمية جميع جوانب شخصيّة المتعلّم النمائيّة (المعرفيّة العلميّة، والعقليّة، والانفعاليّة، والاجتماعية، و الأخلاقيّة القيميّة، و الجسميّة الحسّ - حركيّة) عند تصميم الخبرات التعلّميّة التعليميّة، حيث يتشكّل ذلك المحور المركزيّ للعمليّة التربويّة التعلّميّة في مختلف المراحل الدراسيّة، فهذه الجوانب بطبيعتها متداخلة ولا يمكن الفصل ما بينها؛ أي يؤثّر كلّ منها ويتأثّر بالآخر، فعلى المتعلّم أن يتعرّض لخبرات تعلّميّة تعليميّة شموليّة تكامليّة تثير تطورّها جميعها، وتأخذها بالحسبان بالأهمّيّة ذاتها، كما تعمل هذا الخبرات على بناء بنيته المعرفيّة العلميّة على حدٍّ سواء. لهذا، يُعتبر التعليم الذي غايته إتقان المحتوى فقط (كمّ المعرفة - المعارف العلميّة) تعليمًا غير منسجم مع طبيعة نموّ الفرد وتطوّره، لأنّه لا يُسهم بمساندته في بناء شخصيّته من كافّة جوانبها.
كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
تعتبر ثورة الذكاء الاصطناعيّ تحدّيًا كبيرًا أمام عمليّة التعلّم الفعليّة في يومنا الحاضر، وعلى وجه الخصوص أمام المربّي/ة، والذي هو صاحب دور محوريّ في مساندة الطلبة لتوظيفها بشكل مدروس صحيح، وليس بوصفها بديلًا لخبرات التعلّم الحقيقيّة التي تعمل على بلورة شخصيّتهم من مختلف جوانبها النمائيّة (الاجتماعي، الانفعالي، الأخلاقي... إلخ)، والتي تبني معارفهم المتنوّعة بذات الوقت، ويتجلّى ذلك بقدرة المربّي/ة والنظام التربويّ بوجه عامّ في المدرسة والمجتمع ككلّ، على جعل التعلّم مثيرًا وممتعًا وذا معنى بالنسبة إلى الطالب/ة، بحيث يندفع بحبّ الاستطلاع الداخليّ للبحث والاكتشاف لمختلف الظواهر المحيطة به (اللغويّة، والعلميّة، والاجتماعيّة... إلخ)، وما تتضمّنه من مفاهيم ومهارات ومعارف بتوظيف وسائط متنوّعة، يمثّل الذكاء الاصطناعيّ أحد أشكالها.
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
تحقّق عمليّة الإشراف التربويّ داخل المؤسّسات التربويّة التعليميّة فعاليّتها، عندما تبنى على كونها عمليّة للنهوض بأداء المربّي/ة المهنيّ وممارساته التربويّة التعليميّة، لا أداة للحكم على ما إذا كان هذا الأداء يحقّق متطلّبات معيّنة أم لا. فيكون دور المشرف التربويّ وفقًا لهذه الرؤية، مساندة المربّي/ة في عمليّة التأمّل العميق في ممارساته التربويّة وأدائه المهنيّ، وتحديد نقاط القوّة فيه، وتلك الأبعاد التي تحتاج إلى تطوير. الأمر الذي يترتب عليه تحدّد أهداف التطوّر المهنيّ خاصته، ورسم الخطّة التطويريّة المتناسبة معها، بعمليّة تشاركيّة ما بينه وبين مشرفه، تلي ذلك المباشرة بتنفيذها مع الحصول على التغذية الراجعة حولها، لتقييم الأداء المعدّل وتحديد أهداف جديدة بناء عليه إذا تطلّب الأمر ذلك. وهكذا تكون عمليّة الإشراف التربويّ عمليّة مستمرّة، يكون المربّي/ة فيها متعلّما نشطًا، يتعلّم من خلال التأمّل والبحث والتطوير، بينما يكون دور المشرف التربويّ ميسّرًا لهذه العمليّة.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
تُبنى عمليّة حلّ النزاع ما بين طلبة الصفّ بشكل خاصّ، وانضباط السلوك الصفّيّ بشكل عامّ، على مجموعة من القوانين الصفيّة التي تُحدّد ما هو مقبول وما هو غير مقبول من الممارسات داخل غرفة الصفّ (السلوكيّات المرغوبة، والسلوكيّات غير المرغوبة)، والنتائج المترتّبة على أيّ سلوك/ ممارسة غير مرغوبة داخله. وتشمل هذه القوانين مختلف جوانب العمليّة التربويّة التعلّميّة داخل الصفّ، أي تلك القوانين الخاصّة بسلوكيّات التفاعل الاجتماعيّ مع المربّي/ة، والقوانين الخاصّة بسلوكيّات التفاعل الاجتماعيّ ما بين الطلبة أنفسهم، والقوانين المتعلّقة بالسلوكيّات التعلّميّة التعليميّة... إلخ؛ حيث يتمّ بناء هذا الميثاق بعمليّة تشاركيّة ما بين المربّي/ة والطلبة في بداية العام الدراسيّ، وبالاعتماد على الحوار المنطقيّ الأخلاقيّ السليم، والذي يتيح للطلبة فرصة التعبير عن آرائهم بحرّيّة. فعندما يكون الطالب/ة مشاركًا فعليًّا في عمليّة صياغة هذه القوانين سيلتزم بها تلقائيًّا، ويتقبّل ما يترتب من نتائج على مخالفتها. بهذا تصبح عمليّة حلّ النزاعات الصفّيّة عمليّة تشاركيّة ما بين الطلبة والمربّي/ة، قائمة على النقاش والحوار البنّاء المستند على هذا الميثاق من القوانين.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
يعتمد استخدام الأدوات التكنولوجيّة في عمليّة التعلّم والتعليم، على عدّة عوامل، من أهمّها: المرحلة العمريّة للطلبة؛ وطبيعة المحتوى؛ والأهداف التي نسعى لتحقيقها... إلخ. فعلى سبيل المثال، يفضَّل عدم تعرّض الأطفال في مرحلة التعليم ما قبل المدرسة، للأدوات التكنولوجيّة، لما لها من آثار سلبيّة كبيرة على النموّ المعرفيّ والاجتماعيّ والانفعاليّ للطفل، كما يجب اعتماد التعلّم النشط المحسوس القائم على الممارسة الفعليّة، من خلال توظيف الأدوات والتجهيزات التربويّة، وخامات البيئة المادّيّة المحيطة، فهذا يتناسب مع الخصائص النمائيّة للأطفال وطبيعة تعلّمهم في هذه المرحلة. أمّا مع الفئات العمريّة الأكبر، فيفضَّل توظيف موجودات البيئة التعليميّة والطبيعيّة المحيطة قدر الإمكان، مع إدخال الأدوات التكنولوجيّة تدريجيًّا مع تقدّم الطفل في العمر، وبحسب متطلّبات المحتوى، وذلك لتحقيق قدرة المتعلّم على التفاعل الناجح مع متطلّبات العصر، بحيث لا يكون منعزلًا عنها، ويكمن سرّ النجاح في هذه العمليّة بتوظيف الأدوات التكنولوجيّة، و بطرق تفاعليّة، كعوامل مساندة لتعلّم الطالب النشط خلال العمل والبحث والاستكشاف.
هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟
تدخّل الأهل في عمليّة تعلّم ابنهم يكون محورًا داعمًا، إذا تمّ بالطريقة الصحيحة وبالتوقيت المناسب. فطبيعة هذا التدخل ونوعه ودرجته، تعتمد على المرحلة العمريّة للطالب، والخصائص الفرديّة المميّزة له، وحاجاته الخاصة، كما تعتمد على مدى وعي الأهل بمتطلّبات هذا الدور واستراتيجيّات تنفيذه بالأعمار المختلفة. وهذا بدوره يتطلّب توفّر الوعي الكافي لدى فريق عمل المدرسة ككلّ (إدارة، ومربّين/ات ومشرفين/ات) بآليّات الاتّصال والتواصل مع الأهل الفعّالة، والكيفيّة التي تتمّ من خلالها مشاركتهم عمليّة تربية ابنهم وتعلّمه (أي متى وشكل هذه المساندة). فالمدرسة هي المسؤول الأوّل على إدارة هذه العمليّة وبناء شكلها وحدودها، من خلال التواصل المستمرّ مع الأهل وبناء علاقة شراكة حقيقيّة معهم.
هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟
لا أتّفق نهائيًّا مع هذا التوجّه غير التربويّ؛ فاستبعاد الكتاب يشكّل إحدى المعضلات التي تواجه النظام التربويّ التعليميّ حاليًّا، لتحلّ مكانه الأجهزة والأدوات التكنولوجيّة. فنتائج الدراسات التربويّة الحديثة في مجتمعات وثقافات متنوّعة، وبخاصة الطوليّة منها (التي تابعت دراسة حالات لسنوات طويلة)، إلى جانب ما وُثّق من خبرات المربّين والأهل بتوظيف الأجهزة التكنولوجيّة في عمليّة التعلّم والتعليم بديلًا عن الكتاب والتعلّم التفاعلي النشط، كلّ ذلك بيّنَ الآثار السلبيّة لها على نموّ شخصيّة الطفل وتطوّره، من مختلف جوانبها (العقليّ، والانفعالي، والاجتماعي..)، وكذلك على عمليّة تعلّمه ككلّ. فكما أشرت سابقًا، ينبغي توظيف الأدوات التكنولوجيّة في تعلّم الطلبة، بوصفها واحدة من الأدوات أو الوسائل المساندة للتعلّم النشط الفعليّ التطبيقيّ، والذي يمثّل الكتاب أهمّها، لا بديلًا عنها.
كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟
من خبرتي الطويلة في الميدان التربويّ، أرى أن هذا البُعد الهامّ لا يتوقّف على عدد ساعات الدوام التي يقضيها الطلبة في المدرسة، وإنّما يعتمد على نوعيّة الخبرات التعلّميّة - التعليميّة التي يتعرّض إليها الطالب في ساعات دوامه، وما تتضمّنه من فترات استراحة كافية. كما يجب أن تتناسب مدّة الدوام المدرسيّ مع المرحلة العمريّة للطلبة، ومتطلّباتها النمائيّة والتربويّة. فعلى سبيل المثال: قد يقضي الطفل في الروضة ساعات طويلة، لكنّها لا تكون مرهقة، بل ممتعة ومثمرة تربويًّا؛ وذلك لأنّ برنامجه اليوميّ يُبنى على مجموعة من الخبرات التفاعليّة القائمة على التعلّم النشط باللعب (معرفيّة أو حركيّة أو فنّيّة، رحلات ميدانيّة ...) والمتضمّنة أشكالًا متعدّدة من التفاعل (فرديّ، زوجيّ، مجموعات صغيرة، مجموعة كليّة...)، بالاستناد على الخصائص النمائيّة لأطفال هذه المرحلة التي تحدّد قدراتهم النمائيّة المختلفة، وحاجتهم وآليّات تعلّمهم المناسبة. كما يتضمّن هذا البرنامج فترات استراحة ووجبات غذائيّة، إلى جانب فترات الأنشطة المتنوّعة. بالإضافة إلى أنّه يتطلّب توفّر عدد كافٍ من المربّين/ات لتنفيذه بشكل مريح وآمن للأطفال، ويحتاج إلى توفّر بيئة مادّيّة مناسبة من حيث عدد الصفوف والمرافق فيها ومساحاتها، والمجهّزة بمختلف الموادّ والتجهيزات التربويّة المناسبة. لهذا، فإنّ المدّة الزمنيّة التي يقضيها الطفل في الروضة تُحدّد لتكون متناسبة والإمكانيّات المادّيّة والبشريّة المتوفّرة فيها، والبرنامج اليوميّ الملائم لنموّ الطفل السليم والآمن وتعلّمه.
صِفي لنا تجربتك في التعليم مُستخدمًا عنوان رواية من الأدب العربيّ أو العالميّ، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
أعتبر خبرتي في عمليّة التعلّم والتعليم رائعة، فأنا أؤمن بأنّي خُلقت لأكون مربيّة، أستمتع بأداء متطلّبات المهنة المجهدة الشاقّة. وكوني محاضرة تربويّة جامعيّة، أعمل جاهدة على مختلف الأصعدة لمساندة طلبتي (المربّين/ات المستقبليّين) في عمليّة بناء ذواتهم المهنيّة، وصقل قناعاتهم التربويّة التي تتمحور حول مركزيّة عمليّة التعلّم لا التعليم، أي أن يكون المتعلّم نشطًا في تعلّمه، مبادرًا مستمتعًا فيه. بينما يكون دور المربّي هو الميسّر والمساند له في هذه العمليّة، بما يتيح الفرصة لهم ممارسة هذه المفاهيم والأسس التربويّة، بمختلف خبرات ومتطلبات المساقات (المتضمّنة تعلّم المحتوى وأداء المهام) التي يتعرضون لها بالمساقات خاصّتي، حتّى يتمّ تذويت هذه المفاهيم التربويّة الحديثة؛ فيصبح بإمكانهم تطبيقها لاحقًا مع طلبتهم في الميدان التربويّ عن فهم وقناعة. ومن أبرز المراجع التي قرأتها وتنسجم مع هذه التوجّهات التربويّة الحديثة، كتاب "تعليم المقهورين" للكاتب "باولو فريري"، والذي يعكس فلسفة تربويّة تتناسب مع متطلّبات النظام التربويّ الحالي، ولا سيّما في معظم الدول العربية.