المدرسة وسيلة لتغيير المجتمع ونموّه، وهذا التغيير يتطلَّب الاهتمام بتطوير العمليّة التعليميّة، تمهيدًا للوصول إلى النموّ، ولتحقيق هذا التطوّر والنموّ لا بدّ من تفعيل دور الإشراف التربويّ؛ فالإشراف التربويّ هو الدعامة الأساسيّة في تحقيق النجاح التعليميّ، ويسهم في توجيه المتعلّمين والمعلّمين وإرشادهم، ويوفّر بيئة مناسبة للتعلّم. كما يعمل على تحفيز الإبداع والابتكار في العمليّة التعليميّة، إضافة إلى تعزيز الروح المعنويّة داخل البيئة المدرسيّة. فما مهام الإشراف التربويّ؟ وما دوره وأهمّيّته في تحسين جودة التعليم؟
تُعدُّ الجودة في التعليم هدفًا رئيسًا لكلّ نظام تعليميّ يسعى لتحقيق التقدّم والتطوُّر. ويؤدّي الإشراف التربويّ دورًا أساسيًّا في تحسين هذه الجودة، من خلال مراقبة عمليّة التعليم والتعلّم وتقييمها، وتقديم الدعم والتوجيه للمعلّمين، والتدريب على التقنيّات الحديثة. كما يعزّز التواصل الفعّال بين جميع الأطراف المعنيّة في العمل التعليميّ. وتقع على عاتقه عدّة مهام، منها:
- - المهامّ التخطيطيّة: هي التي تتضمّن وضع خطّة شاملة مع تحديد أهداف كلّ مرحلة، وفهمًا معمّقًا للسلوك التعليميّ، ودراسة التعليمات التي تتعلّق بالعمل التربويّ والتعليميّ.
- - المهامّ المرتبطة بالمعلّمين: وتتبلور بمساعدتهم في تطوير مهاراتهم، وتوجيههم وتدريبهم ومتابعة أدائهم، وتحديد نقاط القوّة والضعف عندهم لتطوير خطط تحسين الأداء، وحثّهم على روح التعاون والعمل الجماعيّ وتبادل الأفكار من أجل سدّ ثغرات كلّ منهم.
- - المهامّ المرتبطة بالمتعلّمين: وهي الاهتمام بنموّ المتعلّمين وتفكيرهم ومعالجة مشاكلهم التعليميّة، وتشجيع الموهوبين ومساعدتهم في تطوير مواهبهم، ومراعاة الفروق الفرديّة ودعم المتعثّرين.
- - المهامّ المرتبطة بالمقرّرات الدراسيّة وطرق التدريس: تتجلّى في المشاركة في تطوير المناهج والبرامج التعليميّة، وتقديم الدعم الفنّيّ للمعلّمين لتحسين أساليب التدريس. وهذا ما أكّد عليه "جون ديوي" في قوله:" التربيّة ظاهرة طبيعيّة، وهي عمليّة مستمرّة ومتطوّرة، وهي الحياة بذاتها". ما يُظهر أهمّيّة التطوُّر في التعليم لضمان جودة المخرجات.
يعدّ الإشراف التربويّ العنصر الرئيس في تطوير النهج التعليميّ وتحسينه. ويظهر دوره في تطوير مهارات المعلّمين وتحسين أدائهم داخل غرفة الصفّ. وتقديم التوجيه لهم، وتدريبهم حول أفضل الأساليب التعليميّة واستراتيجيّات التدريس. ومراقبة أدائهم اليوميّ، ومساعدتهم في تحديد نقاط القوّة والضعف لتحسين الأداء. بالإضافة إلى تحليل البيانات المتعلقّة بالمعلّمين والمتعلّمين لاتّخاذ قرارات تطويريّة. وتشجيع المدارس لتفعيل الأنشطة الثقافيّة والرياضيّة والاجتماعيّة، وتحسين بيئة الصفوف التعليميّة. فهو عمليّة حيويّة تعمل على توفير الدعم والتوجيه للمعلّمين من أجل استخدام أفضل الممارسات التعليميّة والتكنولوجيّة الحديثة في عمليّة التعليم والتعلّم.
ويكمن دور الإشراف التربويّ في تطوير التعليم، في تحسين كفاءة المعلّمين ومساعدتهم في تحقيق الأهداف المنشودة. فهو يجسّد نقطة التقاء بين النظريّة والتطبيق الفعّال، ويُسهم في تطوير الكفايات الفرديّة والجماعيّة في مجال التعليم. ويرتكز عمله على الثقة المتبادلة بين المعلّم والمشرف من جهة، ومن جهة أخرى يرتكز على قدرة المشرف على التأثير في المعلّم لتحسين العمليّة التعليميّة وتحقيق الأهداف المنشودة. فهو عمليّة شاملة ومرنة تتضمّن جميع العوامل المؤثّرة في تحسين البيئة التعليميّة، وتعتمد على أساليب متنوّعة لتحقيق الأهداف. كما إنّه عمل جماعيّ قائم على الاحترام المتبادل بين جميع أطراف النظام التعليميّ والتعاون بينهم، وتقبّل الاختلاف والفروق الفرديّة، ما يُسهم في بناء بيئة تعليميّة تشجِّع على التعلّم الفعّال والمستمرّ.
بناءً على ما تقدَّم، يعمل الإشراف التربويّ على تحقيق تعليم ذي جودة عالية من خلال تطوير المعلّمين وتحسين الأسلوب التعليميّ بشكل عام. فدوره أمر حيويّ، ويجب على المجتمع التربويّ تكثيف الجهود لتعزيز هذا الجانب وتطويره. ويُعدّ توفير الموارد اللّازمة لتحقيق أهدافه، استثمارًا ضروريًّا لإحراز تحسين مستدام في جودة التعليم، وبالتالي بلوغ رؤية تربويّة تسعى لنيل التميّز والتقدّم في الميدان التعليميّ. ولكن هل سيتمكّن الإشراف التربويّ من تحقيق الرؤية الشاملة للعمليّة التعليميّة في ظلّ التحدّيات الراهنة في لبنان؟