خطاب مفتوح إلى المعلّمين والمعلّمات
خطاب مفتوح إلى المعلّمين والمعلّمات
2025/03/23
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

أيّها المعلّمون والمعلّمات

السلام عليكم وعلى أحلامكم وآمالكم. تأكدّوا أيّها، المعلّمون والمعلّمات، أنّكم أجنِحتُنا التي سنطيرُ بها إلى زمان غير هذا. فنحن نراكم السند والمفرّ من إيقاع هذا الزمان الرهيب، وخيبات الأمل المُتلاحقة ممّا يجري في هذا العالم الذي يسيرُ على نحوٍ قبيح.

نحنُ نراكم الأجدرَ بأنّ تعبروا بالطلبة إلى فضاء عامرٍ بالعقل والحياة. تكونُ فيه أساليب التدريس نوعيّة، تتجاوزُ الأحلامَ الصغيرة، فينطبقُ عليكم قول الشاعر "أجمل ما تكون أنّ تُخلخل المدى". فازرعوا فيكم هذه الروح، وخلخلوا المدى وغامروا، واجعلوا الإبداع قلقًا يَسكُنكم، وريحًا تَحوم حولكم. وارفضوا، بكلّ ما أوتيتم من قوّة، الاستسلامَ واليأسَ والتذرّعَ بقول الشاعر "إذا عُيّروا قالوا مقادير قُدّرت".

أيّها المعلّمون والمعلّمات

إنّ قدركم أنّكم تتعاملون مع أكرم مخلوقات الله تعالى، فكونوا لهم مدينةَ الحرّيّة التي وَصفَها العالِم العربيّ المسلم أبو نصر الفارابيّ بأنّها أكثر المدن خيرًا وأكثرها شرًّا. فأنتم من يجعلها أمام الطلبة وسيلةً لإسعاد الناس، واستكمالِ فضائل الأخلاق، وامتلاكِ حرّيّة الفكر والرؤية.

أيّها المعلّمون والمعلّمات

إنّ كان لا بدّ من إطار نُؤطّر به عمليّة التعلّم، فكونوا أنتم هذا الإطار الذي يُحيط الطلبة بالعلم والمعرفة، والخلقِ العربيّ النبيل الذي أنار الدنيا بالكتب والشهداء. وليكن الإطارَ الأكثر تأثيرًا في العقل والقلب والروح، وكذلك إطارنا الذي سنحمي به طلبتَنا ومجتمعَنا.

أيّها المعلّمون والمعلّمات

إنّ لهذه الكلمات سياقًا مهمًّا في ظلّ ما يجري من عدوان غاشم على غزّة، وفي ظلّ تراجع نتائج النظم التعليميّة في وطننا العربيّ الكبير. يفرض هذا السياق علينا أنّ نقرأ في دفاتر الأمم الحيّة التي كنّا نموذجًا لها في زمان بعيد؛ ما يجعلنا نعيد النظر في أدوارنا داخل البيئات المدرسيّة، وإدراك أنّ مهمّتنا تتجاوز إصدار شهادة للطلبة في نهاية عام دراسيّ. مهمّتنا أسمى وأجلّ، فخارج أسوار المدارس عالم مُخيف يحتاج فيه هؤلاء الطلبة الذين لن يكونوا صغارًا في مواجهة أعبائه، إلى مهارات للتعامل معه، ومواجهته على أسس متينة من اليقين والإيمان، والخلق العربيّ المستقيم.

 

في كلّ يوم دراسيّ تمضونه في المدارس، أدعوكم فيه إلى عدم الاستهانة بقدراتكم وإراداتكم، وإلى تجنّب المُحبطين المُثبّطين الذين لا يتقنون إلّا تكسير الأجنحة، فهؤلاء لا يستحقون حتّى الهجاء. احملوا أحلامكم وطموحاتكم إلى قلوبِ طلبتكم، فترحمونا من هجير صحراء لم نعد نرى فيها سوى "مراجيع وشم في نواشر معصم"، واسلموا جميعًا لوطنكم وأهلكم وطلبتكم.