أصداء الدردشة قراءات في سؤال من أسئلة قسم الدردشة في منهجيّات، تختار فيها هيئة التحرير سؤالًا من نسخة من نسخ الدردشة في المجلّة، بناءً على ارتباط السؤال بملفّ العدد، أو بأهمّيّة الموضوع أو راهنيّته المستجدّة، حيث تُدرَس إجابات مجموعة من المعلّمين، ويُجمع بينها باستنتاجات أو خلاصات منها. في كلّ عدد من منهجيّات صدى جديد من أصوات معلّمينا ومعلّماتنا.
يعدّ الرفاه المدرسيّ أحد الأهداف الرئيسة لأيّ نظام تعليميّ فعّال، إذ يمكن أن يؤثِّر توفير بيئة مدرسيّة صحّيّة ومشجِّعة في تحصيل الطلّاب، وسلوكهم، ورفاهم العام. ويعدّ دور المعلّمين حاسمًا في تحقيق هذا الهدف، إذ يوجِّهون الطلّاب، ولا يعلّمونهم المعرفة الأكاديميّة فحسب، بل المهارات الحياتيّة والنفسيّة التي تساعدهم على التأقلم والازدهار أيضًا.
ومع ذلك، يبدو أنّ هناك جوانب من هذا المفهوم لا تظهر ظهورًا واضحًا أمام العيان، وتحتاج إلى فهم أعمق ودراسة دقيقة. لذا، طرحنا سؤالًا على مجموعة متنوّعة من المعلّمين: "ما الممارسات اليوميّة التي توظّفونها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟" للحصول على تجارب وآراء مختلفة تسهم في إثراء النقاش حول هذا الموضوع المهمّ، في هذا المقال، نعرض بعض الأفكار المثيرة للاهتمام، والتي تستحقّ الانتباه، والناتجة من إجابات عشرين معلّمًا وعاملًا في مهنة التعليم، من مناطق جغرافيّة مختلفة، في دردشاتهم لسنة 2022-2023، عرضت أفكارًا مشتركة، نادت بتحقيق رفاهية المعلّم والمتعلّم على حدٍّ سواء.
رفاه المتعلّمين والتعلّم
تعدّ الأنشطة المدرسيّة وسيلة فعّالة لتعزيز الرفاه المدرسيّ، حيث تُقدِّم للطلّاب فرص التعبير عن أنفسهم، وتطوير مهاراتهم في مختلف المجالات، مثل الرياضة والفنون والعلوم. كما تساعد هذه الأنشطة في كسر روتين الدراسة، وتحفيز الطلّاب على تحقيق أهدافهم وتطلّعاتهم. من هنا، يتبنّى كلّ من مرسال حطيط، وباسمة عبد الصمد، وياسمين العويسي هذا الرأي، ويرى مجد خضر أنّ الأنشطة المدرسيّة وسيلة فعّالة لتعزيز التواصل بين الطلّاب والروح الجماعيّة، وتسهم في خلق بيئة تعليميّة إيجابيّة تعزِّز الانتماء والاندماج الاجتماعيّ بين الطلّاب. وكتبت إسراء ورّار في دردشتها: "النشاطات الصفّيّة والزيارات الميدانيّة تعتبر ترفيهيّة، وفي الوقت نفسه، تعليميّة". وتؤكِّد منار الزريعي على دور الفعّاليّات الاحتفاليّة لتعزيز الرفاه المدرسيّ، مثل احتفال العودة إلى المدرسة، واحتفال وداع الصفوف، واحتفال نهاية العام، أو في مناسبات وطنيّة أو عالميّة، مثل اليوم العالميّ لحقوق الإنسان وغيرها.
تنادي بعض أفكار المعلّمين بتنويع الطرائق التعليميّة كأحد التوجّهات التي تعزِّز الرفاه المدرسيّ. فعندما يشعر الطلّاب بالراحة والأمان في بيئتهم المدرسيّة، يكونون أكثر استعدادًا للمشاركة والتفاعل مع دروسهم. وعندما تُقدَّم المعلومات بطرائق متنوّعة ومبتكَرة؛ يُحفَّز فضولهم ويُعزَّز استيعابهم المواد الدراسيّة. وكتبت جميلة بونحوش في دردشتها: "استخدام الطرائق والأساليب المثاليّة لتقديم الدروس، والخروج من النمطيّة والروتين". ويشاركها مصطفى شريف هذا الرأي. بينما كتبت لور الأعور: "أوظِّف مختلف الطرق والأساليب التي تبعد الملل، مثل تعلّم الأقران، وربط المادّة بالحياة الاجتماعيّة".
رفاه المعلّم
تعدّ العلاقات الاجتماعيّة بين المعلّمين وأقرانهم عاملًا رئيسًا في بناء بيئة تعليميّة إيجابيّة ومحفِّزة للتعلّم. فعندما يكون هناك تفاعل إيجابيّ بين المعلّمين، ينعكس ذلك على أدائهم في الفصل الدراسيّ، ويحسِّن العلاقات الاجتماعيّة بينهم. وبالتالي، يزيد الرفاه المدرسيّ ويحسِّن أداء الطلّاب الأكاديميّ. يتبنّى هذا الرأي حسن ناصر، إذ يؤكِّد على ضرورة "تبادل الحديث والآراء مع المعلّمين". كما أنّ للعلاقات الاجتماعيّة بين المعلّمين والطلّاب دورًا مهمًّا في تحفيز الطلّاب على التعلّم وتعزيز شعورهم بالانتماء إلى المدرسة. ينتج عن ذلك تفاعل إيجابيّ وصداقة بين المعلّم والطالب، على ما أشارت إليه جميلة الغول. وتقول نسرين آدم في دردشتها: "خصّصت وقتًا للنقاش والحوار معهم، والاستماع إليهم فرديًّا، والوقوف عند بعض مشكلاتهم". بينما يرى محمّد عبد القادر أنّ دوره، معلّمًا، "لا يقتصر على التعليم فحسب، بل يتعدّاه إلى إدخال البهجة والمرح داخل غرفة الدراسة، لإرساء جوّ من السعادة والبهجة، وبناء علاقات صداقة بين المتعلّمين تشعرهم بالرضا والراحة". بالإضافة إلى ذلك، تعدّ الابتسامة في وجه الطلّاب أمرًا مهمًّا في بيئة التعليم، حيث يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تحفيز الطلّاب وتحسين أدائهم الأكاديميّ. ويتّفق كلّ من إيمان صفوت، ودينا حسنين، وتمارا حدّاد، على هذا الأمر. وكتبت أنيسة العامرية: "الابتسامة الصباحيّة تبعث التفاؤل والأمل، والكلمة الطيّبة تلامس قلوب الطلبة قبل عقولهم، فتحفّزهم وتعزّز من آمالهم". فالابتسامة ليست مجرّد تعبير عن السعادة فحسب؛ بل هي وسيلة فعّالة لبناء علاقات إيجابيّة مع الطلّاب، وتعزيز الثقة بينهم وبين المعلّم أيضًا.
يعدّ الرفاه الشخصيّ أمرًا ضروريًّا للإنسان، حيث يمكن للفرد الذي يتمتّع بالرفاه الشخصيّ أن يكون أكثر إنتاجيّة وسعادة في حياته. فالاهتمام بالصحّة النفسيّة والجسديّة يسهم في تحسين جودة الحياة، وزيادة الثقة بالنفس؛ ممّا ينعكس إيجابيًّا على العلاقات الاجتماعيّة والعمليّة والتعليميّة. ويرى جاد عبد الستار أنّ الرفاه المدرسيّ ينبع من الرفاه الشخصيّ لكلّ فرد من أفراد المجتمع المدرسيّ؛ حيث كتب: "أهتمّ أوّلًا برفاه نفسيٍّ بالتفكير بإيجابيّة، والتركيز على النجاحات، والتعلّم من السلبيّات، والتقليل من الانتقادات غير الضروريّة، ومساعدة الآخرين، والابتسام الدائم، وعدم التذمّر والشكوى، لكي ينعكس إيجابًا على المجتمع المدرسيّ"، وتشارك روزان علوّ الرأي ذاته، إذ كتبت في دردشتها: "هناك الكثير من الممارسات التي أصبحت جزءًا أساسيًّا من يومي بعد ساعات العمل: تخصيص وقت خاصّ، مهما كان قليلًا وبسيطًا، لإعادة شحن الجسم، ربّما المشي لدقائق، أو العناية بالنباتات في حديقة المنزل، أو قراءة كتاب أو مقال بعيد عن التعليم، وممارسات أخرى داخل القاعة الصفّيّة".
من جانبنا، نشير إلى أنّ اصطلاح الرفاه المدرسيّ يشير إلى مجموعة من الجوانب التي تسهم في تحقيق بيئة تعليميّة ملائمة ومريحة للطلّاب. وتعدّ هذه الجوانب أساسيّة لضمان تحقيق أهداف التعليم تحقيقًا فعّالًا، ولضمان تطوير الطلّاب تطويرًا شاملًا. ونعرض منها ما يلي:
البنية التحتيّة المتطوّرة
يتضمّن هذا الجانب إمداد المدارس بالمرافق والموارد الحديثة التي تدعم التعليم المقدَّم. قد تشمل البنية التحتيّة المتطوّرة قاعات الدروس المجهَّزة بتكنولوجيا العرض المتقدِّمة، ومختبرات العلوم المجهَّزة بأحدث المعدّات، ومكتبات جيّدة التجهيز، ومسارح مدرسيّة، وملاعب رياضيّة متعدّدة الاستخدامات، ومرافق لتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات.
البرامج التعليميّة المتنوّعة
يجب أن توفِّر المدارس مجموعة متنوّعة من البرامج التعليميّة التي تلبّي احتياجات الطلّاب المختلفة. يجب أن تكون هناك فرص لتطوير مهارات الطلّاب الأكاديميّة والفنّيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والرياضيّة. يمكن تحقيق ذلك بتوفير برامج إثراء وتوسيع المناهج الدراسيّة القياسيّة، والتركيز على استراتيجيّات تعليميّة تراعي الفروق الفرديّة، مثل التعلّم النشط والتفاعليّ، إلى جانب إشراك الطلّاب في الأنشطة اللاصفيّة المثيرة والمفيدة.
الدعم الاجتماعيّ والعاطفيّ
يعدّ الدعم الاجتماعيّ والعاطفيّ أمرًا حيويًّا لرفاهية الطلّاب. يجب أن تتبنّى المدارس نهجًا شاملًا للدعم العاطفيّ والاجتماعيّ، يشمل المستشارين والمعلّمين، والاختصاصيّين النفسيّين، والبرامج التوجيهيّة. كما لا بدّ من توفير الدعم الملائم للطلّاب الذين يواجهون صعوبات أكاديميّة، أو اجتماعيّة، أو نفسيّة.
الصحّة والرياضة
يجب أن تولي المدارس اهتمامًا كبيرًا لصحّة الطلّاب ورفاهيّتهم البدنيّة. ويمكن تحقيق ذلك بتوفير برامج النشاط البدنيّ والرياضة المتنوّعة، فضلًا عن توفير وجبات غذائيّة صحّيّة، وتوعية الطلّاب بأهمّيّة التغذية الجيّدة والعادات الصحّيّة.
الأمن والسلامة
يجب أن تكون للطلّاب بيئة آمنة ومحميّة داخل المدرسة. ولا بدّ من توفير إجراءات أمنيّة فعّالة تحمي الطلّاب والموظّفين في المدرسة من أيّ خطر محتمَل. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات تثبيت أنظمة مراقبة الدخول، وتحديد مناطق الحظر، وتوفير تدريبات السلامة والإسعافات الأوليّة.
المشاركة المجتمعيّة
يمكن للرفاه المدرسيّ أن يتطلّب مشاركة المجتمع المحلّيّ الفعّالة. كما يمكن أن تشمل هذه المشاركة تعاون المدارس مع المؤسّسات والمنظّمات المحلّيّة، لتوفير الدعم والفرص الإضافيّة للطلّاب. ويمكن كذلك تعزيز التواصل المستمرّ بين المدرسة وأولياء الأمور، لضمان تلبية احتياجات الطلّاب ومتابعة تقدّمهم.
وفي سياقٍ متّصل، يشير علي عيسى في دردشته إلى أنّ معوقات تحقيق الرفاه المدرسيّ صنيعة المنهج والسياسات التربويّة. وفي هذا الصدد، نلقي الضوء على تلك المعوقات مفصَّلةً:
نقص التمويل
يمكن أن تكون ميزانيّة التعليم المحدودة عائقًا رئيسًا في تحقيق الرفاه المدرسيّ. وقد يكون من الصعب توفير البنية التحتيّة المتطوّرة والموارد اللازمة للمدارس بسبب نقص التمويل. ومن جانبنا، نرى ضرورة تخصيص ميزانيّات تعليميّة كافية لتوفير البنية التحتيّة الملائمة والموارد اللازمة للمدارس. وعليه، يمكن للحكومات والمنظّمات غير الحكوميّة والأفراد المهتمّين العمل لزيادة التمويل المخصَّص للتعليم.
الفجوة التكنولوجيّة
قد يكون هناك اختلاف في مستوى الوصول إلى التكنولوجيا والموارد المتعلّقة بها بين المدارس. فبعض المدارس قد تفتقر إلى البنية التحتيّة التكنولوجيّة اللازمة لتوفير الرفاه المدرسيّ الحديث، ممّا يؤثِّر في فرص التعلّم المتقدِّم والوصول إلى الموارد الإلكترونيّة. وهنا، نقول بتخصيص الميزانيّات التعليميّة لتوفير الحواسب والإنترنت والبرامج التعليميّة المتقدِّمة للطلّاب والمعلّمين في جميع المدارس.
الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة
قد تكون الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة تحديًّا مؤثِّرًا في تحقيق الرفاه المدرسيّ. فالطلّاب الذين يعيشون في ظروف صعبة قد يواجهون صعوبات في الوصول إلى فرص التعلّم المتقدِّم، والدعم الاجتماعيّ والصحّيّ. وهنا، ننادي بضرورة توفير برامج الدعم العاطفيّ والاجتماعيّ للطلّاب، بما في ذلك الاختصاصيّين والمعلّمين والخدمات الاستشاريّة. يجب كذلك توفير خدمات الرعاية الصحّيّة الأساسيّة في المدارس، للتعامل مع احتياجات الطلّاب الصحّيّة.
نقص التوعية والتدريب
قد يواجه المعلّمون والموظّفون في المدارس نقصًا في التوعية والتدريب المتعلّق بتحقيق الرفاه المدرسيّ. لذلك، لا بدّ من توفير التدريب المستمرّ للمعلّمين والموظّفين، لتعزيز مهاراتهم في توفير دعم الطلّاب وتوجيههم. كما يمكن تنظيم ورش العمل والبرامج التدريبيّة لتحسين الوعي بأساليب التعليم الحديثة والتقنيّات التعليميّة.
التحدّيات السياسيّة والإداريّة
بعض التحدّيات السياسيّة والإداريّة قد تعوق تحقيق الرفاه المدرسيّ، مثل السياسات التعليميّة غير الملائمة، أو الإجراءات الإداريّة المعقّدة. قد يكون من الصعب اتّخاذ القرارات اللازمة وتنفيذها بسرعة وفعّاليّة. وهنا، ننادي بضرورة تبسيط الإجراءات الإداريّة، وتوفير الهياكل التنظيميّة الملائمة لتعزيز التنسيق والتعاون بين المدارس والمؤسّسات التعليميّة الأخرى.
قلّة الموارد البشريّة
النقص في عدد المعلّمين والموظّفين يمكن أن يؤثِّر في القدرة على دعم الطلّاب الشخصيّ وتوجيههم. قد يكون هناك ضغط على الموارد البشريّة المتاحة في المدارس، ممّا يؤثِّر سلبًا في جودة الرعاية والتعليم المقدَّمين. ونرى ضرورة توفير المزيد من المعلّمين والموظّفين في المدارس لضمان توفير دعم الطلّاب الشخصيّ وتوجيههم. كما يمكن تشجيع المهتمّين بالتعليم على العمل في مجال التعليم، وتقديم التشجيع والمزايا الملائمة للمعلّمين.
* * *
نهاية القول، يمثّل الرفاه المدرسيّ ركيزة أساسيّة لتحقيق التعليم الجيّد، وتنمية الطلّاب تنمية شاملة. فتوفير بيئة مدرسيّة محفِّزة ومريحة يمكن أن يسهم كثيرًا في نجاح الطلّاب، وتعزيز قدراتهم العقليّة والاجتماعيّة. لذلك، لا بدّ أن يسهم استشرافُ آراء المعلّمين وتوجّهاتهم الخبراءَ في مجال التعليم في فهم أفضل لما وراء الكواليس، وتحقيق الرفاه المدرسيّ تحقيقًا شاملًا وفعّالًا. فالسعي المستمرّ لتحسين البيئة المدرسيّة وتعزيز الرفاه المدرسيّ يعكس التزامنا بتوفير فرص تعليميّة عالية الجودة ومجالٍ مناسب لنموّ الأجيال القادمة وتطوّرهم.