نظّمت منهجيّات بالشّراكة مع الشّبكة المُشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (INEE)، ندوة منهجيات الشهرية لآب أغسطس 2021، بعنوان "واقع التسرّب المدرسيّ في الوطن العربيّ: تداعيات وتجارب"، ركّزت على استعراض تجارب تعليميّة مُختلفة من العالم العربيّ.
واستهلّ مدير الندوة أ. محمود عمرة، عضو الهيئة التأسيسيّة لمنهجيّات، حديثه حول أهمّية خلق مساحات للحوار التربويّ والثقافيّ في العالم العربيّ، ذهابًا لدعم جهور المناصرة للتعليم في حالات الطوارئ. كما عرَّفَ أيمن قويدر، مسهّل مجتمع اللغة العربيّة، بالشّبكة المُشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (INEE).
وشاركَ في النّدوةِ كلّ من: د. مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانيّة وأستاذة زائرة في كلّيّة التربية بجامعة كامبردج، لبنان، وإمهال يوسف، طالب دكتوراه في المعهد الجامعيّ للبحث العلميّ، المغرب، ود. رباب لافي: مُستشارة تعليم دوليّة وعضو في الآيني "INEE"، السّودان، وسوسن أبو حمّاد مديرة مدرسة الأرقم الأساسية المختلطة، الأردن، وفراس ناصيف، منسّق قسم الحماية في منظّمة "هاند إن هاند"، سوريا.
المحور الأوّل: واقع التسرّب من المدارس في الوطن العربيّ
استهلّت مها شعيب الحديث عبر تأطيرٍ نظريّ حول موضوع التسرّب المدرسيّ بكونه ظاهرة في الوطن العربيّ، مع أنّها ظاهرة تغيب عنها الأرقام الإحصائيّة، نظرًا لعدم وجود تعريف مُحدّد للتسرّب، وأشارت إلى أنّه من هُنا تظهر أهمّيّة تعريفه، وتظهر كذلك، أهمّيّة كيفيّة قياس التسرّب وتحديد نسبته خصوصًا أنّ عدم وضوح التعريف يؤدّي إلى إحصائيّات غير دقيقة على أرض الواقع. وأكّدت على واجب المُجتمع الأكاديميّ المُتمثّل بالضغط على الوزارات الرّسميّة لتعريف التسرّب ذهابًا لإمكانيّات قياسه بدقّة وصولًا لمعالجته كظاهرة.
وركّزت شعيب على نقد المنظومة في التعامل مع التسرّب، ذلك كونها منظومة علاجيّة لا تقف على أسباب التسرّب ومعالجته كمشكلة جمعيّة، ودون وقوف كلّ فرد في المُجتمع عند مسؤوليّته، وأسبابها تعود للمفهوم الدارج للعدالة في التعليم، إذ لم تَحُلّ إلزاميّة التعليم المُشكلة، بل سبّبت مشاكل عند الطبقات الدُنيا من المجتمع بسبب الفوارق الهائلة في نوعيّة التعليم وفرص العمل ما بعد التعليم.
وضمن ذات المحور تحدّثَ إمهال يوسف عن تنــوّع عوامــل التسرّب المدرسيّ في المغرب، بيــن عوامــل تتعلّــق بهشاشــة المحيــط الاجتماعيّ والاقتصاديّ للمتعلّـم، وعوامـل تتصـل بالمنظومـة التربويّـة وبالبيئة المدرسـيّة نفسـها، مـا يجعـل تكلفـة التسرّب المدرسـيّ مرتفعـة، والمثـال علـى ذلـك، أنـه فـي سـنة 2011 شـكلت نسـبة الهـدر المالـيّ جـراء اسـتمرار التسرّب المدرسـيّ أكثر مـن 10% مـن ميزانيـة التسـيير الإجماليّة لقطــاع التربيـة الوطنيّـة.
بينما سلّطت رباب لافي الضّوء على كون الفاقد التّربويّ من الانتهاكات الشنيعة لحقوق الطفل المنصوص عليها في اتفاقيّة حقوق الطفل التي صادقت عليها دولة السّودان في 1989، كما ذكرت أنّ السّودان يعدّ خامس دولة من دول الفاقد التّربويّ في العالم بعد الصّومال وبورما والنيبال وكمبوديا، وهي دول تفتقر إلى 10%من الموارد التي يتمتع بها السّودان. واستكملت عرضها بالحديث عن الحروب طوال الفترة الماضية، التي كانت سببًا ونتيجةً طبيعيّة لانهيار التّعليم وازدياد التّسرب المدرسيّ والفاقد التّربويّ، خصوصًا وأن الحروب تعتمد على تعمير ميادين القتال بجيل المستقبل، هُنا يوجد علاقة وطيدة بين التّسرب المدرسيّ والفاقد التربويّ من جهةٍ، وازدياد الملتحقين بالجيوش النّظامية والمتمرّدة.
وتعمّقت سوسن أبو حمّاد أكثر في مُشكلة التسرّب عبر الإضاءة على أسباب غير مُعلنة عن التسرّب، خصوصًا ما يحدث في الغرفة الصفّيّة، والتي تُطلق عليها اسم الصّندوق الأسود، كونها غرفة الأسرار والعوامل المُسبّبة للكثير من النتائج، وحسب أبو حمّاد قد يكون هُناك في الغرفة الصفّيّة تمييز بين الطّلبة، وقد يكون هُناك نوع من عدم التقبّل سواء من المعلّم أو من المنهج، وإذا لم يكن هُناك حذر في التعامل مع هذه القضايا سيكون هُناك تسرّب مدرسيّ ناتج عنها.
وأشارت إلى إشارات تدلّ على أنّ المؤسّسة ستعاني من ظاهرة التسرّب المدرسيّ، مثل ارتفاع نسب العنف في المدرسة، أو انتشار ثقافة عدم التقبّل عند الطلّاب، أو انتشار سلوك عدوانيّ عند الأطفال وهو إشارة تدّل أنّ هُناك شيء حدث في الغرفة الصفّيّة.
وضمن سياق سوريا، تحدّث فراس ناصيف عن الأزمة السوريّة وتأثير العنف في المدارس على الحضور، وأدّى إلى انخفاض النتائج الأكاديميّة، كما ساهم في ارتفاع معدلات التسرّب المدرسيّ. وليس الأهمّ هُنا أن يُحسّن الكلّ التعامل مع حالات العنف، بل الأجدى هو منع العنف من أساسه من خلال حقّ الحماية.
المحور الثّاني: تجارب وحلول لمُشكلة التسرّب المدرسيّ
هُنا ركّزت شعيب على أنّ أغلب السياسات التربويّة لا تُناقش نجاح المنظومة التعليميّة بكلّ مركّباتها من لُغة إلى مناهج إلى برامج تربويّة، ومن هُنا، على الأكاديميّين والمؤسّسات أن تُحوّل أجندتها لتُسلّط الضّوء على المُشاكل المُجتمعيّة والتربويّة. وشدّدت على أهمّيّة تحليل التسرّب على أنّها مُشكلة فرد لا مُشكلة مُجتمع أو منظومة تربويّة، ما يطرح أسئلة حول هذه المنظومة، خصوصًا إن كانت منظومة حجريّة لا تتوافق وتطلّعات الطلبة، ومُشكلة أُخرى تتعلّق بحساب الجدوى الاقتصاديّة للتعليم، فهناك دراسة تقول كلّما زاد مستوى التعليم كلّما ارتفعت نسب البطالة.
وفي سياق المغرب، عرضَ يوسف تجربة للتربية غير النظاميّة تتمثّل ببرنامج تربويّ يتم خارج التعليم النظاميّ، انطلق هذا البرنامج في المغرب لأوّل مرّة سنة 1997 تحت اسم مدرسة الفرصة الثانية، من أجل تعليم استدراكيّ للأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة، غير أن البرنامج شهد مجموعة من الصعوبات سنة 2005 بسبب عجزه عن تغطية احتياجات جميع الفئات المستهدفة، إذ أن إمكانيّات البرنامج كانت تشمل 30.000 مستفيد فقط، في الوقت الذي بلغ فيه عدد ضحايا الهدر المدرسيّ 300.000 تلميذ.
أمّا لافي، فأكّدت على أهمّيّة وجود خُطط مُستقبليّة لحلّ مُشكلة التسرّب المدرسيّ من عدّة محاور، منها حثّ الحكومة على الإحساس بحجم قضيّة التسرّب من المدرسة وخطورتها في تضخيم أعداد الأميّين في السّودان، والقيام بمؤتمرات تعليميّة لطرح هذه المُشكلة ومحاولة القضاء عليها، وتخصيص ميزانيّات لدعم حلّ التسرّب المدرسيّ وإعادة المتسرّبين إلى مقاعد الدراسة، والعمل على تعديل المناهج التي تحوي الحشو لتحوي مساحات للعب الطلبة وتحقيق ثقافتهم العامّة لتتجاوز البيئة المدرسيّة، هذا فضلًا عن ضرورة وجود منهج اجتماعيّ ونفسيّ وتربويّ، يتعلّم الطالب من خلاله كيفيّة التعامل مع أقرانه ويتمكّن من حلّ مشاكله.
وركزت أبو هلال على أهمّيّة تسليط الضوء على البرامج المؤثّرة والتي استفاد منها الطلبة لتعميم الفائدة. وعرضت تجربة برنامج تعزيز الثقافة للمتسرّبين، الذي يستهدف الفئات المهمّشة والأقل حظًّا، ويعمل مع الطلبة الذكور والإناث من الذين لا يستطيعون الالتحاق بالمدرسة، فيختار الطفل الوقت الذي يناسبه، بحيث يمر الطالب في ثلاث حلقات، كلّ حلقة مدّتها 8 شهور، انتهاءً بالحلقة الثالثة والتي يمكن للطالب من خلالها الحصول على شهادة الصفّ العاشر، ومن هُنا، يستطيع الطالب أن يلتحق بزملائه في التعليم النظاميّ.
وتحدّث أخيرًا ناصيف عن تجربة مدرسة الأمل في طرابلس، تمّ استهداف مجموعة من الأطفال المنقطعين عن المدرسة لأسباب متنوّعة، ومن هُنا كان تشجيع وتحفيز الأطفال عبر أنشطة وفعاليّات مُختلفة، وتم في الوقت ذاته تأمين احتياجات الأسر لضمان استقرار الدخل الأُسريّ وعدم الاعتماد على الأطفال، ونظّمت جلسات توعية للأهالي عن أهمّيّة التعليم وخطورة التسرّب المدرسيّ ما شجّعهم على إرسال أبنائهم للمدرسة.