عقدت منهجيّات ندوتها لشهر نيسان 2023، بعنوان "تعليم الطلّاب اللاجئين: سياسات وإجراءات وتحدّيات". وركّزت على محاور مُختلفة، هي:
1. التعليم في حالات النزوح واللجوء: تأثير السياقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والقرارات السياسيّة.
2. السياسات التعليميّة المتعلّقة بالمتعلّمين/ات اللاجئين/ات والنازحين/ات.
3. التحدّيات التي تحول دون تطبيق السياسات وإمكانيّات التغلّب عليها.
واستضافت الندوة متحدّثتين: أ. رنا قعوار، أخصّائيّة تعليم بخبرة تزيد عن 20 سنة في مجال التصميم والإدارة والتنفيذ والمتابعة لمشاريع تنمويّة أو مستجيبة للأزمات في قطاع التعليم، وتعملُ حاليًّا نائب مدير برامج في برنامج الدعم الفنّيّ لقطاعَي التعليم والشباب. ود. مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانيّة، وزميل زائر في كلّيّة التربية بجامعة كامبريدج.
وأدارت الندوة د. مي أبو مغلي، باحثة حاصلة على الدكتوراه في التربية على حقوق الإنسان، وهي باحثة رئيسة في مركز الدراسات اللبنانيّة، وتتمتّع بخبرة تدريسيّة في عدد من المؤسّسات الأكاديميّة في كلّ من المملكة المتّحدة وفلسطين ولبنان.
ما واقع التعليم في المناطق التي تعملون بها؟
بدأت رنا قعوار مداخلتها بقولها "شهد الأردن منذ بدء الأزمة السوريّة لجوء عدد كبير من السوريّين، بلغ عددهم حتّى يومنا هذا، حسب إحصائيّات المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، حوالي 693,000 لاجئ ولاجئة"، مُشيرةً إلى أثر هذا اللجوء في النظام التعليميّ في الأردن الذي شهد ضغطًا كبيرًا، لالتحاق الطلبة السوريّين بالمدارس الحكوميّة؛ مدارس وزارة التربية والتعليم، وهو ما أثّر بطبيعة الحال في جودة خدمات التعليم من حيث الوقت المخصّص للحصص، وعدد الطلبة في الصفّ الواحد. هذه التحدّيات ظهرت بالتزامن مع تحدّيات أُخرى، على غرار وجود عدد كبير من الطلبة خارج مقاعد الدراسة، لأسباب مُختلفة منها: أسباب مادّيّة، وأسباب متعلّقة بالوصول إلى المدرسة، إلى جانب عدم قناعة بعض الأهالي بأهمّيّة التعليم، والزواج المبكّر، وصعوبة وصول الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصّة إلى الخدمات التعليميّة.
وفي نظرة إلى واقع التعليم في الأردن، عرضت قعوار بعض الشرائح الإحصائيّة التي وضّحت عدد الطلبة اللاجئين الملتحقين بمدارس وزارة التربية والتعليم، خلال العامين الدراسيين 2020-2021، 2021-2022. أظهرت هذه الإحصائيّات ازدياد عدد الطلبة السوريّين اللاجئين بنسبة 5.4%. أمّا عن انعكاس هذه النسب بأعداد، فقد ارتفعَ من 143,765 في العام 2020-2021، إلى 151,463 في العام 2021-2022. كما أوضحت أعداد الطلبة اللاجئين من غير السوريّين وهو 80,000 طالب وطالبة، ملتحقين بمدارس حكوميّة وخاصّة ومدارس الأونروا وغيرها، منهم 54,000 ملتحقين بالمدارس الحكوميّة.
وعن واقع التعليم في لبنان، داخلت مها شعيب حول الوضع القانونيّ للأعداد الكبيرة للاجئين السوريّين في لبنان، وهم أكثر من مليون لاجئ، 70% منهم لا يتمتّعون بإقامة. بالتالي، فإنّ فُرصهم في التحرّك للتعليم والعمل محدودة. وأشارت إلى أنّ لبنان ليسَت لديه خبرة الأردن في استضافة اللاجئين. وتحدّثت شعيب عن التغيُّر الذي تعاملت بهِ الحكومة اللبنانيّة مع اللاجئين السوريّين، في ظلّ وجود تمويل كبير. فبدأت الحكومة، سنة 2015، بإدماج اللاجئين السوريّين في المدارس الحكوميّة، خصوصًا أنّه السبيل الوحيد للاجئين السوريّين للتعليم. وقدّمت شعيب نقدًا لهذا الدمج على أنّه غير بنيويّ، من خلال مثال كوفيد، الذي عندما حلّ، تمّ إقصاء الطلبة السوريّين من التعليم.
وذكرت شعيب أنّ 50% من اللاجئين السوريّين هم في النظام التعليميّ الرسميّ، في المرحلة الابتدائيّة. وعند النظر إلى المراحل اللاحقة، نرى أنّ 1% من النسب الملتحقة هُم في الصفّ التاسع، وأقل من 4% في المرحلة الثانويّة. وأشارت إلى أنّ نسبة الـ50% كانت مجرّد محاولة محو أمّيّة، في سياق أنّ هناك 50% أُخرى لم يتم إدماجها في التعليم، خصوصًا وأنّ التمويل كان فقط لـ 50% من مجمل الطلبة السوريّين.
كما أشارت شعيب إلى الاغتراب الذي أصاب الطلبة السوريّين، كون المنهج اللبنانيّ يعتمد اللغات الأجنبيّة، الإنجليزيّة والفرنسيّة، وبالتالي كانت النسبة الكبيرة للتسرّب المدرسيّ للطلبة اللاجئين هو بسبب اللغات الأجنبيّة. وتطرّقت إلى أنّه مع بداية الأزمة السوريّة، كان هناك دمج بين التعليم النظاميّ وغير النظاميّ الذي تقوم بهِ الجمعيّات، وتقلّص بسبب اهتمام الحكومة.
هُنا، داخلت أبو مغلي حول أنّ النسب العالية للالتحاق في المراحل الأساسيّة، والهبوط العالي المُلاحظ للتسرّب من المدرسة في المراحل الثانويّة أمرٌ يجب الانتباه إليه ودراسته، مُمهدةً للسؤال الثاني للمتحدّثتين، وهو:
ما الأسباب التي تؤثّر في التسرّب الكبير في المدارس؟ وهل نوعيّة التعليم سبب رئيس لذلك، أمّ أن هُناك أسباب أُخرى؟
أجابت قعوار بشكلٍ مباشر أنّ التسرّب الذي يحدث في المراحل الثانويّة يعود لأسباب مُختلفة، منها عمالة الأطفال، والوضع المادّيّ للعائلات، والعنف في المدارس، والزواج المبكّر، إضافة إلى أسباب مُختلفة كانت خاصّة للاجئين، مثل صعوبة المنهاج الأردنيّ.
وداخلت حول التحوّل الذي طرأ على سياسات تعليم اللاجئين، وهو الذي كان يأتي من المنظّمات الدوليّة، ومنذ سنة 2018 أصبح لوزارة التربية الأردنيّة دورًا قياديًّا في وضع السياسات والتخطيط للعمليّة التعليميّة للّاجئين، فبات التركيز على الفئات المستضعفة بشكلٍ عامّ، من خلال تحسين الخدمات التعليميّة، وتحسين الوصول والنوعيّة، وتوفير الوسائل التي تسهّل وصول الطفل لهذه الخدمات.
وذكرت قعوار أنّ السياسات التي طوّرتها الوزارة منبثقة من أهداف التنمية المستدامة؛ هدف التعليم، الذي يدعو إلى ضمان التعليم الجيّد والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. وانطلاقًا من هذا الهدف، عرضت قعوار السياسات الموضوعة من خلال الخطّة الاستراتيجيّة لوزارة التعليم الأردنيّة، وبدأت بسياسة رفع سويّة التعليم من خلال "مشروع التطوير التربويّ نحو الاقتصاد المعرفيّ" للارتقاء بمستوى النظام التعليميّ في الأردن، ومواكبة المتطلّبات والاحتياجات المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة. ومن ثمّ الاستراتيجيّة الوطنيّة لتنمية الموارد البشريّة، التي ركّزت على تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي انعكست على التطوّر في مختلف الأصعدة، على أن تضمن للأجيال الحاليّة والقادمة القدرة على تطوير القدرات والمهارات الضروريّة لضمان رفاه اجتماعيّ، عبر الاهتمام بالتعليم في مراحله المُختلفة.
وذكرت قعوار مثالًا عن سعي الوزارة لتعزيز التعليم، وهو الإعفاء من الوثائق الرسميّة، والتي قد يحول غيابها بين الطفل والتعليم، والإعفاء من الرسوم المدرسيّة، وفتح نظام التعليم المسائيّ لاحتواء تعليم عدد أكبر من اللاجئين، إلى جانب اعتماد التعليم غير النظاميّ من قِبل وزارة التربية والتعليم، ومن يدخل هذا المسار يحصل على شهادة مثل التعليم النظاميّ.
ضمن هذا السياق، قدّمت مي أبو مغلي نقدًا لسياسات تعليم اللاجئين، وخصوصًا سياسات التعليم من أجل التوظيف، كون اللاجئين ممنوعين من العمل في البلدان التي لجؤوا إليها. هُنا بيّنت أبو مغلي الفرق بين السياسات الكبيرة المحكمة الموضوعة لتعليم اللاجئين، والواقع الأكثر صعوبةً والذي في معظم الحالات يحول دون تطبيق السياسات، نتيجةً لتحدّيات أساسيّة كنوعيّة التعليم، والظرف الاقتصاديّ للطالب.
أمّا شعيب، فتحدّثت عن أنّ السياسات لم تشمل منذ سنوات الأزمة المبكّرة إلّا 50% من الطلبة، وبالتّالي هُناك 50% أُخرى لا نتحدّث عنها. وأشارت إلى أنّ نوعيّة التعليم مشكلة كبيرة حتّى قبل الأزمة السوريّة، إلّا أنّ الوصول إلى المدرسة؛ بالتالي إلى التعليم، هو ما نناقشهُ، في ظلّ سياق لبنانيّ صعب بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وانهيار العملة وإضراب المعلّمين الذين يعانون يوميًّا. وتحدّثت عن إحصائيّة ذكرت غياب الطلبة حوالي 900 يوم، إلى جانب إلغاء 40 يومًا تعليميًّا لتخفيف كلفة التعليم.
وأكملت شعيب بأنّ التحدّث عن النوعيّة بات من الرفاهيّة، في سياق فيهِ 40% من الطلبة يعانون فاقدًا تعليميًّا كبيرًا، وأزمة تتضخّم يوميًّا في واقعٍ لا يصل فيه الطلبة إلى المدارس. ودعت إلى أهمّيّة التفكير مُجدّدًا بماهيّة نوعيّة التعليم في ظلّ قطاع تعليميّ منهار.
هُنا ذكرت أبو مغلي أنّنا وفي خضمّ الحديث عن نوعيّة التعليم، لا نذكر المنهاج غير المتوائم مع المُجتمع، وغير القادر على مواكبة التطلّعات، ولا الاختلافات الثقافيّة للاجئين. في إشارةٍ إلى أنّ المناهج يجب أن تكون حيويّة، جاهزة للتغيير لا جامدة واقفة لا تخدم العمليّة التعليميّة.
التحدّيات التي تحول دون تطبيق السياسات
في مداخلتها، أشارت قعوار إلى أنّ السياسات تتناقض مع الواقع، ولكنّ وجودها قد يمثّل خارطة للمساعدة في السير باتجاهٍ يُحسّن من العمليّة التعليميّة. وتحدّثت في هذا السياق، عن التمويل وكثرة المؤسّسات الدوليّة والمبادرات والمشاريع التي تطرح سياسات كثيرة بشكلٍ عشوائيّ غير متّحدة في مظلّة واحدة، مُشيرةً إلى دور السياسة، كون تمويل المؤسّسات الدوليّة مرتبط برؤية الدولة المانحة وأولويّاتها، وعدم قدرة الوزارة على تكييف هذا التمويل ضمن خطّة واضحة، ناهيك عن صرفه بشكلٍ منهجيّ يخدم عمليّة الإصلاح.
وتحدّثت حول أهمّيّة التزام وزارات التربية والتعليم بخطّة الإصلاح، والفجوة بين مركز الوزارة والميدان، من دون وجود حوارات بينهما. إلى جانب مشكلة انتقال الطلبة، بعد جائحة كورونا، من المدارس الخاصّة إلى الحكوميّة. وتطرّقت إلى مشكلة ثقافة الأهل في السياق التعليميّ، والظروف المادّيّة والاجتماعيّة التي تحول دون استكمال الطالب تعليمه الثانويّ.
في هذا السياق، داخلت شعيب عن التمويل، وكثرته على عكس الحديث عن قلّته، وذكرت أنّ المشكلة تكمن في الشفافيّة والهدر والتطبيق، وهذا ما يجعل عمليّة الإصلاح صعبة، ناهيك عن كونها تتّبع نمط الإصلاح من أعلى. وداخلت حول غياب دور المعلّم كفاعل وشريك في إصلاح المنهج، ووجود العنف كظاهرة منتشرة وصعبة تؤدّي دورًا كبيرًا في التسرّب المدرسيّ. وأشارت إلى أنّ هذا أكثر الأوقات أهميّة لتكاتف المعلّمين، من أجل تغيير وإصلاح حقيقيّين في القطاع التعليميّ.
وأضافت شعيب أنّ لموضوع الطبقيّة دورًا مهمًّا في عدم إصلاح التعليم، وضربت مثالًا خاصًّا في لبنان هو وجود هيئات تعليميّة طائفيّة تمنع الإصلاحات الجذريّة من أجل الحفاظ على هيمنة المدارس الخاصّة، مُشيرةً إلى دراسة عن صرف الحكومة على مدارس القطاع الحكوميّ يعادل الصرف على مدارس القطاع الخاصّ.
وضمن كلّ عمليّة الإصلاح، أشارت إلى أنّ العمل على دمج اللاجئين مثلًا، كان غير موفّق؛ فنرى أنّ الحكومة اللبنانيّة تعمل حاليًّا على ترحيل اللاجئين بشكلٍ غير طوعيّ، وازدياد العنصريّة تجاه اللاجئين. وتحدّثت عن أهمّيّة مراجعة هذه السياسات التي أخطأت كثيرًا، فنرى كيف أنّ اللاجئين في قطاع التعليم قد هُمّشوا، وأُبعدوا عن التعليم، وقدراتهم أُضعفت، مع أنّ السياسات كانت تدعو إلى عكس ذلك. وختمت شعيب حديثها بالدعوة إلى التفكير خارج الأنظمة التعليميّة التقليديّة، والتفكير بماهيّة التعليم، وكيف يمكننا أن نخلق أنظمة تخدم 10 سنوات من الضياع.
في الختام
تحدّثت أبو مغلي حول الوضع الذي يحدث في السودان، وأنّ المنطقة كلّها تعاني النزوح واللجوء، فكيف علينا النظر إلى التعليم هدفًا طويل الأمد، بينما تدفعنا الطوارئ إلى التعامل معه ضمن تأطير مغلوط، بأنّه كالسكن أو المأكل؟ وأكّدت أنّ هذه نقطة يجب النظر إليها أيضًا، من منطلق السياسات، وتحويل التعليم، جذريًّا، كهدف طويل الأمد.
وفي الختام، قالت أبو مغلي "انطلاقًا من أنّ التعليم هو الحقّ الذي يشغّل الحقوق الأُخرى، فهذا يؤكّد على أساسيّته وأهمّيّته، وكونه أرضيّة هامّة وفارقة حتّى نتمكّن من السير إلى الأمام. ونتمنّى أنّه في الأشهر القادمة، ستكون هُناك جوانب إيجابيّة للإضاءة عليها".