تُعدّ العلوم الاجتماعيّة من أهمّ الموادّ الدراسيّة التي تلامس احتياجات المجتمع، فهي تمثّل تاريخه الماضي والحاضر، وصندوق معارفه من العالم القديم والحديث. ويعتبر منهج العلوم الاجتماعيّة من المناهج ذات المجالات الواسعة، إذ تندمج أو تتكوّن من عدد من الموادّ ذات العلاقة المترابطة في ما بينها، وهي الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنيّة، بالإضافة إلى عدد من الموادّ الأخرى كالاجتماع والاقتصاد والفلسفة وعلم النفس.
تُعنى هذه المواد بدراسة الإنسان وعلاقاته بما يحيط به من الكون والطبيعة وأفراد المجتمع، وهي ذات دور كبير في إعداد الناشئة والشباب وتوعيتهم بالقضايا والمتغيّرات التي تحصل في عالمهم. كما أنّها تسهم في ترسيخ الثقافات وغرس القيم في أذهان الطلبة، وتربيتهم على السلوك السليم تجاه بيئاتهم (اليعقوبي، 2020).
أسلّط الضوء في هذا المقال على كتب العلوم الاجتماعيّة الحاليّة، مبيّنًا ما فيها من تكرار وحشو، ذاكرًا الأسباب التي تدعو إلى توحيدها في كتاب، عارضًا ما يجب أن تكون عليه هذه العلوم في المستقبل.
واقع كتب العلوم الاجتماعيّة
أبدى عدد من المعلّمين، وفق استبيان وُزِّع عليهم، استياءهم من كتب العلوم الاجتماعيّة، لما فيها من موضوعات متكرّرة، وحشو من المعلومات التي تشكّل عبئًا كبيرًا على الطالب وتشتّت انتباهه. وما يزيد الأمر سوءًا قلّة ما يبديه المعلّمون من معلومات يوضّحون بها مضامين الكتب، وندرة استخدامهم طرقًا واستراتيجيّات حديثة في تدريس هذه العلوم. الأمر الذي يدفع الكثير من المعلّمين إلى إنشاء ملخّصات تختصر الأفكار الرئيسة والمعلومات المهمّة في الكتاب، فتساعد الطالب على فهم الدروس. يؤكّد لنا أحد الطلّاب أنّ الملخّصات التي قدّمها المعلّم أوضحت له ما تحويه دروس مادّة التاريخ، فأسهمت في تسهيل دراستها، وجعلتها من الموادّ المفضّلة عنده، بعد أن كانت من أصعبها.
لم تعد كتب العلوم الاجتماعيّة تواكب الواقع الذي يعيشه الطالب والمعلّم على حدّ سواء، في ظلّ التغيّرات والتطوّرات المحلّيّة التي تشهدها الساحة اليمنيّة، من تغيّرات سياسيّة واجتماعيّة وانقطاعات متكرّرة للعمليّة التعليميّة، ناهيك عن التغيّرات العالميّة. فتجد أنّ كتب الجغرافيا، مثلًا، ما زالت خرائطها تضمّ خريطة السودان بعد انفصال جنوبه عنه. وكتب التاريخ تتّخذ من الحضارة العربيّة الإسلاميّة جُلَّ اهتمامها، تتناولها في ثلاث مراحل تعليميّة مختلفة. ويؤكِّد كلّ من اليعقوبي (2022)، والفريجي (2019)، والجرف (2003)، أنّ هناك ضعفًا في الموضوعات التي تتناولها كتب العلوم الاجتماعيّة، حيث إنّها لا تلامس الواقع الجغرافيّ والتاريخيّ والوطنيّ الحديث.
من ناحية ثانية، تتكرّر الدروس من الصف الثالث الأساسيّ إلى الصف الثالث الثانويّ. فعلى سبيل المثال، ثمّة درس يتكرّر خمس مرّات خلال هذه السنوات، وهو درس "الوحدة اليمنيّة" الذي تناولته كتب التاريخ والتربية الوطنيّة، ناهيك عن وجوده في مواد أخرى. كذلك، هناك تشابه بين بعض الدروس في خمس مراحل تعليميّة، مثل الدروس المتمحورة حول موضوع "تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة"، ممّا يُنشئ تضاربًا بين بعض المعلومات، ويشتّت المعلّمين والطلّاب. كما أنّ كتب العلوم الاجتماعيّة في الجمهوريّة اليمنيّة في الوقت الراهن، تحتوي على أكثر من 530 درسًا في المراحل التعليميّة المختلفة، ترتكز كلّها على موضوعات تخلو من أيّ معلومات جديدة.
تؤكِّد الأستاذة ابتسام الورد، معلّمة مادّة الاجتماعيّات في محافظة الحديدة، أنّه لا يمكن للمعلّم أن ينهي كتب العلوم الاجتماعيّة، في وضعها الراهن، في الوقت المحدّد لها من كلّ فصل دراسيّ، نظرًا لما تحتويه من عدد كبير من الدروس. وتطالب ابتسام الوزارة بدمج الكتب الثلاثة وجعلها كتابًا واحدًا؛ فهي تجد صعوبة في استلام الكتب وتوزيعها من جهة، وتتمنّى أن تكون كتب العلوم الاجتماعيّة مناسبة لمستويات الطلّاب وملائمة لحياتهم اليوميّة من جهة ثانية. في حين يرى الأستاذ فكري، معلّم مادّة التاريخ في محافظة حضرموت، أنّ كتب التاريخ يشوبها الكثير من التشابه والحشو في الدروس. وهو يجد في ذلك عائقًا كبيرًا أمامه يحول دون إيصال المعلومة إلى الطلّاب إيصالًا واضحًا. كما يرى أحد الطلّاب أنّ تشابه الدروس بين مرحلة وأخرى وبُعدها عن الحياة العمليّة، يعوق فهمه لها، فتصعب عليه مذاكرتها، ولا تفيده في فهم الواقع.
نظرة مستقبليّة إلى كتب العلوم الاجتماعيّة
أصبح تغيير مناهج العلوم الاجتماعيّة في اليمن ضرورة ملحّة غير قابلة للتأجيل، وذلك من أجل أن يتعلّم الطلّاب ما هو مفيد لمستقبلهم، وفق خطوات وفلسفة مدروسة تنبع من التغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة، العربيّة والعالميّة. يكون ذلك، حسبما نرى، بدمج مناهج هذه العلوم في كتاب واحد، حتّى يَسهُل على الطالب تعلّمها، وعلى المعلّم تعليمها؛ إذ من شأن ذلك تقليص عدد الدروس. وهذا ما أشارت إليه دراساتٌ مثل دراسة فوارعه وشاور التي اقترحت تخفيف عدد كتب مواد العلوم الاجتماعيّة من خلال الدمج، على غرار ما تمّ في كتب العلوم. وهو أيضًا ما نادى به أساتذة الكتب الاجتماعية، ومنهم الأستاذ صبري والأستاذ زعيم، لتصحيح وضع مناهج العلوم الاجتماعيّة في اليمن.
يؤكّد خضر (2014) على ضرورة نيل مناهج التربية أهمّيّة خاصّة في المستقبل، وعلى ضرورة تعديل كتب العلوم الاجتماعيّة في وقتنا الحاضر عمّا كانت عليه في الماضي؛ إذ تغيّرت حياة الطلبة في العقود القليلة الماضية، وتغيّرت بالتالي طبيعة المشكلات التي يواجهونها. كما توصي العديد من الدراسات بإجراء عمليّة تقييم لمناهج العلوم الاجتماعيّة بصورة مستمرّة، حتّى يكون هناك محتوى ذو أهمّيّة، ومواكب لكلّ التغيّرات المستقبليّة، وقريب من حياة الطالب وواقعه.
من هنا، يجب أن تُدمَج كتب العلوم الاجتماعيّة في مرحلة التعليم الأساسيّ، في شكلها المستقبليّ، في كتاب واحد يضمّ جميع فروعها؛ وذلك من أجل تأهيل الطالب لدراسة التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنيّة وعلم الاجتماع والفلسفة ضمن سياق واحد مختصر، يعينه على اكتشاف العلاقات بين هذه العلوم وربطها ببضعها وبالواقع المعاش. فمن خلال عمليّة الدمج، سوف يتمكّن الطلاّب من فهم رؤى مختلف التخصّصات، وتوليف المعلومات المحيطة بالموضوع، لتوفير فهم أعمق وأدقّ لما تطرحه العلوم الاجتماعيّة من قضايا.
وفي السياق ذاته، يؤكّد الخياط والهولي (2003)، أنّ هناك مظاهر تكامل بين الموادّ الدراسيّة المختلفة ومحتوى كتب العلوم الاجتماعيّة. وهذا ما يدعم عمليّة دمج الكتب الاجتماعيّة، لوجود تقارب بين موضوعاتها في مرحلتين تعليميّتين مختلفتين (المرحلة الأساسيّة والمرحلة الثانويّة)، مثل ما يتكرّر في كتب التاريخ عن الحضارة العربيّة الإسلاميّة، أو ما تتناوله كتب الجغرافيا عن حدود الجمهوريّة اليمنيّة والوطن العربي.
عندما يُدرَّس موضوع واحد من ثلاثة جوانب مختلفة (التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنيّة)، يَسهُل على الطالب فهمه، ويَسهُل على المعلّم إيصال المعلومة بصورة متكاملة. فموضوع الجمهوريّة اليمنيّة مثلًا، عندما يُدرَّس في كتاب واحد يضمّ العلوم الاجتماعيّة، يمكن أن نتناوله في مجاله الجغرافيّ، من حيث الموقع والتضاريس؛ وفي مجاله التاريخيّ، من حيث الحضارات القديمة ودور اليمن في نشر الإسلام؛ وفي مجال التربية الوطنيّة، من حيث طبقات المجتمع اليمني ونظام الحكم فيه... وهكذا، يصبح الطالب، بفضل عمليّة الدمج بين العلوم الاجتماعيّة، قادرًا على التفكير في المعلومة من مختلف جوانبها، بدل أن يفكّر في كلّ جزء منها على حدة، كما هو حال الكتب اليوم.
يراعي تطبيق منهج الدمج بين العلوم الاجتماعيّة خصوصيّة الطالب وميوله وطريقة تعلّمه، ويجعله محور العمليّة التعليميّة، وفق ترتيب وترابط وتكامل معيّن في الخبرات وفي المحتوى، ممّا يساعد على إدراك العلاقات بين الموادّ الثلاث. فضلًا عن أنّه يساعد على تحقيق النموّ المتكامل للجوانب التعليميّة المعرفيّة والوجدانيّة والمهاراتيّة لدى الطالب، بالإضافة إلى غرس القيم والاتّجاهات الإيجابيّة التي يحتاج إليها.
***
بناءً على ما تقدّم، نجد أنّ كتب العلوم الاجتماعيّة الحاليّة، كغيرها من كتب التربية والتعليم في الجمهورية اليمنيّة، يجب أن تواكب التغيّرات المتسارعة في الحقل التربويّ من معارف وحقائق علميّة. وذلك يتحقّق بتحديث مناهج العلوم الاجتماعيّة التي لم تُحدَّث منذ 15 سنة. كما أنّ حذف بعض الدروس المُكرَّرة ذات الموضوعات المتشابهة يسهم في تقليص عدد الدروس. الأمر الذي يساعد على دمجها في كتاب واحد، وجعلها مثل كتاب العلوم الحاليّ الذي يجمع ثلاثة علوم (الفيزياء والأحياء والكيمياء)، وهذا ما يرجوه المعلّم والطالب على حدّ سواء.
المراجع
- الجرف، ريما سعد. (2003). البعد العالمي في مناهج الدراسات الاجتماعيّة للمرحلة الثانويّة في سنغافورة. وقائع ندوة بناء المناهج "الأسس والمنطلقات".
- خضر، فخري رشيد. (2014). طرائق تدريس الدراسات الاجتماعيّة. دار المسيرة.
- الخياط، عبد الكريم عبدالله، والهولي، علي إسماعيل. (2003). دراسة تحليليّة لمظاهر التكامل بين مفاهيم منهج مادّة الاجتماعيّات ومحتوى مناهج مواد الصفّ الأوّل المتوسّط في دولة الكويت. مجلّة كلّيّة التربية- جامعة الإمارات العربيّة المتّحدة.
- الفريجي، كاظم عبدالسادة. (2019). دراسة تقويميّة لدمج الموادّ الاجتماعيّة للمرحلة الابتدائيّة من وجهة نظر المعلّمين والمعلّمات. مجلّة كلّيّة التربية الأساسيّة.
- اليعقوبي، مسلم حمود. (2020). تطوير كتب الدراسات الاجتماعيّة للصفّين التاسع والعاشر بسلطنة عمان في ضوء الاتجاهات العالميّة. مجلّة الفنون والآداب وعلوم الإنسانيّات والاجتماع.