مرسال حطيط- أستاذة في التعليم الثانويّ الرسميّ- لبنان
مرسال حطيط- أستاذة في التعليم الثانويّ الرسميّ- لبنان
2024/10/10

ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟

تتعدّد الاستراتيجيّات والطرائق المُعتمدة في التعليم، ولا سيّما مع التطوّر التقنيّ الذي نشهده اليوم في ظلّ عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ. ومن هذه الاستراتيجيّات الملائمة للتعلّم النشط نستعرض ما يلي: استراتيجيّة التعلّم التعاونيّ أو المجموعات؛ استراتيجيّة لعب الأدوار؛ استراتيجيّة حلّ المشكلات؛ استراتيجيّة العصف الذهنيّ؛ استراتيجيّة الصفّ المعكوس، وغيرها من الاستراتيجيّات التي تخلقُ حيويّة داخل الغرفة الصفيّة، وتعزّز مهارات التفكير والإبداع والابتكار لدى الطلبة، كما تزيد من دافعيّتهم للتعلّم، وتزوّدهم بأساليب البحث والتقصيّ وحلّ المشكلات. ومن أكثر الاستراتيجيّات فعاليّة من حيث تجاوب الطلبة، وبعد استخدام العديد منها في الصفّ، استراتيجيّة التعلّم التعاونيّ أو المجموعات، ويعود ذلك إلى عدّة اعتبارات، ومنها:

  • - مشاركة جميع الطلبة من خلال تقسيم الصفّ إلى مجموعات متكافئة.
  • - تنظيم العمل داخل المجموعة، بحيث يقوم كلّ طالب بالمهمّة المطلوبة منه.
  • - اكتساب الطلبة مهارات التواصل والإصغاء، وتبادل المعلومات والمعارف، ومهارات التقديم والعرض.
  • - تنوّع الإنتاج المعرفيّ والمهاراتيّ، وحتّى السلوكيّ. كما تعمل على خلق مساحات واسعة من التفكير القائم على تبادل الآراء بين أعضاء المجموعة.

واعتمدت هذه الاستراتيجيّة مرارًا لتعزيزها التفاعل لدى الطلبة، ولا سيّما في مخرجات الدرس وإنتاج المعرفة. وأثمرت في جعل التعلّم أكثر فائدة، ومتعة داخل الغرفة الصفّيّة، وتحديدًا في إغناء قدرة الطلبة على تبادل المعلومات واكتشافها من قبلهم.

 

كيف توازنين بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟

يجب أن نسعى لتحقيق التوازن بين التقنيّة والإنسانيّة. وعليه، علينا أن نستخدم التكنولوجيا لتحقيق التقدّم ولتسهيل حياتنا. وفي الوقت نفسه، نحافظ على القيم الإنسانيّة والتواصل الحقيقيّ. يمكننا ذلك من خلال تعزيز التعليم والوعي حول كيفيّة الاستخدام السليم للتكنولوجيا، وتشجيع الابتكارات، ولا سيّما كيفيّة استخدام الذكاء الاصطناعيّ لتنفيذ المشاريع العلميّة من جهة، أو لاستخدامه في التطبيقات العمليّة داخل الصفّ. وهذا ما يضعنا أمام مسؤوليّة كبيرة ويحتّم علينا كمعلّمين، وضع برامج توجيهيّة وتربويّة حول كيفية استخدام هذه التقنيّات، مع التركيز على مراعاة الجوانب والقيم الإنسانيّة المُعزِّزة للتواصل بين الطلّاب داخل الصّف وخارجه. يجب أن تكون التكنولوجيا وسيلة لتحسين جودة التعليم وتعزيز الرفاه المدرسيّ، لا بديلًا عن المعلّم أو وسيلةً للهو لدى الطلّاب.

 

في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟

لطالما اعتبرت مهنة التعليم مهنة إنسانيّة، تهدف إلى بناء الإنسان وتطوير المجتمع. ومثل الكثير من المعلّمين، اعتقدتُ أنَّ من واجبي العمل على إدارة العمليّة التعليميّة - التعلّميّة، وكلّ ما يرتبط بها من دون الأخذ بأهمّيّة المتعلّم شريكًا في تلك العمليّة، والمحور الرئيس فيها. لذا، كنت أشرحُ الدرس بشكل تلقينيّ، وأطلب من الطلّاب إعادة الأهداف بعد كتابتها من قبلي على السبورة. وبعد عدّة سنوات، وجدت نفسي أكرّر الأمر برتابة والطلّاب يستمعون من غير أيّ حماسِ أو تفاعل.

واكتشفت بعد تلك السنوات والتجارب، أنَّ العمليّة التعليميّة - التعلّميّة تحتاج إلى تفاعل بين المعلّم والمتعلّم، وهذا ما دفعني إلى تطوير مهاراتي من خلال الدورات التدريبيّة، والاطّلاع على استراتيجيّات التعليم الحديثة، والتي تعتبر المتعلّم محورًا للعملية التعلّميّة، وركيزة أساسيّة في التعليم، معتمدة طرائق حديثة محفزّة للطلبة. تعمل هذه الطرائق على تطوير مهاراتهم الشخصيّة والفكريّة والسلوكيّة، عبر تصميم أنشطة لا صفّيّة وتنفيذها، تلك التي تعزّز دافعيّتهم إلى التعلّم، ليس فقط من خلال الكتب المدرسيّة، بل أيضًا من خلال التجارب الشخصيّة، واكتساب المهارات اللازمة للحياة.

 

افترضي أنّك تقوم بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعرين بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟

أهمّ الموضوعات المقترحة لتطوير مهارات المعلّمين التعليميّة يمكن أن تتضمّن ما يلي:

  • - الطرائق الحديثة التي تعتمد استراتيجيّات محفّزة، كالتعليم القائم على البحث والاستكشاف وحلّ المشكلات، واتّخاذ القرارات.
  • - البرامج التقنيّة الحديثة، منها: إعداد الأفلام الوثائقيّة؛ تقنيّة المؤثّرات الصوتيّة والمرئيّة؛ كيفيّة استخدام المنصّات الإلكترونيّة.
  • - كيفيّة إعداد الدروس الرقميّة والكتاب الرقميّ.
  • - التعلّم المتمايز وكيفيّة التخطيط الجيّد، لإعداد الدروس المُراعية لاهتمامات الطلّاب وميولهم وقدراتهم.
  • - برامج تمكين قدرات المعلّمين المهنيّة والنفسيّة والتربويّة، بهدف متابعة تطوّر مستوى الطلّاب الأكاديميّ والمهاراتيّ.
  • - التدريب على أساليب التقييم المستمرّ، والتقويم العام لمخرجات التعلّم.

 

هل ترين أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترحين مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟

لقد مرّ العالم، كما العالم العربيّ، بأزمات عديدة انعكست على أوضاعه بشكلِ عام، ولا سيّما أزمة وباء كورونا، والتي وضعتنا أمام تحدّيات كبيرة. وقد عانى القطاع التعليميّ كما باقي القطاعات، صعوبات جمّة، وأكثرها تعقيدًا تجلّى في التعليم "من بعد"، والذي وضع المؤسّسات التعليميّة أمام تحدّيات جديدة لمواجهة هذه الأزمة، فتسارعت المؤسّسات ولا سيّما الخاصّة منها، إلى وضع برامج وإنشاء شبكات ومنصّات تعليميّة إلكترونيّة، تقوم على تبادل المعارف والتقنيّات من خلال التشبيك والتواصل الالكترونيّ. وهذا ما حتّم على المؤسّسات التربويّة مدّ الجسور لتشبيك العلاقات سواء على الصعيد الداخليّ، أم الإقليميّ، بالإضافة إلى محاولات التشبيك مع مؤسّسات خارجيّة، خصوصًا مع افتقاد الكثير منها إلى برامج وتقنيّات حديثة. كما استحدثت برامج لتدريب المعلّمين وتمكينهم، وتطوير مهاراتهم. وهذا ما دفع العديد من الوزارات والمؤسّسات التربويّة للعمل على إعداد منصّات تعليميّة بهدف تأمين موارد تعليميّة للمعلّمين من جهة، وللمتعلّمين من جهة مقابلة.

وضمن هذا الإطار يمكن العمل على إنشاء منصّة عربيّة مشتركة تهدف إلى بناء شبكة من الموارد التعليميّة تحت مسمّى"مواردي"، حيث يتّم من خلالها تبادل المعلومات والموارد، والندوات العلميّة، والدورات التدريبيّة بهدف تطوير المبادرات الفرديّة والمؤسساتيّة.

 

كيف تتعاملين مع أولياء الأمور وتشجّعينهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟

تعتبر العلاقة بين الأسرة والمدرسة، علاقة تكامليّة تبادليّة، وتُبنى على قدرِ من الاحترام والتعاون لما فيه من مصلحة لأبنائهم، ولحسن سير العمليّة التربويّة في المدرسة، بهدف تطوير أدائهم وسلوكيّاتهم، وتعزيز قدراتهم الشخصيّة، ومعارفهم الأكاديميّة، ومهاراتهم الحياتيّة. ولتحقيق هذه الأهداف نعمل على:

  • - إقامة شبكة مدرسيّة مع أولياء الأمور، تهدف إلى التواصل الدائم معهم، وذلك للحصول على معلومات تتعلّق بتحصيل الطلبة، وسلوكيّاتهم، وميولهم، وأدائهم الدراسيّ.
  • - عقد لقاءات " اليوم المفتوح"، والذي يُخصّص للتداول في شؤون الطلبة التربويّة والسلوكيّة.
  • - تبادل الآراء حول الدعم المنزليّ، والذي يقدّمه الأهل إلى أبنائهم في أداء الواجبات المدرسيّة، ومتابعتهم اليوميّة، وإرشادهم إلى الطرق والاستراتيجيّات التي تمكّنهم من استخدامها لتعليم الأبناء.
  • - بناء علاقة تشاركيّة قائمة على الاحترام المتبادل بين الفريقين، تقوم على تبادل المعلومات حول أساليب التربية والتنشئة الإيجابيّة، وتقديم النصح والوعي بأهمّيّة التعليم، والقيم الأخلاقيّة.
  • - تشجيع أولياء الأمور على تطوير قدراتهم التقنيّة لمواكبة أبنائهم، ولتأمين الحماية والرقابة والأمان لهم.

 

كيف تُحافظين على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟

تعتبر مهنة التعليم من المهن التي تتطلّب الكثير من العمل والجهد والتطوير، وهذا ما يدفعنا كمعلّمين إلى تنظيم حياتنا بشكل يتكيّف مع ما تسلتزمه من أمور قد تفوق قدرتنا الجسديّة والنفسيّة، وتحديدًا في ظلّ التطوّرات العلميّة المستمرّة من جهةٍ، والأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة من جهةٍ أُخرى. لذا، على المعلّم أن يوازن بين حياته العمليّة وحياته الشخصيّة من خلال القيام بأنشطة رياضيّة، ورحلات مدرسيّة، وبحضور لقاءات ثقافيّة، والعمل على تنظيم وقته داخل المدرسة، واستغلال حصص الفراغ للقيام بأعمال التصحيح أو التحضير والتنسيق، وذلك بهدف كسب المزيد من الوقت لحياته الشخصيّة والعائليّة.

 

ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟

تساعد عمليّة ترتيب الأولويّات على التركيز على المهام الأهمّ لإنجازها، بحيث نضعُ في اهتماماتنا ترتيب المهام بحسب أهمّيتها. وفي ضوء ذلك، نصنّفُ المهام إلى مستويات من حيث الأهمّيّة ما بين عالية، متوسّطة، منخفضة. وبهذا تندرج المهام من الأكثر إلى الأقلّ أهمّيّة، بالإضافة إلى جدولتها إلى فترات زمنيّة، وتنفيذ كلِ مهمّة بحسب ترتيبها دونما تأجيل إحداها.

 

اذكري أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.

التعليم مهنة إنسانيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى، وتتنوّع فيها المواقف الإيجابيّة والسلبيّة. ومن أكثر الجوانب الإيجابيّة لمهنة التعليم التي اكتسبتها خلال خبرتي الطويلة، وتركت لدّي أثرًا ايجابيًّا ألخّصها في اكتساب المرونة وفنّ التواصل مع الآخرين، بالإضافة إلى تقبّل الاختلاف واحترام الرأي الآخر. أمّا الأثر السلبيّ، والذي حملته معي بعد مسار طويل من أعمال التحضير والتدريس والتصحيح، هو إصابتي بضعف النظر نتيجة الإجهاد المتواصل.

 

ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟

نتعرّض خلال حياتنا العمليّة إلى الكثير من المواقف الطريفة، كوننا نتعامل مع فئات مختلفة من المجتمع، أهالي، وطلّاب، وزملاء. ومن الطبيعي أن تختلط علينا الأمور في بعض الأحيان، ومن المواقف الطريفة التي حدثت معي وما زالت منطبعة في ذاكرتي، ذلك عندما كنت اتفقّد الطلّاب وكنت حينها ناظرة طابق، لفتني شاب خارج الصّف عند قرع الجرس للحصّة التالية، فتوجّهت إليه وصرخت به: "ماذا تفعل خارج الصّف، أُدخل بسرعة قبل أن يحضر المعلّم وإلّا سأرسلك إلى الناظر العامّ". تبسّم الشاب وأجابني بهدوء: "أنا الأستاذ إبراهيم يا حضرة الناظرة". ومن المضحك أنّني وبختّه مرّة ثانية، وللأمر نفسه بعد عدّة أسابيع، وأصبح في كل مرّة عندما يحضر يمرّ على النظارة ويلقي التحيّة ويقول: "لقد حضرت أنا الأستاذ إبراهيم".