كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وما هو مستقبل المدرسة كمكانٍ، خصوصًا بعد تجربة التّعليم عن بُعد؟
تعتمد إجابة هذا السّؤال على الحقبة الزّمنيّة التي نتحدّث عنها، ولكن إن كنّا نتحدّث عن الحاضر والمستقبل القريب، فأنا أرى بأنَّ التعليم والتعلّم كان سيكون قائمًا على استخدام المنصّات والمواقع الإلكترونيّة والمساقات التعليميّة الرّقميّة، بحيث يقوم أولياء الأمور بتسجيل أبنائهم وبناتهم في المساقات والمواقع التي تلائمهم والتي تناسب قدراتهم المادّيّة وخلفيّتهم الثّقافيّة والاجتماعيّة، كما أرى أنَّ الوظيفة التي كانت لتستبدل المعلّم هي وظيفة المرشد أو المستشار الأكاديميّ الذي يساعد أولياء الأمور على إدارة تعليم أبنائهم واختيار المنصّات والمواقع والمساقات المناسبة لهم، وأخيرًا فلا بد من أداة مكمّلة لكي تكسب الطّالب المهارات الاجتماعيّة التي لا يمكن أن يكتسبها إلا بالتواصل المباشر مع أقرانه، والتي يمكن تحقيقها عن طريق الأنديّة ومعاهد الموسيقى والرّياضة والفنون وغيرها.
أمّا فيما يتعلّق بمستقبل المدارس كمكان، وخصوصًا بعد تجربة التعلّم والتعليم عن بعد، فأنا أرى أنّها ما زالت أساسيّة حتى المستقبل القريب على الأقلّ، فهي أفضل وأسهل طريقة لضمان بيئة آمنة للطفل لكي يتابع تعليمه ونموّه الأكاديميّ والذهنيّ والعاطفيّ والاجتماعيّ، بالأخص مع عدم قدرة معظم أولياء الأمور من ترك أبنائهم في المنزل دون أي رعاية أو رقابة أو متابعة. أظن بأنَّ العامل الذي قد يبدأ بإضعاف دور المدرسة كمكان إذا ما بدأت العديد من المهن والوظائف بالتحوّل للعمل عن بعد، ومع هذا أرى بأنَّ دور المدارس كمكان ما يزال ذا أهمّيّة كبيرة مع ضرورة تحوّل نظام المدارس لكي يتماشى ويواكب متطلّبات العصر والحقبة التي نعيشها.
ما هي أوّل نصيحة تنصح بها مُعلمًا جديدًا؟ لماذا؟
أوّل نصيحة أنصح بها معلّم جديد هي تحديد الأولويّات، فمهنة التعليم متطلّباتها عالية وتستنزف من المعلّم طاقة هائلة، فإذا بدأ المعلّم الجديد بمحاولة توزيع هذه الطّاقة على جميع المتطلّبات بالتساوي فإنّه من السّهل أن يصاب بالإرهاق وألا يستطيع أن يكمل في هذه المهنة الرّائعة، وإذا أنفق المعلّم الجديد طاقته على أشياء لا تعتبر أولويّات فإنّه لن يجد الطّاقة اللازمة التي يحتاجها داخل الغرفة الصفّيّة، وإذا أردت أن أنصح هذا المعلّم الجديد فيما أراه أهم الأولويّات فسأقول له بأنَّ أهم الأولويات هي تواجده في الغرفة الصفّيّة بكل ما يستطيع من طاقة وتواجد وحُب وفضول لكي يستطيع أن يمنح هذه الطّاقة لطلّابه ليستخدموها في نموّهم وتعلّمهم، أنا أرى بأنَّ هذه الطّاقة هي الماء الذي يحيى به الطّالب ويكبر وبنمو، فعلى كل معلّم جديد بأن يتأكّد بأنّه يدخل الغرفة الصّفّيّة بطاقة إيجابيّة وافرة ليَمُدَّ بها الطّالب وينمو ويكوِّنَ ثِمارًا تَمُدُّ المعلِّمَ بالطّاقة ليعود ويستثمرها مرّةً أخرى في طلّابه.
ما هو تعريفك للدهشة؟ وكيف وصلت إلى هذا التّعريف؟
أنا أرى بأنَّ الدّهشة هو شعورٌ ينتابُ الإنسان عند رؤيته لما لم يكن متوقّعًا أو معقولًا بالنّسبة له، ولعلَّ أكثر ما يدهشني في حياتي هي بعض أعمال وردود وإجابات الطّلاب في المراحل الابتدائيّة التي أدرّسها، وكما قالَ أرسطو بأنَّ الدهشة هي التي دفعت النّاس إلى الفلسفة، فإنَّ هذه القدرات التي لم أكن أتوقّعها من أطفال في هذا العمر دفعتني للبحث في أسباب إظهار الطّلاب والأطفال لهذه القدرات في بيئات ولحظات معيّنة دون غيرها، فازدادت دهشتي كلّما وضعت الطّلاب في تحدّيات أصعب حيث كانوا دائمًا قادرين على أن يفوقوا توقّعاتي، فما توصّلت إليه أننا نحنُ من نضع الحدود للأطفال بتوقّعاتنا المحدودة منهم وبمناهجنا المملة والتي لا تثير اهتمامهم ولا تشعرهم بالتحدي ولا تمسُّ واقعهم، وأسئلة مناهجنا أحاديّة الأبعاد والتمارين التي لا تشجّع الطّالب على الخلق والابتكار والتفكير، وأخيرًا ازدادت دهشتي أكثر عندما بدأت بتغيير نهجي لإعطاء الطّالب المزيد من الوكالة والصّوت في تحديد اتجاهاته واهتماماته وقيادة تعلّمه لما رأيته في الطّالب من رغبة وإرادة واهتمام في التعلّم إذا ما تم توجيهه بالشّكل الصّحيح وإعطائه الأدوات المناسبة وتحميله المسؤوليّة ومنحه الثّقة والحُبّ.
ما هي مصادر الإلهام في مسيرتك التعليميّة؟ لماذا؟
لا أستطيع صراحةً أن أُسمّي مُلهمًا واحدًا في مسيرتي التعليميّة، فهنالك الكثير من المربّيين والأكاديميّين وحتى القادة الذين ألهموا مسيرتي التعليميّة، تعلّمت من الكثير منهم ماذا يجب أن أفعل وتعلّمت من بعضهم ماذا يجب ألا أفعل، فهنالك من علّمني أهمّية العاطفة والإنسانيّة في التعليم، وهنالك من علّمني أهمّيّة التنظيم والتخطيط، وآخرين علّموني أهمّيّة متابعة كل ما هو جديد، بينما تعلّمت من آخرين أنّه عليَّ دائمًا أن أكون متغيّرًا وأطوّر في عملي وأسلوبي وألا أتحجّر على فلسفات وأساليب معيّنة. أنا أرى في كلِّ مَن أتعامَلُ معه ملهمًا محتملًا فأحاول أن أبحث في كلِّ فردٍ ناجحٍ عَن شيءٍ أتعلّمه منه.
من هو الطّالب المُتميّز برأيك؟ لماذا؟
أنا أرى بأنَّ الطّالب المتميّز هو ذلك الطّالب القادر على تحديد نقاط قوّته ونقاط ضعفه وعلى استخدامها بشكل يخدم تطوّره، هو الطّالب الذي لديه اهتمامات تميّزه ولديه نقاط قوّة وأدوات يجيد استخدامها، لأنَّ هذا النّوع من الطّلاب يمكنه النّجاح في المستقبل مهما كانت ظروفه الأكاديميّة، وللإضافة فإنّه بناءً على تعريفي فأنا أرى بأنَّه يوجد في كلِّ طفل طالب متميّز إذا ما تمكّن معلّميه وأهله من مساعدته على تخطّي نقاط ضعفه دون الشّعور بالانهزام أو الدّونيّة، والتركيز على نقاط قوّته وربطها بشكل مباشر في كلِّ ما يتعلّمه.
حسب معاييرك، كيف تصف المُعلّم المُلهم؟
أنا أرى أنَّ المعلّم الملهم هو ذلك المعلّم الذي يثير الفضول لدى طلّابه ويجعلهم متشوّقين للقدوم إلى المدرسة والخوض في تجارب التعلّم المختلفة، هو ذلك المعلّم الذي يحوّل "الدّرس" إلى رحلة يخوضها الطّالب ويتعلّم من خلالها وليس من خلاله هو، المعلّم الملهم هو مرشدٌ ومسيّرٌ لهذه الرّحلة لا يخاف من ابتعاد طلّابه قليلًا عن مسار الرّحلة ليستكشفوا ما يثيرُ اهتمامهم، ويجهّز طلّابه بالأدوات والمهارات اللازمة لكي يكتسبوا كلَّ ما يستطيعون اكتسابه من هذه الرّحلة التي صمّمها خصيصاّ من أجلهم، ومَن مِنّا لا يحبُّ الرّحلات.
ما هو الموقف الذي تندم عليه في مسيرتك التعليميّة؟
أندم على أكثر من موقف ولا يمكن لي أن أنساها أبدًا، ويمكنني حتى الآن أن أصف تفاصيلها وجميع من كان فيها، وأتمنى ألّا أنساها أبدًا، أمّا فيما يتعلّق بطبيعة هذه المواقف فهي كلُّ موقفٍ فقدتُ فيه أعصابي على طالبٍ من الطّلاب، وبالرّغم مِن أنَّ هذه المواقف كانت نادرة جدًّا في مسيرتي، وبالرّغم أنني اعتذرتُ عنها، سواءً فورًا للطّالب أو الطّلاب أو حتى بعدَ يوم من تأمّلي بما حدث، إلا أنني أعرف بأنَّ هذه المواقف قد لا تزول من ذهن الطّالب، فلهذا لا أسمح لها بأن تزولَ من ذهني.
برأيك، كيف تؤثّر علاقة الإدارة بالمُعلّم على مسيرتهِ؟
أنا أرى بأنَّ الدّور الرّئيسي للإدارة فيما يتعلّق بالمعلّم يكمُنُ في دعمه ومساعدته وإعطائه ما يلزمه من أدوات لكي يتطوّر ويصل إلى إمكانيّاته الحقيقيّة، فإذا كانت العلاقة قائمة على مبدأ الدّعم والثّقة والاحترام المتبادل فإنَّ أثر هذه العلاقة على مسيرة المعلّم ستكون دائمًا إيجابيّة، أمّا إذا تحوّلت هذه العلاقة إلى علاقة رَئيس ومَرؤوس أو مُراقِب ومُراقَب عليه فإنَّ هذه العلاقة ستؤدّي إلى ركود في تطوّر المعلّم ومسيرَته وتحجّر أدواته ومهاراته وتجنّبه للمبادرة والمخاطرة والاكتفاء بما يرضي إدارته.
ما الذي تُريد أن تمحوهُ من طريقة التّدريس والتّقييم في مدارس اليوم؟
كلمة واحدة، الامتحانات! أنا أرى أنّه من المثير للسخريّة بأنَّ المسيرة التعليميّة في معظم الأنظمة التعليميّة تعتمد بشكل أساسيّ على تحضير الطّالب للامتحانات والحكم عليه بشكل شبه كلّي بناءً على نتائج هذه الامتحانات، بينما في سوقِ العَمَل وفي الحياة الواقعيّة لا وجود للامتحانات بأي شكلٍ من الأشكال. مِنَ الظّواهر التي تضحكني كثيرًا هي عندما يكون لدى شخصٍ ناضجٍ امتحانًا "كامتحان القيادة على سبيل المثال"، فنرى كلِّ التوتّر الذي يصاب به والذي يؤثّر عليهِ سلبًا لأنّه لم يجلس لأيِّ امتحان منذ أيّام الجّامعة، بينما حياةُ أبنائنا وطلّابنا كلّها امتحانات واختبارات تصيبهم بالتوتُّر والأرق وتُعيق تطوّرهم الذّهنيّ والنّفسيّ والاجتماعيّ، مع أنها في ذات الوقت لا تحضّرهم لأي شيء في الحياة الواقعيّة "باستثناء امتحانِ القيادة ربّما".
ما هو الكِتاب الذي لهُ تأثير كبير عليك وعلى تجربتك في الحياة؟
بالرّغم من استمتاعي الكبير في قراءة كتب الفلسفة وبعض كتب التربية وبعض الرّوايات والقصص إلا أنّه لا بد أن أقول بأن القرآن الكريم هو الكِتاب الذي له الأثر الأكبر علي وعلى تجاربي في الحياة، ولعلَّ أجمَلَ ما في تجربة قراءة القرآن الكريم هو قراءته مرّةً بعدَ مرّةٍ بعدَ مرّة، وكيف أنّني كلّما قرأته اختلفَ فهمي له وتغيّرت الدّروس التي أتعلّمها منه تماشيًا مع التغيّرات التي مررتُ بها والمرحلة التي أعيشها، فهذا الاختلاف والتغيّر علَّمني ألا أحكُمَ أبدًا على إيمانِ أحَدِهِم أو أخلاقِ غيرِه أو على أيِّ منظورٍ آخر، فلعلّها دروسٌ لم أبلُغها بعد، أو لعلّهم لَم يبلغوا الدّرس الذي يغيّرهم عنها بعد، أو لعلَّ لَنا طُرُقًا وشرائعَ ومناهجَ مختلفة.