برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟
لسياسات المدرسة دور فعّال جدًّا وهامّ ومؤثّر في المعلّم والطالب. يمكن تخيّل هذه السياسات ضمن دورة متكاملة؛ إن كانت منظّمة ومريحة ومتفاعلة، ومتشاركة ومراعية ومبنيّة على أسس صحيحة، ستنعكس إيجابًا على المعلّم، وبالتالي، ستتحسّن قدرته وفعاليّته في العطاء. وكنتيجة، ستؤثّر بشكلٍ إيجابيّ في قدرات الطالب وتطوّره على جميع الأصعدة.
بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟
جميع الاستراتيجيّات ومهارات التفكير العُليا التي كنّا قد اتّبعناها قبل كورونا وخلالها، ما زلنا نُمارسها. وقد زاد تنوّع الأساليب لتعتمدُ أكثر على التكنولوجيا ومواقع الإنترنت، فنظّمت الأفكار وجعلتها مرنة مُناسبة لذهنيّة الطلبة، وعزّزت لديهم مفاهيم كانوا يجدون صعوبة في امتلاكها وتحليلها، كما طوّرت قدراتهم التعبيريّة (لغة خطابهم).
كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟
لكلّ معلّم جوانب فنّيّة أو رياضيّة أو موسيقيّة ضمن محاور تعليمه. يمكن استغلال هذه الجوانب في عمله، والعمل على تطويرها. فهي تنمّي القدرات الفكريّة والمرونة العمليّة، عبر ربط المفاهيم العلميّة بالأنشطة الموسيقيّة والرياضيّة من قياس السرعة، والأوتار الصوتيّة، وقوّة الصوت وتردّده، وغيرها من المفاهيم التي تبدّد ملل الطالب، وتدفعه إلى ربط المفاهيم العلميّة بحياته الواقعيّة. كما أنّها تعدّ نوعًا من الترفيه عن الطالب من الضغط الدراسيّ، ومساحة للتنفيس والتفريغ عن مشاكله، خاصّة الذين لا يستطيعون التعبير، فيفرّغون أغلب طاقاتهم في هذه النشاطات، وهي فُرصة، كذلك، لاستثمار طاقاتهم ضمن هذه الأنشطة.
هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟
علوم التربية وحدها غير كافية، أي ليس النجاح مرتبطًا بمجرّد اطّلاع المعلّم على استراتجيّات وتقنيّات تربويّة، إنّما هناك جوانب مختلفة يجب أن يتحلّى بها، وتشمل: المرونة، والطموح، والجرأة، والثقة بالنفس، إلى جانب رؤيته الخاصّة، وأدواته المتمكّن منها، وتنظيمه، ومحبّة طلّابه، وعلاقته مع الإدارة، والاندفاعيّة في تنوّع الأساليب التعليميّة، والقدرة على تقبّل النقد والبناء عليه، وغير ذلك الكثير من الميزات التي تتعزّز تباعًا مع الخبرة.
ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟
التغيّرات التي طالت الطلبة كثيرة، منها طريقتهم في التكيُّف عند تنفيذ أيّ مشروع مبنيّ على التحليل النقديّ والبحث والتحليل، والخروج بنتائج فعّالة مبنيّة على تحليلاتهم وقدراتهم على التواصل مع زملائهم. واستعمال بعض المواقع وتوظيف التكنولوجيا خلال فترة التعليم عن بُعد. لقد أصبحت هذه الأدوات مألوفة بالنسبة إليهم، ما أفادهم عند عرض أيّ فيديو أو موقع لشرح أيّ فكرة تعليميّة، وأسهم بتفادي مشاكل كثيرة في المجال التربويّ، وعمّق الذكاء البصريّ والسمعيّ والتحليليّ لديهم. وقد استثمرتُ هذا التغيُّر بتخصيص حصص محدّدة مبنيّة على أُسس علميّة، لكيفيّة تنفيذ مشروع متكامل ودراسته وعرضه.
من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟
الطالب الشغوف هو من يمتلك الدافعيّة دائمًا، لتوظيف قدراته للحصول على نتيجة إبداعيّة، بالتركيز على ما يثير حماسه ويحرّك طاقة حيويّة فيه تعدي رفاقه والجوّ العامّ ككلّ. لذلك، أرى أنّ جميع طلّابي يملؤهم الشغف، إن لم يكن على مستوى المادّة ككلّ، فعلى مستوى اهتماماتهم الحياتيّة، لكوني أتعمّد في أيّ لحظة نصل فيها إلى شرح فكرة متعلّقة باهتماماتهم، أن أدخل هذه الفكرة ضمن عمليّة تعليميّة للفت نظرهم إلى أهمّيّة المادّة، ولإثارة دافعيّة التساؤل. كما أتعمّد عدم إعطاء معلومة كافية، لإثارة شغفهم وتوظيفه في مكانه الصحيح، ليبحث الطالب، نتيجةً لذلك، على نتيجة مُرضية تقنعه، وبالتالي يقنعني ويقنع رفاقه بها.
ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟
من وجهة نظري، أرى أنّ موضوع الزيّ الموحّد من شقّين: الأوّل، أنّه يعزّز الانتماء المدرسيّ، ويحدّ من إبراز التفاوت من حيث الطبقات الاجتماعيّة، ما يشعر الطالب بالارتياح بعدم معرفة باقي الطلبة لطبقته الاجتماعيّة، خصوصًا الطلبة الجُدد، ويقلّل من التنمّر، ويزيد من الانضباط والنظام والمساواة بين الطلّاب. وفي الشقّ الثاني، أرى أيضًا أن الزيّ الموحّد يحدّ من حرّيّة الطالب في التعبير عن نفسه، وإظهار فرديّته، لذلك أرى أنّ اعتماد الزيّ يرجع إلى البيئة والخلفيّة الاجتماعيّة في كلّ مدرسة.
ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسي؟
أُحبّ أن أشعر بالاطمئنان والإيجابيّة العالية لعكسها على طلّابي. الطلّاب شديدون التأثّر بالمعلّم، إلى درجة أشعر فيها أنّهم مرآتي. وكلّما كانت إيجابيتي عالية، كان الترابط بيننا أعلى وأكثر تناسقًا. لذلك أسعى إلى كلّ ما يؤمّن راحتي وطمأنينتي قبل البدء باليوم التربويّ، وقبل كلّ حصّة؛ بدءًا من التحضير المفصّل، وصولًا إلى التحفيز الذاتيّ قبل الحصّة، ولا سيّما أنّني أتعامل مع فئات عمريّة مُختلفة ضمن موادّ تعليميّة مُختلفة.
ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟
أطمح أن أتعمّق في مجال التعليم إلى أبعد الحدود. أن أكوِّنَ معرفةً ضمن جميع الأبعاد التربويّة لدى الطالب، وأن أتمكّن من جميع الأسلحة التي تمكّنني من أن أصبح معلّمةً تربويّةً بامتياز، لكي أدرّس الطلّاب بجميع شخصيّاتهم وخلفيّاتهم الاجتماعيّة، وأتمكّن من دفعهم إلى يكونوا مواكبين لعصرهم، ومبدعين ومنتجين ومستثمرين لطاقاتهم في أماكنها الصحيحة. وأُحبّ أن أصبح مدرّبةً لمُشاركة ما وصلت إليه من معرفة مع زميلاتي، لنشر ثقافات تعليميّة مُختلفة.
بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟
نصائحي متعدّدة مبنيّة على تجربتي التعليميّة البسيطة: أن يُخطئ خلال تجربته الأولى ليبني سلّمًا خاصًّا به، فليس من الضروريّ أن يكون ناجحًا منذ الخطوة الأولى. وأن يستمتع بأقلّ إنجاز يقوم به في هذه المسيرة منذ لحظتها الأولى. وأن يدخل اختصاصات جامعيّة تبني شخصيّته، وتثري اهتماماته التربويّة قبل ممارسته مهنة التعليم. وأن يكون مطالعًا على مختلف أنواع الكتب التربويّة، وملمًّا باهتمامات الطلبة وأنواع شخصيّاتهم. وأن يكون متمكّنًا من اللغة التي يريد أن يدرّس بها، والاختصاص الذي يدرّسه ويمارسه. وأخيرًا، أن يتمتّع بالصبر والقدرة على التحمُّل والمرونة.