مقدّمة
أسهم تطوّر تقنيّات الاتصال والتواصل، وازدياد عدد المواقع والتطبيقات والألعاب الإلكترونيّة، في السنوات الأخيرة، إسهامًا كبيرًا في إحداث تغيير مهمّ في تعاملنا مع هذه المنتجات الرقميّة، ولم يكن مجال التربية والتعليم مستثنًى من هذا التطوّر، حيث برزت المواقع والمنصّات التعليميّة بديلًا عن عمليّتي التعليم والتقييم التقليديّتين، أو مكملًا لهما.
يمكن أن نلاحظ هذا التغيير بسهولة عندما نجالس طفلًا ذا سبع سنوات، مثلًا، ونلاحظ كيفيّة استعماله للهاتف الذكيّ، ونراقب كيفيّة دخوله إلى أحد المتاجر الإلكترونيّة وتحميله ألعابًا دون معرفته حتّى بحروف اللغة الأجنبيّة المعتمدة فيها، وعندما نتابع تحميله للعبة وكيفيّة بدئه بمرحلة التدريب واكتشافه أسرار اللعبة التي يسابق الزمن فيها ليحصل على المرتبة الأولى، ثمّ نراقب تفاعله معها وفرحته بالانتصار، أو عندما يخوض جولة تقييميّة أو سباقًا يحصّل في نهايته عددًا أو مرتبة في مدّة زمنيّة محدّدة. يوحي لنا كلّ ذلك، من لعب وتفاعل وانتظار نتيجة والعمل على تحصيل مرتبة عليا، باستنتاج متّصل بالعمليّة التقييميّة، إذ يمكن أن تكون رقميّة ومحفّزة على تحقيق مزيد من التعلّم، بالتكرار وتجنّب الأخطاء.
نتحدّث في هذا المقال عن تجربة الامتحان الإلكترونيّ كأداة تقييميّة وتعليميّة في مادّة الإعلاميّة (الحاسوب الآليّ) لطلّاب المرحلة الإعداديّة (من الصف السابع إلى الصف التاسع) في مدرسة إعداديّة في مدينة سوسة التونسيّة.
طريقة التقييم المعتمدة
منذ أن أُدرِجت مادّة الإعلاميّة (الحاسوب الآليّ) باللغة الفرنسيّة في البرامج الرسميّة المعتمدة لدى وزارة التربية التونسيّة، ارتكزت طريقة التقييم على جانب نظريّ أو جانب تطبيقيّ أو كليهما. تُقدَّم أسئلة الامتحان ورقيًّا، في كِلا الجانبين، ولكن، يكون على المتعلّم الإجابة على الورق في الجانب النظريّ، بينما يتطلّب منه الجانبُ التطبيقيّ الإجابةَ على الحاسوب باستخدام البرمجيّات المناسبة لموضوع الامتحان، أو يُطلب منه إنجاز مشروع رقميّ يُعرض ويُناقَش ويُعطَى علامة، من صفر إلى عشرين. وأيًّا يكن، فإنّ المدّة الفاصلة بين بداية الامتحان وصدور النتائج تختلف باختلاف نوع التقييم، فإن كان الامتحان نظريًّا تُعدّ المدّة بالأيام، وإن كان تطبيقيًّا يكون التقييم فوريًّا، مباشرةً بعد انتهاء الامتحان، ويدوّن المعلّم مجموع النقاط على ورقة أيضًا. وفي الحالتين تكون عمليّة التقييم يدويّة، إذ يصحّح المعلّم الاختبار ويسند العدد فيه، ويكون الخطأ واردًا في احتساب مجموع النقاط.
من أجل ذلك، فكّرنا في اعتماد طريقة مختلفة لإعداد الاختبار، يكون فيها الحاسوب مسؤولًا عن اختيار الأسئلة وتصحيح الإجابات وإسناد الأعداد والدرجات، فوجدنا سبيلنا في الألعاب الالكترونيّة، إذ من شأنها تنظيم اختبارات تلقائيّة غير محدودة، تتغيّر الأسئلة فيها كلّما دخل المتعلّم إلى التطبيق.
الألعاب الإلكترونيّة وعناصرها التعليميّة
تُعرَّف الألعاب الإلكترونيّة بأنّها "شكل من أشكال التعلّم القائم على مجموعة من الخطوات والإجراءات المخطّط لها، والتي يؤدّيها المتعلّم على الحاسوب أو الهاتف الذكيّ أو الحاسوب اللوحيّ (الآيباد)، ملتزمًا بقواعد معيّنة لتحقيق هدفٍ تعليميّ مُحدّد، في إطارٍ تنافسيّ ممتع. يتمركز هذا النوع من التعلّم حول المتعلّم، ويتيح له حريّة الاستكشاف والتجربة بفاعليّة داخل البيئة التعليميّة" (سبتي، 2016). وقد أشار المرجع ذاته إلى ما ذكرته الأكاديميّة العربيّة للتعليم الإلكترونيّ (2010) من عناصر وأسس تقوم عليها الألعاب التعليميّة، سواءً أكانت تقليديّة أم إلكترونيّة، والتي تتمثّل بالآتي:
- الهدف: أن يكون لها هدف تعليميّ واضح ومحدّد، يتطابق مع الهدف الذي يريد اللاعب الوصول إليه.
- القواعد: أن يكون لكلّ لعبة قواعد تحدّد كيفيّة اللعب.
- المنافسة: أن تعتمد في تحقيقها للأهداف على عنصر المنافسة، وقد يكون ذلك بين متعلّم وآخر، أو بين المتعلّم والجهاز، أو بين المتعلّم والمعيار، وذلك لإتقان مهارة ما، أو تحقيق أهداف محدّدة.
- التحدّي: أن تتضمّن اللعبة قدرًا من التحدّي الملائم الذي يستنفر قدرات الفرد وفق حدود ممكنة.
- الخيال: أن تثير اللعبة خيال الفرد، وهذا ما يحقّق الدافعيّة والرغبة لديه في التعلّم.
- الترفيه: أن تحقّق اللعبة عنصر التسلية والمتعة، شرط ألّا يكون ذلك هدف اللعبة، بل يجب مراعاة التوازن بين المتعة والمحتوى التعليميّ.
التقييم الإلكترونيّ وفق منصّة "Quiz"
يعتمد التقييم الإلكترونيّ على استخدام الآلات التكنولوجيّة الحديثة، كالحواسيب والهواتف الذكيّة، أو على البرمجيّات المختصّة والتطبيقات ومواقع الإنترنت المختصّة أو المنصّات التعليميّة. يمكّن التقييم الإلكترونيّ من التعرّف الحينيّ على النتيجة، مقارنةً بالتقييم الورقيّ أو بالتقييم التطبيقيّ الذي يكون فيه للمدرّس الدور الرئيس في إسناد النقاط لمختلف الأسئلة.
منذ شهر نيسان/ أبريل 2019 قرّرتُ اعتماد طريقة أخرى لتقييم عمل المتعلّم، فاستخدمتُ أحد التطبيقات المختصّة في صياغة الامتحانات الإلكترونيّة، وهو "Wonder Share Quiz Creator". وهذا التطبيق غير مجانيّ، وقد صدر للمرّة الأولى في 22 آب/أغسطس 2014، ومن خلاله يمكن إنشاء 18 نوعًا من الأسئلة والامتحانات، بما في ذلك "Quiz".
صياغة "Quiz"
يمكن للمعلّم اختيار عشرة أنواع من الأسئلة (الصواب والخطأ– اختيار من متعدّد– سؤال ذو إجابة واحدة– ملء الفراغات– الربط– الترتيب– بنك الكلمات– النقر على خريطة– تحرير قصير - الصفحة البيضاء)، حيث يتيح له التطبيق الخيارات الآتية:
- إنشاء عدد غير محدود من مختلف أنواع الأسئلة.
- اختيار عشوائيّ للأسئلة.
- اختيار عدد أسئلة الامتحان.
- تنظيم الأسئلة حسب امتحانات مختلفة، يختار الحاسوب أحدها للمتعلّم اختيارًا عشوائيًّا.
- إمكانيّة إضافة الصور والملفّات الصوتيّة والفيديوهات المناسبة لأسئلة الامتحانات.
- اختيار مدّة الامتحان.
- إمكانيّة تقديم تغذية راجعة لكلّ سؤال.
- إنهاء الامتحان بعد الإجابة على جميع الأسئلة، وعدم السماح للمتعلّم بالانتقال إلى السؤال اللاحق إلّا بعد الإجابة على السؤال الذي يسبقه.
- تحديد سؤال للعودة إليه في ما بعد.
- إمكانيّة إرسال النتائج عبر البريد الإلكترونيّ.
أنموذج لعبة تقييم إلكترونيّة
تمّ إعداد امتحان لخمس شعب من الصف السابع (160 متعلّمًا)، حُدّد وقته بـ15 دقيقة، وتألّف من 59 سؤالًا، من بينها 20 سؤالًا يختارهم الحاسوب عشوائيًّا، وتسعة أسئلة من نوع "الصواب والخطأ"، وثلاثة أسئلة من نوع "الإجابة الواحدة"، وأسئلة من أنواع أخرى، مثلما هو مبيّن في الصورة الآتية:
وفي ما يلي مثال على تمرين صمّمتُه للمتعلّمين، يحتوي على خمسة أسئلة من نوع "الصواب والخطأ"، حيث لا يمكن إضافة مؤثّرات صوتيّة، أو صور تساعد في الإجابة:
أجب بصواب أو خطأ:
- يعدّ برنامج مضادّ الفيروسات برنامج حماية.
- يعدّ الجدار الناريّ برنامجًا خبيثًا.
- ينتشر الفيروس عبر قرص فلاش، وقرص ليزر، وبطاقة ذاكرة.
- أترك دائمًا الهاتف الذكيّ متّصلًا بالانترنت لاستقبال الرسائل.
- الحاسوب المتضمّن جدارًا ناريًّا يكون بحاجة إلى مضادّ للفيروسات.
وكانت صيغة التمرين الأصليّة باللغة الفرنسيّة، بالمقابل، عندما استعملنا تطبيق"Quiz"، وأضفنا الأسئلة ذاتها وفق خصائصه، وتركنا الحاسوب يختار عشوائيًّا من بين 17 سؤالًا من نوع "الصواب والخطأ"، أصبح كلّ سؤال مرفقًا بصور توضيحيّة ومؤثّرات صوتيّة، بالإضافة إلى ظهور الوقت أمام المُمتحِن في أعلى يمين الشاشة، فضلًا عن إمكانيّة تحديد أيّ سؤال لمراجعته بالنقر على العَلَم الموجود أمام رقمه، ممّا يسّر أمر الامتحان أمام المتعلّم وأضاف إليه شيئًا من المتعة، كما هو ظاهر في الصورة المرفقة:
لم يكن التعامل مع الحاسوب صعبًا على جميع المتعلّمين، فهم يدرسون مادّة الإعلاميّة منذ سنتين، ولم يكن صعبًا التعامل أيضًا مع التطبيق المعتمد في الامتحان، نظرًا لسهولة استخدامه، إذ يكتفي فيه المتعلّمون بالنقر على الأزرار الموجودة أمامهم لتعيين الإجابة، أو للانتقال إلى السؤال التالي، أو للعودة إلى السؤال السابق، وقد شُرِح ذلك لهم عبر تطبيق يحتوي أسئلة في الثقافة الرقميّة العامّة أثناء حصّة الامتحان.
رغم ذلك، لم تكن نتائج المتعلّمين منذ المحاولة الأولى جيّدة، فلم يحصّل 61 متعلّمًا (38.81 بالمائة منهم) على معدّل النجاح، وكانت علامة 17 هي الدرجة الأعلى التي نالها أربعة متعلّمين فقط. ولمّا وجدتُ أنّ نتائج الاختبار غير مرضية، ولا تعكس المستوى الحقيقيّ للعديد من المتعلّمين، طلبتُ منهم إعادة إنجاز الاختبار، على أن نحتسب الدرجة الأعلى درجةً نهائيّة. فتحسّن أداء المتعلّمين في المحاولة الثانية، وقلّ عدد الذين لم يحصّلوا معدّل النجاح إلى 17، أي بلغت نسبتهم 10.62 بالمائة، واستطاع عشرة متعلّمين تحصيل العلامة الكاملة، و36 متعلّمًا تحصيل درجة أعلى من 17 من 20 في أقل من عشر دقائق.
أثر اللعب في المتعلّم
أثناء مراقبتي تفاعل المتعلّمين مع الامتحان الإلكترونيّ، خاصّة في المحاولة الثانية، رجعت بي الذاكرة إلى تفاعل ابني مع لعبته الالكترونيّة المفضّلة في سباق السيّارات، وكيف كان يسارع الزمن ليحقّق أفضل النتائج، فكنتُ أنتظر انتصاره بعد عدّة محاولات ليتجاوز أخطاء المحاولات السابقة، وأفرح لفرحه بانتصاره، وهنا جاءت فكرة إعطاء المتعلّمين فرصة ثالثة واحتساب أفضل نتيجة حقّقها، فطلبتُ منهم الدخول إلى التطبيق من جديد ومعالجة الأسئلة التي اختارها الحاسوب لهذه المحاولة.
لاحظت في وجوه المتعلّمين وسلوكيّاتهم فرقًا واضحًا بين جلوسهم أمام ورقة امتحان، وجلوسهم أمام لعبة إلكترونيّة، إذ تخلّص أغلبهم من الضغوطات النفسيّة التي كانوا يوجهونها أثناء حصص التقييم الورقيّ التقليديّ. وبعد انتهاء الامتحان حرص العديد من المتعلّمين على إعادة المحاولة لكسب الرهان، وإن لم تكن المحاولة محتسبة ضمن نتيجة التقييم. لقد عبّروا بصريح العبارة "هل يمكننا أن نلعب مرّة أخرى؟".
خيّرتُ المتعلّمين بين طرق التقييم لمعرفة أيّ نوع منها يفضّلون، فسألتهم إن كانوا يفضّلون التقييم النظريّ أم التقييم التطبيقيّ أم الأسئلة المتعدّدة الاختيارات وفق تطبيق "Quiz"، فلم يختر أحد منهم التقييم النظريّ، في حين اختار 25 منهم التقييم التطبيقيّ، ونسبتهم 15.62 بالمائة، أمّا بقيّة المتعلّمين فوقع اختيارهم على الأسئلة المتعدّدة الاختيارات وفق تطبيق "Quiz"، ونسبتهم 84.38 بالمائة.
ورغم أنّ الحصّة كانت مخصّصة للتقييم، فقد تفاعل المتعلّمون معها كأنّها لعبة يجب الانتصار فيها وكسب الرهان. هذه الرغبة في إعادة اللعب أكثر من مرّة، والرغبة في الفوز والحصول على أعلى درجة، وتحصيل الثناء بعبارة "أحسنت يا بطل"، والاستماع إلى صوت تصفيق، ورؤية صورة يدين تصفّقان... كلّ ذلك يعدّ جزءًا من النتيجة التي يجب الوصول إليها في نظريّة الدافعيّة لـPrensky التي أشار إليها سبتي (2016)، والتي تشير بدورها إلى أن الدّافع في الألعاب الرقميّة التعليميّة يمكن أن يكون رغبة في اللعب لساعات طويلة، أو رغبة في الفوز المستمر، أو تحصيل مكافآت، مثل الحصول على كنز أو تجميع نقاط، أو العمل والتفكير واتخاذ القرار تجاه ما يدعم الدافع الذاتيّ.
إنّ في إعادة المحاولة والرغبة في تحقيق أكبر عدد من النقاط فرصة أكبر للمتعلّم لتجاوز الأخطاء والتركيز على الإجابات الصحيحة. لقد وفّر التطبيق من جهة أخرى على المعلّم عناء تقييم الامتحانات ووضع العلامات، كما قلّص إمكانيّة الخطأ في احتساب مجموع النقاط، ووزّع الوقت المخصّص للامتحان توزيعًا عادلًا بين جميع المتعلّمين.
خاتمة
كشفت تجربة تغيير الامتحان النظريّ إلى إلكترونيّ باستعمال برنامج "Wonder Share Quiz Creator" مدى تفاعل المتعلّم مع النوع الجديد من الامتحانات المستند إلى تطبيق "Quiz، وتطلّعه إلى تحقيق نتائج أفضل، بعيدًا عن الضغط النفسيّ المعتاد أمام ورقة الامتحان. وعلى الرغم من أنّ التطبيق المستعمل كان محدودًا في بعض جوانبه، من مثل النقص في تجميع النتائج ودراستها وتقديم تقرير مفصّل حول مدى تحصيل المتعلّمين المعلومات الأساسيّة المراد اكتسابها، فقد وفّر التطوّر اليوميّ في صناعة البرمجيّات تطبيقات أخرى تساعد المعلّم على متابعة أفضل لتقدّم طلّابه في العمليّة التعليميّة. والعبرة هنا في أهميّة الانفتاح على هذه الأنماط الجديدة من الممارسات التعليميّة، ومتابعة كلّ جديد إلكترونيًّا وتقنيًّا، والجرأة على تجريبه، إذ قد يوفّر حلولًا لمشكلات وعقبات طالما حاول المعلّم تجاوزها.
المراجع
سبتي، عبّاس. (2016). مشروع الألعاب الإلكترونيّة في المناهج الدراسيّة. الألوكة الاجتماعيّة. https://bit.ly/3n0FQqU