تعدّ الشراكة بين المدرسة والأهالي علاقة تعاونيّة وتكامليّة، تهدف إلى تحسين تعلّم الطلّاب، وصقل شخصيّاتهم. يشكّل التواصل الفعّال والمستمرّ بين أولياء الأمور والمدرسة ركيزة أساسيّة لهذه الشراكة، فهو يسهم في تحقيق رؤية المدرسة ورسالتها في إعداد جيل واعٍ، قادر على الإسهام في تنمية مجتمعه والارتقاء به. ولا يمكن للمدرسة، بما تضمّه من كادر إداريّ وتعليميّ، أن تحقّق هذا الهدف من دون مشاركة فاعلة ومستمرّة للأهالي.
يمثّل تطوير الشراكة بين المدرسة والأهل ضرورة ملحّة، لما له من أثر مباشر في تحسين الأداء الأكاديميّ والسلوكيّ للطلّاب. فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة UNNITAR International University في ماليزيا، أنّ الطلّاب الذين يحظون بمشاركة نشطة من أهاليهم في الحياة المدرسيّة، يحقّقون تطوّرًا أكاديميًّا أكبر، كما يزداد طموحهم التعليميّ. تبيّن أيضًا أنّ هناك علاقة طرديّة بين مدى انخراط الأهالي في متابعة تعلّم أبنائهم، ومستوى التزام الطلّاب بالحضور المدرسيّ، وأداء الواجبات، والمشاركة في الأنشطة المختلفة.
في هذا السياق، طوّرت جويس إبستين نموذجًا شهيرًا عُرف باسم نموذج إبستين (Epstein) للشراكة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، والذي يقوم على ستّة محاور رئيسة، تساعد المدارس في تعزيز علاقتها مع الأسر، بما ينعكس على تحسين المستوى الأكاديميّ للطلّاب.
وتؤكّد دراسات عدّة على أهمّيّة مشاركة الأهالي في العمليّة التعليميّة لأبنائهم، إذ وجدت دراسة أجراها (Yang et al, 2023)، أنّ الأطفال الذين يشارك أهاليهم في تعليمهم، يصبحون أكثر نشاطًا وإنجازًا، بغضّ النظر عن وضع العائلة الاجتماعيّ، أو الاقتصاديّ، أو المستوى التعليميّ للوالدين.
لذا، تسعى وزارة التعليم في الممكلة العربيّة السعوديّة لرفع نسبة مشاركة الأهالي في حياة أبنائهم المدرسيّة إلى 80%، بحلول سنة 2030. وقد طوّرت الوزارة نموذجًا مستوحى من نموذج إبستين، لتعزيز الشراكة بين المدرسة والمجتمع، والذي يقوم على ستّة ركائز رئيسة، هي: التواصل، والأسرة، والتطوّع، والتعلّم في البيت، وصنع القرار، والمجتمع المحلّيّ.
التواصل
يُعدّ التواصل ركيزة أساسيّة في بناء علاقة متينة بين المدرسة والأهالي، ويتطلّب توفّر مجموعة من الشروط لضمان فعّاليّته، منها:
1. تنوّع وسائل الاتّصال: من الضروريّ استخدام قنوات اتّصال متعدّدة، مثل البريد الإلكترونيّ، والنشرات الإخباريّة، والرسائل النصّيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل إنستغرام، وواتساب، ومنصّات التعليم، لتوضيح سياسات المدرسة، والتوقّعات من الأهالي، وحقوق الطلّاب وواجباتهم ومستواهم الأكاديميّ.
2. عقد اجتماعات دوريّة بين إدارة المدرسة والأهالي، أو بين المعلّمين والمعلّمات والأهالي.
3. التواصل المتبادل بين الطرفين:
- - من المدرسة إلى الأهالي، بإرسال خطابات تتضمّن تعليمات وإرشادات واضحة.
- - من الأهالي إلى المدرسة أو المعلّمين، بتقديم تغذية راجعة حول تعلّم الأبناء، والإبلاغ عن المشكلات أو تقديم الشكاوى، وملء الاستمارات الخاصّة بالوضع الصحّيّ والاجتماعيّ التي تساعد المدرسة في توفير بيئة تعليميّة داعمة.
4. انتظام التواصل واستمراريّته، باستخدام نشرات إخباريّة دوريّة، ومنصّات التواصل الاجتماعيّ، وتقارير الأداء الأكاديميّ والسلوكيّ، لضمان اطّلاع الأهالي على حياة أبنائهم المدرسيّة بشكل دائم.
المساندة في تعلّم الأبناء
يتوجّب على المدارس توضيح التوقّعات الأكاديميّة لكلّ مادّة دراسيّة منذ بداية العام الدراسيّ، وإرسال تقارير شهريّة تبرز مستوى الطالب الأكاديميّ والسلوكيّ. كما ينبغي على الأهالي تزويد المدرسة بالمعلومات الكافية عن أبنائهم، لتمكين المعلّمين من تقديم التعليم المناسب وفق احتياجات كلّ طالب. إلى جانب ذلك، يُعدّ حضور الأهالي للأنشطة والاجتماعات الخاصّة بأبنائهم، عاملًا أساسيًّا في دعم تقدّمهم وتطوّرهم، وتعزيز نموّهم العاطفيّ والاجتماعيّ. فمشاركة الأهل في حياة أبنائهم التعليميّة والأنشطة المختلفة، تعزّز ثقتهم بأنفسهم، وتنعكس إيجابيًّا على مستواهم الأكاديميّ.
كما يسهم توفير بيئة منزليّة منظّمة، تتّبع قواعد مكرّرة واضحة، بشكل كبير في تحسين تعلّم الأبناء، ومساعدتهم في اكتساب مهارات حياتيّة مهمّة، مثل التنظيم وإدارة الوقت بفعّاليّة.
مساندة التعلّم مدى الحياة
تؤدّي المدارس دورًا محوريًّا في تثقيف الأهالي وتوعيتهم حول أساليب التعامل مع الأبناء في مختلف المراحل العمريّة، وذلك بتنظيم دورات وورش عمل تناقش كيفيّة التعامل مع الأطفال والمراهقين، بالإضافة إلى تقديم جلسات تدريبيّة متخصّصة في مجالات ذات صلة بحياة الأبناء. كما تسهم المدارس في إرشاد الأهالي إلى أفضل الممارسات، لمواجهة التحدّيات الأكاديميّة أو الاجتماعيّة التي قد يواجهها أبناؤهم في مسيرتهم التعليميّة، وذلك بتوجيههم إلى مراكز الاستشارات المتخصّصة، أو مساعدتهم في تنمية مهارات أبنائهم الإدراكيّة، والحركيّة، والفنّيّة.
التطوّع
يسهم تطوّع الأهالي (الآباء والأمّهات) في الأنشطة والبرامج المدرسيّة، وفقًا لميولهم وتخصّصاتهم، بشكل كبير في إثراء البرامج اللامنهجيّة للمدرسة. يتطلّب هذا الأمر من المدرسة جهودًا في التنظيم، وإدارة المجموعات، وتنظيم المتطوّعين، لضمان الوصول إلى النتائج المرجوّة.
هناك نماذج متنوّعة للجنة التطوّع في المدارس، والتي لها مهامّ وأهداف متعدّدة. على سبيل المثال، لجنة الأهل (الأمّهات) والمعلّمات (PTA) التي تسهم بشكل فعّال في دعم المعلّمات لتنفيذ الأنشطة التي تعزّز الأهداف الأكاديميّة، مثل مسابقات التهجئة، ومهرجانات القراءة والرياضيّات والعلوم. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه اللجنة مساعدة إدارة المدرسة في تنظيم مهرجانات ترفيهيّة واحتفالات خاصّة، مثل: يوم المعلّم، واليوم الوطنيّ، أو احتفالات نهاية العام الدراسيّ.
لجنة الأمّهات السفيرات نموذج آخر للتطوّع المدرسيّ، وهي تعمل حلقة وصل فعّالة بين إدارة المدرسة والأمّهات الأخريات، لتحسين تجربة تعلّم الطلّاب. يسهم انخراط الأهالي في مختلف جوانب الحياة المدرسيّة، في تقديم نموذج مثاليّ للأبناء، يعزّز فهمهم لما ينبغي أن يكونوا عليه في المستقبل.
التأييد وصنع القرار
تُشرك المدارس ممثّلين من الأهالي في وضع سياساتها المتعلّقة بالطلّاب وتعليمهم، ما يسهم في كسب تأييدهم لتلك السياسات. كما يمكن للأهالي الإسهام في اتّخاذ قرارات المدرسة، بالاستجابة للاستبانات التي تقدّمها، والتي تستخدم في وضع خطط التطوير. تُشعِر هذه المشاركة الأهالي بأنّ لهم دورًا مؤثّرًا في تعلّم أبنائهم، ما يعزّز لديهم شعورًا بالولاء والانتماء للمدرسة.
التآزر مع مؤسّسات المجتمع
تنشئ المدارس علاقات متنوّعة مع مؤسّسات المجتمع، سواء كانت تآزريّة أو تكامليّة، بهدف دعم أهداف المدرسة التربويّة والتعليميّة. على سبيل المثال:
-
- العلاقة التكامليّة بين المدرسة والمجتمع: يمكن تنظيم رحلات طلّابيّة إلى المتاحف، والمكتبات العامّة، وحدائق الحيوان، وعيادات الأسنان والعيون، لتعزيز المهارات الاجتماعيّة والأكاديميّة للطلّاب.
-
- العلاقات التآزريّة: تتمثّل في مساعدة المؤسّسات المجتمعيّة للمدرسة، بتوفير تجهيزات أو إمكانات تدريبيّة للهيئة الإداريّة والتعليميّة، ما يعزّز قدرة المدرسة على تحقيق أهدافها التعليميّة.
يتطلّب بناء الشراكة مع الأهالي جهدًا كبيرًا من جميع أعضاء المجتمع المدرسيّ، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والتفاني والحبّ. من التحدّيات التي قد تواجه المدرسة في بناء هذه الشراكة، قلّة وعي بعض الأهالي بأهمّيّة دورهم في تعليم أبنائهم، إذ يظنّ البعض أنّ هذا من مسؤوليّة المدرسة فقط. لذلك، يجب على المدارس توعية الأهالي بدورهم الأساسيّ في تربية أبنائهم وتعليمهم.
في المقابل، يسبّب غياب التواصل بين البيت والمدرسة، أو انعدامه، ابتعاد الأهل عن حياة أبنائهم المدرسيّة. لذا، يجب على المدرسة تحسين قنوات التواصل بين البيت والمدرسة وتنويعها، لضمان مشاركة الأهل في عمليّة التعليم.
إضافة إلى ذلك، قد يجد الأهالي صعوبة في متابعة أبنائهم، أو حضور الأنشطة المدرسيّة بسبب ظروف عملهم. لذا، على المدرسة مراعاة هذه الظروف، وتوفير فرص متعدّدة وفي أوقات مختلفة، تمكّن الأهالي من الحضور والمشاركة في تعليم أبنائهم. كما يمكن للمدارس وضع نظام يشجّع الأهالي على المشاركة المنتظمة في الحياة المدرسيّة، بالإعلان عن نسب الحضور للأنشطة المختلفة، وتشجيع التطوّع بإصدار شهادات شكر، والإعلان عنها عبر وسائل التواصل المتاحة.
يشكّل الأهالي جزءًا أساسيًّا من المجتمع، إذ يعمل الآباء والأمّهات في مختلف المجالات، وضمن مؤسّسات متعدّدة يمكنها دعم المدرسة في تنفيذ برامجها. كما يمكنهم توفير فرص للطلّاب والطالبات لخوض تجارب مشابهة في سوق العمل، ما يعزّز استقلاليّتهم، ويسهم في نموّهم العاطفيّ والاجتماعيّ.
***
العلاقة بين الأهالي والمجتمع علاقة تكامليّة، يكمل كلّ طرف فيها الآخر من أجل تحقيق أهداف التربية والتعليم. لضمان استدامة الشراكة مع الآباء والأمّهات، يجب على المدارس وضع الضوابط والسياسات المناسبة التي تضمن استمراريّة هذه الشراكة، مع تحديد الأدوار بوضوح، وتوضيح التوقّعات من جميع أعضاء الأسرة المدرسيّة، بما يسهم في خلق بيئة تعليميّة مثمرة وبنّاءة.
المراجع
- Shimi, R. A., Azmi, N. B. M., Ganesh, L. D. A., Subramaniam, D. A., Vignasveran, Y., Moganaselvan, P. S. A., & Rajamogan, V. A. (2024). The impact of parental involvement in student’s academic performance. International Journal of Academic Research in Business and Social Sciences, 14(1), 2063–2070.
- Epstein, J. L., & Salinas, K. C. (2004). Partnering with families and communities. Educational Leadership, 61(8), 12–18.