يتأثّر المسار التعليميّ للطفل بشكل عميق بالتفاعل بين البيئتين الأسريّة والمدرسيّة، إذ يمثّل كلّ من الوالدين والمدارس عوامل أساسيّة في تشكيل الكفاءة الأكاديميّة للطلّاب، والعوامل المرتبطة بالرفاه الاجتماعيّ والعاطفيّ. وتعتمد فعّاليّة هذه الشراكة على مجموعة من العوامل التي تشمل التواصل المنهجيّ، وتوافق القيم، والمشاركة النشطة للوالدين، والتطبيق الفاعل للسياسات المؤسّسيّة، وتعزيز الأطر المعرفيّة التكيّفيّة، مثل عقليّة النموّ.
التواصل بين المنزل والمدرسة: إطار ثنائيّ الاتّجاه
يعتبر التواصل الفعّال بين أولياء الأمر والمؤسّسات التعليميّة، أمرًا بالغ الأهمّيّة في تعزيز نجاح الطلبة، إذ تشير الأبحاث إلى أنّ التفاعلات المنتظمة والشفّافة تعزّز من مشاركة الوالدين، وتؤدّي إلى تحسين نتائج الطلّاب (Epstein, 2011).
عوامل تعزيز التواصل الفعّال
- - المشاركة الاستباقيّة للمعلومات: يُنصح أن يقوم الوالدان بإبلاغ المعلّمين بأيّ تطوّرات مؤثّرة في حياة الطفل، بما في ذلك القضايا الصحّيّة أو التغيّرات الأسريّة، لتمكين الدعم المخصّص داخل البيئة المدرسيّة. كما يساعد هذا التواصل الاستباقيّ المعلّمين في الاستعداد لأيّ تغيّرات متوقّعة في سلوكيّات الطالب أو أدائه الأكاديميّ، ويتيح لهم المجال لأخذ خطوات استباقيّة، من شأنها التقليل من أيّ أثر سلبيّ لهذه التغيّرات.
- - التواصل المباشر مع المعلّمين: لضمان الفهم الدقيق وحلّ المشكلات بطريقة بنّاءة. من شأن هذه الممارسة أن تخلق شراكة فعّالة وثقة متبادلة بين المنزل والمدرّس، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابيّ على أداء الطالب ورفاهه.
- - المشاركة البنّاءة في الاجتماعات المدرسيّة: حضور الاجتماعات المدرسيّة بعقليّة تعاونيّة، يسهم في تعزيز الفهم المتبادل والتخطيط لتطوير الطالب.
معيقات التواصل الفعّال
- - الاعتماد المفرط على سرد الطفل للأحداث: يمكن أن يؤدّي الاعتماد الكلّيّ على رواية الطفل من دون التحقّق من المعلومات، إلى سوء الفهم، وبالتالي إلى ردود فعل سلبيّة من أولياء الأمر تجاه المدرسة. وهذا قد يؤدّي بدوره إلى زعزعة ثقة أولياء الأمر والطفل بالمدرسة، واختلال الشراكة اللازمة بين المدرسة والمنزل.
- - الردود الدفاعيّة أو العدوانيّة: يؤدّي هذا النوع من الاستجابات إلى عرقلة الحوار المفتوح، وتقويض محاولات الوصول إلى حلول تعاونيّة للمشكلات.
- - تجاهل الاتّصالات المدرسيّة: قد يؤدّي عدم متابعة الرسائل الرسميّة إلى سوء التنسيق، وضياع فرص المشاركة الفعّالة.
توافق القيم بين الأسرة والمدرسة
يعدّ التوافق بين قيم الأسرة وقيم المؤسّسة التعليميّة، عاملًا رئيسًا في توفير بيئة متكاملة لنموّ الطفل، إذ إنّ تضارب القيم بين المنزل والمدرسة يمكن أن يؤدّي إلى ارتباك الطفل، والإخلال بنضجه الأخلاقيّ والسلوكيّ.
استراتيجيّات تساعد في التحقّق من توافق القيم
- - تقييم دقيق لقيم المدرسة قبل التسجيل: على أولياء الأمر دراسة رسالة المدرسة ورؤيتها وقيمها بعناية، لضمان ملاءمتها للمعتقدات والقيم العائليّة.
- - مراعاة الاعتبارات الثقافيّة والدينيّة: وهي ما يمكن دعمه بالتواصل المفتوح مع المدرسة حول الممارسات الثقافيّة والدينيّة المهمّة للعائلة، لضمان تقديم المدرسة للدعم اللازم.
- - الالتزام بالسياسات المدرسيّة وتعزيزها في المنزل: ما يساعد في خلق بيئة تعليميّة متّسقة، وتعزيز علاقة الطفل بالمدرسة، وشعوره بالانتماء إليها، والتزامه بالاتّفاقيّات والعقود المجتمعيّة الخاصّة بها.
مشاركة الوالدين في الحياة المدرسيّة
تساعد مشاركة أولياء الأمر في الحياة المدرسيّة في تعزيز العلاقة بين الطالب والمدرسة، وبين الطالب ومنظوره تجاه التعليم والمؤسّسة التعليميّة بشكل عامّ. وعلى الرغم من أهمّيّة مشاركة الوالدين في حضور الفعّاليّات المدرسيّة، إلا أنّ هذه المشاركة يجب أن تمتدّ وتتّسع، لتشمل متابعة العمليّة التعليميّة لأبنائهم، وتعزيز البيئة التعليميّة داخل المنزل، والمشاركة بشكل فاعل في البيئة المدرسيّة بالطرق المختلفة.
أشكال المشاركة الفعّالة
- - التطوّع في الأنشطة المدرسيّة، والانضمام إلى اللجان المختلفة.
- - متابعة تعلّم الطفل عن طريق النقاشات المنزليّة، والمساعدة في عمليّة التعلّم المنزليّ بشكل يثير فضول الطفل تجاه التعلّم، ويعزّز استقلاليّته وتقبّله للخطأ بهدف التعلّم.
- - دعم الأنشطة اللاصفّيّة، مثل حضور الفعّاليّات الرياضيّة والفنّيّة والمعارض.
معيقات مشاركة الوالدين
- - الاعتقاد بأنّ التعليم والتعلّم مسؤوليّة حصريّة على المدرسة.
- - التواصل مع المدرسة فقط عند وجود مشكلة، بدلًا من الحفاظ على علاقة مستمرّة.
- - انتقاد المدرسة أو المعلّمين أمام الأطفال، ما يقلّل من احترامهم للمؤسّسة التعليميّة.
التزام الوالدين بتطبيق سياسات المدرسة
تعدّ بيئة المدرسة المنظّمة والمستقرّة عاملًا مهمًّا في تحقيق التعلّم الفعّال. ولهذا السبب، يعزّز التزام الوالدين بتطبيق قواعد المدرسة وأنظمتها واتّفاقيّاتها، من انضباط الطلّاب، واستيعابهم لأهمّيّة احترام النظام.
كيفيّة تعزيز التزام الطلّاب بالأنظمة المدرسيّة
- - الالتزام بأوقات الحضور والانصراف: يؤثّر تأخير الطفل المتكرّر في اندماجه الأكاديميّ والاجتماعيّ، ويؤدّي إلى وصول رسالة غير صحيحة للطفل حول احترام الوقت، والإدارة الذاتيّة، واحترام قوانين المدرسة واتّفاقيّاتها. كما أنّ تكرار هذا يؤدّي إلى شعور الطفل بانعزاله عن محيطه ومجتمعه المدرسيّ.
- - التأكّد من الالتزام بالزيّ المدرسيّ: يعزّز هذا احترام الهويّة المدرسيّة، والانتماء إلى البيئة التعليميّة. كما يعزّز أهمّيّة اتّباع القوانين بما يخدم المجتمع والمحيط.
- - متابعة سلوك الطالب داخل المدرسة وخارجها: والتعاون مع المعلّمين في تعديل أيّ سلوك غير مناسب. فمن الضروريّ أن يشعر الطفل أنّ المدرسة امتداد لحياته الاجتماعيّة والعائليّة، وأنّ هناك تواصلًا دائمًا وشراكة، يعمل فيها الطرفان بشكل تكامليّ لصقل شخصيّته ومهاراته، وتطوير سلوكيّاته وقدرته على اتّخاذ القرارات الصائبة، والتعلّم من القرارات غير المدروسة والأخطاء الطبيعيّة.
- - التأكيد على احترام القوانين المدرسيّة: فلا يشعر الطفل بتناقض بين ما تتوقّعه منه المدرسة، وما يُسمح له به في المنزل.
- - تجنّب الرسائل المتناقضة والحلول الجاهزة: إذ يخلق هذا ارتباكًا لدى الطالب، وقد يؤدّي إلى تزايد مشاكله داخل المجتمع المدرسيّ. فمن الأمثلة التي اعتدنا على سماعها من الطلبة: "بابا قال لي أن أضرب من يضربني، وأسبّ من يسبّني". تصدر مثل هذه التوجيهات عن الأهل نتيجة شعورهم أنّ ابنهم يتعرّض إلى العنف أو الاضطهاد من زملائه، استنادًا إلى رواياته، من دون اللجوء إلى المدرسة للتحقّق من الحقيقة، والكشف عن التفاصيل الدقيقة لما حدث. يؤدّي هذا النوع من الرسائل إلى تراجع ثقة الطفل بالمدرسة وأنظمتها، وبقدرتها على حلّ مشاكله، وتعزّز لديه مفهوم الضحيّة. كما أنّها تحدّ قدرته على إيجاد حلول بنفسه، إذ حصل من أهله على حلّ جاهز وحاسم، وهو أن يعامل الآخرين كما يعاملونه.
توحيد الموقف والجهود بين الأسرة والمدرسة
مثلما يجب أن يُظهر الوالدان اتّفاقًا أمام أبنائهم في ما يخصّ القرارات العائليّة، يجب أيضًا أن تكون العلاقة بين المدرسة والوالدين مبنيّة على الاحترام والتعاون والتوافق أمام الطلبة، حتّى وإن كانت هناك خلافات أو اختلاف في وجهات النظر.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
- - دعم قرارات المدرسة في المنزل، وعدم تقويض سلطة المعلّمين أمام الطفل.
- - مناقشة أيّ اختلافات في الرأي مع إدارة المدرسة بشكل مباشر، بدلًا من التعبير عنها أمام الأطفال.
- - العمل على التوصّل إلى حلول مشتركة، عند وجود تحدّيات تعليميّة أو سلوكيّة.
- - الحرص على الاستماع إلى وجهة نظر الطرف الآخر، بعقليّة منفتحة وتقبّل.
إدراك الوالدين أنّ رواية الطفل للأحداث تعكس منظورًا شخصيًّا
أحد الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الوالدان، الاعتقاد بأنّ رواية الطفل للأحداث هي الحقيقة المطلقة، بينما قد يكون فهم الطفل للموقف جزئيًّا أو عاطفيًّا، ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى ردّة فعل قويّة وسلبيّة وغير مبرّرة من أولياء الأمر، من دون التأكّد من حقيقة الموقف. وهو ما يضع أولياء الأمر والمدرسة أحيانًا في موقف خصومة، عوضًا عن الشراكة والتعاون.
المنهج الصحيح للتعامل مع هذه المواقف
- - الاستماع إلى الطفل والتأكيد على مشاعره، مع عدم اتّخاذ قرارات استنادًا إلى روايته فقط.
- - تشجيع الطفل على طلب المساعدة من المدرسة عند الحاجة، بدلًا من الاعتماد على تفسيره الخاصّ للأحداث.
- - التواصل مع المعلّمين للحصول على رؤية أوسع حول أيّ موقف مقلق.
- - تجنّب ردود الفعل المبالغ بها تجاه رواية الطفل، وتلقّيها بهدوء، والانتقال إلى السؤال عن بعض التفاصيل والمشاعر، قبل التأكيد للطفل على أنّهما (والديه) سيتابعان الموضوع مع المدرسة لمعرفة تفاصيل ما حصل، والوصول إلى حلّ.
دور الوالدين في تنمية ذكاء الطفل العاطفيّ والاجتماعيّ
التحصيل الأكاديميّ ليس الجانب الوحيد الذي يؤدّي إلى نجاح الطفل، إذ تؤدّي مهارات الذكاء العاطفيّ والاجتماعيّ دورًا رئيسًا في تحقيق هذا النجاح. ويعتبر دور أولياء الأمر، باعتبارهم قدوة ومعلّمًا ومرشدًا، الأكثر أهمّيّة في تطوير هذه المهارات.
طرق دعم النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ
- - إجراء محادثات عميقة مع الطفل حول أفكاره ومخاوفه وطموحاته.
- - إشراكه في الأنشطة الاجتماعيّة، مثل الأندية والرياضات الجماعيّة.
- - تعليمه كيفيّة التعامل مع مشاعره، وحلّ النزاعات، وتقبّل الفشل جزءًا من التعلّم.
- - النمذجة عن طريق القرارات، وردّة الفعل العاطفيّة، والخيارات الاجتماعيّة التي يتّخذها الأهل حول الطفل، مع ضرورة النقاش بخصوصها، وتعزيزها بشكل فاعل.
تعزيز عقليّة النموّ لدى الأطفال
تشير الدراسات إلى أنّ تعزيز عقليّة النموّ يساعد الطلّاب في التعامل مع التحدّيات بمرونة، ويحفّزهم على التعلّم المستمرّ (Dweck, 2006). على أولياء الأمر والمدرسة هنا، العمل ضمن شراكة وثيقة لتحقيق التطوّر المطلوب في ما يتعلّق بعقليّة النموّ لدى الأطفال، عن طريق النمذجة والنقاش وتعزيز هذا المفهوم وتعزيز فكرة "الخطأ من أجل التعلّم".
كيف يمكن للوالدين تعزيز عقليّة النموّ؟
- - تشجيع الجهد وليس النتائج فقط: وذلك عن طريق مدح الجهد المبذول، بدلًا من التركيز على الذكاء الفطريّ والمنتج النهائيّ.
- - تعليم الطفل أنّ الفشل جزء طبيعيّ من التعلّم، وأنّه فرصة للنموّ، وليس نهاية الطريق.
- - تحفيز حبّ الاستطلاع والتفكير النقديّ: عن طريق الأسئلة المفتوحة والمناقشات.
دور المدرسة في تعزيز هذه الجوانب
لا شكّ أنّ للمدرسة الدور الأكبر في تطبيق الجوانب المذكورة وتعزيزها؛ فهي تتحمّل المسؤوليّة الأكاديميّة والتربويّة في متابعة كلّ جديد يخدم مصلحة الطفل ورفاهيّته. لذا، ينبغي على المدارس أن تعمل بوضوح وفعّاليّة، وفق نهج مدروس، لتعزيز الشراكة مع أولياء الأمور، وخلق بيئة داعمة ومتعاونة تضمن النموّ المتكامل للطفل، وذلك عن طريق:
- - تعزيز وسائل التواصل مع أولياء الأمور واستراتيجيّاته: والحرص على تدريب المدرّسين بشكل متكرّر، حول كيفيّة التواصل الفعّال والسريع والإيجابيّ.
- - تشجيع مشاركة أولياء الأمر في الحياة المدرسيّة: وذلك عن طريق التواصل المبكّر، وإعطاء المُهل، وتنظيم أنشطة جذّابة لأولياء الأمر، وتعزيز دورهم.
- تطبيق السياسات بإنصاف وانسجام: وترك خطوط التواصل مفتوحة لمعرفة ما يشعر به أولياء الأمر، وتوضيح أيّ سوء تفاهم، أو التأمّل في الأخطاء والتطوير بناء عليها.
- - تشجيع ثقافة الحوار بين أولياء الأمر وإدارة المدرسة: فيكون هذا الحوار بنّاءً وإيجابيًّا وقائمًا على التأمّل المشترك، مع المحافظة على عقليّة الشراكة، والاحترام في التعاطي مع المشاكل.
- - تنظيم تدريبات وورش عمل وتأمين مصادر مختلفة لتطوير مهارات أولياء الأمر: باستخدام موارد المدرسة، أو الموارد المجتمعيّة المختلفة.
- - وضوح السياسات والإجراءات لجميع أعضاء المجتمع المدرسيّ.
***
يتطلّب تطوير تعلّم الطفل شراكة بين المدرسة والأسرة، وذلك بالتعاون، وبتعزيز بيئة تعليميّة صحّيّة ومستقرّة. فكما يلزم نجاح الأسرة تعاونًا وشراكة تكامليّة بين أعضائها، فلا بدّ من وجود علاقة متشابهة بين المنزل والمدرسة، لتحقيق أكبر منفعة للطالب، وذلك بالالتزام بالتواصل الفعّال، والحرص على توافق القيم، ومشاركة الوالدين، وتطبيق القواعد، وتعزيز عقليّة النموّ، وغيرها من العوامل التي تمكّننا من أن نؤسّس لنجاح الطلّاب على المدى الطويل.
المراجع
- Epstein, J. L. (2011). School, family, and community partnerships: Preparing educators and improving schools. Routledge.
- Dweck, C. S. (2006). Mindset: The new psychology of success. Random House.
- وزارة التعليم والتعليم العالي في قطر. (2023). الميثاق الأخلاقيّ للمدارس الخاصّة ورياض الأطفال في دولة قطر.
- الكيلاني، ز. (2018). دور الأسرة في دعم التحصيل الدراسيّ. دار الفكر العربيّ.