برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟
العمليّة التعليميّة هي عمليّة تشاركيّة، يقع على عاتق المعلّم الدور الأكبر فيها، لتشمل أهدافًا واضحة وإجراءات عمليّة. لكنّ هذا الدور يبقى محدودًا، إذا لم تُهيّئ له إدارة المدرسة المناخ التعليميّ المريح والمُحفِّز معنويًّا بالدرجة الأولى، لما للتحفيز من أثر في دافعيّة المعلّمين، وزيادة إنتاجيّتهم وإبداعهم. وعلى الإدارة العمل على توفير الدعم المادّيّ بكل السبل المتوفّرة، وتضمين سياساتها خططًا ومنهجيّات واضحة وفعّالة تكمّل دور المعلّمين، وتبلور رؤيتهم التعليميّة، لما فيه مصلحة المتعلّمين.
بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟
لقد كانت فترة التعليم عن بعد التي فرضتها جائحة كوفيد-19، مرحلة انتقاليّة في أساليب ووسائل التعليم. ولكنّ مفاعيلها امتدّت إلى مرحلة التعليم الوجاهيّ، لعدّة أسباب.
ومن تجربتي الشخصيّة، استفدت من المحتوى الذي كنت قد صمّمته في مرحلة التعليم عن بُعد، من دروس إلكترونيّة، وفيديوهات تعليميّة، وحتّى بعض التطبيقات والألعاب التعليميّة، والمواقع التعليميّة المهمّة، وأبقيت عليها، حاليًّا، كجزء أساس من عمليّة التعليم داخل الفصول الدراسيّة، نظرًا لأهمّيّتها في تحقيق الأهداف التعليميّة لكلّ الموادّ، وبالأخص مادّة الرياضيّات.
كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟
المدرسة هي المكان الأوّل الذي تتبلور فيه شخصيّة المتعلّم، وتبرز اهتماماته. في فصولنا الدراسيّة، نستطيع أن نميّز ميول واهتمامات طلّابنا. ومن هُنا، وجب علينا أن نراعي هذه الاهتمامات، ونغذّيها ونصقلها لنصل بها إلى الإبداع، ونوظّفها بشكل صحيح ليس فقط في مجالها، بل أيضًا في خدمة الأهداف التعليميّة؛ فيمكن للموسيقى مثلًا أن تحفّز بعض الطلّاب على سرعة الحفظ والاستيعاب، وحتّى الرياضة والأنشطة الرياضيّة يمكن أن تكون مدخلًا لبعض الأنشطة، والتي يمكن أن نشرح من خلالها أهدافًا تعليميّة، خصوصًا في مادّة الرياضيّات.
وهُنا، يكمن دور المعلّم المبدع الذي يستثمر اهتمامات طلّابه، وشغفهم ويوظفها في عمليّة التعليم.
هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟
المعلّم المؤهّل علميًّا، والمواكب لعلوم التربية فقط ليس بالضرورة أن يكون معلّمًا ناجحًا. التعليم ليس مهنة كباقي المهن، تشترط تحقّق مهارات محدّدة وحسب. المعلّم الناجح هو اجتماع المؤهّلات العلميّة المتجدّدة التي تواكب كلّ ما هو جديد، مع شخصيّة مرنة تتغيّر وتتلوّن مع احتياجات المتعلّمين، واختلاف أطيافهم وطباعهم ومهاراتهم، فالمعلّم يتعلّم منهم، كما يعلّمهم ويطوّر من ذاته تبعًا لتجاربه اليوميّة معهم.
على المعلّم أن يملك شخصيّة مبدعة توظّف كلّ ما يحيط بها من وسائل ماديّة ومعنويّة، لخدمة الأهداف التعليميّة؛ شخصيّة تبتعد عن التلقين، وتجعل من الطالب محورًا لعمليّة التعليم انطلاقًا من مبدأ "نحن لا يمكن أن نعلّم الأشخاص أيّ شيء، نحن فقط نحثّهم على التفكير".
ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟
للمعلّم دور رئيس في تطبيق التغيّرات التي تطرأ على عمليّة التعليم، وتحويل الأزمات إلى دروس مستفادة قابلة للتطبيق. إنّ تجربة التعليم عن بُعد كشفت ازدياد التحصيل العلّميّ للمتعلّمين، وذلك نظرًا للطرق الحديثة وغير التقليديّة التي استُخدمت، والتحضير غير المألوف للمادّة من قِبل المعلّم الذي حرص على تنويع الوسائط التي أثّرت في فهم المادّة، وجذب الانتباه، وزيادة التحصيل العلميّ لديهم.
بنيت مقاربتي التعليميّة المتجدّدة على هذه النتيجة. واستثمرتها في اعتماد الأساليب الحديثة والتنويع في الوسائط، بحيث تغطّي كلّ قدرات المتعلّمين واهتماماتهم، والتركيز على تنمية المهارات الفكريّة غير التقليديّة للمتعلّمين، والحرص على تمكينهم من امتلاك المهارات اللازمة.
من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟
الطالب الشغوف بالعلم هو الطالب الشغوف بالمعرفة، وهو الذي يتلقّف المعلومة ويخوض غمارها، ويطرح الأسئلة، ويتميّز عن أقرانه بدافعيّته نحو العلم. هذا النوع من الطلّاب تتوفّر لديه عناصر التميّز، فيجب أن نوليه اهتمامًا خاصًّا، ونساعده على الوصول إلى الإبداع والتفوّق، وأن نغذّي شغفه معنويًّا بالتحفيز، ومادّيًّا بالأساليب التعليميّة المتاحة.
ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟
التجديد والتطوير مطلوبان دائمًا في العمليّة التعليميّة، إلّا في ما يخصّ القيم التي تبقى ثابتة وضروريّة، مهما تغيّرت العصور.
يحقّق الزيّ المدرسيّ، من وجهة نظري، مجموعة من الأهداف التربويّة الأساسيّة، منها التحفيز على الاندماج في البيئة المدرسيّة، والولاء والمسؤوليّة المجتمعيّة. ويرتبط بشكلٍ مباشرٍ بمفهوم إزالة الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، والتي قد تظهر بين الطلّاب بسبب ملابسهم.
ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟
الرفاه المدرسيّ حلقة متكاملة تتحقّق بالأمان والإيجابيّة، والتواصل الإيجابيّ والفعّال بين عناصر العمليّة التعليميّة. من جهتي، أبحث عن تلك الإيجابيّة في إتقان العمل وجودته، فكلّما توفّرت تلك العناصر أصبح العمل ممتعًا، وأصبحت عمليّة التعليم ممتعة أكثر. والعنصر الأهمّ هو تحويل المشكلات والإخفاقات إلى تحدّيات لتطوير الذات، وتنمية المهارات أكثر، واعتبار التعليم عمليّة تواصل، وليس مجرّد تلقين تقليديّ. واستخدام الأنشطة التعليميّة التي تكسر رتابة التعليم التقليديّ؛ هذه الممارسات وانعكاساتها الإيجابيّة، تؤمّن الرفاه المدرسيّ للطالب والمعلّم على حدّ سواء.
ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟
بدأت مسيرة التطوير المهنيّ بالفعل، لكن مشوار التطوير يبدأ ولا ينتهي، ذلك لأنّ واقع التعليم يتطلّب مهارات متجدّدة لمواكبة التطوّر السريع. ومن الممكن اختصار المجالات التي أحرص على أن أتابعها في مجال التدريب، بأنها كلّ ما يختصّ باستخدام التكنولوجيا في التعليم وتوظيفها، وتكييف المحتوى التعليميّ ليتناسب مع أنماط التعليم واحتياجاته.
بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟
للنجاح في مهنة التعليم مقوّمات عديدة، من امتلاك المهارات العلميّة، ومهارات التواصل الفعّال وغيرها. ولكنّ النصيحة الأهمّ التي يمكن أن أسديها للمعلّم المبتدئ، بحسب خبرتي، هي أن يخاطب وجدان طلّابه قبل أن يخاطب عقولهم؛ أي أن يحرص على التواصل الإيجابيّ معهم، فإن نجح في الأولى سينجح في الثانية. والنصيحة الثانية هي أن يعلّمهم التفكير قبل أن يلقّنهم الأفكار والمعلومات، وأن يحثّهم على الإبداع، ويغرس فيهم القيم، وأن يكون قدوتهم لأنّ المعلّم مربٍّ بالدرجة الأولى.