لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
أعتقد أنّي محظوظة، لأنّ ما كنت أريده كطالبة أحقّقه اليوم مع تلاميذي؛ من تعلّم تعاونيّ، وتوفّر منصّات تعلّم للقراءة، وإتاحة المجال للمناقشات الصّفّيّة، وتعلّم المهارات البحثيّة وتوظيف التّكنولوجيا، ومراعاة الفروق الفرديّة، وتوفّر قصص متنوّعة المواضيع والمستويات، واعتماد تقييم تكوينيّ مستمرّ بعيد كلّ البعد عن الحفظ والحشو، بمعنى آخر تعليم قائم على المتعلّم. لكن ما أودّ وجوده كطالب ومدرّس هو ألعاب تعلّميّة باللّغة العربيّة ممتعة مقارنة باللّغات والموادّ الأخرى.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
بما أنّي أُدرّس برنامج السّنوات الابتدائيّة (البكالوريا الدّوليّة)، فالمعرفة جزء من البرنامج، والمهارات جزء أيضًا، ولا يمكن تدريس المعارف كـ "معرفة معزولة"، إنّما يتمّ دمج تعلّم المعارف بالمهارات من خلال تعزيز مهارات التفكير النقديّ والإبداعيّ، واحترام وجهات النظر، والتعلّم التعاونيّ، واتّخاذ القرارات، والتواصل الفعّال، ومراعاة المشاعر الذاتيّة ومشاعر الآخرين. فالدمج بين المعارف والمهارات يسهم في نموّ شخصيّة المتعلّم بشكل متوازن أكاديميًّا واجتماعيًّا.
كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
أعتقد أنّ أيّ مهنة تتطلّب تدخّلًا أو وجودًا بشريًّا لا يمكن للتكنولوجيا أن تحلّ محلّه بشكل كامل، بخاصّة المهن التي تتطلّب تفاعلًا، ومن بينها مهنة التعليم. فلا يزال للمعلّم دور تعجز التكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعيّ عن القيام به. فهل يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يفهم احتياجات المتعلّمين الفرديّة؟ هل يمكن أن يعزّز القيم والهويّة؟ هل يمكن أن يتعامل مع التحدّيات التي تواجه المتعلّمين في يوميّاتهم؟ كلّ هذه التّساؤلات تحتاج إلى وجود بشريّ يتفاعل معها. فالمتعلّم يحتاج إلى الإشراف والتّوجيه والتّشجيع والتّحفيز لينمو اجتماعيًّا وعاطفيًّا وأكاديميًّا. فهل يستطيع الذكاء الاصطناعيّ القيام بذلك؟
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
باعتقادي، كلّ مدرسة بحاجة إلى وجود مشرف تربويّ، إذ ينضمّ إلى المدارس كلّ سنة مدرّسين جدد في مهنة التدريس. وهؤلاء بحاجة إلى من يرشدهم، ويوجّههم، ويقدّم الدّعم إليهم. وهذا لا يعني أنّ المدرّسين ذوي الخبرة لا يحتاجون إلى ذلك، بل على العكس، نحن نعيش في عالم سريع التغيّرات، وهذه التغيّرات تتطلّب تعليمًا مرنًا ومبتكرًا، فمهمّة المشرف التربويّ التعاون مع المدرّسين من أجل تحسين جودة التّعليم وتطوير الممارسات والأساليب التعليميّة.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
مع بداية العام الدراسيّ، يحرص المدرّسون مع المتعلّمين على وضع اتفاقيّة للصفّ، تتضمّن القوانين التي يجب تطبيقها، ومن ضمنها السلوكيّات والتصرّفات والنتائج. هذا بالإضافة إلى وجود مدوّنة قواعد سلوكيّة يوقّع عليها المتعلّمون. بالنسبة إلى النزاعات داخل الصفّ، غالبًا ما تنشأ بسبب قلّة تفاعل المتعلّمين مع الأنشطة الصفّيّة، أو عدم انشغالهم بمهامّ، أو شعورهم بالملل خلال الحصّة. هذا لا يعني أنّ الأمر لا يخلو من حصول مشاكل، أو نزاعات بين المتعلّمين، لكن يبقى التحدّث والتواصل بين طرفَي النزاع هو الأمثل، إذ يمكن للمدرّس أن يؤدّي دور الوسيط في توجيه الحوار بين طرفَي النّزاع، من خلال طرح أسئلة إرشاديّة تساعد المتعلّمين في التّعبير عن مشاعرهم ووجهات نظرهم باحترام. كما يمكن الطلب إلى طرفَي النزاع التأمّل في المشكلة الّتي حصلت وإيجاد حلول لحلّها. بمعنى آخر، نطبّق مع المتعلّمين حلقات الإرشاد والتّوجيه (تحديد المشكلة، التفكير في الحلول، اكتشاف النتائج، اختيار الحلّ المناسب)، وهذا ما سيساعدهم في تنمية مهارة حلّ المشاكل. وفي حال تأزّم المشكلة، يمكن الاستعانة بالمرشد، أو الأهل، أو الإدارة.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، فما بالكم في التدريس؟ إنّ أيّ أداة، أو أيّ مصدر إذا استُخدِمَ على النّحو الأفضل، سيكون إيجابيًّا. فإنّ كان الهدف من توظيف التكنولوجيا في الحصّة تعزيزًا لمهارة ما، أو تحقيقًا لهدف تعليميّ محدّد، أو لإرشاد المتعلّمين حول كيفيّة إجراء خطوات بحث على سبيل المثال، أو ملاحظة وجود تقدّم في أداء المتعلّمين، بالتّأكيد هذا التّوظيف إيجابيّ. لكنّ المؤكّد، أنّ الاعتماد الدائم على التكنولوجيا في التدريس ليس دومًا إيجابيًّا، وخير دليل ما حصل خلال فترة كوفيد. لا بدّ من الحفاظ على التوازن بين العنصر البشريّ والتكنولوجيّ، إذ لا يمكن الاستغناء في الصفّ عن وجود التفاعل البشريّ، والمناقشات، وتبادل الآراء، والعمل التعاونيّ، والتواصل الفعّال، فالأدوات التكنولوجيّة لا يمكنها أن تحقّق كلّ ما سبق.
هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟
الأهل شركاء في العمليّة التعليميّة وجزء من المجتمع المدرسيّ، وبالتالي دورهم تلقائيّ في تعلّم طفلهم. إنّ متابعتهم تعلّمَ طفلهم والاهتمام به والاستماع إلى أفكاره ومناقشتها، يسهم جدًّا في نموّه العاطفيّ والاجتماعيّ والأكاديميّ. كما أنّ لتوفير بيئة آمنة ومريحة للدّراسة في المنزل أثرًا في تعلّم الطفل. لكنّ التدخّل الدائم ليس مصدر دعم فعّال، إذ يقلّل من نسبة الاستقلاليّة وتحمّل الطفل المسؤوليّة. في المقابل، من الضروري تواجد الأهل عند وجود صعوبات تعلّميّة عند الطّفل، لتقديم الدعم الإضافيّ والنصح والتوجيه، والتشجيع على تحقيق أقصى إمكانيّاته. ولنتذكّر دومًا: أولادنا ليسوا لنا، إنّما هم أبناء الحياة، فلنسلّحهم بالمهارات اللّازمة الّتي تدعمهم الآن وفي المستقبل.
هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟
هل الهدف من الكتاب المدرسيّ الحصول على المعلومة؟ المعلومات نستطيع الحصول عليها بكبسة زرّ. هل الهدف من الكتاب المدرسيّ تعلّم مهارات المادّة؟ يمكن تعلّمها من خلال مصادر متنوّعة وأنشطة متعدّدة. وفي حال يُنظر إلى الكتاب المدرسيّ على أنّه موحّد لجميع المتعلّمين، فهل يراعي قدرات كلّ متعلّم؟ من وجهة نظري، يعدّ الكتاب المدرسيّ مصدرًا من مصادر التعلّم، ومصادر التعلّم عديدة، فلم تعد المعلومة محصورة في الكتاب المدرسيّ الموحّد لجميع المتعلّمين. فالقصص المتعدّدة المستويات مصدر للتعلّم، وكذا المكتبة، والمنصّات الإلكترونيّة، والمجلّات، والمكتبة البشريّة، والمصادر الإلكترونيّة وغيرها من مصادر التعلّم التي تساعد في تنمية مهارات المتعلّم.
كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟
لا يوجد إثبات علميّ يؤكّد أنّه كلّما زادت مدّة الدوام المدرسيّ، زادت نسبة التلاميذ المتفوّقين. بل على العكس، كلّما زاد عدد ساعات التدريس قلّ الإبداع والنشاط. من وجهة نظري، يُفضّل أن تتراوح مدّة الدّوام الدّراسيّ بين 4 و5 ساعات، ولا سيّما في المرحلة الابتدائيّة، كَوْن الطّفل يتفاعل بشكل أفضل خلال الحصص الأولى من اليوم. يمكن أن يُخصّص الوقت بين 12 ظهرًا- 2 من بعد الظهر للأنشطة، مثل السّباحة، المسرح، المباريات الرياضيّة، الأعمال اليدويّة، وغيرها من الأنشطة التي تسهم في تطوير المتعلّم ونموّه إلى جانب التعلّم داخل الفصل الدراسيّ، وخير دليل على ذلك التجربة الفنلنديّة.
صِفي لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمةً عنوان رواية لذلك، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
"تعلّم مدى الحياة"، عنوان مقتبس من برنامج البكالوريا الدوليّة الذي يهدف إلى إعداد متعلّمين مدى الحياة. تطبّق مدرستي برنامج البكالوريا الدوليّة في مختلف المراحل الدراسيّة، ونسعى كمدرّسين من خلال هذا البرنامج إلى تطوير مهارات المتعلّمين، وليس تزويدهم بالمعرفة فحسب، وإلى تنميتهم كمواطنين عالميّين من خلال التطرّق إلى القضايا العالميّة ومعالجتها، ومحاولة اتّخاذ فعل كما يحصل في معرض الصفّ الخامس (معرض نهاية برنامج السّنوات الابتدائيّة).