يعود أصل مفهوم الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ (Generative AI) في التعليم، إلى التطوّرات التي شهدها مجال الذكاء الاصطناعيّ منذ منتصف القرن العشرين، حين بدأ الباحثون في استكشاف تقنيّات التعلّم الآليّ، والنماذج الحسابيّة التي تتعلّق بالتعلّم والتكيّف. في ذلك الوقت، اقتصر الاستخدام المبكّر للذكاء الاصطناعيّ على أنظمةٍ تعتمد على القواعد، وتقدّم دروسًا وتمارين في مجالاتٍ محدّدةٍ، منها: الرياضيّات واللّغة. ومع تقدّم الأبحاث، ظهرت أنظمة التعليم الذكيّ في الثمانينيّات والتسعينيّات، والتي استطاعت تقديم ملاحظاتٍ شخصيّةٍ دقيقةٍ للطلّاب.
تحقّق التطوّر الحقيقيّ في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، مع تقدّم تقنيّات التعلّم العميق، ما أتاح للذكاء الاصطناعيّ إمكانيّة إنتاج محتوًى جديدٍ، بدلًا من الاقتصار على الاستجابة لمحدّداتٍ مسبقة. اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ عنصرًا رئيسًا في تعزيز تجارب التعلّم، بإنشاء تمارين وموادّ تعليميّةٍ مخصّصةٍ تفاعليًّا، ما يتيح استراتيجيّاتٍ تعليميّةً تتّسم بالتفاعل، والتكيّف، والشموليّة (Kumar et al, 2023).
يشير مصطلح الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ في التعليم إلى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعيّ القادرة على توليد محتوًى أو أفكارٍ أو حلولٍ جديدةٍ، لتعزيز التعلّم والتدريس، استنادًا إلى البيانات المتاحة. وعلى عكس الذكاء الاصطناعيّ التقليديّ الذي قد يركّز على معالجة المعلومات الموجودة أو تحليلها، يمكن للذكاء الاصطناعيّ التوليديّ إنشاء موادّ تعليميّةٍ مخصّصةٍ، وتصميم مناهج محدّدة، وتوليد أسئلةٍ تدريبيّةٍ، ومحاكاة سيناريوهات العالم الحقيقيّ، أو حتّى تطوير أدواتٍ دراسيّةٍ تفاعليّة (Sharma & Bozkurt, 2024).
في الجانب التطبيقيّ، يسهم الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ في تخصيص التعليم، بالتكيّف مع أسلوب تعلّم كلّ طالبٍ ووتيرته واهتماماته. إنشاء محتوىً تعليميّ يتكيّف مع احتياجات الطلّاب الفرديّة يمكن أن يُحدِث ثورةً في التعليم، لقدرته على تصميم تمارين واختباراتٍ ومساعداتٍ دراسيّةٍ تفاعليّةٍ، تعتمد على مستوى فهم كلّ طالبٍ وسرعة تقدّمه. ولقدرته أيضًا على تقديم تغذيةٍ راجعةٍ فوريّةٍ، تساعد الطلّاب في تصحيح الأخطاء، واستيعاب الأفكار المعقّدة بثقةٍ أكبر (Poddar et al, 2024).
يساعد الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ المعلّمين في تخطيط الدروس وتطوير المحتوى، باستخدام شرائح وموادّ عرضٍ، ما يتيح لهم التركيز على الأنشطة المؤثّرة، مثل: التفاعل داخل الفصل الدراسيّ، وإرشاد الطلّاب. كما يحرّرهم من الأعباء التحضيريّة الروتينيّة، إلى جانب إنتاجه مجموعةً واسعةً من أسئلة الاختبارات، بمستوياتٍ متعدّدةٍ من حيث الصعوبة والتنوّع، فضلًا عن صياغة تنسيقاتٍ مختلفةٍ، مثل: الاختيار من متعدّد، أو المقال، أو حلّ المشكلات، أو إنشاء مفاتيح الإجابة تلقائيًّا (Pratschke, 2024).
يتيح الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ المختبرات الافتراضيّة والمحاكاة، ما يُعدّ فرصةً قيّمةً للطلّاب في الموادّ التي تتطلّب ممارسةً عمليّةً، مثل: العلوم والهندسة. كما يتمكّن من إنشاء محاكاةٍ لسيناريوهاتٍ من الحياة الواقعيّة، تسمح للطلّاب بخوض تجارب عمليّةٍ في بيئةٍ رقميّةٍ خاضعةٍ للرقابة، والتي تُعدّ ذات أهمّيّةٍ خاصّةٍ، عندما تكون الموارد المادّيّة محدودة. هذا إلى جانب دعم التعلّم القائم على السيناريو وتأدية الأدوار؛ فيتمكّن طلّاب الطبّ، على سبيل المثال، من ممارسة التشخيص الطبّيّ. أو طلّاب الأعمال من خوض تجارب التفاوض التجاريّ. يسهم هذا الأسلوب في تعزيز الفهم والتطبيق العمليّ للمعرفة النظريّة في بيئاتٍ أقرب إلى الواقع (Jew, 2023).
تعزّز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ تعلّم اللّغات بتقديمها تمارين لغويّةً مخصّصةً، وترجمةً للنصوص، وإتاحة فرص ممارسة المحادثة بعدّة لغاتٍ، ما يجعلها أداةً قيّمةً في دورات اللغة، حيث تكتسب الممارسة المستمرّة والتغذية الراجعة الفوريّة أهمّيّةً كبرى. كما تدعم هذه التكنولوجيا الكتابة الأكاديميّة باقتراح تحسيناتٍ، والتحقّق من القواعد النحويّة، وتلخيص المستندات الكبيرة، وتقديم مسوّداتٍ أوّليّةٍ، الأمر الذي يسهم في تطوير مهارات الكتابة لدى الطلّاب، مع التركيز على الإبداع والتفكير النقديّ.
أخيرًا، يسهم الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ في تعزيز التعليم، بإنشاء وحدات تعلّمٍ أخلاقيٍّ واجتماعيٍّ تعكس معضلاتٍ واقعيّةً، الأمر الذي يتيح للطلّاب التنقّل بين سيناريوهاتٍ تتطلّب اتّخاذ قراراتٍ أخلاقيّة. تعزّز هذه التجارب التعلّم الاجتماعيّ والعاطفيّ، ومع هذا، من الضروريّ موازنة الذكاء الاصطناعيّ مع التفاعل البشريّ، بحيث يتمّ دمجه بشكلٍ يعزّز الجوانب الإنسانيّة في التعلّم، مثل: الذكاء العاطفيّ، والتعاطف، والتفاعل الاجتماعيّ؛ لتطوير تجربةٍ تعليميّةٍ متكاملة (Gaur, 2024).
المراجع
- Gaur, L. (2024). Generative Artificial Intelligence and Ethics: Standards, Guidelines, and Best Practices. IGI Global.
- Jew, S. (2023). Generative AI in Teaching and Learning. IGI Global.
- Kumar, S., Roy, S. & Chakraborty, U. (2023). Rise of Generative AI and ChatGPT: Understand how Generative AI and ChatGPT Are Transforming and Reshaping the Business World. BPB Publications.
- Podder, S., Doshi, R., Dadhich, M. & Hiran, K. (2024). Integrating Generative AI in Education to Achieve Sustainable Development Goals. IGI Global.
- Pratschke, B. (2024). Generative AI and Education: Digital Pedagogies, Teaching Innovation and Learning Design. Springer.
- Sharma, R. & Bozkurt, A. (2024). Transforming Education with Generative AI. IGI Global.