التعليم في غزّة منذ السابع من أكتوبر: إبادة تعليميّة ومعجزة الصمود
التعليم في غزّة منذ السابع من أكتوبر: إبادة تعليميّة ومعجزة الصمود
سامية بشارة | المديرة التنفيذيّة لمؤسّسة ترشيد - قطر

مقدّمة جلسة قُدّمت في المنتدى السنويّ لفلسطين- 2025، والذي نظّمه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة. كانت الجلسة بعنوان "التعليم في غزّة منذ السابع من أكتوبر: إبادة تعليميّة ومعجزة الصمود"، من تنظيم مجلّة منهجيّات، في الدوحة 26 كانون الثاني/ يناير، 2025.

في سياق تاريخيّ ممتدّ، عانى الشعب الفلسطينيّ أحداثًا مأساويّةً ألقت بظلالها على حاضره ومستقبله؛ يذكر التاريخ منها نكبة عام 1948، والتي كرّست أزمةً كبرى خلّفت آثارًا داميةً على أرض فلسطين التاريخيّة، وفي الذاكرة الجمعيّة للفلسطينيّين. فهجّر الفلسطينيّون ودمُّرت القرى واحتُلّت المدن، وارتُكبت المجازر. وقد سعى الفلسطينيّون على مدار العقود اللاحقة لتوثيق هذه النكبة، لحفظ ذاكرتهم الجمعيّة التاريخيّة، عن انكسار المكان وجرح التاريخ واللجوء المرير.

وفي السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، شنّت إسرائيل حربًا على الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة. لم يكن من الصعب الاستنتاج، نتيجة الضربات القاسية والقويّة التي شنّها الاحتلال الإسرائيليّ، أنّنا أمام حرب ستشكّل دمارًا جديدًا في المكان والزمان الفلسطينيّين. وقد كان ذلك. دمّر الاحتلال الإسرائيليّ معالم الحياة جميعها في قطاع غزّة، في حرب بثّت مباشرةً أمام العالم الذي تحرّك قولًا، بخجل مثقل بالخطاب الإنسانيّ الملزِم، ولم يتحرّك فعلًا بالثقل اللازم لوقف مقتلة استشهد فيها إلى الآن أكثر من 50 ألف فلسطينيّ، ودمّرت فيها القطاعات الصحّيّة والتعليميّة والثقافيّة. وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض المحاولات البحثيّة الراهنة في المقارنة بين حدثَي النكبة والإبادة، لا نرى فيهما إلّا امتدادًا لمسعًى استيطانيّ استعماريّ واضح ومباشر في فلسطين.

 

إبادة تعليميّة

في نيسان/ أبريل 2024، أصدر خبراء أمميّون بيانًا حذّروا فيه من إبادة تعليميّة (Educide)، والتي تشير، بحسب التعريف الوارد في البيان، "إلى المحو المنهجيّ للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلّمين والطلّاب والموظّفين، وتدمير البنية التحتيّة التعليميّة". هذه الشروط تحقّقت جميعها في غزّة، إذ استشهد أكثر من 13 ألف طالب من مدارس قطاع غزّة والضفّة الغربيّة وجامعاتهما، وأصيب أكثر من 21 ألفًا منذ بدء حرب الإبادة، واستشهد أكثر من 800 من كوادر مدارس غزّة والضفّة، وأصيب 3865 آخرون. كما تعرّضت 490 مدرسةً وجامعةً إلى قصف وتخريب، أدّيا إلى تدمير 123 منها بشكل كامل.

وفي عالم مواز اسمه غزّة، كان الأمل ينمو على أيدي الغزّيّين وسط قصف وموت وأشلاء ودمار؛ فانطلقت مبادرات تعليميّة عديدة، فرديًّا ومؤسّساتيًّا، عكست معاني أصيلةً لدى المجتمع الفلسطينيّ بشكل عامّ، والغزّيّ تحديدًا، وبنت نهجًا بسياق الفعل، يقوم على تقديم دعم عاطفيّ اجتماعيّ في المرحلة الأولى، ومن ثمّ تعزيز المهارات القرائيّة في مرحلة ثانية.

وبإلهام من المعلّمات والمعلّمين الغزّيّين، ومبادراتهم التي تسعى لتكوين معنىً للحياة في ظلّ ما يمرّر إليهم من رسائل الموت، بنينا في منهجيّات قاعدةً تشبيكيّةً بين عدد من المؤسّسات التعليميّة والمعلّمات والمعلّمين في فلسطين، وأطلقنا لقاءات تحاوريّةً وتجاوريّةً يُناقش فيها الواقع التربويّ في غزّة، وما يحدث من تدخّلات ومبادرات. ولتعزيز هذا التفاعل، استحدثنا قسمًا خاصًّا في موقع منهجيّات تحت عنوان "مدوّنة غزّة"، تُنشر فيه نصوص مجموعة من المعلّمات والمعلّمين الممارسين لعمليّة التعلّم، لتسليط الضوء على مبادراتهم وتجاربهم على الأرض.

ومن هنا، انطلقت فكرة الجلسة التي نظّمتها منهجيّات في المنتدى السنويّ لفلسطين، بالشراكة مع المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، بعنوان "التعليم في غزّة منذ السابع من أكتوبر: إبادة تعليميّة ومعجزة الصمود"، يوم الأحد الموافق 26 كانون الثاني.

تناولت الجلسة تجربة التعليم في غزّة، في مراحلها المُختلفة، منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ بدء تعرُّض قطاع غزّة إلى حرب إبادة جماعيّة. واستعرضت التأثير الكارثيّ لحرب الإبادة في العمليّة التعليميّة، ضمن أربعة محاور: 

المحور الأوّل: دور المعلّم واختلاف هذا الدور في الحرب، واستجابة المعلّم المختلفة خلال الحرب لمتطلّبات المتعلّم

يعرض المحور التحدّيات غير المسبوقة التي واجهها المعلّمون في غزّة، وكيف تغيّر دورهم من معلّمين إلى دور تكامليّ بالمعنى الواقعيّ للكلمة؛ حين أدّى المعلّم دور العائلة والمرشد الاجتماعيّ والنفسيّ، إلى جانب دوره معلّمًا للقرائيّة ومهارات أساسيّة ضمن مبادرات محلّيّة بسيطة فرديّة تحت الصواريخ، وكيف استطاع التكيّف مع الظروف المستحيلة لتلبية احتياجات الطلّاب الأوّليّة.

 

المحور الثاني: دور المجتمع المحلّيّ في التعليم، ودعمه

يرصد المحور الثاني تطوّر دور المجتمع وتفاعله مصدرًا أساسيًّا للدعم النفسيّ والاجتماعيّ، مع ازدياد قسوة العدوان، بما قدّمه هذا الدعم من احتواء للنازحين، وللنسيج الذي أسهم في دعم جمعيّ. ويعرض تعدّد أشكال هذا الدعم بأشكال التعليم الشعبيّ التي ظهرت نتيجة الحاجة إلى الاستمرار، ودور الأهل في احتضان المبادرات التعلّميّة وإصرارهم على مشاركة أبنائهم فيها. 

 

المحور الثالث: دور مؤسّسات المجتمع المدنيّ في الاستجابة

يتناول هذا المحور الجهود المبذولة من قبل منظّمات المجتمع المدنيّ ومؤسّساته المحلّيّة في غزّة، وكيف قامت بتوفير حلول بديلة، وتقديم برامج ومناهج مؤقّتة عبر مجموعة مشاريع وعلاقات نسجتها مع المبادرات الفرديّة التي انتشرت في مواضع اللجوء.

 

المحور الرابع: عن دور الوزارة وصانعي السياسات والمنظّمات الدوليّة في التعليم منذ السابع من أكتوبر

يسلّط المحور الضوء على استجابة صانعي السياسات التربويّة، من وزارة التربية والتعليم إلى المنظّمات الدوليّة الكبرى في غزّة خلال الحرب، وإسهاماتها المختلفة. ويعرض الآثار الإيجابيّة لهذا الدور، لا سيّما في ظلّ الظروف الصعبة. كما يقدّم تساؤلات حول الإمكانيّات التي لم تستغلّ، وبعض القرارات التي كان يمكن أن تقدّم خدمةً أفضل من وجهة نظر التربويّين الغزّيّين.