التعليم والتعلّم في زمن الحجر
التعليم والتعلّم في زمن الحجر

نظمت مجلة منهجيات ندوة إلكترونية في جزءين تحت عنوان "التعليم والتعلم في زمن الحجر: تأملات في تجارب لمعلمين ومعلمات من العالم العربي"، في سياق سلسلة ندوات تنظمها المجلة، لمواصلة النقاش حول القضايا التي أثارها، ولا يزال يثيرها، اعتماد التعليم والتعلم عن بعد في زمن جائحة كورونا.

عُقدت هذه الندوة الإلكترونية بهدف تشارك المعلمين والمعلمات تجاربهم التعليمية التي عاشوها، وأفكارهم التي استنبطوها، والآليات التي اعتمدوها لتدبير العمليات المتصلة بالتعليم والتعلم.

 

حاور وسيم الكردي من فلسطين المشاركين في الندوة، الذين قدموا تجاربهم في التعليم عن بعد من زوايا مختلفة، تضمنت مواقف حية، وتحديات عملية ونظرية، وتوقعات استشرافية لمسقبل المدرسة في ظل استمرار التعليم عن بعد بوصفه النهج الأمثل للتعليم والتعلم في زمن الجائحة.

 

وفي تدخلها، في الجزء الأول من الندوة، أكدت ميسون سليمان، معلمة من لبنان، أن تجربتها في التعليم عن بعد مع طلاب الصفوف العليا بدأت منذ سنتين، ولقيت تفاعلا، بينما في ظل جائحة كورونا أحس الطلبة بأنهم مجبرون على التعلم بهذا الأسلوب فقلّ تفاعلهم. وصرحت بأن انقطاع الكهرباء في لبنان شكل تحديا حقيقيا، اضطر معه المعلمون للتدريس ليلا. وكان حضور الطلاب لا يتجاوز خمسين بالمائة، ونسبة تفاعلهم وصلت إلى خمسة وعشرين بالمائة فقط. ورغم التحديات الذاتية للتجربة، كضعف الإحساس بالمسؤولية لدى الطبة، وافتقار المعلمين للتكوين المطلوب مرحليا، إلا أن الساحة التعليمية شهدت قيام مبادرات تعليمية ناجحة. وختاما تقول ميسون: "إن التعليم عن بعد في المدارس الرسمية في لبنان فشل فشلا ذريعا، أمّا في المدارس الخاصة فقد كان ناجحا إلى حدّ ما، وهذا يتعلّق بجمود المناهج منذ عام 1997م، بالإضافة إلى الحذف والتقليص اللذين لحقا هذه المناهج فأفقداها تماسكها، وعلاقتها بالحياة".

 

من جهته أكد المعلم الحسين المهاوش من المغرب، أن التعليم عن بعد شأنه شأن جميع العمليات التربوية تخضع لمجموعة من العوامل التي تضمن له النجاح، أو تتسبب في تراجع مردوده. ذلك أن الوسط الذي ينحدر منه المتعلّم يشكّل عاملا مهمّا في قدرته على التعلّم عن بعد. وشدّد على أن الأسرة هي الأساس في تكوين الطفل، لكن ثمة عوامل أخرى تتعلق بتوفّر المعدّات. وأشار إلى أن ظروف الجائحة كشفت عن العلاقة الوجدانية بين المعلم وطلبته، والتي لعبت دورا في تحسين جودة التعليم. وأضاف المهاوش أن فترة التعلم عن بعد كانت فرصة للتفكير في الأنشطة الموجهة إلى المتعثرين. ودعا المعلمين إلى بناء أنفسهم وفق الطبيعة الجديدة للتعليم والتدرب على استخدام الأدوات الرقمية.

 

أما المعلمة ريمان نمر من مصر، فقدّمت عرضا حيّا لما تفرضه التقنية من تحديات وما تخلقه من فرص. وبالنسبة للتحديات ربطتها ريمان بمدى معرفة المعلمين بالمنصات المستخدمة، ومخاوف الطلبة وأولياء أمورهم، وتطلب المرحلة نوعا من الموازنة بين الأنشطة التي يجب إكمالها عبر الشبكة، والمهمات التي تتطلّب إبداعا وحركة بعيدا عن الوسائط الرقمية. ودعت إلى تصميم أنشطة مناسبة للذكاءات والاحتياجات والقدرات وطرائق التعلّم المختلفة، مع ضمان أمن الطلبة وسلامتهم. وأكدت ريمان أن نجاح المنظومة التعليمية في الاستجابة لتحدّيات التعليم عن بعد يعود إلى حسن التواصل، واستطلاع الآراء، والدعم في سبيل التمكين، وجمع المعلومات والأدلة، واجتماعات المعلمين وتدرّبهم.

 

أما المعلمة دينا أبو دية من فلسطين، فركزت في مداخلتها على تجربتها في استخدام الوسائل الرقمية في تنمية خيال المتعلمين. فأكدت أنه بتوقف المدارس عن العمل، في ظل جائحة كورونا، أصبح لدى الطلاب متسع من الوقت ينبغي استثماره في تنمية خيالهم، وقدراتهم العقلية، ومهاراتهم التقنية والأدائية. متسائلة عما يمكن أن نستفيده من تجربة العمل عن بعد، ونحمله معنا إلى التعليم الصفي في المستقبل، بعد انجلاء الأزمة. ودعت دينا إلى إعادة النظر في منظومة التعليم ككل، وتغيير الواقع بما يتناسب واحتياجات الطلاب في هذا العصر الرقمي. مشددة على أن الطرائق التي استخدمت منذ ثلاثين عاماً قد انتهت مدة صلاحيتها لاختلاف طبيعة الحياة، وطرق التعامل معها، واختلاف الأدوات ووسائل الاتصال والتواصل. واختتمت دينا باقتراحات يمكن أن تساعد في عملية التعلم التحويلي.

 

في الجزء الثاني للندوة، تحدثت المعلمة هلا أبو عناب من الأردن، عن تجربتها في تعليم الطلاب عن بعد، وكشفت عن قلقها في بداية التجربة، مع أن طلابها كانوا متحمسين في الدروس الأولى. وعملت هلا على خلق تجربة تعلم تشاركها الطلاب مع أهاليهم. وصرحت هلا أن الطلاب الذين لم يكونوا يتفاعلون كانت تتحدث إليهم بشكل فردي وتسألهم عن سبب عدم تفاعلهم، وتتواصل معهم اجتماعيا، وتشجعهم ليشاركوا. أما عن الاختبارات الإلكترونية فتؤكد هلا أنها صاغتها بشكل يخفف التوتر. وفي تقييمها لتجربتها عن بعد صرحت: "لا أستطيع القول إنني نجحت نجاحا باهرا أبدا، لكن أستطيع القول إنني بذلت جهدي بإمكاناتي ومعرفتي في ذلك الوقت، وإذا أعدت التجربة فسأغير وأطور في وحداتي. تعلمت من هذه التجربة أن التعلم عن بعد يفتقد في أوقات معينة للحس الإنساني أو التواصل والتفاعل الإجتماعي". ودعت هلا المعلمات لبذل مجهود أكبر للتواصل، وبناء علاقة مع الطالبات، وتنويع الأساليب. واختتمت بقولها "إن العلاقة بين الطالب والمعلمة هي الأساس، ويجب أن نحافظ عليها حتى في التعلم عن بعد".

 

في مداخلتها رأت، المعلمة روزان علو من قطر، أن التعليم المدمج، المتبع في النظام التعليمي في الأكاديمية العربية الدولية، أهَّل إلى حد كبير رحلة التعليم والتعلم عن بعد، في هذا الوضع الطارئ. وكشفت أن الأكاديمية وضعت أكثر من خطة اعتمدت فيها المرونة، وراعت فيها ظروف أولياء الأمور. وساعد في ذلك تزويد الأكاديمية للمعلمين بحواسيب منذ بداية العالم الدراسي، واستخدام الأطفال الأجهزة الإلكترونية داخل القاعات الصفية. وأكدت روزان أن التعليم عن بعد لا يزال يحتاج المزيد من التخطيط، والمزيد من تبادل الخبرات، ومعظمنا لا يزال في بداية رحلة البحث في هذا العالم الجديد والواسع، واختتمت بقولها: "التعليم عن بعد لا يغني عن التعليم الصفي، ولا يمكن أن يحل مكانه في جميع المراحل، و بشكل خاص في مرحلة الروضة؛ فهناك تجارب فريدة، هناك مشاعر لا يعيشها الأطفال إلا داخل القاعات الصفية مع أقرانهم ومع معلماتهم، والتعليم الرقمي سيترك فجوة كبيرة و لكنه كان الخيار المتاح أمامنا".

 

ومن منطلق تجربتها في التعليم عن بعد، تحدثت المعلمة سوسن مرعي من فلسطين، عن التقسيم المرحلي للتجربة، بدءا من رحلة الإبحار في عالم تكنولوجي واسع بحثا عن الوسيلة الأنجع للتعليم الرقمي، مرورا بحالة من الفوضى والتشتت، ووقوفا عند مرحلة الثبات والسيطرة. وأكدت سوسن أن وجهة نظر الطلاب من التعلم عن بعد كانت سلبية، ما كشف عن تمركز أولوياتهم على الجانب الاجتماعي الحسي، والعلاقات التي تجمعهم بالمعلمين والأقران في الصّف. وأضافت واصفة صعوبة الموقف: "لقد وقعنا كمعلمين ما بين مطالب الوزارة وإدارة المدرسة والأهل؛ فلكل منهم غايات وأهداف وطلبات وقعت كلها على عاتق المعلم، الذي هو ذاته أيضا كان يمر بنفس الأزمة وعليه أن يواجهها، ويقلق لنفسه ولمن حوله".