تقرأُ نصًّا من الشعر الجاهليّ، فتجدُ صعوبة في قراءة بعض مفرداته وفهم معانيها. تعيدُ القراءة مرّة أخرى، تقطّع الكلمات في ذهنك إلى أصوات ومقاطع، تركّبها من جديد وتدمجها، تُعيد لفظها الآن بالنطق الصحيح، فتصبح سهلة اللفظ في فمك، وواضحة المعنى في ذهنك.
يحدث هذا معك وأنت مَن يُعلّم اللغة العربيّة للطلبة في المدارس.
التجارب السيّئة في التعلّم هي التي جعلت الطالب يتعثّر في قراءة نصّ السؤال في الامتحان، أو عدم استطاعته قراءة نصّ الكتاب المنهجيّ بطريقة عاديّة، أو إخفاق كثير من طلبة المدارس العرب في الحصول على معدّلات مناسبة لمراحلهم النمائيّة بالاختبارات الدوليّة التي تقيس نسبة الفهم القرائيّ، أو القرائيّة، أو الطلاقة في القراءة. لكنّ المعلّم المثابر هو الذي لا يضيّع وقته في البحث عن أسباب تلك التجارب السيّئة، ومعرفة مرتكبيها ثمّ محاولة محاكمتهم، أو التحدّث عنهم بينما يعفي نفسه من المسؤوليّة، وسيصبح في العام القادم واحدًا من هؤلاء الذين يصدر أحكامه عليهم.
الطالب المتعثّر قرائيًّا الآن في عهدة معلّم، وفي غرفته الصفّيّة، والمعلّم المثابر لن يترك هذا الطالب المتعثّر وحيدًا، لن يكون هذا المعلّم إضافة جديدة إلى تجارب الطالب المتعثّر السيئة في التعلّم.
مثلما فعل المعلّم، في مستهلّ هذه التدوينة مع نفسه، عندما تعثّر في قراءة مفردات النصّ الشعريّ الجاهليّ، سيفعل ذلك في الحصّة المدرسيّة مع الطالب المتعثّر، فالمعلّم سيشرح الدرس المنهجيّ للطلبة كافّة في الصفّ، وبعد انتهاء شرح المعلّم يأتي دور الطلبة لحلّ الأسئلة أو حلّ التمرينات أو تنفيذ أيّ مهمّة طلبها المعلّم بشكل فرديّ. سيكون في جعبة هذا المعلّم أنشطة بسيطة في تقطيع الكلمات أو دمجها، أو التلاعب بأصواتها ومقاطعها لتكوين مفردات جديدة، وأنشطة تساعد الطالب على التعرّف إلى أصوات اللغة وشكل كتابتها، ثمّ تكوين كلمات ومفردات جديدة تتضمّن هذه الأصوات ثمّ توظيفها في سياقات ذات معنى، أو البحث عن هذه الأصوات التي تعلّمها في مفردات النصّ، واستخراجها والتدرّب على نطقها.
حصّة بعد حصّة سيصل الطالب المتعثّر إلى معرفة أصوات اللغة كلّها وشكل كتابتها، وسيصبح بعد مدّة قادرًا على القراءة والاستيعاب، وستكون هذه السنة وهذا المعلّم نقطة التحوّل في مسيرة تعلمّه، سيوقّف هذا المعلّم التجارب السيّئة في تعلّمه، وسيدعه يلحق بزملائه، ويقرأ مثلما يقرؤون.
ولأنّ المعلّم المثابر في تدوينتنا هذه صبور ومتمهّل، فإنّه سيمنح الطالب المتعثّر الوقت الكافي لاكتساب هذا التعلّم، واللحاق بأقرانه في الغرفة الصفّيّة؛ لن يلحّ عليه، ولن يفقد أعصابه ويصرخ عندما لا يستطيع المتعثّر الإتيان بمفردات تتضمّن صوت ظَ، وصوت ضَ، أو لا يتمكّن من التفريق بينهما. ولن يغضب ويُوقف التعلّم عندما يقدّم الطالب مفردة أشبع الصوت الأخير فيها فكتب: "مدرستن"، أو كتب "ذَهبُو". ولن يدع رفاق المتعثّر يتنمّرون عليه لأنّهم يستطيعون القراءة وتنفيذ المهمّات، بينما المتعثّر غير قادر على ذلك، ما قد يدفع به إلى أن يكون سبب الإزعاج في الصفّ فتصدر عنه السلوكات السلبيّة، وربّما يلجأ بعض المعلّمين إلى تكليفه بمهمّات خارج الصفّ للتخلّص منه.
المعلّم المثابر يعرف أنّ الطالب المتعثّر يختلق الأعذار ويبتكر المبرّرات للهرب من الحصّة لأنّه لا يجيد القراءة، ولا يقدر على تنفيذ المهمّات، وبالطبع ليس لأنّه طالب مشاغب كسول ومهمل. فلا يترك هذا المعلّم طالبه وحيدًا، بل يأخذ بيده، ليصبح هذا المعلّم النافذة التي يطلّ منها هذا الطالب على الكتب المدرسيّة والنصوص القرائيّة، وبعد اليوم لن يختلق أعذارًا للهرب من الغرفة الصفّيّة؛ فهو صار يقرأ، وصار قادرًا على تنفيذ المهمّات المتعلّقة بالفهم والاستيعاب.
المعلّم المثابر لا يترك الطالب المتعثّر وحيدًا.