لو اختفى المعلّمون والمتخصّصون التربويّون من العالم، فإلى من يجب أن توكل مهمّة التعليم؟ لماذا؟ كيف سيكون شكل المدرسة لو تحقّق ذلك؟
من وجهة نظري يجب أن توكلَ المُهمّةُ إلى كلّ إنسانٍ قارئ ومُطّلع؛ لأنّ مهنة التّعليم لا تحتاج فقط إلى أصحابِ التّخصّص وحاملي الشّهاداتِ فقط، إنّما المُعلّم هو كالنّبتَةِ الّتي لها حاجاتٌ دائمة، منها الاطّلاع والقراءة واكتساب المعرفة الجديدة، كما أنّ المعلّم يجب أن يتمتع بالانفتاح وتقبّل الآخرين وتفهّمِ حاجاتهم والتّعامل معهم بأسمى معاني الإنسانيّة، وهذ الأمر يمكن أن يتحقق بالقراءةِ والاطّلاعِ على الثّقافات المختلفة وطبعًا إثراء المعرفة.
أمّا بالنسبةِ لشكل المدرسة فأنا أتخيّل بأنّها ستكون بيئة مُحفّزة للطّلبة وتشجعهم على البحث والتّقصي، وأيضًا سيكون لكلّ معلّم الفرصة والاختيار بمشاركة هذه المعرفة والثقافة بحماسٍ واستمتاع، غرف المدرسة ستكون مُجهزّة لاستقبال الطّلبة بأوقاتٍ معينة، ولن يكون المعلّم هو النّاقل للمعرفة فقط، إنّما هناك وسائل متعددة لإثارة فضول الطّلبة وإشعارهم بالمُتعةِ أثناء هذه العمليّة. ولا ننسى السّاحات المدرسيّة الّتي ستكون مكانًا لتطوير مهارات الطّلبة التّواصليّة والاجتماعيّة حيث سيكون هناك أنشطة لمساعدة الطّلبة من كافة الفئات العمريّة على التّفكير في المواقف الّتي يتعرضون لها في حياتهم اليوميّة، إضافةً إلى التّعبير عن مشاعرهم المختلفة يوميًا بمختلف الطّرق كاللّعب، التّحدّث، الرّسم، الاستماع للموسيقى، العزف، التّمثيل، القراءة، وكل هذه الأنشطة يُخطِطُ لها مجموعة من المعلمين الّذين يرغبون بذلك ويتمتعون بالمهاراتِ اللّازمة لها.
لو ملكت القدرة على محو أشياء من ذاكرتك إلى الأبد، ما الذي تودّين محوه؟ وما الموقف الذي تخشين أن يُمحى؟
لو امتلكتُ تلك القدرة في الحقيقةِ لما محيتُ أيّ شيءٍ من ذاكرتي، لأنّ ذكرياتي هي الّتي جعلتني ما أنا عليه اليوم، هي الّتي شَكلتني، فهي كالأحجية؛ أجزاءُها تُكمّل بعضها البعض وتُكمّلني، لا أُنكِرُ أنّ بعضًا من هذه الذّكريات آلمتني وجعلتني أحزن، إلّا أنّها جعلتني أقوى، وجعلّت مني إنسانَةً قادرةً على الشّعورِ مع الآخرين، وفهم مشاعرهم، ولماذا يتصرفونَ هكذا مع غيرهم؟ في كلّ مرةٍ أعودُ إلى هذه الأجزاءِ من الأحجية أرى ما أنا عليه اليوم فأشعرُ بالتّقديرِ لذاتي ولكلّ من كان معي في تلك اللّحظة. أمّا بالنسبة للموقفِ الّذي أخشى أن يُمحى هو الجزء الذي يتعلّقُ بمشاعري وأن أفقد القدرةَ على الإحساس؛ لأنّ هذه المشاعر هي الّتي تجعلني إنسانةً، أُمًا، صديقةً، أُختًا، ومعلّمةً.
ما هي أكثر عشر كلمات تتكرّر على مسمعك يوميًّا بوصفك معلّمة؟
أكثرُ عشرِ كلمات أسمعها يوميًّا هي:
- شكرًا.
- يعطيك العافية.
- أنتِ مُبدِعة.
- الله يعينك.
- الهدف.
- التّخطيط.
- المعايير.
- الحاجات.
- الوقت.
- المسؤوليّة.
لديك القدرة على التخفّي ليوم واحد، ماذا ستفعلين؟
إذا كانت لديّ القدرةَ على التّخفي سأقومُ بعملِ عدةِ أشياء:
أولًا: سأُحاولُ زرعَ الابتسامَةِ على وجوهِ بعضِ الأشخاصِ الّذين يحتاجونَ إلى ذلك ولم أتمكن من ذلك خوفًا من جرحِ مشاعرهم وعدمِ فهمهم لتصرّفي.
ثانيًا: التّواجد بين النّاس للاستماعِ إلى ما يقولونهُ عني وعن وجهةِ نظرهم بي.
ثالثًا: سأزور بعضَ المراكز والمؤسساتِ الاجتماعيّة المسؤولةِ عن العنايَةِ بالأطفالِ الأيتامِ، وذوي الاحتياجاتِ الخاصَةِ وكبار السّن لرؤية كيف يتعاملون مع الموجودين فيها، لأنّني لطالما شعرت منذ طفولتي بمسؤوليّةٍ تجاه هذه الفئة من النّاس ورغبتي بالتّأكد من أنّهم يعيشون حياةً كريمةً فيها كبشر.
كيف تردّين على تلميذ يظلّ يطلب منك مزيدًا من الشرح؟
أنا أرى بأنّ هذا حقٌ من حقوقِ الطّلبة، لأن حاجات الطّلبة مُختلفة ويمكنُ أن تكون الوسيلة أو الاستراتيجيّة لا تتناسب مع حاجة الطّالب وطريقة تفكيره، وأنا أعتقد بأنّ المُعلّم النّاجح هو المعلّم الّذي يستطيع رؤية الأشياء من وجهة نظرِ طلّابه، وعندما تواجهني مثل هذه المواقف، أولًا: أستمع بتمعّن لتساؤلات الطالب، ثمّ أحدد الجزئيّة الّتي لم يتمكن من فهمها أو اكتساب المعرفةِ عنها، ثمّ يُمكنني أن أحدّد مجموعة من الوسائل والطّرق وأضعها أمام الطّالب لأترك له الفرصة لاختيار الوسيلة الّتي يفضّل أن يكتسب المعرفة من خلالها، هكذا أكون قد وفّرت الوقت والجهدَ على نفسي وعلى الطّالب أيضًا، لأنّني ربما إذا قمتُ بإعادةِ الشّرحِ عدة مرّاتٍ له وبنفس الطّريقة ستكون النّتيجة هي نفسها، أي عدم تمكُّن الطّالب من التّوصّل للمفهوم واكتساب المعرفة المخطّط لها في الحصّة.
ما شخصيّة الرواية أو الفيلم أو المسرحيّة التي تحبينها؟
شخصيّة الرّواية أو الفيلم أو المسرحيّة الّتي أُحبها هي الشّخصيّة العاطفيّة والحالمة، الّتي تسعى لتحقيق أحلامها دونّ التّخلي عن صفاتها الإنسانيّة، وتؤثّر في من حولها، ولا تستغل الآخرينَ للوصولِ إلى أحلامها، أنّما تجعلُ منهم جزءًا من حُلمها من خلال مساعدتهم والتّأثير فيهم كي يكونوا محطةً للعبورِ من خلالها وليس صخرةً للعبورِ من فوقها، كرواية الولد التّائه (وهي السّيرة الذّاتية للمؤلف نفسه دايف بلزر، وشخصيّة جوليا روبرتس بفيلم Erin Brockovich).
ما هي مواصفات الصفّ الذي ترغبين بتدريسه؟
أن يكون مليئًا بالطّاقة والحركة، فأنا أحبّ الطّلاب الّذين يتحركون ويتفاعلون حتى وهم جالسونَ في مقاعدهم ولا أنزعجُ منهم، أحبُ أن يعبّر الطلبة عن مشاعرهم وحاجاتهم وتساؤلاتهم وتعلّمهم بطرقٍ مختلفة وكيف يرغبون، دونَ الشّعورِ بأنّ هناكَ سلاسلَ تقيّدُ أفكارهم، ألسنتهم، وأجسامهم، لأنّ الأطفالَ يحتاجونَ للشعورِ بحريّتهم وقدرتهم على الثّقةِ بمن حولهم وبأنّ صوتهم مسموع في المكانِ الّذي يقضونَ فيهِ ساعاتٍ طويلة خلال اليوم.
ما هي أغرب نصيحة سمعتها من زميل عمل؟ ماذا كان الموقف؟
أغرب نصيحة سمعتها من إحدى زميلاتي كانت: يجب ألا تقولي للطّالب بأنّكِ لا تعرفينَ إجابةَ السّؤال! هذا يجعلُ منك معلّمة ضعيفةً ويؤثّر على صورتك أمامَ الطّلبة وأولياء أمورهم.
هذه النّصيحة سمعتها من إحدى الزّميلات عندما كان تحضر لي حصّة من خلال برنامج تبادل حضور الحصص بين المعلّمات، حيث اختلفت وجهة نظر زميلتي عن وجهة نظري بخصوص عدم إجابتي على سؤال الطّالب عندما طرحَ عليّ سؤالًا خارج نطاق البحث الّذي كنا نقوم به، وكانت إجابتي للطّالب بأنّني لا أعرف السّبب الحقيقيّ وراء حدوث ظاهرة طبيعيّة معيّنة، عندها قمنا أنا والطّالب بتدوين السّؤال معًا وتعليقه على حائط التّساؤلات للبحث عن إجابته معًا بعد الانتهاء من تحقيق هدف الحصّة. هذا الأمر أثار دهشة زميلتي وجعلها توجه لي هذه النّصيحة. أمّا من وجهة نظري فإنّ تعليم الطفل أمرًا معيّنًا وجعلِه يتصّف بصفةٍ معيّنةٍ هو أن يرى نموذجًا أمامه يمثل هذه الصّفة، فإذا أردنا أن نجعلَ من أبنائنا مطّلعينَ وقارئينَ يسعون للوصولِ إلى المعرفةِ باستقلاليّة دون الاعتماد على الآخرين، يجبُ أن نكونَ مثالًا أمامهم يقتدون به، ولا يشعرونَ بالقلقِ والخوفِ من قولِ كلمةِ لا أعرف.
عندما كنت طالبة في المدرسة، كيف كان يرى المعلّمون جيلكم؟
عندما كنتُ طالبةً في المدرسة، كان المعلمونَ يرون الطّلبة كآلةٍ ناسخة، وبطاقة ذاكرة لحفظ المعلومات والتّعليمات فقط، أي أنّ دور الطّالب هو تلقي المعلومات، نسخها، وحفظها في الذّاكرة، ثمّ نقلها كما هي دون إضافة أو حذف أيّ معلومة منها للأسف.
ما عنوان آخر كتاب قرأته؟ وعن ماذا يتحدّث؟
آخرُ كتابٍ قرأته هو "الرّقص مع الحياةِ" للكاتب مهدي الموسوي، الّذي يتحدّث عن التقدير وشكر الله على كل عطاياه في هذه الحياة، هذا الكتاب ساعدني على التّفكير بأنّ الحياةَ جميلة بالرّغم من كل ما يعايشهُ الإنسان من مواقف مؤلمة وحزينة، فإنّ هناك مفاتيح للسّعادة يمتلكها الإنسان نفسه، وهو نفسه الّذي يختار أن يستخدم هذه المفاتيح لكي يشعر بالسّعادة، ويجعلَ أيامَه فعلًا تضجُّ بالحياةِ، فالشعور بالامتنان هو خيارٌ متوفّرٌ للجميع، ورؤية المواقف من خلالِ أبوابٍ مختلفة هي قرارٌ للجميع، كما أنّ الشّعورُ بالسّعادة، قرارٌ أيضًا متوفّرٌ للجميع.