برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟

لسياسة المدرسة وإدارتها دور كبير وفعّال في العمليّة التعليميّة، ومن وجهة نظر شخصيّة، أرى نجاح العمليّة التعليميّة وتحقيق رسالة المدرسة وأهدافها يرتبطان ارتباطًا وثيقًا ومباشرًا بها.

ومن هُنا، أعتبرُ سياسة المدرسة وإدارتها هي العصب والقاعدة التي تقوم عليهما المدرسة، ابتداء من متابعة التطوّرات، وطرق التعليم الحديثة، ومشاركتها مع الهيئة التعليميّة، والتأكّد من تلقّي الكادر التعليميّ التدريبات المناسبة لكلّ الممارسات التعليميّة الحديثة وبشكلٍ مُستمرّ، وطرح الحلول السريعة والمنطقيّة بالتعاون مع أعضاء الهيئة التدريسيّة في أوقات التحدّيات وحالات الطوارئ. كما لاحظنا مؤخّرًا خلال فترة جائحة كورونا، بعض إدارات المدارس قامت بإجراءات عظيمة في وقتٍ قياسيّ، سواء من تطوير سريع للمعلّمين، أو توفير منصّات تعليميّة، وغيرها.

وعلى صعيد آخر، من الضروري خلق مناخ إيجابيّ وعلاقات وطيدة بين الإدارة وأفراد المجتمع المدرسيّ، وأيضًا بين أفراد المجتمع المدرسيّ في ما بينهم، واستثمار هذه القدرات والطاقات البشريّة بطريقة سليمة؛ من خلال أولًا، تسليط الضوء على إيجابيّات المعلّم ونقاط قوّته، والاحتفاء بها. ومن جهةٍ أخرى، تقديم الإرشادات والنصائح الداعمة بهدف التوجيه وليس النقد اللاذع. ومن الصعب جدًّ أن نلخّص ونختصر دور سياسات المدرسة الرئيسة، وإدارتها في بضعة أسطر.

بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟

لو قمنا بالعودة إلى التعليم عن بعد، وبعيدًا عن إيجابيّاته وسلبيّاته، أرى أنه شكّل علامة فارقة في منظومة العمليّة التعليميّة. وجميعنا لاحظ أن المنصّات التعليميّة تصدّرت هذه المرحلة، وكانت عنوانًا عريضًا لهذه الفترة، على الرغم من وجودها سابقًا. ولكن، وبصريح العبارة، لم تكن مفعّلة كما نراها الآن بعد تجربة التعليم عن بعد. ومثالي على ذلك، منصّة "اقرأ بالعربيّة" وفّرتها لنا المدرسة قبل التعليم عن بعد، وكانت مصدرًا داعمًا لنا، أمّا الآن فهي من مصادرنا التعليميّة الرئيسة. ومنصّة "السيسو" كنّا نشارك بها أولياء الأمور أنشطتنا اليوميّة في الصفّ، وبعد تجربة التعليم عن بعد، أصبح معظمنا يستخدمها كمنصّة تفاعليّة تُرسل عبرها أنشطة تعليميّة، وقصص وغيرها للأطفال. وما إلى ذلك من منصّات أُخرى، وعروض تقديميّة وأنشطة تكنولوجيّة، وحتى إرسال واجبات، في بعض الأحيان، على شكل روابط أو ألعاب تكنولوجيّة وتعليميّة، وهذا ما لم يكن شائعًا كما هو عليه الآن.

كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟

سوف أذكّرهم بمقولة عالم الفيزياء آينشتاين: "لو لم أكن فيزيائيًّا لكان من المحتمل أن أصبح موسيقيًّا".

نحن نعيش في عالم يتبدّل ويتغيّر بسرعة جنونيّة، ونحن بحاجة ماسّة إلى ما يعيد نفسنا البشريّة إلى حالة من التوازن والعودة إلى الأصالة.

وفي داخل قاعتنا الصفّيّة الصغيرة، نحرص دائمًا على عرض لوحات أطفالنا، والاحتفاء بهم وبرسوماتهم، حتى إن كانت بسيطة، ولا سيّما من لديهم رغبة مستمرّة بالتعبير عن طريق الرسم. وعند طرح أيّ مفهوم جديد، يكون هناك ركنٌ لأنشطة فنّيّة منوّعة، نربطها عادة بالمحتوى الذي نقدّمه. وهنا، نفسح المجال للطفل لاختيار الموادّ التي يرغب باستخدامها، وعادة ما نقوم بجمع الطلّاب الذين يتشاركون الاهتمامات ذاتها في مجموعة معيّنة. مع الحفاظ على الأنشطة الحرّة، سواء كانت موسيقيّة أم فنّيّة/ بين الحين والآخر، وفسح المجال للأطفال للتعبير بالطريقة التي يرغبون بها.

هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟

إنّ مواكبة التطوّرات التي تطرأ في عالمنا أمرٌ مهمّ لأيّ شخص، وتطوير المعلّم لنفسه ولممارساته التعليميّة أمر في بالغ الأهمّيّة، خصوصا مع التغييرات التي طرأت على سياق العمليّة التعليميّة مؤخّرًا.

ولكن، هل متابعة مستجدات علوم التربية والتعليم شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ أنا أجزم لا، فالمعلّم الناجح هو أب وأم وأخ وصديق، وهو شخص قادر على التواصل والتقرّب من الأطفال، وبناء علاقة جميلة معهم من بداية العام الدراسيّ لخلق بيئة آمنة اجتماعيًّا وعاطفيًّا قبل أن يكون مواكبًا لمستجدّات التربية التعليم.

ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟

المرحلة الحرجة التي مرّ بها التعليم، بل العالم بأسره في فترة الجائحة، تركت أثرها الواضح. فقد لاحظنا بعد تجربة التعليم عن بعد تقدّم مهارات الأطفال التكنولوجيّة، ورغبتهم بأداء المهام التي ترسل عبر منصّات أو روابط أكثر منها إذا كانت مرسلة على الدفاتر التقليديّة. وهذا ما دفع بنا للاستفادة من ذلك أحيانًا، من خلال استخدام الكثير من الألعاب الالكترونيّة والمنصّات، لتعزيز المفاهيم التي نتطرّق إليها، وتغطية احتياجاتهم.

نقطة أخرى أرغب بالإشارة إليها بعد فترة التعليم عن بعد، هي التقليل من استهلاك الأوراق، مثلًا قبل تجربة التعليم عن بعد، كنّا نحرص على طباعة الكثير من الصور واللوحات وعرضها ومناقشتها مع الطلبة لخدمة مفهوم ما. أمّا الآن، فأصبحنا لا شعوريًا نقلّل من الطباعة ونعرض ما نحتاج إلى عرضه على السبورة الذكيّة بدلًا من طباعته، وبدأنا بإرسال المهام والواجبات على المنصّة، ويقوم الطفل بالقيام بها سواء على الدفتر أو بشكل إلكترونيّ، بدلًا من طباعة نسخة لكل طفل.

من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟

أرى أن الطالب الشغوف بالتعلّم هو الطالب المتسائل الفضوليّ. خلال تجربتي كمعلّمة رياض أطفال، أرى الكثير من الأطفال لا يكفّون عن طرح الأسئلة خلال الحصص، ومنهم من يطرح حقيقة أسئلة عميقة بحاجة إلى أن نقف عندها. واستغلال فضول الأطفال، والاستفادة من تلك التساؤلات كفرص تعليميّة، أمر مهمّ جدًّا لأيّ معلّم. وأودُّ هنا أن أذكر مثالًا جميلًا مرّ معي هذا العام:

في إحدى حصص القراءة الموجّهة، كنّا نقرأ قصة بعنوان "هذه"، الهدف كان التعرّف إلى اسم الإشارة هذه، وقراءة مجموعة من الكلمات البسيطة، مرّت معنا جملة: "هذه يمامة". وهُنا تلقّيت أوّل سؤال من طفلتي نور، ما هي اليمامة؟ ومن ثمّ سؤال من طفل آخر: أين تعيش؟ هل يمكن أن نراها في قطر؟ ماذا تأكل اليمامة؟ كيف يبدو شكلها؟ كيف يكون صوت اليمامة؟

في التأمّل الذاتيّ، وجدت أنني بحاجة إلى تخطيط حصّة مبنية على هذه التساؤلات، لنجيب عن كلّ ما يدور في بالهم عن اليمامة.

ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟

إنّ فكرة ارتداء الزيّ المدرسيّ أم لا كانت موضعًا للنقاش أذكر مذ كنّا طلّابًا على مقاعد الدراسة. كنّا نسمع كثيرًا من الآراء التي كان يتداولها سواء المعلّمين، أو أولياء الأمور، والتي كانت تتأرجح بين من يرى ضرورة فرضه، وبين من يرى أن ذلك يمنع الحرّيّة الشخصيّة للفرد.

من الناحية الاجتماعيّة، جيّدٌ فسح المجال للأطفال للتعبير عن أنفسهم، واختيار الملابس التي يرغبون بالظهور بها أمام أصدقائهم. لكن، لو نظرنا إلى الموضوع نظرة شموليّة أكثر، وفكّرنا من زاوية أبعد، أي ليس على مستوى مدرسة معيّنة، بل على مستوى مدارس ودول وجنسيّات وعرقيّات مُختلفة، فسنرى أنّه من الأفضل توحيد الزيّ المدرسيّ، لأنّه، أوّلًا، يعزّز انتماء الطلبة إلى المؤسّسة التعليميّة، وثانيًا يجنّبنا الكثير من المشاكل، أبرزها الفوارق الطبقيّة والاجتماعيّة التي قد يشعر بها الأطفال، وتشتّت الطلّاب، خصوصا في المراحل الكبرى. وأودّ هنا أن أشير إلى ضرورة إعادة النظر في شكل الزيّ الرسميّ وألوانه في الكثير من البلدان والمدارس.

ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسي؟

لم يعد ينحصر دور المدرسة كما كان في السابق كمكان نتعلّم ونُعلِّم فيه القراءة والكتابة والحساب. المدرسة هي بيئة آمنة لنا جميعًا، سواء كنّا معلّمين أو طلّابًا أو طاقمًا إداريًّا، هي بيتنا الثاني فنحن نقضي فيها معظم وقتنا.

وهُنا، أرى أنّ تحقيق الرفاه المدرسيّ يبدأ من اهتمام المعلّم بنفسه، هناك الكثير من الممارسات التي أصبحت جزءًا أساسيًّا من يومي بعد ساعات العمل: تخصيص وقت خاصّ، مهما كان قليلاً وبسيطًا، لإعادة شحن الجسم، ربما المشي لدقائق، أو العناية بالنباتات في حديقة المنزل، أو قراءة كتاب أو مقال بعيد عن التعليم؛ وممارسات أخرى داخل القاعة الصفّيّة، أخصّص وقتًا للعب مع الأطفال لعبًا حرًّا حتى إن تجاوزنا الخطّة في بعض الأحيان، وهناك الكثير من الألعاب البسيطة التي نلعبها معًا كلعبة الورقة ولعبة الساحرة وغيرها، وأمارس معهم تمارين التنفّس، الشهيق والزفير/ أشمّ الوردة وأنفخُ على الورقة، تقريبًا بشكل يوميّ.

وخصّصت ضمن الصفّ ركنًا يشبه بترتيبه زاوية من زوايا البيت، إلى جانب تخصيص وقت ذهبيّ لنا جميعًا في الصفّ حيث نحتفل فيه بإنجازاتنا مهما كانت بسيطة.

أيضًا أحتفلُ مع الزملاء في العمل بمناسباتنا الاجتماعيّة معًا، ونشارك في الأنشطة الترفيهيّة التي تعدّها لنا المدرسة بين الحين والآخر.

ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟ 

بشكل لا شعوريّ عندما أرى أيّ ورشة تدريبيّة تحت عنوان رياض الأطفال، أرغب بالانضمام إليها مباشرة، وذلك لأنّنا نرى معظم الورش تكون للمراحل التعليميّة بشكل عامّ، وعند حضورها نرى أننا نواجه تحدّيات كثيرة لتطبيق ما تعلمناه مع هذه الفئات العمريّة الصغيرة التي قد لا تتجاوز أعمارها خمس سنوات.

بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟ 

بداية سأقول لمن اختار التعليم مهنته، يكفيك شرفًا وفخرًا أنك تحمل أسمى رسالة في الحياة، سأنصحه نصيحة أن يكون قدوة لطلّابه، فالطفل يتعلّم ويطبّق ما نطبّقه نحن وليس ما نعلّمه.