نظّمت منهجيّات ندوتها الإلكترونيّة الشّهريّة بعنوان "حضور المرأة في التخطيط للتعليم ووضع سياساته"، يوم الأربعاء الموافق 31 آذار 2021. حاورت فيها أ. سامية بشارة، المدير التنفيذيّة لترشيد، وعضو الهيئة التأسيسيّة لمنهجيّات، 5 نساء رائدات في مجال التعليم عربيًّا، حول تكافؤ حضور المرأة في التّعليم بوصفها طالبةً ومُعلّمة وتربويّةً، مع حضورها في المستويات القياديّة المسؤولة عن التخطيط ووضع السياسات التعليميّة في المنطقة العربيّة، وفيما إذا كان حضور المرأة في العمليّة التعليميّة يُقابَل بحضورٍ فاعل في تشكيلها وصوغ مستقبلها.
وشاركَ في النّدوةِ عضوات الهيئة الاستشاريّة لمنهجيّات: أ. هيفاء نجّار، المديرة العامّة لمدرسة الأهليّة والمطران- عضو مجلس الأعيان الأردنيّ، ود. سائدة عفّونة، مساعد رئيس الجامعة للرّقمنة والتعلّم الإلكترونيّ وعميدة كلّيّة التربية في جامعة النّجاح الوطنيّة، ود. أسماء الفضالة، مديرة البحوث وتطوير المحتوى في WISE- مؤسّسة قطر، وأ. درصاف كوكي، مستشارة لدى منظّمة البكالوريا الدّوليّة في أوروبّا وأفريقيا والشّرق الأوسط، ود. ريما كرامي عكّاري، أُستاذة مُشارِكة في الإدارة التربويّة والسياسات والقيادة في قسم التربية في الجامعة الأمريكيّة في بيروت.
انعكاس وجود النّساء في صوغ المشهد العام
قدّمت أ. بشارة هذا المحور عبر تقديم إحصائيّات مُختلفة حول اتّساع الفجوة بين مؤشّرات أداء المرأة العربيّة في التعليم وما تُحقّقه من وعي وتفكير، وما تعكسه تلك المؤشّرات من تدنٍّ وتراجع في سوق العمل، والمُشاركة التنمويّة في مُختلف القطاعات. وبدأت أ. نجّار بالإشارة البنيويّة إلى أنّ العالم ما زال مُقادًا بأجندات يضعها الرّجال، الأمر الذي لا يُعزّز وضع المرأة على خارطة العالم، مُشيرةً إلى أنّ وضع المرأة في قلب الأجندة الوطنيّة سيعكس مُجتمعًا مُزدهرًا وعادلًا، داعيةً إلى إعادة النّظر بكلّ ما يتّصل بالتّشريعات التي تخصّ المرأة.
أمّا د. عفّونة فأشارت إلى الصّورة النّمطيّة التي تُعيق المرأة من المُضيّ قُدمًا، بناءً على مفاهيم تُعزَّز بكون المناصب القياديّة تؤثّر على أدوار المرأة الاجتماعيّة. وأشارت إلى اختلاف أدوار المرأة التي تعيش في مناطق الأزمات، وهو الأمر الذي يُشتّت التّركيز عن دورها المهنيّ والقياديّ. وتطرّقت د. الفضالة إلى أنّ قضيّة المرأة ما زالت تُثير جدلًا في المؤسّسات المحلّيّة والدوليّة، مُشيرةً إلى الفجوة بين مستوى تعليم المرأة المُتقدّم وتدنّي مستوى مُشاركتها الاقتصاديّة والسّياسيّة، وداعيةً، ضمن هذا السّياق، إلى إعادة التفكير في مفهوم التّمكين الحقيقيّ للمرأة.
وضمن ذات المحور، تحدّثت أ. كوكي عن الانطباع السّائد حول المساواة في تونس، منتقدة أنّ المساواة تتوقّف عند مستويات دُنيا، ولا تمتدّ إلى مستوى أخذ القرارات، ذلك أنّ المناصب العُليا، حتّى ضمن المؤسّسات التعليميّة هي مناصب سياسيّة. أمّا د. عكّاري فتطرّقت إلى أنّ إشكاليّة صوغ المرأة للمشهد التربويّ التعليميّ عميقة، ومختبئة في طيّات ثقافة مؤسّساتيّة قائمة على موازين قوى تُحارب بشراسة مخفيّة تخطّي المرأة لمواقع الإدارة التنفيذيّة، وتحول دون تنمية قدراتها القياديّة، وبالتّالي فهي تعرقل وصولها لمواقع القرار الاستراتيجيّ وصناعة السّياسات.
في المحور الثّاني للنّدوة، طرحت أ. بشارة سؤالًا لكلّ متحدّثة، ذهابًا للتعمّق أكثر في حضور المرأة في التّعليم من مناحٍ مُختلفة:
المرأة في مجال العلوم والتكنولوجيا
أشارت د. عفّونة إلى أنّ نيّة دراسة الفتيات للتخصّصات العلميّة تواجَه في كثير من الأحيان برفض مُجتمعيّ، كونها تخصّصات "صعبة"، ويوجّههم المُجتمع إلى "المهن الآمنة"؛ وهي المهن التي تضمن لهنّ عودة باكرة إلى البيت، وهي تتمثّل بمهنة التّعليم في مُعظم الأحيان. وتطرّقت لبعض الإحصاءات التي توضّح الفارق بين النّسبة العالية لدراسة الفتيات للتخصّصات العلميّة، وتدنّي نسبة توظيفهنّ فيها، خصوصًا أنّ أسواق العمل تُفضّل توظيف الذّكور، كما تحدّثت عن الجهد المبذول من قِبل النّساء لكسر الصّور النمطيّة عنهنّ لا تعزيزها، عكس الرّجل الذي لا يُعاني من ذات الضّغوط الاجتماعيّة والنّفسيّة.
تمكين المرأة في القيادة
تحدّثت د. الفضالة في إجابة هذا السّؤال، عن المؤشّرات الإيجابيّة لتعليم المرأة، والتي لم تُسهم في توسيع دائرة التّمكين في القطاعات المُختلفة، مع وجود توجّه واضح لدعم المرأة اقتصاديًّا، أمّا التّمكين السّياسيّ فما زال متدنّيًّا في المجالس التشريعيّة والمناصب العُليا وإدارات الشّركات سواء القطاع الخاصّ أو الحكوميّ. وركّزت على أهمّيّة استمراريّة تمكين النّساء على كلّ المستويات، وأهمّيّة تمكين المرأة للمرأة عبر مفهوم التأثير المُضاعف، وهو تمكين امرأة لتُمكّن نساء عديدات، كما أشارت إلى أهمّيّة زيادة عدد النّساء في المناصب القياديّة في التربية، ما يُساعد على دعم النّساء الأُخريات والمُحيطات بهنّ.
تَغيُّر واقع المرأة مع سنّ القوانين لصالحها
بدأت أ. كوكي حديثها بالإشارة لمُساهمة الظّروف الجغرافيّة والسّياسيّة والثقافيّة في التأثير على تونس، في الوقت ذاته، أشارت لمُساهمات المُفكّرين التونسيّين المُبكّرة التي أدّت بعد فترةٍ إلى تحقيق نظرة مُختلفة للمرأة من قِبل المُجتمع. وتطرّقت إلى الحديث عن بعض الأرياف في تونس التي يجب أنّ يلعب المُربّين والتربويّين دورًا في توعية النّساء فيها، عبر الإشارة إلى أهمّيّة دور المناهج التربويّة والمساقات في ترسيخ المساواة الحقيقيّة بين الإناث والذّكور، وكذلك زيادة نشر الوعي بين الشباب وتمرينهم إناثًا وذكورًا على ممارسة أدوار ومهارات القيادة، ليشعروا بدورهم كأفراد مؤثّرين في المُجتمع بغضّ النّظر عن الجنس.
المناهج التّدريسيّة لتغيّير المفاهيم
بدأت أ. نجّار حديثها عن أهمّيّة احتضان الشّجاعة والجرأة والتّجربة في المدارس، وتعزيز الإيمان بالإنسان المواطن، من أجل تخريج جيل واعٍ لحقوقهِ، وجيل حُرّ نقديّ مُنتج. ولهذا، على المدارس أن تُشكّل مساحات من الحُرّيّة والتّعبير، وكذلك أهمّيّة تعزيز العمل الجماعيّ، واحترام القُدرات والمُشاعر. من هُنا، أشارت إلى ضرورة خلق منهاج يحترم المواطن امرأة أو رجل، منهاج عقلانيّ يطرح السّؤال ويُشجّع البحث والخطأ والحوار والتفاعل والاختلاف، وضمن هذا الاختلاف، تُخلف بيئة تعلّميّة تُشجّع على أن يكون الإنسان حُرًّا مُستقلًّا.
عن القيادة من الهامش وإدارة السّياسات التربويّة
أشارت د. عكّاري إلى نظام الإشراف في المؤسّسات التربويّة كونه نظام سلطويّ تفتيشيّ لا نظام مهمّته الرعاية المهنيّة والتطوير المهنيّ، ما يجعل طريق المرأة المُعلّمة لاكتساب المهارات وتنميتها شاقًّا، وهو الأمر الذي يجعل المرأة تعتمد على ظروفها الشخصيّة الدّاعمة، وعلى صلابتها وقدرتها على احتمال التحديات. وأشارت إلى أنّ الهدف يجب أن يكون الرسالة التربويّة التي يحملنها النساء ويسعين إلى تحقيقها، لا السّعي إلى المركز القياديّ التقليديّ، والذي قد يُفهم من قِبل بعض الحركات النسويّة كتنازل وتراجع عن مطالبة المرأة بحقّها، إنّما أكّدت على كونه استراتيجيّة قيادة تُسمّيها "القيادة من الهامش"؛ وهو الهامش الذي يضعنا فيه المُجتمع ولكنّنا قادرات على أنّ نحوّله إلى الصُّلب والمساحة المُختارة للتأثير.