يعدّ موضوع التهجير وفقدان الفرص التعليميّة في زمن الحرب، من الموضوعات التي تستحقّ الاهتمام والتفكير العميق. ففي زمن الصراعات والحروب يتعرّض كثير من الأشخاص إلى التهجير القسريّ، سواء داخل البلاد أم خارجها؛ ممّا يعرّضهم إلى عديدٍ من المخاطر والتحدّيات، ومنها فقدان الفرص التعليميّة للطلّاب المُهجَّرين، نتيجة الحروب والنزاعات التي تُجبرهم على المغادرة، ولا سيّما خارج البلاد، والبحث عن مأوى آمن في دول أخرى. بالإضافة إلى تعرّضهم إلى خطر الانقطاع عن التعليم، ودخولهم في دوائر الفقر والجهل؛ ممّا يؤثِّر سلبًا في مستقبلهم، وقدرتهم على الإسهام في بناء مجتمعهم.
ويتوجّب على المنظّمات الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة للدول المضيفة، العمل بجدّيّة على توفير فرص التعليم المناسبة للطلّاب المُهجَّرين. وفي السياق ذاته، للمجتمع المدرسيّ بمختلف أفراده، من مديرين ومعلّمين واختصاصيّين، دور مهمّ في تقديم الفرص التعليميّة المناسبة لهم، وبذل الجهود المستمرّة والمتكاملة لإنجاح العمليّة التعليميّة. ولكن، قد يتعرّض الطلّاب المهجَّرون إلى مجموعة من التحدّيات التي قد تحدّ من توفير الفرص التعليميّة لهم، والتي نتناول في هذا المقال أبرزها.
غياب البيئة التعليميّة الآمنة والملائمة
يتعرّض الطلّاب المُهجّرون إلى تجارب مؤلمة وصادمة في بلادهم جرّاء الحروب والنزاعات. وبالتالي، هم يحتاجون إلى بيئة مُحفِّزة ومُشجِّعة تساعدهم على التعافي والتكيِّف مع الوضع الجديد في الدول المضيفة. لذلك، يتوجّب اتّباع الآتي:
- -يعقد المدير اجتماعًا فوريًّا، بالتعاون مع أفراد المجتمع المدرسيّ المكوَّن من معلّمين واختصاصيّين نفسيّين، لتقييم وضع الطلّاب المُهجَّرين الحاليّ، واحتياجاتهم الأكاديميّة، والاجتماعيّة، والنفسيّة. بالإضافة إلى تقييم البنية التحتيّة في المدرسة ومدى قدرتها على استيعاب هؤلاء الطلّاب.
- -ينبغي على المدير وضع خطّة عمل شاملة، لتلبية احتياجات الطلّاب المُهجَّرين، بالاشتراك مع إدارة المدرسة، من مخطِّطين ووكلاء ومنظّمات غير حكوميّة، لضمان توفير الدعم المادّيّ اللازم لتلبية احتياجاتهم. وتتضمّن هذه الخطّة إعداد برامج تعليميّة متخصِّصة للطلّاب المُهجَّرين، فضلًا عن برامج الدعم النفسيّ والاجتماعيّ، لمساعدتهم على التكيّف مع التغيّرات التي يواجهونها.
- -يوفِّر المدير البنية التحتيّة المناسبة داخل المدرسة، بالتعاون مع منظّمات المجتمع المدنيّ، مثل توفير فصول دراسيّة مُجهَّزة، ومناطق للعب والاستراحة. بالإضافة إلى توفير أماكن آمنة للطلّاب، للتجمّع والتفاعل الاجتماعيّ، حيث يقدِّم المعلّمون برامج تثقيفيّة حول السلامة والصحّة للطلّاب المُهجَّرين في المدرسة.
- -يعمل المدير على بناء شراكات قويّة مع أولياء الأمور والمجتمع المحلّي، لدعم الطلّاب المُهجَّرين. وتشمل هذه الشراكات تنظيم فعّاليّات تواصل بين المدرسة وأولياء الأمور، لتبادل المعلومات، والتواصل دوريًّا حول تقدّم الطلّاب المُهجَّرين واحتياجاتهم.
فقدان الفرص التعليميّة
قد يكون تعليم الطلّاب المُهجَّرين متقطّعًا أو غير متكامل، نتيجة ما مرّوا به في بلادهم. وبالتالي، يحتاجون إلى برامج تعليميّة ملائمة تساعدهم على استعادة مستواهم التعليميّ، وتعويض ما فاتهم. ولكي يُعالَج هذا التحدّي، يتوجّب اتّباع الآتي:
- - على المعلّمين المتخصِّصين توفير حصص تعليم إضافيّة للطلّاب المُهجَّرين، وتقديم ما فاتهم من دروس، أو توفير برامج تعليميّة مُكثّفة تساعدهم على تحسين مستواهم التعليميّ.
- - يتوجّب على مُنسّقي المناهج التعليميّة البحث عن برامج ومبادرات تعليميّة متخصِّصة للطلّاب المُهجَّرين، تشمل تقديم دروس تعلّم اللغة المحلّيّة، والتعليم الأكاديميّ، وبعض مهارات التحصيل الدراسيّ.
- - يوفِّر اختصاصيّو الدعم النفسيّ والاجتماعيّ للطلّاب المُهجَّرين برامج ترفيهيّة وتثقيفيّة، تساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم وبالعالم من حولهم.
- - يتعاون المدير مع الأكاديميّات التربويّة التي تُسهم في توفير معلّمين مدرَّبين ومؤهّلين، قادرين على التكيّف مع الثقافات المختلفة للتعامل مع احتياجات الطلّاب المُهجَّرين، وتقديم الدعم اللازم لتحسين مستواهم التعليميّ.
صعوبة اندماج الطلّاب المُهجَّرين في البيئة الجديدة
يواجه كثير من الطلّاب، خلال التهجير، صعوبات في الاندماج، نتيجة تعرّضهم إلى تغييرات جذريّة في حياتهم، بما في ذلك ترك بلادهم، والانتقال إلى بيئات تعليميّة جديدة. وقد تكون هذه التغييرات مُرهقة ومُحبطة لهم، تجعل عمليّة الاندماج في البيئة التعليميّة الجديدة أمرًا صعبًا للغاية، إذ يضطرّون إلى تغيير لغتهم وثقافتهم. ويعدّ ذلك من أصعب التحدّيات التي يتعرّض إليها الطلّاب المُهجَّرون. لذا، قد يجدون صعوبة في التواصل مع زملائهم ومعلّميهم في الدولة المضيفة، نتيجة عدم إتقانهم اللغة المحلّيّة، فضلًا عن شعورهم بالعُزلة والغُربة، نتيجة اختلاف ثقافة الدولة المضيفة. ولتفادي ذلك، يمكن اتّباع الحلول الآتية:
- - يطبِّق الاختصاصيّون النفسيّون والاجتماعيّون أفضل الوسائل المُتَّبعة لتقديم المساعدات والدعم الكافيين للطلّاب المُهجَّرين؛ ممّا يُسهِم في تخفيف الضغوط النفسيّة التي يتعرّضون إليها، وسهولة تكيّفهم مع التغييرات الجديدة في حياتهم.
- - يعقد المدير اجتماعات دوريّة مع المعلّمين لمناقشة تطوير الاستراتيجيّات التعليميّة بصورة مبتكرة، لمساعدة الطلّاب المُهجَّرين على استيعاب المناهج التعليميّة الجديدة.
- - يقدِّم المعلّمون أنشطة تشجِّع الطلّاب المُهجَّرين على التفاعل الاجتماعيّ مع الطلّاب المحلّيّين، بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعيّة والأعمال التطوّعيّة؛ ممّا يسهم في تعزيز التفاهم والتسامح بينهم، وبناء جسور من التواصل والتعاون.
الشعور بالتمييز والعنصريّة في البيئة التعليميّة الجديدة
قد لا يتقبّل مجتمع الدول المضيفة الطلّاب المهجَّرين، فيواجهون التمييز والعنصريّة والعزلة يوميًّا داخل المدرسة. الأمر الذي يؤثِّر في صحّتهم النفسيّة وقدرتهم على التكيّف مع البيئة الجديدة. كما يؤثِّر ذلك سلبًا في أدائهم الدراسيّ، وقدرتهم على الاندماج في المدرسة. ولمواجهة هذا التحدّي، يقع على عاتق المدرسة والمجتمعات المحلّيّة في الدول المضيفة العمل معًا لتغيير القوالب النمطيّة السلبيّة، وتعزيز القبول والتسامح والتعايش المشترك وفق الخطوات الآتية:
- - يتناقش المعلّمون مع طلّابهم حول أسباب التهجير، وتأثيرها في حياة المُهجَّرين، لتعزيز فهمهم وتنمية قيم التسامح والتعاون.
- - ينظِّم مسؤولو الأنشطة العامّة في المدرسة فعّاليّات وأنشطة لتعزيز التنوّع الثقافيّ، وتشجيع الاحترام والتفاهم بين الطلّاب المحلّيّين والمُهجَّرين، مثل الأعياد والمشروعات المشتركة والمناسبات الثقافيّة.
- - ينسِّق المعلّمون مشروعات تطوّعيّة تجمع الطلّاب المحلّيّين والمُهجَّرين، للعمل على مشروع مشترك يعود بالفائدة على المجتمع، ممّا يساعد على بناء التعاون والصداقة بين الطلّاب، ويعزِّز الاندماج الاجتماعيّ.
- - يعقد الاختصاصيّون الاجتماعيّون والنفسيّون اجتماعات وورش عمل لأولياء الأمور، لمناقشة قضايا التهجير وأثرها النفسيّ والاجتماعيّ في المُهجَّرين، ممّا يسهم في بناء الثقة، ويعزِّز فهمهم لتحدّيات المُهجَّرين.
أثر الصدمة النفسيّة التي واجهها الطلّاب المُهجَّرون
تعدّ الصدمات النفسيّة من المشكلات الخطيرة التي تستوجب الاهتمام والتدخّل الفوريّ لمعالجتها، نظرًا لكثرة آثارها المؤلمة على الطلّاب المُهجَّرين، مثل القلق والاكتئاب والإجهاد النفسيّ، وصولًا إلى اضطرابات ما بعد الصدمة؛ ممّا يضرّ بحياتهم ومستقبلهم. كما يمكن أن تؤثِّر هذه الأمور سلبًا في تحصيلهم الدراسيّ، وحياتهم اليوميّة عامّةً. وللتغلّب على هذا التحدّي، يمكن اتّباع الآتي:
- - يوفِّر الاختصاصيّون النفسيّون الدعم العاطفيّ والنفسيّ للطلّاب المُهجَّرين، بتقييم احتياجاتهم النفسيّة، وتحديد المشكلات المحتملة التي يواجهونها، وتقديم الجلسات الاستشاريّة والفرديّة والجماعيّة، لمساعدتهم في التعامل مع التحدّيّات النفسيّة والعاطفيّة المرتبطة بتجربتهم، كونهم مُهجَّرين، فضلًا عن مساعدتهم لتحسين مهاراتهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وقدرتهم على التكيّف مع البيئة المدرسيّة الجديدة.
- - يقدِّم الاختصاصيّون الاجتماعيّون المشورة والدعم للطلّاب المُهجَّرين، ويوفِّرون المعلومات الكافية للإفادة من الخدمات المجتمعيّة المتاحة لهم، مثل التأمين الصحّيّ، والتعليم المستمرّ، وتقديم البرامج التوعويّة بتعزيز التواصل والتفاهم الثقافيّ بين الطلّاب المُهجَّرين والمجتمع المدرسيّ.
* * *
في النهاية، يجب أن ندرك قيمة التعليم كحقّ أساسيّ لكلّ إنسان، بما في ذلك الطلّاب المُهجَّرين، ومن الضروريّ توفير فرص تعليميّة ذات جودة عالية، وتوفير دعم إضافيّ للطلّاب الذين يعانون اضطرابات نفسيّة أو اجتماعيّة نتيجة التهجير.
كما يجب أن يُدرَّب أفراد المجتمع المدرسيّ الذين يعملون مع الطلّاب المُهجَّرين على وعي احتياجاتهم الخاصّة، وأن تكون لديهم المعرفة والمهارات اللازمة للتعامل مع التحدّيات التي يواجهونها. بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الدول المُهجَّرين منها والدول المُهجَّرين إليها، لتوفير فرص تعليميّة أفضل للطلّاب المُهجّرين، وينبغي أن تتبنّى السياسات والإجراءات اللازمة، لضمان حقّ الطلّاب المُهجَّرين في التعليم، وتسهيل اندماجهم في النظام التعليميّ للدولة المضيفة.