عُقدت ندوة منهجيّات الإلكترونيّة الشّهريّة بعنوان "التعليم والتّعلّم في مناطق الأزمات، واللّجوء والنّزوح"، يوم الأربعاء الموافق 24 شباط 2021، قَدّمتها وأدارتها د. جمانة الوائلي، محاضر في حقوق التعليم وسيكولوجيا التعليم في جامعة UCL، وعضو الهيئة الاستشاريّة لمنهجيّات.
وعالجت النّدوة محوريْن أساسيّين تضمّنَ الأوّل عرضًا للتّجارب الشّخصيّة في تعليم اللّاجئين والنازحين والصّعوبات والتّحدّيات التي تتخلّل هذه التّجارب، والثّاني عن السّياسات الموجّهة لخدمة عمليّتي التعليم والتعلّم وفاعليّتها.
وشاركَ في النّدوةِ د. سائدة عفّونة، مديرة مركز التعلّم الإلكترونيّ في جامعة النّجاح الوطنيّة في فلسطين، وعضو الهيئة الاستشاريّة لمنهجيّات. وآية غندور، مُعلّمة طلّاب لاجئين في لبنان. ومحمّد مُصطفى مدرّب برامج التّعليم في الأزمات في سوريا. وسوسن أبو حماد، مديرة مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم في الأردن.
تعليم اللّاجئين؛ تجارب شخصيّة
طرحت د. الوائلي أبعادًا مُختلفة عبر تقديمها هذا المحور، من خلال مقاربتها بين الأفكار الطّوباويّة عن التّعليم، وواقعه في أيّامنا هذه، خصوصًا أنّ تطبيق الحقوق المُتّفق عليها عالميًّا بما يخصّ حقّ الأطفال في التعليم، يتراجع بسبب الأزمات والحروب والكوارث التي تمزّق المنطقة العربيّة.
وأشارت د. الوائلي إلى أهمّيّة تسليط الضّوء على تجارب ومُشكلات الباحثين والمُعلّمين والمُختصّين المسؤولين عن العمليّة التعليميّة في الدّول المعنيّة، ما يُيسّر الوصول إلى صورة شبه شاملة عن حقيقة الوضع على الأرض.
ومن هُنا، قدَّم المُتحدّثون في النَّدوة عرضًا عن تجاربهم المُختلفة في تعليم اللّاجئين، بدءًا من العرض الاجتماعيّ الذي قدّمته الأُستاذة سوسن أبو حماد، لحالة الطلبة وقضيّة الاندماج الاجتماعيّ بين الطلبة اللّاجئين والطلبة من سكّان المنطقة التي تمّ اللّجوء إليها، والتي تُشكّل تحدّيًا، وفي الوقت ذاته، أُفقًا إذا ما تمّ تحقيق الاندماج بينهم، مع شُحّ حصص أو مساحات الدّعم النّفسيّ، الذي لا يحظى بهِ جميع الطّلبة.
ذهابًا إلى تقديمِ عرضٍ عن الواقع الاقتصادي، تطرّق لهُ الأُستاذ محمّد مصطفى والأُستاذة آية غندور، ليشمل أمثلة عن الظّروف الاقتصاديّة الصَّعبة التي تُعاني منها مناطق الأزمات، والتي تصل إلى عدم تمكُّن الطلبة اللّاجئين من الالتحاق بالتّعليم، من ناحية، وافتقار المدارس في مناطق الأزمات إلى عناصر أساسيّة، مثل الكهرباء أو الماء، بالإضافةِ إلى تعرّضها للقصف أو التّدمير.
وفي هذا السّياق، كانت الإشارة إلى المُعلّم كونهُ أساس العمليّة التعليميّة في ظلّ هذه الظّروف، المُعلّم الذي، في مناطق مثل شمال سوريا أو جنوب لبنان، لا يتقاضى راتبًا، وهو ما يؤدّي إلى تعب نفسيّ مادّيّ للمُعلّم، خصوصًا أنّه في بعض المناطق هُناك اعتماد كامل على المُعلّم لعدم توفّر كتب المناهج المدرسيّة، وعدم توفّر عناية نفسيّة للطّلبة الذين عانوا من أحداث قاسية وصلت إلى فقدان عائلاتهم في بعض الأحيان.
أمّا د. سائدة عفّونة فتطرّقت إلى الحديث عن طريق الصّمود في ظلّ هذه الظّروف الصَّعبة، والأمل، والحاجة إلى معرفة سُبل مُختلفة إلى لضمان حقّ الأطفال في التّعليم، ليس فقط التحاقهم، إنّما التأكيد على حصولهم على تعليم نوعيّ. وأهمّية دراسة احتياجات الأطفال، دراسة نوعيّة لاحتياجاتهم المُختلفة من صحّة نفسيّة وصحّة جسديّة وأمان، ومُختلف المتطلّبات التي تؤسّس لعمليّة تعليم قويمة.
أزمة اللّاجئين وأزمة كورونا؛ تحدّيات التّعليم تتضاعف
تضاعفت التّحدّيات بعد جائحة كورونا والتّعليم عن بُعد، وأضاءت الأُستاذة غندور على تأثير أزمة كورونا عبر إقصاء بعض التّلاميذ لعدم تحقّق العدالة الاجتماعيّة وعدم توفّر الأدوات اللّازمة والوسائل التقنيّة لمواكبة الظّروف الجديدة، إذ أثّر عدم توفّر هذه الأدوات إلى غياب التّواصل، وهو من أهمّ ما يكون في هذه الفترة، بين الطّلبة وباقي عناصر العمليّة التعليميّة. شكَّل هذا الغياب اغترابًا مُضاعفًا للطلبة اللّاجئين، ونزوحًا جديدًا لهم.
وأشارت الأُستاذة أبو حماد إلى كون التّحدّيات بمثابة فُرص جديدة للتّعامل مع الحياة التعليميّة، يجب استغلالها وتوظيفها، فمثلًا، يقع على عاتق الإدارة التعليميّة دور هامّ في منح الطلبة اهتمامًا وخلق أنظمة ومنهجيّات جديدة للتّعامل مع الأزمات، مثل البدء بالعمل بنظام الفترتين في مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم في الأردن، لكي يحظى الطلبة اللّاجئين بفرصٍ متكافئة في التّعليم.
وأكّدت على أنّ هُناك عمليّة بحث مُستمرّة وجهودًا مُستمرّة لتحقيق تعليم مُنصف للجميع. والبدء بتصميم العديد من البرامج والأنشطة التي تحذو للتغيير الإيجابيّ وتعزيز الإبداع والتّشاركيّة، هذه الفُرص التي بدأت لمُعالجة أزمة اللّاجئين استُخدمت، كذلك، لمُعالجة أزمة كورونا، بالتّعاون مع المُجتمع التّعلّميّ.
سياسات التّعليم ومدى فاعليّتها
ضمن المحور الثّاني للنّدوة تحدّث الأُستاذ مصطفى عن السّياسات التّعليميّة التي وضعت لمعالجة إشكالات النّزوح واللّجوء والانقطاع المتواصل عن التّعليم، من سياسات قبول الطّلبة، إذ صدرت إلى عدّة مدارس توجيهات من الجهات التربويّة أوصت بقبول الطلبة اللّاجئين دون حاجتهم لتقديم أوراق، كون الظّروف التي تدفعهم إلى النّزوح قاسية، إلى سياسات ومُبادرات التعليم التعويضيّ للكبار والصّغار وسط الحرب لمُعالجة الانقطاع عن التعليم، وقد أصبحت هناك مناهج مخصّصة هذا التعليم، وكذلك مدارس مخصّصة لهذا التّعليم.
وضمن ذات السّياق، عرّجت د. عفّونة على بعض الجوانب المُتعلّقة بالسّياسات، بمستوياتها المُختلفة الرّسميّة والشّعبيّة، وبضرورة الاهتمام باحتياجات المُعلّم ودعم صموده وتمكينه في ظلّ الأزمات، حتّى يستطيع القيام بدورهِ بفعاليّة وإبداع مع الطّلبة. ونوهت بأهمّيّة تصميم سياسات تعليم محلّيّة لا استيراد سياسات أجنبيّة، لأنّ احتياجات كلّ بيئة تعليميّة تختلف عن أُخرى وفقًا لظروفها الاجتماعيّة والنفسيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة.
وكان التّأكيد على دور المُجتمع المحلّيّ في العمليّة التعليميّة، إذ عليه ألّا يتخلّى عن هذا الدّور، كون الجهات الرّسميّة تتعرّض لضغوطات مُختلفة، ومن هُنا يتشكّل دور المُجتمع لحماية العمليّة التعليميّة.
وركّزت الأُستاذة أبو حماد على أنّ سياسات التّعليم تُحدّد شكله في المُستقبل، بالتّالي أهمّية الاهتمام والعناية بهذه السّياسات، وصياغتها صياغةً دقيقةً. وقبل أن تقع الأزمات، على المستوى الرّسميّ توفير سياسات طوارئ، لتجنّب الوقوع في مآزق مُختلفة، مثل التي حدثت في ظلّ أزمة اللّاجئين أو أزمة كورونا، ذلك لتوفير التّعليم المُنصف لكلّ الطلبة.
وكانت الإشارة من المُشاركين إلى ضرورة توفير سياسات مُختلفة في ظلّ أزمة اللّاجئين، مثل صياغة سياسة تسجيل للطلبة اللّاجئين لكي لا يتأخّروا عن أقرانهم، والتّعليم الاستدراكيّ لتعويض الطلبة الذين فاتهم سنوات من التّعليم، وضمان توفير المناهج والصّفوف المُناسبة لهم، وتصميم سياسات للحدّ من مُشكلة تسرّب الطلبة، وسياسات خاصّة للأطفال الذين يعيشون ظروفًا خاصّة، وفتح المساحة لهم للتعبير الإبداعيّ لتطلّعاتهم للمُستقبل.