شهد العالم، في سنواته الأخيرة، ثورة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، تجلّت آثارها في العديد من المجالات، وأثبتت تطبيقاته نجاعتها وفاعليّتها في مجالات الطب والهندسة والزراعة والصناعة وعلوم الفضاء والاتّصالات وغيرها من المجالات الأخرى. تأثّر قطاع التعليم بذلك، ولا سيّما في ظلّ التطوّرات المتسارعة في تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، وبدت مواكبته هذه التحديثات ومواجهة التحدّيات ضرورةً؛ فإدماج الذكاء الاصطناعيّ في عمليّة التعليم بات مطلبًا رئيسًا في عصر الرقمنة والتوجّه نحو إحداث التحوّلات في التعليم لاستيعاب التحديثات ودمجها.
يشير مصطلح إدماج الذكاء الاصطناعيّ في التعليم إلى استخدام الخوارزميّات والنماذج الذكيّة لتحليل البيانات التعليميّة. يتضمّن هذا الإدماج استخدام تقنيّات وأدوات لتحسين تعلّم الطلّاب، وتحسين عمليّة التقييم، وتطبيق تقنيّات متقدِّمة مثل تعلّم الآلة، وتحليل البيانات، والتعلّم العميق لتحقيق مزايا مثل تخصيص التعلّم، وتعزيز تفاعل الطلّاب، وتوفير تغذية راجعة وفوريّة، وتحسين تقييم الأداء. يمكن للمعلّمين والمؤسّسات التعليميّة، باستخدام تلك التقنيّات، تحسين جودة التعليم وفاعليّته، وتلبية احتياجات الطلّاب، وتعزيز مستويات الفهم والتحصيل الأكاديميّ.
يهدف هذا المقال إلى تبيان أهمّيّة توظيف التكنولوجيا في العمليّة التعليميّة وكيفيّة تحقيق ذلك، بتسليط الضوء على العلاقة القائمة بين الذكاء الاصطناعيّ والتعليم، وتأثيره في العمليّة التعليميّة ودوره في تحسينها، مع الإشارة إلى بعض التطبيقات التقنيّة ومجالات استخدامها في التعليم.
مفهوم الذكاء الاصطناعيّ
يُطلَق على مصطلح الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) اختصار "AL"، وهو أحد العلوم الحاسوبيّة التي نتجت عن الثورة التكنولوجيّة المعاصرة. بدأ رسميًّا سنة 1956 في كلّيّة دارتموث في هانوفر في الولايات المتّحدة الأميريكيّة. كان الهدف منه بدايةً، محاكاة قدرات الذكاء الإنسانيّ بالآلات، وذلك بفهم العمليّات الذهنيّة المعقّدة التي يؤدّيها العقل البشريّ في عمليّة التفكير، وكيفيّة معالجته المعلومات، ثمّ ترجمة العمليّات الذهنيّة إلى ما يوازيها من عمليّات حوسبة، تزيد من قدرة الحاسب على حلّ المشكلات المعقّدة. لذلك، عُرّف الذكاء الاصطناعيّ بأنّه: "أحد مجالات الحاسوب الذي يختصّ ببرمجتها؛ لأداء المهمّات التي ينجزها الإنسان، والتي تتطلّب نوعًا من الذكاء" (تره، 2021، ص 14-15).
يعدّ الذكاء الاصطناعيّ من أهمّ العلوم الحديثة، بسبب التقاء الثورة التكنولوجيّة في مجال الحاسوب والتحكّم الآليّ بعلوم الرياضيّات والمنطق واللغات والنفس. يهدف الذكاء الاصطناعيّ إلى فهم طبيعة الذكاء الإنسانيّ ببرامج الحاسوب الآليّ، بغية حلّ مشكلة ما، أو اتّخاذ قرار في موقف معيّن بالرجوع إلى العديد من العمليّات الاستدلاليّة المتنوِّعة. كما يُستخدَم، بسبب سرعته الفائقة، في إعطاء الاستدلالات التي تفوق القدرة البشريّة.
العلاقة بين الذكاء الاصطناعيّ والتعليم
أصبحت العلاقة بين الذكاء الاصطناعيّ والتعليم وثيقة في الوقت الحاليّ، نتيجة لما يوفّره من حلول تكنولوجيّة مبتكِرة تعزّز عمليّة التعلّم وتحسِّنها. أضف إلى ذلك تَعدُّد التطبيقات والبرامج التي يوفّرها الذكاء الاصطناعيّ، والتي تخدم مجال التعليم، من بينها برنامج "CHATGPT" الذي يجيب عن الأسئلة التي يطرحها المعلّم أو الطالب أو المستخدم في المجالات كافّة. طرحتُ السؤال الآتي على البرنامج: "ما العلاقة بين الذكاء الاصطناعيّ والتعليم؟" فأجاب إجابة كافية ومتعدّدة الجوانب، وسرد مجموعة من النقاط المهمّة حول العلاقة، والتي اتّفقت عليها العديد من المصادر والمراجع الأخرى. نذكر منها:
تخصيص التعليم
يساعد الذكاء الاصطناعيّ في تخصيص التعليم وفق احتياجات كلّ طالب، بتحليل البيانات وتتبّع تقدّم الطلّاب. كما يمكنه تقديم توجيهات وموارد تعليميّة مخصّصة لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الفرديّة.
تعزيز تفاعليّة الدروس
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحسين تفاعليّة الدروس وإشراك الطلّاب بطريقة أفضل. بالإضافة إلى ما يوفِّره من منصّات تعليميّة مُفعَمة بالتفاعل، مثل الروبوتات التعليميّة، وواجهات المستخدِم التفاعليّة التي توفِّر تجارب تعليميّة شخصيّة ومشوِّقة.
توفير تغذية راجعة فوريّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تقديم تغذية راجعة فوريّة للطلّاب حول أدائهم وتقدّمهم في الدروس والتمارين، بدلًا من الانتظار لتلقّي ملاحظات المعلّم. الأمر الذي يساعدهم في تصحيح أخطائهم وتحسين تحصيلهم الأكاديميّ.
توفير محتوى تعليميّ متنوِّع
يمكن للذكاء الاصطناعيّ توفير محتوى تعليميّ متنوِّع ومتعدِّد الوسائط، باستخدام تكنولوجيا تعلّم الآلة. كما يمكنه تحليل البيانات التعليميّة، وتوليد محتوى متنوّع، مثل الفيديوهات التعليميّة والمحاكاة، والمحتوى التفاعليّ.
تحسين عمليّة التقييم
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعيّ في تقييم الطلّاب وتحليل أدائهم. كما يمكنه تحليل الإجابات وتقديم تقييمات شاملة وموضوعيّة.
أثر الذكاء الاصطناعيّ في التعليم
تطرح أبو المجيد (2023) عددًا من الأمثلة على فوائد الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. أهمّها:
تبسيط المهمّات الإداريّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ أتمتة الواجبات الإداريّة، ممّا يسهم في تقليل الوقت الذي يستغرقه المعلّمون والمؤسّسات الأكاديميّة في تصميم الاختبارات وتقييمها.
المحتوى الذكيّ
يشمل المحتوى الذكيّ محتوى افتراضيًّا، مثل مؤتمرات الفيديو والمحاضرات والمواقف التعليميّة المتوفِّرة في شبكة الإنترنت. بالإضافة إلى الكتب الدراسيّة التي يحوّلها الذكاء الاصطناعيّ إلى دورات تدريبيّة عن بعد، حيث تحقّق الفائدة القصوى من المادّة التعليميّة.
التعلّم الشخصيّ
يحصل الطلبة على استجابات مخصّصة من معلّميهم بالتطبيقات التي تعمل وفق نظام الذكاء الاصطناعيّ. كما يمكنهم الحصول على مصادر متنوِّعة للمعلومة، تتناسب مع المستوى التعليميّ الخاصّ بهم.
إزالة حدود التعلّم المكانيّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ إزالة الحدود بتوفير المواد التعليميّة، والمشاركة في الدورات التدريبيّة في أيّ مكان في العالم. كما يسهم الذكاء الاصطناعيّ، حسبما تذكر تره (2021)، في:
- -تمكين المعلّمين من تعديل مقرّراتهم، مثل منصّتَي "coursera10" و"MOOC11"؛ حيث تخبِران المعلّمين عندما يجيب عدد كبير من الطلّاب عن الأسئلة إجابة خاطئة أو غير ملائمة.
- -تقديم منصّات تعليم ذكيّة للتعلّم عن بعد.
- -تقديم طرق جديدة للتفاعل مع المعلومات، مثل محرّك البحث غوغل الذي يعدّل نتائج البحث وفق الموقع الجغرافيّ، أو عمليّات البحث السابقة من دون علمنا عامّةً.
دور الذكاء الاصطناعيّ في تحسين التعليم
يؤدّي الذكاء الاصطناعيّ دورًا مهمًّا في تحسين عمليّة التعلّم والتعليم. يشير "CHATGPT" إلى أنّ ذلك يتحقّق من خلال:
تحليل البيانات وتخصيص التعليم
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل البيانات المتعلّقة بأداء الطلّاب واحتياجاتهم التعليميّة، وبناء نماذج مخصَّصة لكلّ طالب. يمكن وفق هذه البيانات، توفير توجيهات وموارد تعليميّة مخصَّصة لكلّ طالب، لتلبية احتياجاتهم الفرديّة.
التعلّم الآليّ
يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يشارك في عمليّة تعلّم الطلّاب بتوفير منصّات تعليميّة تفاعليّة، وأن يوفِّر شروحات ودروس تفاعليّة. بالإضافة إلى ما يقدِّمه من ملاحظات فوريّة للطلّاب حول أدائهم وأخطائهم، وما يقترحه من تمارين وممارسات إضافيّة لتعزيز فهمهم وتحسين أدائهم.
تطوير مناهج تعليميّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يساعد في تحسين المناهج التعليميّة وتطويرها، بتحليل البيانات المتعلِّقة بأداء الطلّاب وتقييم احتياجات السوق والتطوّرات العلميّة. فضلًا عن اكتشاف الصعوبات التعليميّة الشائعة، وتطوير استراتيجيّات تدريس أكثر فاعليّة.
تقييم الطلّاب
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعيّ لتقييم أداء الطلّاب وتحليل مستوى فهمهم ومهاراتهم. كما يمكن استخدام الأدوات التحليليّة فيه لتقديم تقارير شاملة حول أداء الطلّاب، وتوصيّات لتحسين أدائهم.
تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ في التعليم ومجالات استخدامها
يتيح إدماج الذكاء الاصطناعيّ في التعليم توفير تجارب تعليميّة متنوِّعة، مثل منصّات التعلّم الافتراضيّ والواقع المعزَّز، والمحتوى التعليميّ التفاعليّ، والتطبيقات الذكيّة. تختلف مجالات الإفادة من هذه المواقع. من أمثلتها ما أوردته وزارة التربية والتعليم (2023):
- -تحويل النصوص إلى أصوات، مثل موقعي "murfi.ai" و"speechify".
- -تحويل النصوص أو الصوت أو الأوامر النصّيّة إلى مقاطع فيديو، مثل موقعي "heygen" و"alpha.genmo".
- -تحويل المقالات والدروس إلى أسئلة، مثل موقع "yippity.io".
- -إعادة صياغة المقالات وتلخيصها وتحليلها، مثل موقع "quillbot".
- -إنشاء كتابات واضحة وخالية من الأخطاء اللغويّة، مثل موقع "grammarly".
- -تحويل الوصف إلى صور واقعيّة، مثل موقع "openai".
- -مساعدة الطلّاب الذين يواجهون صعوبة في الكتابة، مثل موقع "nuance".
- -إنشاء اختبارات، مثل موقع "quizgecko".
- -إنشاء دروس تفاعليّة، مثل موقع "curipod".
- -إنشاء عروض تقديميّة، مثل موقعي "narakeet" و"slidesai".
- -تقديم إجابات للأسئلة، مثل "Open.ai" و"ChatGPT" و"Compose".
- -تزويد المعلّمين بمصادر تعليميّة مختلفة وتحضير الدروس، مثل موقع "educationcopilot".
- -تصميم أسئلة، مثل موقع "gradescop".
- -صناعة محتوى، مثل موقع "capcut".
- -تحويل الصوت إلى نصّ وترجمته إلى أيّ لغة مختلفة، مثل موقع "castmagic".
- -تحويل الأفكار إلى محتوى أو نصّ أو تصميم، مثل موقع "runway".
* * *
ختامًا، نجد أنّه من الضروريّ إدماج الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة، بإجراء مراجعة جذريّة وشاملة للمناهج والممارسات التعليميّة، لاستيعاب التحديثات ودمجها، نظرًا لآثاره الإيجابيّة في التعليم، وتحديثاته المستمرّة، وارتباطه الوثيق بحياة الطالب اليوميّة ارتباطًا مباشرًا وغير مباشر. يقتضي ذلك اتّخاذ العديد من الإجراءات، مثل تطوير المناهج وبيئات التعلّم وتأهيل الكوادر البشريّة، من معلّمين وأكاديميّين وتربويّين وطلّاب، لتطويع هذه الأداة بما يخدم العمليّة التعليميّة ويسهم في ارتقائها.
وعليه، من المهمّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ أداةً مساعدة للمعلّمين، وليس بديلًا عنهم، حيث يستمرّ دور المعلّم في توجيه الطلّاب وتشجيعهم على التعلّم النشط. لذلك، يجب على المعلّمين والمؤسّسات التعليميّة استخدام الذكاء الاصطناعيّ بحكمة وضمان تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والتفاعل البشريّ، لتحقيق أفضل النتائج في تعليم الطلّاب.
المراجع
- أبو المجيد، إسراء. (2023). الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. academia.edu.
- تره، مريم. (2021). تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ والتسريع في عمليّة رقمنة التعليم. مجلة الجامعة العراقية.
- وزارة التربية والتعليم - سلطنة عمان. (2023). مواقع تخصّ الذكاء الاصطناعيّ قد تفيدك في العمل. دائرة الخدمات الرقميّة.