جاءت ندوة منهجيّات لشهر أيّار 2021 بعنوان "أدب الأطفال وأهمّيّة القراءة للّطفل"، حاورت فيها هيفاء نجّار، المديرة العامّة لمدرسة الأهليّة والمطران- عضو مجلس الأعيان الأردنيّ، المُتحدّثات في النّدوة حول أهمّيّة الكتاب بوصفهِ أداة أساسيّة وبوّابة للُّغةِ ونافذة للعالم يُطلّ منها الطّفل على العالم الخارجيّ، وكذلك حول ما إذا كانت هُناك معايير متّفق عليها لكُتب الأطفال، وعن دور القصّة في التّعليم، وأهمّيّة المُبادرات التربويّة لتشجيع القراءة.
استضافت منهجيّات هذه النّدوة 4 نساء تتنوّع تخصّصاتهنّ وتجاربهنّ بين كتابة أدب الطّفل وفنّ الحكي واختصاص تربية الطّفولة المُبكّرة ومُبادرات لتشجيع القراءة في المدارس، هنّ: تغريد النّجّار- كاتبة قصص أطفال من الأردن، ومنى سروجي- اختصاصيّة في تربية الطّفولة المبكرة وأدب الأطفال من فلسطين، وسارة إمام- حكّاءة ومُعلّمة لغة إنجليزيّة في حضانة من مصر، ونداء قناديلو- مُعلّمة لسنوات طويلة في المرحلة الابتدائيّة ومُساعدة مُدير من البحرين.
استهلّت هيفاء نجّار حديثها بالإشارة لأدب الأطفال وقصص الأطفال كمنصّة ينطلق منها التّعلّم، وينطلق منها التّخيّل والإبداع، وحُبّ الحياة، "فالطّفل الذي يقرأ قصيدة ويستمتع بقصّة يصعب عليه أن يقطع شجرة".
معايير أدب الأطفال وأهمّيّة التّعريج على مُختلف الموضوعات
بدأت تغريد النجّار مداخلتها ضمن هذا المحور بتقسيم معايير أدب الطّفل، بنيويًّا، إلى ثلاثة أقسام: الطّفل، والكتاب، والكاتب. وأشارت إلى كون الكتابة للطّفل هي ضمن منطق فنّ السّهل الممتنع، لأنّه لا يتكوّن فقط من بعض الجمل والرّسومات، إنّما يُبنى على بحث ووعي وإدراك، والأهم، يُبنى على مادّة تحترم عقول الأطفال. ومن هُنا، تطرّقت النجّار إلى أهمّيّة التّوجّه للطفل بطريقةٍ تتناسب وكلّ مرحلة عُمريّة يمرّ بها، إذ علينا مُراعاة احتياجات وخصوصيّات كلّ فترة وموضوعاتها المُناسبة، كما علينا معرفة كيفيّة تقديم هذه الموضوعات عبر استخدام تقنيّات كتابيّة مُختلفة، وأساليب مُختلفة، ولغة مُناسبة، وأشارت إلى أنّ المهم في هذا السّياق، هو ألّا نكتب للطّفل بمنطق التّعليم التلقينيّ، إذ تتمّ عمليّة التعلّم من خلال أدب الأطفال بشكلٍ غير مُباشر ومن خلال استمتاعهم بما يقرؤون.
وتحدّثت تغريد النجّار حول الدّور الهامّ الذي يلعبهُ الكتاب في صقل شخصيّة الطفل، ودعت لطرح قضايا في أدب الأطفال تُساعد في الحياة العائليّة واليوميّة، بحيث تُعرِّف الأطفال بالعائلة والحياة والمُجتمع، كما أشارت لأهمّيّة طرح مواضيع لا يتمّ التطرّق لها باعتبارها مواضيعَ حسّاسة، كالحُبّ والحرب والمرض والعُنف، وأكّدت على ضرورة عرض مثل هذه القضايا بطريقةٍ تُناسب المرحلة العُمريّة التي يمرّ بها الطّفل.
القراءة للطّفل ومعهُ وحول ازدواجيّة اللّغة
ضمن هذا المحور، تحدّثت منى سروجي حول مفهوم تقترحهُ دائمًا هو مفهوم القراءة للطّفل ومعهُ، كوننا نقرأ للطّفل الذي لم يمتلك مفاتيح القراءة، ونقرأ مع الطّفل لأنّنا شركاء معهُ في هذه الرحلة الاستكشافيّة الجميلة، خصوصًا لما تُمثّله القراءة من فرصة لتمضية وقت نوعيّ للأهل والأطفال، وإتاحة المساحة للأهل لأن يكونوا وسطاء بين الكتاب والطّفل؛ الوساطة التي تُمثّل مساعدة الأهل للأطفال بحلّ مفاتيح الكتب وربط القصص بخبرات حياتيّة وربطها بحياة الطّفل، ما يمدّهُ بشعور الجماعة ويُساعده على تأمّل عالمه الدّاخليّ، ويتيح لهُ مساحة تأمّل هذه الأفكار الأمر الذي يساهم بتعزيز قيم اجتماعيّة مُختلفة عنده.
وأشارت سروجي إلى أنّ قصص الأطفال باللّغة العربيّة تفتقد إلى التعبير العاطفيّ، بشكلٍ عامّ، وأكّدت على أهمّيّة الدور الذي علينا أن نلعبه مع الطّفل بتشجيعهِ على اكتساب قاموسه العاطفيّ، من خلال تسمية المشاعر بأسمائها، وربط الحدث بالشّعور، وتشجيع الطّفل على استخدام الكلمات العاطفيّة في السّياقات اليوميّة، ما يقود إلى ربط القصّة بحياة الطّفل، وجعلها كأداة تفتح مساحةً لهُ للتعبير عن ذاته.
ضمن المحور الثّاني لمداخلتها، عرّجت سروجي على تحدّي ازدواجيّة اللّغة؛ العامّيّة أو المحكيّة والفصحى، إذ أشارت إلى عدد من الباحثين الذين يقترحون حلًّا يتمثّل بأهمّيّة تزاوج اللّغتين في الحياة، باعتبار المحكيّة هامّة للحياة اليوميّة، والفصحى هامّة للتفكير، كما أنّنا كلّما عرّضنا الطّفل للغةِ عربيّة سليمة، تمكّن منها. وضمن السّياق ذاته، تحدّثت سروجي عن أهمّيّة انكشاف الطّفل على لُغة غنيّة، الأمر الذي يقود إلى ما يُساعدهُ على فهم المقروء، إلى جانب تطوّر مهارات التّفكير، ومن هُنا أشارت إلى مفهوم الأُلفة بين الطّفل والكتاب، إذ تطرّقت إلى تقنيّات تخلق هذه الأُلفة، مثل قراءة القصص بشكلٍ مشوّقٍ ومسرحيّ، وقراءة القصّة ذاتها أكثر من مرّة.
عن فنّ الحكي واكتشاف الطّفل وتطوير اللّغة والذّهن والسّلوك
استهلّت سارة إمام حديثها حول ما تمثّلهُ الحكاية بكونها بذرة تساؤل تَخلقُ مساحةً آمنةً لحوارٍ متبادل بيننا وبين الأطفال، وهو ما نستطيع المضيّ من خلاله والبناء عليه في رحلة التعليم. وأشارت إلى أهمّيّة الحكاية كأداة للطّفل ليتواصل مع نفسه ومع ذاته ومع مشاعره، فيستمع الطّفل للحكاية عندما يرى نفسهُ فيها، أو عندما يتقمّص إحدى شخصيّاتها، وعرّجت إمام إلى كوننا عند هذه الفكرة نصل لنقطة فارقة ومهمّة عند الطّفل هي أن نُشعرهُ بأنّنا نراهُ ونشعر بهِ ونصل إليهِ، إذ يُمكن لهُ من خلال هذه العلاقة، أن يفتح حوارًا مُباشرًا مع الحكاية ومع الحكّاءة أو الحكّاء، انطلاقًا من أهمّيّة اشتمال الحوار على أبعاد عاطفيّة وعقلانيّة على حدٍّ سواء.
في مداخلتها الثّانية أشارت إمام إلى أهمّيّة دمج أدوات الفنون المسرحيّة ضمن منظومة التّعليم، التي عليها، في الوقت ذاته، أن تضمّ فنّانات وفنّانين، وهو ما يدور ويخدم، حسب مداخلتها، ثلاثة محاور، هي: التطوير اللّغويّ، والتطوير الذّهنيّ، والتطوير السّلوكيّ. بخصوص محور التّطوير اللّغويّ، قالت إمام إنّ فنّ الحكي هو استعرض لصورة بصريّة للحكاية من خلال اللّغة، ما يُمكّن الطّفل من استخدام مفردات اللّغة في تخيّلاتهِ وتعبيراتهِ الشّفهيّة. وعن محور التطوير الذّهنيّ أشارت إلى أنّ الطّفل، ضمن هذا المنحى، يبدأ التعرّف على الرّموز المُختلفة في الحكاية، ويربط هذه الرّموز بمشاعره وما يدور حولهُ، ما يُساهم بتطويرهِ ذهنيًّا. وعن المحور الثّالث، وضّحت إمام أنّهُ يتمّ عبر نقاش سلوكيّات إيجابيّة وسلبيّة في الحكاية، شرطَ أن يتمّ هذا النّقاش من غير نقد مُباشر، بحيث يُساهم ببناء حلقة نقاش قائمة على النّقد البنّاء.
عن مُبادرة أقرأ لأستمتع وأتعلّم، ومُرافقة القصّة للمنهاج
بدأت نداء قناديلو حديثها بتعريجٍ على تجربتها الشّخصيّة، التي لطالما شعرت خلالها أنّ شرح الدّروس عن طريق الحكي أو القصّ يجعل تعلّم الطلبة مُفيدًا أكثر كونهُ يربط التعلّم بالمُتعة، ومن ملاحظة هذه الطّريقة التي تتكامل مع القراءة وتجارب أُخرى مُشابهة، خرجت فكرة مبادرة "أقرأ لأستمتع وأتعلّم"، التي كان التركيز ينصبّ ضمنها على القراءة للاستمتاع، الاستمتاع من خلال الكتاب، وبالتّالي، يتمكّن الطّفل، بالنّتيجة، من عديد المهارات. وأكملت قناديلو حديثها حول الظّروف التي ساهمت بإنجاح هذه المُبادرات، منها العمل بشكلٍ دؤوبٍ على جعل المدرسة بيئة تُشجّع على القراءة، بما تشمل هذه البيئة من توافر للكُتاب، ومن نشاطات تُحفّز على القراءة، مثل توظيف الألعاب خلال عمليتيّ قراءة القصّة وتحليلها، وقراءة القصص في مساحات المدرسة المُختلفة، وعرض القصص عن طريق أنشطة متنوّعة، مثل مسرح الدُّمى، أو مسرح خيال الظّلّ.
وضمن حديثها عن التّجربة، شاركت قناديلو بعض الملاحظات، مثل أهمّيّة مُرافقة القصّة للمنهاج، ما يجعل العمليّة التّعلّميّة عمليّة مُمتعة للطّالب، خصوصًا مع تطبيق أنشطة مُعيّنة وربط المنهاج بها، فيصبح التعلّم هُنا تجربةً حياتيّة لجعل الكتاب حيًّا وجزءًا من تجربة الطلّاب ومن حياتهم اليوميّة. وعرّجت قناديلو في حديثها عن مخُتلف المهارات التي يتميّز بها الطلّاب القرّاء عن غيرهم، مثل التّركيز، وتطوير المُخيّلة، وترجمة المشاهد إلى صور، وفهم المقروء.