د. عزيز رسمي | أستاذ جامعيّ وخبير تربويّ – المغرب
حميد جعفر | أستاذ باحث في المدرسة العُليا للأساتذة - المغرب
* النصّ معتمد على بحث ميداني بعنوان "نحو بناء تصوّر الوالدين لدور الروضة في نموّ الطفل التربويّ"، قُدّم في مؤتمر "التربية في مرحلة ما قبل المدرسة: رهانات العرض والجودة"، في المدرسة العُليا للأساتذة - جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في المغرب، بتاريخ 15 آذار/ مارس 2023.
أصبح التعاون الوثيق بين المدرسة والأسرة، ولا سيّما إدماج الوالدين في مسار متابعة أبنائهما في مرحلة ما قبل المدرسة، من أهمّ الموضوعات التي تتناولها الإصلاحات المدرسيّة المتتاليّة، والتي تشكِّل محورًا رئيسًا في النقاشات والدراسات التي يقوم بها الفاعلون في مجال التربية (Larivée, et al., 2013). فالأسرة أوّل مؤسّسة تربويّة تسهر على تنشئة الطفل اجتماعيًّا ويظلّ تأثيرها قويًّا، حتّى بعد التحاقه بالروضة، ثمّ المدرسة (رسمي وأمهال، 2021). ورغم أنّ المدرسة ظلّت عقودًا طويلة مكلَّفة بمهمّة تعليم الأطفال بصفة حصريّة، إلّا أنّ المقاربة أصبحت الآن متجاوَزة، بعد أن تبيّن مدى التحدّيات التي يواجهها هؤلاء، ولا سيّما المنحدرون من أسر هشّة Akkari &, 2009) Changkakoti).
أظهرت العديد من الأبحاث (رشدي لبيب وآخرون، 1993، ص 23) أنّ نجاح الطفل في الاندماج في محيطه الجديد واكتسابه المهارات الاجتماعيّة، ولا سيّما في هذه الفترة، رهين تعاون الوالدين والمدرسة، وانخراط الوالدين في مسار التحاق أطفالهما في أوّل مؤسّسة يلتحقون بها خارج نطاق الأسرة.
غايات التعاون بين الوالدين والروضة
يقتضي تحقيق التعاون المرور بعدّة شروط، أوّلها إدراك الوالدين دور روضات الأطفال، وإسهامهما في صياغة سياستها. لتحقيق ذلك، لا بدّ من تحقيق التواصل الوثيق والمستمرّ بين الروضة والأسرة، حتّى يتمكّن المربّون من التعرّف إلى الطفل ووسطه الأسريّ، بالمعلومات التي يقدِّمها الوالدان إلى المؤسّسة، وحتّى يبنيان تصوَّرًا واضحًا حول الروضة وخصائصها وأدوارها. بذلك، تتأسّس علاقة متينة بين الطرفين، تنبني على الثقة المتبادلة والتعاون الوثيق (عماريّة، 2018). الأمر الذي يساعد على تحقيق عدد كبير من الأهداف، أهمّها:
- - اقتناع الوالدين بقدرة طفلهما على التكيّف مع وضعه الجديد.
- - إدراكهما قدرتهما على التواصل مع فريق الروضة والتأثير في نظامها التربويّ.
- - تقديرهما البرامج التي تقدّمها الروضة لطفلهما.
- - إدراكهما أهداف هذه البرامج وإسهامهما في تحقيقها وتعديلها، إن اقتضى الأمر.
- - اكتساب الوالدين طرقًا تربويّة مرنة، عوضًا عن أسلوب الإكراه الشائع في تنشئة الأطفال.
لكنّ الجراح التي تصيب الأهل، والتي قد تقود إلى التباعد بينهم والروضة، ولا سيّما في بداية التحاق أطفالهم بها، تصبغ تصوّرهم لهذه المؤسّسة بصبغة سلبيّة، يمرِّرونها إلى أبنائهم، فيتسبّبون بإعاقة تحقيق الأهداف التي ترسمها البرامج التربويّة لمرحلة ما قبل المدرسة. من هنا، برهنت العديد من الأبحاث (Desmet, et al., 2014) وجود علاقة وثيقة بين نماذج الوالدين السلوكيّة وسلوكيّات أبنائهما الاجتماعيّة والعلائقيّة، كما أثبتت مدى تأثير النماذج سلبًا وإيجابًا في ما يتبنّاه الأطفال من سلوكيّات في حياتهم الاجتماعيّة.
في هذا الإطار، حاولنا مسح انطباعات الوالدين في هذه المرحلة، لعلّنا نتوفّق في رسم المعالم الكبرى للنظرة التي يكوّنها الوالدان المغربيّان عن الروضة، اعتمادًا على الأفكار التي تنبعث لديهما بخصوص مختلف العناصر المشكِّلة حياة طفليهما، داخل المؤسّسات التربويّة لمرحلة ما قبل المدرسة.
تصوّرالوالدين المغربيّين روضة الأطفال
انتقينا ثلاث روضات في مدينة الدار البيضاء في المغرب، باعتبارها إحدى أهمّ المدن التي يحتاج فيها الوالدان إلى العمل معًا لتغطية نفقات الأسرة، ممّا يضطرهما إلى اللجوء إلى من يحتضن أطفالهما مبكرًا. وقع الاختيار على هذه الروضات لما يتوفّر فيها من معايير جيّدة نسبيًّا، لاستقبال الأطفال الذين يدفع والداهم الكثير من المال للإفادة من هذه الخدمة.
خضع ثلاثون والدًا ووالدةً لمقابلة حول موضوع تقييمهم الروضة التي تستقبل أبناءهم، وفق استمارة تعزيز المؤسّسة بأنموذج المشاركة الوالديّة (Hoover-Dempsey, K. & Sandler, H 1997)، والتي تغطّي ستّة مجالات لاشتغال هذه المؤسّسات، وهي:
- - البنية التحتيّة والتجهيزات.
- - الاستقبال والتوقيت.
- - السلامة والصحّة والتغذية.
- - الأنشطة الموازية.
- - الممارسة التربويّة.
- - التعاون بين المدرسة والأسرة.
رُصِدت أهمّ ملاحظات الوالدين حول الروضة المستقبِلة أبناءهما وعلاقتها بنموّهم الشامل. فعلى مستوى البنية التحتيّة، عبّر حوالي 50,5% من المستجوَبين عن رضاهم عن مستوى التجهيزات التي توجد في الروضات الثلاث، مع تساوي النسب الخاصّة بتقييمهم الإطار العام، بما يحتويه من فضاء وحديقة وأبنية من جهة، وتقييمهم حجرات الأقسام وما تتضمّنه من تجهيزات من جهة أخرى، علمًا أنّ التفاوت يتصاعد في ما يخصّ سهولة الوصول إلى هذه الروضات، سواء في ما يتعلّق بالطرق المؤدية إليها، أم الأمكنة التي يمكن ركن السيّارات فيها. كما اقترح الأهل تجديد صياغة المؤسّسة دوريًّا، وصيانة حديقة الروضة صيانة منتظِمة ومحترِفة، معتبرين التجهيزات البيداغوجيّة المخصَّصة لّلعب غير كافية.
أمّا في ما يخصّ الاستقبال والتوقيت، فعبَّر 53,8% منهم عن سرورهم بتوقيت الاحتضان الذي سجّل أعلى نسبة، بينما تفاوت تقييمهم جودة الاستقبال المخصَّص للوالدين قليلًا، إذ كانت نسبته دون المتوسّط، ولم تتجاوز نسبة جودة استقبال الأطفال 50.50%. عبَّر المستجوبون عن ذلك بالقصور الحاصل في التواصل مع الوالدين والاستقبال المخصّص لهما.
مقابل ذلك، تجاوز تقييمهم المعايير المتحقِّقة في الروضات، في ما يتعلّق بالسلامة والصحّة والتغذية، النسب المسجَّلة في بقيّة الخانات، إذ بلغت نسبتهم 61,45 %، رغم أنّهم لفتوا الانتباه إلى وجود العديد من المخاطر بالنسبة إلى الأطفال، ولا سيّما أمام الروضات، حيث تنعدم علامات التشوير التي تنبِّه السائقين إلى وجود مؤسّسة تعجّ بالأطفال.
لكنّ المثير للتساؤل النسبة التي سجّلها تقييم المستجوبين حول الأنشطة الموازية التي تقدِّمها الروضات الثلاث للأطفال، إذ لم تتجاوز نسبتهم 39,3%، مع تفاوت بسيط بين مستوى رضى الوالدين عن المشاريع الخاصّة التي ينجزها الأطفال خارج القسم، ورضاهما عن الأنشطة الموازية المنجَزة. لذلك، يقترح الأهل زيادة عدد الأنشطة التي تعزِّز قدرات الأطفال، وتنظيم عدد أكبر من الرحلات التي تمكِّن الطفل من التعرّف إلى محيطه والاندماج فيه بسهولة.
أمّا نظرة الأهل المستجوبين إلى الممارسة التربويّة داخل الروضات المعنيّة، فكانت معتدلة نوعًا ما، إذ لم تتجاوز النسبة 50,6%، وهو ما يتّصل بحافزيّة الأطفال للذهاب إلى الروضة، ومستوى رضاهم عن وتيرة نموّ أبنائهم، فضلًا عن كفاءة المربّيّات البيداغوجيّة. علمًا أنّ ملاحظاتهم تطابقت حول قصور كفاءتهن التربويّة. أكّد المستجوبون على بقاء نموّ الأطفال الاجتماعيّ ضعيفًا، لضعف مهارة التواصل عندهم، سواء باللغة العربيّة أم الفرنسيّة، وشدّدوا على ضرورة منحهم المزيد من الفرص للتعبير عن أنفسهم داخل القسم.
غير أنّ اللافت للانتباه، كانت النسبة التي سُجِّلت بخصوص التعاون بين الروضة والأسرة، والتي لم تتجاوز 35,3%، وهي أضعف نسبة تتحقّق في جميع الخانات. عبَّر المستجوبون عن ضعف انخراطهم في حياة الروضة، سواء باجتماعات الأهل أم الحفلات المدرسيّة، وأشاروا إلى ضعف رضاهم عن مستوى الإدارة التواصليّ، وكذلك عن العلاقات المنشأة مع المربّيّات. بالإضافة إلى إعرابهم عن قلّة تلقّيهم مواعيد اللقاءات واطّلاعهم بسرعة على الصعوبات التي يواجهها أبناؤهم.
خلاصة ذلك أنّ النسبة العامّة المسجَّلة حول مستوى رضى الوالدين عن أداء الروضة متواضعة جدّا، ولا تتجاوز 42,9%، ما يضع المنتوج الذي تقدِّمه المؤسّسة على المحكّ.
معالم بناء تصوّر الوالدين دور روضة الأطفال
أوّل ما ينبغي لفت الانتباه إليه، ضرورة انفتاح الروضة على محيطها الاجتماعيّ المباشر والمتمثِّل في الوالدين المحتضنين، حتّى تتمكّن من بناء علاقة تشاركيّة تدمجهما في حياة أطفالهما ما قبل المدرسيّة. ينبغي التأكيد على أنّ هذه العلاقة ليست عفويّة أو اعتباطيّة أو آنيّة، بل تتطلّب وقتًا وجهدًا كافيين لنسجها، نظرًا إلى الصعوبة التي تصطبغ بها بحسب بعض الباحثين (Feyfant, 2015)؛ فالأهل خليط من الفئات والأطياف متنوِّعة الهويّة، ما يُلزِم طاقم المؤسّسة التربويّ بالتعرّف إليهم وإلى خلفيّاتهم الثقافيّة وأساليب تفكيرهم وسلوكهم، ليتسنّى كسب ثقتهم، قبل إدماجهم في فلسفة الروضة وسياستها التربويّة.
تنبغي الإشارة إلى تجسّد هذه العلاقة في مظاهر مختلفة، وذلك بحسب تصنيفها من الدرجة الأولى للوالدين الذين يحتكّون يوميًّا بالمؤسّسة، عندما يحضرون أولادهم إليها أو يعودون بهم إلى البيت، أو من الدرجة الثانية عندما تقلّ فرص التقائهم بها. لذلك، قد نلاحظ بعض الخلافات بين الأسر والروضة، والتي ليست عرضيّة بقدر ما هي بنيويّة، تنطلق من التصوّر الذي يبنيه الوالدان حول دور رياض الأطفال في تنشئة أطفالهما من جهة، وتصوّر الحضانة لدور الوالدين التشاركيّ في هذه التنشئة. كلّ ذلك ينطلق من تمثّلات معيّنة للطرفين، غير مبنيّة على أسس معرفيّة متينة، ترسم الحدود بين الأدوار وتحّدّد الوظائف.
يُعبَّر عن هذه التمثّلات أحيانًا باستعمال ألفاظ معيّنة ذات حمولة سلبيّة، مثل سوء التفاهم أو التباعد أو الخلاف أو العدوانيّة. وتتّفق الدراسات والأبحاث في هذا الشأن على أنّ هذه التمثّلات وتمظهراتها السلوكيّة تؤثِّر سلبًا في نموّ الطفل الاجتماعيّ والعلائقيّ، ولا سيّما مع اختلاف توقّعات الوالدين من المؤسّسة المحتضِنة عن توقّعات هذه الأخيرة. يعني ذلك ضرورة ارتكاز الجهد المبذول على تأسيس العلاقة بين الأهل والروضة على أسس معرفيّة متينة تحدِّد أدوار كلّ طرف وترسم له حدود دائرة التدخّل في العمليّة التربويّة، وتدرّجها في إطار مقاربة تشاركيّة لصالح الأطفال المحتضَنين (Kherroubi, 2009). غير أنّ الملاحظ بالدراسة أنّ الأجوبة لا تنطلق من مرجعيّة معرفيّة مضبوطة وتوافقيّة، نظرًا إلى انطلاق الطرفين في بناء آرائهما من محاكاة نماذج مستوردة من فرنسا بصفة خاصّة، تتضمّن أوجه تباين عديدة مع الواقع الاجتماعيّ المغربيّ الذي يفرض تكييفًا متدرِّجًا ومتواصلًا، حتّى تتناسب مع توقّعات الفئة المستفيدة.
في هذا السياق، لا بدّ من التذكير بأنّ الدليل البيداغوجيّ للتعليم الابتدائيّ الذي أصدرته وزارة التربية الوطنيّة في المغرب (2020)، يشكِّل إطارًا مرجعيًّا أوّليًّا للوالدين، ولرياض الأطفال، لبناء هذه العلاقة. يغطِّي الدليل أوجه عمل الروضة كلّها، بدءًا من الغايات التي تهتمّ بالجانب النمائيّ للطفل، على المستوى الشخصيّ والاجتماعيّ والمعرفيّ، ومرورًا بالوسائل المتضمِّنة الألعاب التربويّة والرقميّة والمشاريع التي ينخرط فيها الطفل، وانتهاءً بالتربية الصحّيّة.
تتوخّى الممارسة التربويّة في هذا الطور التعليميّ المهمّ نماء الطفل على مختلف المستويات الجسميّة والنفسيّة والعقليّة والاجتماعيّة، وعلى تعلّمه الذي يزاوج بين الاكتساب المعرفيّ والعادات الصحّيّة والسلوكيّة السليمة، بما يضمن للطفل في النهاية عيشًا آمنًا وكريًما وخاليًا من كلّ منغّصات التوازن الجسميّ والنفسيّ والعقليّ والاجتماعيّ. ومع ذلك، يظلّ الدليل ذا طابع عموميّ يحتاج إلى تطوير مضامينه تطويرًا مستمرًّا، وتدقيق عناصره تدقيقًا متواصلًا، بما يسهِّل عمل الطاقم التربويّ الذي يطغى على وظيفته الطابع التنفيذيّ، على حساب تأمّله مهمّاته.
* * *
بناءً على كلّ ما سبق، نجد أنّ التعاقد بين الطرفين، الوالدين والروضة، عند الانخراط في الاحتضان، يجب أن يسبقه جهد الوالدين والطاقم التربويّ بمضامين الدليل البيداغوجيّ. بالإضافة إلى الجهد التواصليّ الذي يؤسِّس علاقة بنائيّة وتشاركيّة بين الطرفين يمتدّ طيلة سنوات ما قبل المدرسة.
المراجع
- رسمي، عزيز، وأمهال، يوسف. (2021). التعاون بين الأسرة والمدرسة: سيرورة انخراط الوالدين في تتبّع مسار أبنائهما دراسيًّا. منهجيّات. 3(1). 60-65.
- عمارية ، بوجحفة. (2018). العلاقة بين الأسرة والروضة ودورها في تنمية الطفل. مجلّة الحكمة للدراسات الاجتماعيّة. 6(2). 48-58. https://www.asjp.cerist.dz/en/article/59387
- مديريّة المناهج، وزارة التربية الوطنيّة والتكوين المهنيّ. (2020). الدليل البيداغوجيّ للتعليم الأوّليّ.
https://moutamadris.ma/الدليل-البيداغوجي-للتعليم-الأولي
- لبيب رشدي وآخرون ، المنهج: منظومة لمحتوى التعليم . المكتبة الأنجلو المصرية،, 1993.
- Akkari, Abdeljalil, and Nilima, Changkakoti. (2009). Les relations entre parents et enseignants: Bilan des recherches récentes. Dans La revue internationale de l'éducation familiale. 103-130.
https://www.cairn.info/revue-la-revue-internationale-de-l-education-familiale-2009-1-page-103.htm
-0Desmet, Huguette, Pourtois, Jean-Pierre, Terrisse, Bernard, and Barras Christine. (2014). Les programmes d’éducation parentale: un soutien à la parentalité? Dans Traité des sciences et des pratiques de l’éducation. 171-185.
https://www.cairn.info/Traite-des-sciences-et-des-pratiques--9782100717019-page-171.htm
- Feyfant, Annie. (2015). Coéducation : quelle place pour les parents. Dossier de veille de l’IF.
https://edupass.hypotheses.org/758
- Sandler, H. and Hoover-Dempsey, K. (1997). Why do parents become involved in their children’s education? Review of Educational Research. 67. 3-42.
https://www.scirp.org/reference/ReferencesPapers.aspx?ReferenceID=718912
- Kherroubi, Martine. (2009). Des parents dans l’école. Spirale - Revue de recherches en éducation. 246-247.
https://www.persee.fr/doc/spira_0994-3722_2009_num_43_1_1200_t17_0246_0000_1
- Larivée , Serge J., Terrisse, Bernard and Richard, Dominik. (2013). La collaboration école-famille: quelles compétences les parents québécois jugent-ils nécessaires pour s'impliquer? Dans La revue internationale de l'éducation familiale.