أكّد كثير من المعلّمين، بعد استطلاع رأيهم في إحدى الورشات التدريبيّة، أنّ عدم جدّيّتهم في تدريس حصّتي الاستماع والتحدّث في الغرف الصفّيّة، يعود إلى عدم امتلاكهم استراتيجيّات التدريس الفعّالة لهذه المهارة، أو أدوات تقييمها، ولا سيّما أنّ الامتحانات الرسميّة تخلو من الجزء المتّصل بهذه المهارة. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض المعلّمين أن تحدّث الطلبة المتواصل باللغة العربيّة، حتّى وإن كانت عاميّة وخالية من الأفكار المتسلسلة، يحقّق وظيفة اللغة التواصليّة، مهما كان الموضوع الذي يتحدّثون عنه. وعليه، يعدّ تأمّل المعلّمين أساليب تعليمهم أثناء تدريس الاستماع أو التحدّث أمرًا جوهريًّا وضروريًّا، لتحسين التعلّم وتطوير الأداء.
من هنا، حاولت ورشة العمل "بناء المنطوق لتحقيق التواصل اللغويّ الفعّال" الإجابة عن سؤال لماذا يُخفِق الطلبة في إتقان مهارات التخاطب المهمّة؟ واقترحت الورشة آليّة إجرائيّة لتقديم حصّة الاستماع أو التحدّث في الغرفة الصفّيّة. ذلك أنّ تدريس الاستماع في سياقه الطبيعيّ والاجتماعيّ أوّل خطوات الحلّ. يعتقد المعلّمون أنّ القراءة البطيئة، وإبراز بعض الكلمات، واختيار نصوص ذات مضمون عميق ونادر، وتكرار قراءة النصّ أكثر من مرّة، والتركيز على الفهم المعرفيّ لما ورد في النصّ، كلّها أمور تنمّي مهارة الاستماع. لكنّ نتائج تدريسهم، وفق فهمهم ذلك، لا تُحقِّق التعلّم، ولا يصبح الاستماع مهارة أصيلة وثابتة في ممارسات الطلبة اليوميّة، فما الحلّ؟
كيفيّة سير حصّة الاستماع في الغرفة الصفّيّة
على المعلّم، في البداية، التنبّه إلى أمور تعين على تنظيم سير حصّة الاستماع. أهمّها:
- -أن يكون قدوة، فيستمع جيّدًا عندما يتحدّث إليه الطلبة عن أيّ أمر، ولا يقاطعهم، أو يحاول فرض وجهة نظره عليهم.
- -التحلّي بالصبر ريثما يكتسب الطلبة مهارة الاستماع.
- -تجهيز البيئة الصفّيّة الملائمة للاستماع الفعّال، وإثارة دافعيّة الطلبة نحو الاهتمام بالدرس.
- -اختيار نصوص عاديّة للاستماع، ممّا يستمع إليه الطالب في حياته الواقعيّة، فيقرأها المعلّم بصوته، أو يستمع إليها الطالب مسجَّلة بصوت غير صوت المعلّم.
- -اختيار نصوص تتضمّن المعارف والمهارات المتوقَّعة من الطلبة. بمعنى أن يكون النصّ مناسبًا، ويخدم ما يريد المعلّم تحقيقه بعد الانتهاء من تدريسه.
بعد ذلك، يتسنّى للمعلّم تقسيم حصّة الاستماع إلى مراحل محدّدة، وعقد نشاطات تدفع الطلبة إلى تنفيذها. ذلك أنّ تدريس الاستماع عمليّة منظّمة وليست عشوائيّة، يجب أن تمرّ بثلاث مراحل أساسيّة في كلّ حصّة دراسيّة:
مرحلة قبل الاستماع
يركِّز المعلّم في هذه المرحلة على تحفيز معرفة الطلبة، وجذبهم إلى النصّ. يجب أن يثير المعلّم هنا فضول الطلبة للاستماع والاكتشاف، ويدفعهم إلى استحضار معارفهم السابقة حول مضمون النصّ المسموع، وتوقّع المفردات والمصطلحات المتّصلة به.
مرحلة أثناء الاستماع
يركِّز المعلّم في هذه المرحلة على توظيف نصّ الاستماع في إكساب الطلبة استراتيجيّة التعلّم المحدّدة في الحصّة، مثل تحقيق مهارة الفهم والاستيعاب، أو مهارة نحويّة، أو أيّ مهارة لغويّة. لكن، تزيد في النهاية حصيلة الطالب اللغويّة من التراكيب والمفردات التي توظَّف لاحقًا في التحدّث والكتابة.
على المعلّم في هذه المرحلة تجنّب تكرار إسماع الطلبة النصّ أكثر من مرّتين؛ فالاستماع، ضمن السياقات الواقعيّة، لا تكرار فيه، مثل الاستماع إلى أغنيّة، أو النداء في المطار ومراكز التسوّق. يكمن الهدف من عدم التكرار في أنّ الطالب يستمع في الحصّة استماعًا متطابقًا مع استماعه في السياقات الحياتيّة، وهذا ما يحقّق مصلحة الطالب في التعلّم.
مرحلة بعد الاستماع
نقطة الوصول التي يجب أن يصل إليها المعلّم بالطالب هي إحداث تفاعل بينه والنصّ المسموع، وتمكينه من توظيف المهارات اللغويّة التي اكتسبها في المرحلتين السابقتين في حواراته وكتاباته. يعثر الطلبة بذلك على روابط منطقيّة وواضحة بين واقع حياتهم اليوميّة ومضامين النصّ المسموع.
أنموذج تطبيقيّ لسير حصّة الاستماع
خطّة درس نموذجيّة للصفّ السابع
* * *
يؤثِّر الاستماع في مهارات اللغة الأخرى كلّها، وهو بوابة التحدّث والكتابة في لغتنا العربيّة، ولا سيّما أنّ الأثر المتوقَّع من الاستماع يتجاوز حدود الغرفة الصفّيّة، ليشمل السياق الاجتماعيّ الذي يعيش فيه الطالب. يعدّ إتقان مهارة الاستماع في الغرفة الصفّيّة بداية جعل الطالب مستمعًا جيدًّا مدى الحياة.