فلسفة المعلّم التربويّة: مفتاح نجاح التعليم
فلسفة المعلّم التربويّة: مفتاح نجاح التعليم
2024/12/01
مروان أحمد محمود حسن | عضو هيئة تحرير منهجيّات-مصر

تعدّ فلسفة المعلّم التربويّة أحد العناصر الأساسيّة في عمليّة التعليم والتعلّم؛ إذ إنّها الرؤية، والمعتقدات، والقيم التي يستند إليها المعلم في توجيه الطلّاب. غالبًا ما تتأثّر فلسفة المعلّم بعديدٍ من العوامل المختلفة، منها: الثقافة، والتعليم السابق، والخبرات الشخصيّة، والتوجّهات التربويّة. كما إنّها تؤثّر في جميع جوانب التعلّم والتعليم، بدءًا من المناهج الدراسة، وطرائق التدريس، وحتّى تقييم الطلّاب.

تهدف فلسفة المعلّم التربويّة إلى تحقيق أهداف التعليم، وتعزيز التنمية الشاملة للطلّاب. وتساعد المعلّم على تحديد رؤيته إلى التعليم، وتحديد أهدافه، وطرائق تحقيقها، بالاعتماد على فلسفته التربويّة. كما يعتبر المعلّم الفلسفة التربويّة أداة قويّة لاسترشاده في اتّخاذ القرارات الصحيحة في الفصل الدراسيّ، وتصميم بيئة تعليميّة مناسبة.

إذا نظرنا – بصفتنا معلّمين – إلى أغلب نظم التعليم في الوطن العربيّ، نجد عدم وجود فلسفة تربويّة واضحة ومحدّدة؛ الأمر الذي أفضى إلى عدم وجود التناسق، والتكامل، والفهم الواضح للقضايا التعليميّة المختلفة، والأهداف التربويّة، والمناهج الدراسيّة ووسائل تنفيذها، وبين الأهداف والتقويم، وطرائق إعداد المعلّم، وكيفيّة الإعداد؛ أدّى هذا الوضع إلى التخبّط في السياسة التعليميّة. وما كثرة إصدار القرارات، والنشرات التعليميّة في تنفيذها في معظم المدارس، إلّا دليل واضح على ذلك.

 

ويتجلّى الفرق بوضوح بين الممارسات التربويّة التي لا تستند إلى فلسفة تربويّة، وبين تلك التي تستند إلى فلسفة محدّدة وواضحة للتربية. فالأولى تسير على غير هدى بلا غايات واضحة، أو وسائل متفّق عليها لتنفيذ تلك الغايات، كما تفتقر إلى تحديد الاتّجاهات والميول والرغبات.

فضلًا عن ذلك، فإنّ الممارسة التربويّة التي تفتقر إلى فلسفة تربويّة لا تعبّر عن أهداف المجتمع، وقيمه، واتّجاهاته، أو حاجات الأفراد، وميولهم، وقدراتهم. وليس هذه الاختلاف نتيجة لخصائص كامنة في الفلسفة، إنّما يأتي تأكيدًا على حقيقة مهمّة، وهي أنّ مجرّد تحديد الهدف ووسائل تحقيقه، لا يأتي من دون الاستناد إلى فلسفة معيّنة.

في واقع الأمر، آلاف من المسؤولين، والمعلّمين الذين يمتهنون التعليم لا يفهمون أهدافه، ووسائل تنفيذها، وتقويمها. لذا، فالمعلم الذي يريد أن يتقن فنّ التدريس، والذي يتطلّع إلى أن يكون ذا وزن في ممارسة مهنته؛ يجب أن تكون له فلسفة تربويّة معقولة وواضحة المعالم، يحدّد في ضوئها أهدافًا عامّة، يصوغها، ويقبلها، ويواصل العمل على تحقيقها، ويجتهد دائمًا في الاستزادة منها.

لطالب اليوم عديد من التساؤلات عن نفسه، وقدرته، وعن معنى تجربته، وعن الأحداث التي تقع له في البيئة المحيطة به. تختلف هذه التساؤلات من طالب إلى آخر. وللإجابة عنها، يتطلّب من المعلم أن يكون ذا فلسفة تربويّة واضحة ومحدّدة المعالم؛ لكي يحلّل، ويقارن، ويفهم المشكلات والقضايا التربويّة الجارية، ويضع الحلول والإجابات المناسبة على أساس فلسفة تربويّة واضحة، وغير منفصلة عن الفلسفة العامّة للمجتمع.

 

وعليه، لا بدّ لك – عزيزي المعلّم – أن تضع فلسفة واضحة في الحياة وفي التربية، وأن تكون عارفًا بالسياسة التربويّة والاجتماعيّة التي في ضوئها تربّي طلّابك؛ لذا أقدّم إليك بعض النصائح التي ستساعدك في وضع فلسفتك التربويّة الخاصّة:

1. التفكير الذاتيّ والتحليل: عليك أن تقوم بتحليل قيمك وتقييمها، وكذا معتقداتك التربويّة الشخصيّة. ويمكن أن تسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  • - ما المبادئ والقيم التي أؤمن بها في التعليم؟
  • - ما رؤيتي إلى التعليم والتعلّم؟
  • - ما النتائج التي أرغب في تحقيقها مع الطلّاب؟

2. استكشاف المصادر والنظريّات التربويّة: يمكنك أن تبحث وتطّلع على مختلف المصادر والنظريّات التربويّة المختلفة. تمكنك قراءة الكتب والمقالات والأبحاث التربويّة، والاستفادة من الخبرات والمعرفة المتاحة. من خلال هذا الاستكشاف، يمكنك أن توسّع وتُغني فهمك للتعليم والتعلّم، وتستوحي فِكَرًا ومفهومات جديدة.

3. تحديد القيم والمبادئ: عليك أن تحدّد القيم والمبادئ التي تشكّل أساس فلسفتك التربويّة. وأن تكون هذه القيم والمبادئ متناسقة مع رؤيتك الشخصيّة، ومعتقداتك التربويّة. يمكن أن تشمل هذه القيم والمبادئ – على سبيل المثال – التعاون، والعدالة، والاحترام، وتعزيز التنوّع، وتمكين الطلّاب.

4. ترجمة الفلسفة إلى ممارسة: عليك ترجمة فلسفتك التربويّة إلى ممارسة فعليّة في الفصل الدراسيّ. يمكن أن تصمّم استراتيجيّات تدريس تتوافق مع قيمك ومبادئك، وتختار الموادّ والأنشطة التي تعزّز هذه القيم. وأن تكون متّسقًا بين فلسفتك وممارساتك اليوميّة في الفصل الدراسيّ.

5. التقييم والتحسين المستمرّان: عليك أن تقوم بتقييم فلسفتك التربويّة وممارساتك بشكل منتظم. يمكن أن تستخدم الاستبانات أو المناقشات مع أقرانك من المعلّمين والطلّاب وأولياء الأمور، لجمع ملاحظات وتعليقات حول فعّاليّة فلسفتك وتأثيرها في الطلّاب. كما يمكنك تعديلها وتحسينها في ضوء هذه التقييمات.

 

في الختام، تعدّ فلسفة المعلم التربويّة الركيزة الأساسيّة والمفتاح الحقيقيّ لنجاح عمليّة التعليم؛ إذ يعتبر المعلّم الشخص الذي يمتلك القدرة على توجيه الطلّاب نحو التعلّم والنمو الشخصيّ. وبتبنّي مبادئ تربويّة صحيحة وتطبيقها في الفصل الدراسيّ، يمكن للمعلّم أن يصقل مهارات الطلّاب، ويساعدهم على تحقيق إمكاناتهم الكاملة. وعليه، تصبح فلسفة المعلّم التربويّة عاملًا أساسيًّا في بناء مجتمع مثقّف ومتعلّم.