شراكة المدرسة مع الأهل: جمعيّة أولياء التلاميذ نموذجًا
شراكة المدرسة مع الأهل: جمعيّة أولياء التلاميذ نموذجًا
شيرين سوداح | صيدلانيّة- الجزائر/ فلسطين

للمدرسة دور محوريّ في تهيئة أجيال المستقبل، إذ تسهم في بناء شخصّية التلميذ تربويًّا وبيداغوجيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، فهي ليست مجرّد كراسٍ وطاولات ومعلّم يشرح الدرس، ولا مجرّد سبّورة تحمل حروفًا وأشكالًا وجدرانًا ملوّنة ومزيّنة بالملصقات، فيما يقضي التلميذ وقته منتظرًا أن يدقّ الجرس، بل هي بيت الطفل الثاني، وفيها يقضي جزءًا كبيرًا من طفولته، يُكوّن صداقاته، ويتعلّم أوّل مبادئ الحياة الاجتماعيّة، وأوّل مفاهيم المنافسة، وأولى وسائل الدفاع عن النفس أمام مختلف المواقف، مثل التنمّر على سبيل المثال. 

هذه الجوانب التربويّة والاجتماعيّة، ينتج عنها العديد من الأحداث والمواقف التي تجعل التواصل بين الأهل والمدرسة ضرورة حتميّة. هنا يحصل التداخل، ويُفتح باب النقاش حول كيفيّة التعاون الأفضل لتجاوز هذه المشكلة أو تلك، ولحلّ هذا الخلاف أو ذاك، وتتحقّق إمكانيّة التكامل بين مختلف الأطراف، للوصول إلى نتيجة تصبّ في مصلحة التلميذ. 

لا غنى عن تكامل المثلّث التربويّ الذي يضمّ المدرسة والتلميذ والأهل، من أجل تحقيق ما هو في مصلحة التلميذ أوّلًا وأخيرًا. وفي هذا الإطار، كان من الضروريّ تنظيم تدخّل الأهالي، بما يسمح بالتواصل والتنسيق مع المدرسة بأفضل طريقة ممكنة، لإيصال اهتمامات الأهالي وانشغالاتهم، والعمل على بلوغ التطلّعات التي يتمنّونها طوال رحلة تمدرس أبنائهم. وهنا يأتي دور جمعيّة أولياء التلاميذ. 

 

جمعيّة أولياء التلاميذ 

تتكوّن الجمعيّة من أولياء التلاميذ الذين يزاولون دراستهم بصفّة منتظمة في المدرسة، وهي هيئة رسميّة يتمّ تأسيسها وفقًا لقانون الجمعيّات، وتعتبر شريكًا مهمًّا للمدرسة ضمن مسيرة التعليم، دورها الأساسيّ تمثيل الأهالي، والعمل همزة وصل فعّالة بين أولياء التلاميذ والقائمين على المدرسة، من أجل توفير أفضل الظروف لتمدرس التلاميذ. 

ليس خفيًّا أنّ دور جمعيّة أولياء التلاميذ يزداد أهمّيّة، عندما يتعلّق الأمر بالمدارس الحكوميّة مقارنة بالمدارس الخاصّة، إذ يتطلّب السير الحسن لظروف تمدرس التلاميذ داخل المدرسة الحكوميّة دعمًا من الأهالي، من أجل تحسين الأداء المدرسيّ، ورفع المستوى التعليميّ للمدرسة، لا سيّما حين يتطلّب الأمر توفير الموارد المادّيّة اللازمة لتحسين بيئة التعلّم، إلى جانب التعاون مع القائمين على المدرسة في العديد من المجالات التربويّة، والتي يمكن أن تتّسع دائرتها وفقًا لقدرة الأهالي على المساهمة والمبادرة، حسب إمكانيّاتهم وقدراتهم وخبراتهم العمليّة والحياتيّة، على مستوى النشاطات الصفّيّة أو اللاصفّيّة. 

 

إنّ مساهمة جمعيّة أولياء التلاميذ في تنشيط الحياة المدرسيّة، تمنح التلاميذ وجهًا مختلفًا لمدرستهم، فيه ملمح من عناية أهاليهم، واهتمامهم بمختلف تفاصيلهم. فالأهل هم الأقدر على لفت الانتباه إلى المواضيع التي تحتاج إلى اهتمام خاصّ، والأقدر على تقديم الاقتراحات وفقًا لقدرات أبنائهم وطرق استيعابهم، والأفضل مكانًا لتقديم يد العون لتعزيز أداء المدرسة التربويّ. 

وفي هذا السياق، يمكن لجمعيّة أولياء التلاميذ المشاركة في عدّة نشاطات داخل المدرسة وخارجها، ذات منفعة قصيرة أو طويلة المدى، تنعكس على أداء التلاميذ، وعلى التجربة التعليميّة التي توفّرها المؤسّسة التربويّة، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: 

  •  - تفعيل دور مكتبة المدرسة، وتوفير الكتب والأدوات المناسبة لمختلف المستويات التعليميّة. 
  •  -  دعم تأسيس نوادٍ للقراءة داخل المدرسة، وإسهام الأهالي في تنشيطها. 
  •  - دعم تأسيس نادٍ رياضيّ مدرسيّ، ودعم المواهب الرياضيّة للتلاميذ المشاركين في الدورات الرياضيّة. 
  •  - إبراز المهارات الفنّيّة والأدبيّة والإبداعيّة لدى التلاميذ، ودعمها.  
  •  - تنظيم مسابقات ثقافيّة، وتقديم الهدايا والجوائز للمشاركين والفائزين. 
  •  - تقديم الإعانة والدعم المادّيّ والمعنويّ للتلاميذ المحتاجين. 
  •  - الإسهام في تنظيم رحلات مدرسيّة للترفيه عن الطلّاب، والتخفيف من ضغوط الامتحانات عليهم.  
  •  - إيجاد حلول توافقيّة للخلافات بين الطاقم التربويّ والأهالي. 
  •  - تنشيط حملات لغرس الأشجار، وأنشطة للعناية بالبيئة داخل المدرسة. 
  •  - الإسهام في الحملات التطوّعيّة التي تخدم المدرسة.  
  •   - تنظيم لقاءات دوريّة بين أعضاء الجمعيّة والمعلّمين.  
  •   - زرع ثقافة العمل التطوّعيّ بين أولياء التلاميذ، وتشجيعهم على المشاركة الفعّالة. 

 

التحدّيات التي تواجه جمعيّة أولياء التلاميذ 

يسهم انخراط الأهالي في الجمعيّة في إضفاء تمثيل أقوى لها، باعتبارها شريكًا اجتماعيًّا فعّالًا، وذلك بالتعاون وبتقديم أفضل أداء ممكن في تنفيذ المهام، من أجل نجاح أبنائهم في مشوارهم الدراسيّ. ومع ذلك، تكمن أكبر عقبة تواجه جمعيّة أولياء التلاميذ في عزوف الأهالي عن الانخراط فيها، لأسباب ترجع أساسًا إلى ضغوط العمل والحياة اليوميّة، أو عدم حماسهم للفكرة من الأساس، أو الجهل بدور أولياء التلاميذ المحوريّ في تحقيق أهداف الجمعيّة التي تصبّ في مصلحة التلاميذ. يحدّ هذا العزوف من قدرة الجمعيّة على العمل، إذ تضطرّ في الكثير من الأحيان إلى الاعتماد على جهود العدد المتوفّر من الأعضاء المنخرطين في حلّ جميع الانشغالات، ومتابعة مختلف الجوانب التنظيميّة مع إدارة المدرسة والإدارات المختلفة، ومع الأهالي أنفسهم.  

تمثّل العقبة الثانية التي تواجه جمعيّة أولياء التلاميذ، عدم تعاون الطاقم التربويّ مع أعضاء الجمعيّة، واعتبار اقتراحاتها تدخّلًا في آليّة تسيير المؤسّسة، والتحسّس من الملاحظات التي تقدّمها، والنظر إلى القضايا المطروحة باعتبارها عبئًا إضافيًّا، لا قدرة للمدرسة على تحمّله. 

 

"مدرستي الحبيبة" 

يسهم الانفتاح على أفكار متجدّدة، وتجاوز الأفكار النمطيّة حول دور المدرسة، والتي تقتصر على إتمام المنهاج الدراسيّ، وتقييم كفاءة المعلّمين، ومتابعة أداء التلاميذ، في جعل دور المدرسة تجربة ممتعة للتلاميذ والأهالي. كما أنّ التعاون البنّاء الذي يقدّمه الأهالي، يعزّز لدى التلميذ إحساسًا بالانتماء، ويسهم في تشكيل صورة "مدرستي الحبيبة" في وجدانه. 

تسمح هذه المساعي للتلميذ بتجاوز أسوار المدرسة، والتحليق بعيدًا في فكره وخياله نحو أفكار جديدة، لم يكن متاحًا التطرّق إليها ضمن المنهاج الدراسيّ. كما تساعده في معرفة ميوله الشخصيّة، وتنمية مواهبه وصقل مهاراته، فضلًا عن بناء أولى لبنات شخصيّته، ليصبح فردًا واثقًا من نفسه ومن خياراته. 

وفي هذا السياق، يمكن أن يقوم عدد من أولياء التلاميذ، كلّ وفق مجال دراسته، وعمله، وخبرته في الحياة، بتقديم مبادرات في خدمة تلاميذ المدرسة، نذكر منها على سبيل المثال: 

  • - تقديم أحد الأولياء حصّة تعريفيّة قصيرة حول المهنة التي يمارسها، والإجابة عن أسئلة التلاميذ، سواء كان طبيبًا، أو محاميًا، أو صحفيًّا، أو أستاذًا، أو مهندسًا، أو فنّانًا، أو شرطيًّا... إلخ. 
  • - تنظيم رحلات مدرسيّة بيداغوجيّة لفوج من التلاميذ إلى مكان عمل أحد أولياء التلاميذ، بالتنسيق بين إدارة المدرسة وإدارة العمل، مثل مقرّ البلديّة، أو مكتب البريد، أو مقرّ الحماية المدنيّة، أو مصنع للموادّ الغذائيّة، أو مزرعة، أو حديقة بيداغوجيّة... 
  • - تنظيم رحلات مدرسيّة بيداغوجيّة لفوج من التلاميذ إلى السينما، أو المسرح، أو معرض فنّيّ، أو معرض منتوجات تقليديّة، أو مركز الأرصاد الجويّة، أو مركز للطاقات المتجدّدة... 
  • - تنشيط دورات إرشاد تربويّ برعاية الأولياء ذوي الاختصاصات المناسبة، لا سيّما التربويّة، لفائدة المعلّمين وأولياء التلاميذ، وللمساعدة في حلّ المشاكل التربويّة، مثل التنمّر والعنف بين الأطفال. 

 

دور المؤسّسة التربويّة 

الإدارة الحكيمة للمدرسة إدارة قادرة على استيعاب الدور المنوط بجمعيّة أولياء التلاميذ، والاستفادة منها، واعتبارها شريكًا اجتماعيًّا مهمًّا، يتوجّب التعاون معه من أجل مصلحة التلاميذ، ومصلحة المؤسّسة التربويّة. كما أنّ تنسيق المساعي بين الأهالي والطاقم التربويّ، والتعاون والشراكة بينهم، يتيح العديد من الفرص أمام تطوير المسار التعليميّ للتلاميذ، والإسهام في بناء مستقبل أفضل لهم، إذ يسهم تكاتف الجهود بين الأسرة التعليميّة وجمعيّة أولياء التلاميذ بشكل فعّال، في بناء شخصيّة التلميذ من مختلف الجوانب النفسيّة والاجتماعيّة والتربويّة. 

تؤدّي جمعيّة أولياء التلاميذ دورًا أساسيًّا في تنشيط الحياة المدرسيّة، فهي تسهم في رفع المستوى الدراسيّ للتلاميذ، وفي حلّ المشاكل التي تواجههم على امتداد مشوارهم التعليميّ. كما تعمل على توفير وسائل الدعم الضروريّة لتحسين بيئة التعلّم، علاوة على مهمّتها الرئيسة، وهي مدّ جسور التواصل بين الأهالي والطاقم التربويّ للمدرسة.  

 

*** 

ختامًا، هذه دعوة لجميع أولياء التلاميذ إلى الانخراط في جمعيّات أولياء التلاميذ في مدارس أبنائهم، وتخصيص جزء ولو يسير من وقتهم وجهدهم، حسب استطاعتهم؛ فمشاركتهم تسهم في تحسين تجربة التلاميذ التعليميّة، وتمنحهم شعورًا بالفخر والإنجاز وهم يرون ثمرة جهودهم تنعكس إيجابيًّا على أبنائهم وزملائهم في المدرسة.