ديانا سريّ الدين، رولا القاطرجيّ، ريّان قاطرجي
مقدّمة
منذ انطلاقة "تمام" عامَ 2007، شكّل تعلّم الطالب جوهر المشروع، ولبنة مقاربته للتطوير، إذ يسعى المشروع إلى بناء قدرات التربويّين لقيادة التطوير بهدف الوصول إلى مدارس متجدّدة ذاتيًّا، محورها الطالب، تتميّز ببيئة حاضنة تزيل العقبات التي تقف في وجه نموّه الشخصيّ، وتمكينه من بناء قدراته، وتُعدّه بوصفه متعلّمًا دائمًا، ومساهمًا فاعلًا في تنمية مجتمعه.
يتوسّع في تمام مفهوم بناء القدرات القياديّة ليطول المتعلّمين، إذ إن مقاربة تمام تتبنّى مفهوم "القيادة الطلّابيّة" لدعم وتعزيز الطلّاب بوصفهم مساهمين رئيسين في العمليّة التعليميّة، وفي التطوير، والتنمية المجتمعيّة. تعرض هذه المقالة تجربةً تشاركيّةً فريدةً في وضع سمات الطالب التماميّ، وتقدّم أمثلةً عمليّةً من مدراس شريكة اتّخذت من هذه السمات بوصلةً لمبادراتها التطويريّة، ووجهةً لتطويرها المتّصف بالاستدامة.
مفهوم القيادة الطلّابيّة
يحدّد Faour (2012)، دور المدرسة بكونها عنصرًا تغييريًّا فعّالًا من أجل تطوير "المهارات والقيم الديمقراطيّة الطويلة الأمد، مثل الحرّيّة، والمساواة، والعدالة الاجتماعيّة، واحترام التنوّع، وحقوق الإنسان الأساسيّة" (ص. 3). كما أنّه يشير إلى المدرسة بوصفها عاملًا اجتماعيًّا سياسيًّا، لا سيّما في العالم العربيّ حيث أربعون بالمئة من التعداد السكّانيّ _ بحسب اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا (الإسكوا)_هم دون الثامنة عشر من عمرهم. من هذا المنطلق، تتحمّل المدارس دورًا اجتماعيًّا وثقافيًّا تحويليًّا، ومن المتوقّع أن تبني هي هويّة المواطنة لدى الطلّاب، كما تلعب دورًا محوريًّا في إعداد الطلّاب، وتحضيرهم ليصبحوا قادةً (Lavery & Hine, 2013).
أصبحت القيادة الطلّابيّة أمرًا بارزًا في القرن الحادي والعشرين، وبات تطوير القدرات القياديّة للطلّاب شأنًا حيويًّا في المدارس (Nathan, 2013). حيث يُنظر إلى هؤلاء الطلّاب على أنّهم قادة المستقبل، ليس فقط ضمن مجتمعاتهم، إنّما على المستوى الوطنيّ أيضًا (Bowman, 2013). يتبنّى مشروع تمام مفهوم "القيادة الطلّابيّة" الذي يَعُدّ الطلّاب مساهمين فاعلين في عمليّة التعلّم بصورة خاصّة، وفي نهضة مجتمعاتهم وتقدّمها عمومًا، متّفقًا مع Levin (2017)، بأنّ على الإصلاح التربويّ مراعاة دور الطلّاب في جوانب الإصلاح جميعها. لذا، من المهمّ مساعدة هؤلاء الطلّاب في تطوير مهاراتهم القياديّة الطلّابيّة.
سمات مجذّرة عربيًّا
مع توسّع مشروع تمام ليشمل العديد من المدارس ضمن سياقات متنوّعة، بات من الضروريّ العمل على وضع سماتٍ للطالب الذي تطمح له هذه المدارس في المبادرات التعليميّة، والتطويريّة التي تعمل عليها ضمن المشروع. من هذا المنطلق، أطلق فريق تمام الموجِّه مبادرةً للعمل على استنباط سماتٍ مُجذّرة للمتعلّم العربيّ تكون مُخرَجًا مشتركًا بين المدارس المشاركة، تعكس السياق الذي انبثقت منه، وتكون بوصلة التطوير فيها.
اعتمد الفريق الموجِّه آليّةً للوصول إلى سمات يتبنّاها كلّ الأعضاء، باختلاف بلدانهم وخصوصيّة مؤسّساتهم التربويّة. اتّصفت الآليّة بكونها تشاركيّةً، وقد تعاون فيها الممارسون التربويّون في جميع المدارس المنضمّة إلى مشروع تمام مع الباحثين التربويّين في الفريق الموجِّه الذي أخذ في حسبانه آراءهم وأفكارهم وسياقهم. نتج عن هذه الآليّة سماتٌ مجذّرة تعكس رؤى المدارس المتنوّعة، وتشكّل نواةً يمكن البناء عليها حسب خصوصيّة المدارس التي تتبنّاها وتطلّعاتها، لتنطلق منها تحو العمل على مبادرات تطويريّة تُعنى بالتأثير على الطالب أكاديميًّا وسلوكيًّا.
انطلقت هذه المبادرة عام 2016 ضمن فعاليّات ملتقى تمام السنويّ، الذي أقيم تحت عنوان: "تمام كحركة تربويّة تطويريّة: نحو بناء المجتمعات المهنيّة التعلّميّة لخدمة التعلّم والطالب"، وقد حضره أكثر من 160 تربويًّا من بلدان عربيّة مختلفة منها لبنان، الأردنّ، المملكة العربيّة السعوديّة، عمّان، قطر، السودان، الجزائر.
خلال هذا الملتقى عُقدت جلسة "مقهى السفراء"، وهي جلسة مصمّمة بطريقة منهجيّة لأخذ آراء أعداد كبيرة من الأشخاص المتنوّعين، وقد تمحورت هذه المرّة حول تحديد سمات الطالب التماميّ. قدّم الفريق الموجِّه بدايةَ هذه الجلسة مسوّدةً لسمات الطالب التماميّ التي المشتقّة من المصادر الآتية: ملامح الإنسان العربيّ 1979، سمات الطالب في برنامج البكالوريا الدوليّة، بالإضافة إلى مهارات القرن الواحد والعشرين. طلب من المشاركين العمل ضمن مجموعات لمناقشتها وتنقيحها والإضافة عليها. اختتمت الفرق عملها بحصاد موثّق لما اتّفق عليه من تعديلات على المسوّدة، واقتراحات إضافة أو حذف.
تلا هذه الجلسة اجتماعان مع مدارس متطوّعة من لبنان لبّت دعوة الفريق الموجِّه من أجل نقاش مسوّدة السمات بصورة أعمق. شارك المجتمعون في جلسات للتفكّر في هذه السمات، وربطها بحاجات تطويريّة يلمسونها ضمن مدارسهم. خلال بلورة هذه السمات، عبّر المشاركون عن ثلاثة تحدّيات ملموسة آنيّة من مجموع التحدّيات التي تواجههم في العالم العربيّ، وهي: عدم شعور الطلّاب بالانتماء والمواطنة، تهاوي القيم الأخلاقيّة، وتدنّي التحصيل الدراسيّ والتسرّب. انطلاقًا من هذه التحدّيات، برز التوافق حول مركزيّة القيادة الطلّابيّة، وأهمّيّة التطرّق لهذا المفهوم في المدارس لأنّ من شأنه أن يساعد على تسليح الطلبة بالقدرات اللازمة لجعلهم متعلّمين دائمين يحلّون المشكلات. كذلك، أهمّيّة غرس القيم والمهارات الحياتيّة، والقياديّة، بالتوازي مع نقل الإرث الحضاريّ الذي تراكم في مجتمعاتنا عبر العصور.
كانت النتيجةُ النهائيّة للاجتماعات، والجلسات، ومشاركة المسوّدات مع مجموعة كبيرة من المدارس، واستقبال التغذية الراجعة منها، والتأكّد من شموليّـها، إصدارَ سمات نهائيّة للطالب التماميّ، وتبنّيها من قبل المدارس.
الطالب التماميّ
منذ التوافق عليها، أصبحت السمات جزءًا من رؤية تمام، إذ يسعى الفريق الموجِّه إلى وجودها في المتعلّم، وتعكس ما يثمّنه من مخرجات. تشمل هذه المخرجات امتلاك الطلبة حسّ المسؤوليّة، والتفاني في التأثير في مجتمعاتهم محافظين في الوقت عينه على هويّتهم وفرادتهم، بالإضافة إلى حسّ الانتماء لأوطانهم، مع إظهار تقبّلهم للآخرين. تشمل أيضًا قدرتهم على الموازنة بين الشعور بالفخر بالإرث الثقافيّ والتاريخيّ لبلادهم من جهة، والانفتاح على التطوير المستمرّ بما يتناسب مع التطوّر العالميّ من جهة أخرى.
مخرجات التعليم التي نثمّنها تشمل طلبةً على دراية بحقوقهم وواجباتهم، ملتزمين بها، ويحترمون الآخرين، طلبةً يدركون أهمّيّة الموارد المتاحة، ويحافظون عليها لمن يأتي بعدهم، وهم أفراد يمتلكون القدرة على التواصل والتعاون مع الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة. يتمتّع هؤلاء الطلّاب بصحّة نفسيّة، وباكتفاء عاطفيّ ونفسيّ؛ هم يقدّرون ذواتهم، وعلى دراية بنقاط قوّتهم وضعفهم، ويعتزّون بقدراتهم وإنجازاتهم. هم يتقبّلون النقد البنّاء ويعدّونه فرصةً للتحسّن، كما يبادرون إلى زيادة معرفتهم بمثابرة وجدّيّة، ويمتلكون العزيمة للبحث والتقصّي. يتعاطى هؤلاء الطلّاب مع المشكلات استباقيًّا بعقلانيّة، ويمتلكون القدرة على الفهم والتحليل الموضوعيّ وطرح الأسئلة. إنّهم منفتحون يشاركون الآخرين التعلّم الذي حقّقوه.
تجارب المدارس
أعقب تحديدَ سمات الطالب التماميّ مبادراتٌ على مستوى المدارس، اتّخذت من هذه السمات بوصلةً لمشاريعها التطويريّة في تمام. لعبت هذه السمات دورًا أساسيًّا في تحفيز العديد من المدارس من أجل تطوير سمات خاصّة بها تكون مستندةً إلى سمات الطالب التماميّ، أو من أجل تعديل السمات التي كانت موجودةً لديهم سابقًا، مع مراعاة السياق. تبنّت مدارس أخرى السمات كما هي، واعتمدتها في العمل على مبادراتها التجديديّة ضمن مشروع تمام، فصمّمت مبادراتٍ تجديديّةً تتوجّه مباشرةً إلى بناء قدرات "قيادة الطالب"، لتعزيز دوره بوصفه مساهمًا رئيسًا في العمليّة التعليميّة، وفي التنمية المجتمعيّة. وهذه أمثلةٌ من مدارس تمام حول ذلك.
في العام 2017 أطلقت المدرسة اللبنانيّة العالميّة، وهي مدرسة خاصّة، مشروعًا تطويريًّا حول "تمكين قيم المدرسة الأخلاقيّة، لا سيّما قيم المسؤوليّة، والاحترام، والانفتاح"، وذلك لبناء شخصيّة المتعلّم، ورعايتها ليكون إنسانًا فاعلًا متوازنًا داخل المجتمع المدرسيّ، وخارجه. خلال وضع التصوّر المثاليّ للقيم ضمن سمات الطالب الذي تطمح المدرسة إلى تخريجه، لعبت سمات الطالب التماميّ دورًا رئيسًا في توجيه المسار. ذلك لأنّها قدّمت إطارًا متكاملًا يجمع بين سمات المتعلّم الأكاديميّة، والسمات القيميّة والأخلاقيّة التي تتبنّاها المدرسة حتّى تتناول المتعلّم بكُلّيّته، بجوانبه العلميّة، والأكاديميّة، والقيميّة، والأخلاقيّة.
بعد سنة، أطلق الفريق مبادرةً رياديّةً ضمن مشروعه التطويريّ، فكانت وضعَ جدول تدرّج نوعيّ (Rubric) منطلقٍ من ملفّ سمات المتعلّم، يستند إليه عند تقييم شخصيّة المتعلّم المتكاملة من خلال آليّة لجمع المعلومات. تضمّنت المبادرة كذلك منح كلّ طالب في نهاية كلّ فصل شهادةً تعكس مدى اكتسابه لهذه السمات. وكان أثر سمات الطالب التماميّ متجلّيًا في التصميم المعتمَد، حيث عُدّت كلّ سمة كفايةً يندرج تحتها عناصر، أو مكوّنات مع محكّات تشرح ما تعنيه كلّ علامة تقييم، وتوضّح مدى اكتساب المتعلّم لهذه الكفايات السلوكيّة، والأكاديميّة. وباتت نتائج هذا التقييم تُستخدم لتحديد الحاجات التطويريّة، ولإطلاق عجلة التجدّد المستمرّ في المدرسة. عكست هذه الشهادة فلسفة المدرسة التي تؤمن بالتكامل تربويًّا وأكاديميًّا، والنظرة الشاملة نحو الطالب، وارتباطها بالتطوير.
في تجربة أخرى، تبنّت "متوسّطة الغبيريّ الثانية المختلطة"، وهي مدرسة حكوميّة لبنانيّة، سماتِ الطالب التماميّ كما هي، وأدرجتها ضمن رؤية المدرسة ورسالتها، واستعانت بها للعمل على التخطيط لمشاريع، فاعتُمدت السماتُ بوصلةً للمبادرات التجديديّة، واستعملت بوصفها وجهةً للتطوير.
استعان الفريق بالسمات لتصميم مشروع تطويريّ يهدف إلى زيادة روح الانخراط في الحياة المدرسيّة عند المتعلّم. وتضمّن المشروع العمل على أربعة أهداف تطويريّة تمحورت حول تحقيق سمة المتعلّم الدائم وسمة المواطن المسؤول. صمّم الفريق مجموعةً من الإجراءات، والنشاطات لتحقيق هذه الأهداف، منها ما تعلّق باكتساب الطالب مهاراتٍ أكاديميّةً، ومهارات التواصل اللّاعنفيّ مع الآخرين، وأخرى تعلّقت بمشاركة الطالب في تخطيط نشاطات مدرسيّة لامنهجيّة وتنفيذها، وتعبير الطالب عن رأيه، والمشاركة في صنع القرارات، والانخراط في أعمال متنوّعة للتشبيك مع المجتمع المحلّيّ.
خاتمة
خلصت هذه الجهود إلى سمات أساسيّة مشتركة، شموليّة، مُجذَّرة تستعين بها المدارس، وتعتمدها بوصلةً لمشاريعها التطويريّة التي تستهدف الطلّاب. وساهم اعتماد الآليّة التشاركيّة خلال العمل عليها في بثّ روح الملكيّة بين الأفراد المتعاونين على هذا الإنجاز، وأشعرهم بأهمّيّة المنتج الذي توصّلوا إليه، وضرورة نقله إلى مدارسهم وصفوفهم. تكمن أهمّيّة سمات الطالب التماميّ في كونها توحّد السمات الأساسيّة للطالب المتخرّج من المدارس المشاركة في تمام عبر الوطن العربيّ بمرونة منفتحة على خصوصيّة سياق كلّ مدرسة، وبانسجام تامّ مع هُويّتها التربويّة، وثقافتها. سمات الطالب في تمام توضّح مسار التطوير المستند إلى المدرسة، فتجعله يتمحور حول المتعلّم، ويصبّ في بناء قدراته القياديّة، وهي منشورة على موقع مشروع تمام الإلكترونيّ.
المراجع
Bowman, R. F. (2013). Learning leadership skills in middle school. The Clearing House: A Journal of Educational Strategies, Issues and Ideas, 86(2), 59-63.
Faour, M. (2012). The Arab world's education report card: School climate and citizenship skills. Carnegie Endowment for International Peace. https://www.jstor.org/stable/pdf/resrep12743.pdf?refreqid=excelsior%3A43997415a197a6791505d954352f1da6
Lavery, S. D., & Hine, G. S. (2013). Catholic school principals: Promoting student leadership. Journal of Catholic Education, 17(1), 41-66.
Levin, H. (2017). Accelerated schools for at-risk students. Center for Policy Research in Education. https://eric.ed.gov/?id=ED300143
Nathan, S. (2013). Creating future leaders: An examination of youth leadership development in australia. Education + Training, 55(6), 584-598.