تُعرَّف حالات الطوارئ التي تؤثِّر في التعليم بأنّها الحالات التي تُدمِّر ظروف الحياة الطبيعيّة والمرافق العامَّة ومرافق الأطفال التعليميّة، في غضون فترة زمنيّة قصيرة. وبالتالي، من الطبيعيّ أن يؤثِّر هذا التدمير في حقّ الأطفال في التعلّم، فيعوق تقدّمَهم فيه، ويؤخِّرهم، أو يحرمهم منه كلّيًّا.
تتنوّع حالات الطوارئ المؤثِّرة في التعليم، فمنها الكوارث الطبيعيّة ومنها طوارئ من صنع الإنسان، مثل الحروب على أشكالها والنزاعات المسلّحة والاحتلال العسكريّ، كالاحتلال الإسرائيليّ لأراضي فلسطين (الحقّ في التعليم، 2023).
ضرورة الاهتمام بالتعليم في حالات الطوارئ
أدّت الحالات الطارئة التي يشهدها العالم عامّة، والعدوان الإسرائيليّ على فلسطين ولبنان خاصّةً، إلى وجود عدد متزايد من المشرّدين واللاجئين والنازحين الذين يتركون بيوتهم وأوطانهم بحثًا عن أماكن آمنة، تمنحهم المأوى المؤقّت. وبالتالي، حالت هذه الأوضاع الطارئة دون حصول عدد كبير من الأطفال على حقّهم في التعليم. لذلك، "أخذ التعليم يكتسب أهميّة وضرورة ملحّة كبندٍ من بنود الاستجابة للحالات الطارئة من المجتمعات المدنيّة والمنظمّات الإنسانيّة المختلفة" (الأونروا، 2023).
لا يعني الاهتمام بالتعليم حصر الاهتمام بالطلبة فقط، بل يتعدّاه أيضًا إلى الاهتمام بالمعلِّم وتمكينه لكي يكون قادرًا على القيام بواجباته ومسؤوليّاته في خضم الحالات الطارئة، مع الموازنة بين حاجاته الإنسانيّة ومسؤوليّاته الشخصيّة، وبين مسؤوليّاته وواجباته بوصفه معلّمًا وقائدًا وموجِّهًا. من هنا، نطرح سؤالين رئيسين: كيف يتعامل المعلّم في حالات الطوارئ؟ وكيف نتعامل مع المعلّم في هذه الحالات؟
احتياجات المعلّمين والعاملين في إدارة التعليم
تصرّح منظّمة اليونسكو (2018) بأنّ جميع المعلّمين والعاملين في إدارة التعليم بحاجة إلى:
- - الأمان والتمكين وصيانة حياة أُسرهم وسلامتهم.
- - حدّ أدنى من ظروف العيش النوعيّة والكريمة التي تمنحهم القدرة النفسيّة والبدنيّة للقيام بأعمالهم.
- - الدعم والمساعدة على التعبير وتفريغ الضغوط وإعادة تنظيم أفكارهم وإعادة تقييم ما حصل لهم تقييمًا واقعيًّا، بغية التخطيط لاستعادة حياتهم الطبيعيّة. بالإضافة إلى استعادة المرونة النفسيّة والداخليّة والثبات وتقدير الذات.
- - الحصول على معرفة جيّدة عن واقعهم الجديد وتحدّيات العمل فيه، بما في ذلك الضغوط النفسيّة على الطلّاب التي تؤثِّر في التعلّم، وما يمكن للمعلِّم أن يقدِّمه لدعمهم، وقلّة تجهيزات التعليم المساعدة، والعمل مع أعمار متفاوتة وأعداد كبيرة في الصفّ الواحد، وعدم الاستقرار، وقلّة المدخول، والتعامل مع مناهج البلد المضيف ولغته وتقاليده المختلفة، والحفاظ على أعلى مستوى ممكن من الجودة، والتغلّب على مشكلات الاعتراف بمؤهّلاتهم.
- - العمل معًا في مجموعات التأمّل، والتعاضد والتعلّم المتبادل.
- - تعزيز العمل مع الأهل في شراكة من التضامن والتكامل، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
دور السلطات الوطنيّة في حالات الطوارئ
تساعد السلطات الوطنيّة المعلّم في حالات الطوارئ، كما أوضحت ذلك الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (2010)، وصولًا إلى مرحلة التعافي، من خلال:
- - تأمين المصداقيّة.
- - دعم ممارسات التعليم.
- - تحديد نقاط القوّة ونقاط الضعف في المناهج ولدى الطلّاب، بحيث يجب أن تكون المناهج ملائمة لعمرهم ومستوى نموّهم ولغتهم وثقافتهم وقدراتهم وحاجاتهم. كما ينبغي لهذه المناهج أن تغطّي الكفاءات الجوهريّة للتعليم الأساسيّ، بما في ذلك مهارات القراءة والكتابة والحساب، وكذلك التعلّم المبكر، ومهارات الحياة، والممارسات الصحّيّة والنظافة الشخصيّة. نضيف إلى هذه النقاط أهميّة أن تتناول المناهج الرفاه النفس- اجتماعيّ، وأن تكون لغتها لغةً مفهومةً لدى الطلّاب، فضلًا عن ضرورة مراعاتها الفروقات بين الجنسين، معترفةً بالتنوّع ومروِّجةً احترام جميع الطلّاب.
- - إعلام العاملين في التعليم وأعضاء المجتمع والطلّاب بالتقدّم الحاصل وبالحاجات المتنامية.
توظيف المعلّمين في حالات الطوارئ
يحتاج المعلّمون وسائر العاملين في التعليم دعمًا للتكيّف والبدء في إعادة البناء والشفاء. ومن الضرورة أن تكون عمليّة توظيف المعلّمين والعاملين في التعليم واختيارهم على أسس تشاركيّة وشفّافة وبعيدة عن أشكال التمييز. وبالتالي، من الضروريّ مراعاة النقاط الآتية، والتي أشارت إليها الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (2010)، عند توظيف المعلّمين في حالات الطوارئ، وصولًا إلى مرحلة التعافي:
- - توافر عدد مناسب من المعلّمين وسائر العاملين في التعليم، لتفادي وجود عدد كبير من الطلّاب في الغرف الصفّيّة.
- - الخبرة والمؤهّلات، بحيث يكون المعلّمون مؤهّلين بشهادات معترَف بها، كي يتمكّنوا من توظيف مهاراتهم في دعم الطلّاب دعمًا نفس– اجتماعيّ، وفي تعليمهم ذوي الإعاقات. يُنظَر إلى مهارات المعلّمين عند فقدانهم شهاداتِهم أو أيَّة وثائق أخرى، بسبب ظروف حالة الطوارئ.
- - ضرورة تحدّث المعلّمين لغة الطلّاب الأمّ، كلّما كان بالإمكان تحقيق ذلك.
ظروف عمل المعلّمين في حالات الطوارئ
من حقّ المعلّمين في حالات الطوارئ، كما تبيّن الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (2010)، الحصول على تعويض ملائم وكافٍ يمكِّن المعلّمين والعاملين في التعليم من التركيز على عملهم، من دون الحاجة إلى السعي خلف موارد دخل إضافيّة، لتأمين حاجاتهم الأساسيّة. كما لا بدّ من تطوير نظام دفع ملائم لهم، يحترم المعايير الآتية:
- - كلفة المعيشة.
- - الطلب على المعلّمين والأخصائيّين الآخرين.
- - مستويات الأجور في مهنٍ ذات كفاءة مماثلة، مثل العناية بالصحّة.
- - توافر المعلّمين المؤهّلين وسائر العاملين في قطاع التعليم.
من جهة أخرى، يُطلَب إلى المعلّمين في حالات الطوارئ مراعاة النقاط الآتية:
- - احترام حقوق الطلّاب في الحصول على التعليم ضمن قدراتِهم، وحمايتها وتحقيقها.
- - المحافظة على معايير أخلاقيّة عالية.
- - ضمان توافر بيئة تقبل جميع الطلّاب من دون تمييز.
- - المحافظة على بيئة خالية من جميع أشكال التحرّش الأخرى، أو استغلال الطلّاب من أجل العمل أو الجنس.
- - المحافظة على حضور منتظم في الوقت المحدّد.
آليّات دعم المعلّمين في حالات الطوارئ
تشير الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (2010) كذلك إلى آليّات دعم المعلّمين في حالات الطوارئ، والتي تتمثّل في الآتي:
- - يجب أن تكون المواد الدراسيّة ملائمة لتمكِّن المعلّمين من التعليم بفعّاليّة.
- - الإدارة الجيّدة والإشراف والمساءلة، بغية تأمين الدعم المختصّ والمحافظة على حافز المعلّمين ونوعيّة التعليم.
- - استشارة المعلّمين وسائر العاملين في التعليم حول حوافزهم وحاجاتهم وأولويّاتهم في تنمية القدرات لديهم.
- - تأمين حاجات التطوّر المهنيّ وفرصه، قبل الخدمة وبعدها.
- - تنمية القدرات والتدريب والتطوير من دون تمييز.
- - تأمين رفاه المعلّمين، إذ قد يجدون أنفسهم مثقلين بأحداث الأزمة، وهم يواجهون تحدّيات ومسؤوليّات جديدة، وقد يتعرّضون للضرر أو الأذى.
المعلّم تحت القصف: أنموذج غزّة
لا يكتمل هذا المقال من غير الوقوف عند معلّمات ومعلّمي غزّة، والذين يشهدون اليوم عدوانًا يجعل كلّ ما ذكرناه كلامًا نظريًّا وبعيدًا عن التطبيق؛ فمعلّمات غزّة ومعلّموها اليوم يحتاجون إلى التمكين ليبقوا أحياءً مع عائلاتهم وأحبّائهم، حيث العيش بأمان أغلى أمنيّاتهم.
"يتكوّن نصف سكّان غزّة البالغ عددهم مليونَي نسمة من الأطفال. وفي الوقت الحاليّ، يُقتَل طفل واحد كلّ 10 دقائق. منذ يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، تُشير إحصاءات وزارة الصحّة في غزّة، إلى أنّ ما لا يقلّ عن 4100 طفل فلسطينيّ قُتلوا في قصف لا هوادة فيه، من جيش الاحتلال الإسرائيليّ. أكثر من 1000 طفل آخر مفقود، ومن المرجّع أنّهم تحت أنقاض المباني المدمّرة" (قويدر، 2023).
ومن المعلوم لدى الأغلبيّة أنّ "الفلسطينيّين في غزّة شعب نشط ومثقّف، يحلم بمستقبل أفضل. ولكنَّ تطلّعات الأجيال عرضة للهجوم الآن أكثر من أيّ وقت سبق؛ إذ تأثّر أكثر من 625000 طالب، و22564 معلّمًا في القطاع بالهجوم على التعليم خلال الشهر الماضي. وليس لدى الأطفال آليّات وصول إلى التعليم، ولا مكان آمن للاختباء، إذ ألغت وزارة التربية في غزّة العام الدراسيّ بأكمله، وتضرّرت حتّى الآن 214 مدرسة بسبب القصف، وتوقّفت 45 مدرسة عن الخدمة تمامًا. كما قُتل بعض المعلّمين في القصف" (شبير، 2023).
يقول شبير (2023)، وهو باحث في القضايا التعليميّة: "أنا وزملائي من الطلبة، والبالغ عددنا 600 ألف طالب، في قطاع غزّة، فقدنا حقّنا في التعليم. أمّا زملائي الطلبة الشهداء، فقد فقدنا، حتّى الآن، أكثر من 2000 منهم، ولا توجد إحصائيّة للمفقودين من زملائي الطلبة. وبخصوص مدارسنا في غزّة، فإنّ 773 مدرسة، وهي قوام المدارس المتواجدة في قطاع غزّة، إمّا مدمّرة كلّيًّا، أو قُصفت جزئيًّا، أو تحوّلت إلى مراكز إيواء للنازحين. أمّا معلّمي فاستشهد هو وأسرته". كما يشير شبير (2023) إلى أنَّ "الميدان التعليميّ في فلسطين عامّةً، وقطاع غزّة خاصّةً، يشهد حالة كارثيّة لا معقولة وغير معهودة بحقّ جيل كامل من الطلبة الفلسطينيّين، نتيجة الحرب المجنونة التي تشُنّها دولة الاحتلال الإسرائيليّ لإلغاء الوجود الفلسطينيّ، ومحاولة إفناء أبنائنا الطلبة، وتزييف الوعي وخلق حالة من العبثيّة في الافتراضات والبديهيّات الوجوديّة المُسلَّم بها بماكينتها الإعلاميّة المخادعة".
وأيًّا يكن، ستتوقّف الحرب على غزّة، وإرادة غزّة في الحياة ستخرج من تحت الركام من جديد، لكن يبقى السؤال موجَّهًا إلى نوعيّة تلك الحياة. فمن بين البيوت والمدارس المهدّمة، تبدو المشكلة الأهمّ والأخطر إعادة بناء الروح الإنسانيّة، فلنتخيّل المعلّم الغزّاويّ وما ينتظره ليرمّم ذاته بعد الحرب، وليكفكف جراح طلبته على المستويين الجسديّ والنفسيّ. يحتاج هذا الموضوع إلى بحث آخر فريد عن تمكين المعلّم، لا ينطبق عليه ما عرفناه في النظريّات والاستراتيجيّات المتداولة.
* * *
قدّمنا مقترحات لتمكين المعلّم من تأدية دوره في حالات الطوارئ والأزمات، ولفتنا النظر إلى أهمّيّة وجود آليّاتٍ واضحة لكيفيَّة تصرّف المعلّمين وسائر العاملين في التعليم، حسب تنوّع حالات الطوارئ المحتملَة ومراحل الإخلاء إن استدعت الظروف الطارئة ذلك. كما استندنا إلى مثال غزّة الجريحة للتشديد على أهمّيّة دعم القطاع التعليميّ والتربويّ بكلِّ ما لدينا من قوّة وزخم، ولتوجيه التحدّيات والدعوات الصادقة لكلّ المعلِّمات والمعلّمين المصرّين على السير على أشواك أزمات الطوارئ، علّهم يدفئوا قلوبهم وعقولهم بالتأثير الإيجابيّ والبنّاء في الجيل الصاعد.
المراجع
- الأونروا. (2023). التعليم في الحالات الطارئة.
- الحقّ في التعليم. (2023). التعليم في حالات الطوارئ.
https://www.right-to-education.org/ar/node/69
- الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ. (2010). الحدّ الأدنى لمعايير التعليم: الجهوزيّة-الاستجابة-التعافي.
https://www.unrwa.org/sites/default/files/3.2_inee_guidebook_ms_arabic_lowres_final.pdf
- شبير، محمد عوض. (2023). التعليم في غزّة محطّات من الألم.. العيش في زمن الأمل المفقود. منهجيّات.
- قويدر، أيمن. (2023). التعليم تحت القصف في غزّة. منهجيّات.
- اليونسكو. (2018). أزمة المعلّم: الدعم النفسيّ- الاجتماعيّ والتعلّم في ظروف الأزمات.
https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000265135/PDF/265135ara.pdf.multi