لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
لو كنت طالبة اليوم، لكانت نظرتي للأمور مختلفة، من حيث هوياتي وطريقة التعليم. وعلى الرغم من الشكر والعرفان في داخلي لمعلّماتي، وأيضًا لطريقة التدريس التقليديّة، لكنّني الآن كمعلّمة، أوظّف طرقًا حديثة في التدريب تلبّي احتياجات الطالبات، ولا أخفي أنّني كنتُ سأسعد بها لو كانت موجودة عندما كُنت طالبةً. وأذكر منها: تكنولوجيا، واستراتيجيّات حديثة، تعلّم قائم على المشاريع، وتعلّم نشط، وتطبيق لمواقف حياتيّة واقعيّة، تفتح آفاقًا للعمل والمستقبل، واتّصالًا بالعالم بإمكانيّات سريعة ومتوفّرة، ومعرفة رقميّة تمثّل بابًا لتنمية المهارات العُليا، وتوسيع الأفق، وتحقيق الطموح.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
أن ينسلخ التعليم عن تنمية المهارات المختلفة، بحيث يحقّق مهارات ويتنحّى عن مهارات، هذا بحدّ ذاته فشل في التعليم. لذا، إذا أردنا نجاح التعليم، علينا مراعاة الأهداف المختلفة: الوجدانيّة، والمعرفيّة، والمهاريّة... وربطها بتعليم المعارف العلميّة، مراعين في ذلك البرامج التعليميّة الحديثة. ولكلّ معلّم منّا اتّجاه في تنمية المهارات لدى طلبته. ومع تعدّد الطرق في التدريس وتنوّعها، إلّا أنّنا نلتقي جميعًا عند مصلحة الطالب، وتحقيق ما ينمّي مهاراته المختلفة، والتي تنير مستقبله، وتمكّنه أكثر من مواجهة الحياة من خلال خطوات منظّمة مدروسة في التعليم والتعلّم.
لم يكن يومًا الطالب وعاء نملؤه بمعلومات، إذ باتت أمامه مصادر تعلّم متنوّعة، وبإمكانه الاطلاع على كلّ ما هو جديد من خلال المعلّم، فيكتسبُ مهارات اجتماعيّة يُمكّن من خلالها جوانب مختلفة من شخصيّته؛ فيواكب التقدّم العمليّ والتكنولوجيّ، وما يواجهُ في الحياة من تواصل اجتماعيّ وثقافيّ ونفسيّ. هُنا يأتي دور المدرسة، خصوصًا الغرفة الصفّيّة الفاعلة، والتعليم النشط متعدّد الجوانب، والذي أثبتت الدراسات والأبحاث فعاليّته في تطوير الجوانب المُختلفة للمتعلّم، ومهاراته الاجتماعيّة، من خلال التعليم القائم على المشاريع، وتعليم الأقران، والتعلّم من خلال المجموعات، وكذلك تبادل الخبرات عبر منصّات مُتاحة، مثل "زووم" و"واتساب"، بنقاشات تعزّز تنمية المهارات الاجتماعيّة.
وباعتقادي، كلّما قلّ الاهتمام بتحقيق الأهداف بالتوازي مع تنمية المهارات، سنلاحظ عدم اكتمال في شخصيّة المتعلّم، من حيث تبادل الآراء، والتواصل، والمناقشة، والحوار، والتنوّع في طرح الأسئلة، خصوصًا عند عدم التعرّف إلى استراتيجيّات مُختلفة، مثل استراتيجيّة العصف الذهنيّ المولّدة للأفكار. وهُنا أؤكّد على ضرورة ربط المعرفة العلميّة بالمهارات الاجتماعيّة.
كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
دوري كمعلّمة في خضمّ هذا الانفجار المعرفيّ التكنولوجيّ من بداية الواقع المعزّز إلى الذكاء الاصطناعيّ، هو دور القائد الفاعل والخبير بمستجدات العصر، والبحث في كلّ ما هو جديد. كنتُ مواكبة للذكاء الاصطناعيّ منذ بدايته، من خلال برنامج ChatGPT، إذ قمتُ بتوظيفه في تعليم مادّة الرياضيّات، عبر طرح أسئلة متعلّقة بالمفاهيم الرياضيّة، مثل تعريف نظريّة فيثاغورس، ومن هو فيثاغورس. كما في التعرّف إلى مفهوم الجذر التربيعيّ، ومن مُكتشفه. والحقيقة كان استخدامه مُمتعًا خلال الحصّة، وأسهم تعرّف الطالبات إلى المعلومة بهذا الشكل على ثباتها. باعتقادي على المعلّم أن يكون مُحبًّا للاكتشاف وللخروج عن المألوف. بدوري أنصح بالاطّلاع الدائم على ما توصي بهِ الأبحاث في مجال التعليم.
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
الإشراف التربويّ منارة المعلّم، والطريق الذي ييسّر له كلّ ما يسعى إلى تحقيقه من أهداف. لذا، فالتطور ومواكبة كلّ ما هو جديد في العمليّة التعليميّة لا يقتصران على المعلّم، إنّما على المشرف أيضًا. كما عليه أن يكون دائم التواصل مع المعلّمين، يتعرّف إلى ما هي صعوباتهم، وما يعيق عمليّة التعلّم من وجهةِ نظرهم، ويوفّر، في الوقت نفسه، أدوات للمعلّمين تمكّنهم من اجتياز الأزمة كلًّا وفقَ تخصّصه للمُضيّ بتحقيق الأهداف. وكمشرفٍ تربويّ، عليه أن يؤدّي دورًا بطرح كلّ ما هو جديد في عمليّة التعلّم، من استراتيجيّات حديثة ونصائح وغيرها، في مجتمعات التعلّم والمنصّات التعليميّة.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
يفضّل أن يكون المعلّم قريبًا من طلّابه بحيث يوجّههم، لدورهِ المُهمّ تربويًّا ثُمّ تعليميًّا. ولحلّ النزاعات داخل الغرفة الصفّيّة، يُمكن إعطاء مهام للمتعلّم الذي ينحو إلى البدء بنزاعات، مثل تحضير أنشطة، أو ترتيب أمور إداريّة في الغرفة الصفّيّة. بطبيعة الحال، على المعلّم أن يكون قد أشرك الطلبة في المُشاركة بوضع قواعد السلوك في الغرفة الصفّيّة، وعليه التنويع في الاستراتيجيّات التعلّميّة للتغلّب على ملل الطلبة، وأن يتطلع إلى الذكاءات المتعدّدة وكيفيّة استثمارها في تحقيق تعلّم يُناسب الجميع. قد يكون المرشد التربويّ طرفًا مهمًّا للمُشاركة في هذه العمليّة، لما يمتاز به من علم ومعرفة في الأساليب المناسبة للتعامل مع المتعلّمين.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
يكون استخدام التكنولوجيا في التعليم حسب أهداف معدّة مسبقًا، مُتناسبة مع المحتوى التعليميّ، وتزيد من دافعيّة المتعلّم وثبات المعلومة. بهذا نحرص على ألّا تزيد عن حدٍّ ضروريّ مطلوب، أو تنعدم فائدتها. وهُنا على المعلّم التعمّق في فهم كلّ أداة من الأدوات، واطّلاعه اطلاعًا واسعًا على المواقع الإلكترونيّة وسلامتها للمتعلّم من جميع الجوانب، قبل استخدامها وعرضها. كما عليه تحديد أهداف هذا الاستخدام، كي يكون معزّزًا للعمليّة التعليميّة، بربط المفاهيم بالمهارات، وينمّي مهارات التفكير العُليا بما يدعم المتعلّم والمعلّم، مثل برنامج Padlet، والذي يدعم عمل المعلّم بعرض الواجبات وإجابات الطلبة، وموقع LiveWorksheets، والذي يعرض أوراق عمل تفاعليّة للمتعلّمين، وكذلك موقع Kahoot!، وما يوفّره من اختبارات وأوراق عمل.
هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟
نحن الآن في عصر يتطلّب مُشاركة أولياء الأمور في مستجدّات العمليّة التعليميّة. ومن دون شكّ، تساعد مشاركتهم في تحديد نقاط القوّة والضعف لدى أبنائهم، والعمل على معالجتها يدًا بيدٍ مع المعلّم. فالهدف في النهاية، هو كلّ ما يحقّق نتاجات تعلّم واضحة المعالم ومرتبطة بالمجتمع. لذا، فأولياء الأمور عنصر فاعل في العمليّة التعليميّة، ودور المعلّم يكون في عقد الاجتماعات معهم، واطلاعهم على سير أبنائهم ونتائجهم في الاختبارات، وسلوكهم، وأيضًا، على أهمّيّة التعليم المعكوس الذي يحتاج إلى توجيه من أولياء الأمور. ومن المُمكن دعوة أولياء الأمور للمُشاركة في بعض الأنشطة، ما يعزّز ثقة المتعلّمين بأنفسهم، مع الحرص على أن يوضع كلّ ذلك في قالب إيجابيّ، وبالابتعاد على دورٍ سلبيّ يتمثّل بأداء المهام بدلًا من المتعلّم، وعدم متابعة سلوكهِ ونتائجه.
هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟
لا يمكن الاستغناء عن الكتاب المدرسيّ، لأنّ الملموس أفضل في المتابعة. ولكنّ من المُمكن دمج الكتاب المدرسيّ بالإلكترونيّ، بما يعزّز عمليّة التعليم والتواصل في جميع الأوقات. يساعد الكتاب المدرسيّ بمعالمه الواضحة وتسلسله وتتابع أفكاره، في التركيز ودعم عمليّة التعلّم، والإلكترونيّ كذلك بما يتضمّن من رقمنة لمحتوى يُقدّم عاملًا مساعدًا وقويًّا للمتعلّم، ويمكننا اللجوء إليه للتعلّم عن بُعد. المُلهم أن يسعى الدمج إلى تحقيق أهداف العمليّة التعليميّة.
كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟
باعتقادي الوقت المناسب للدوام المدرسيّ لا يتجاوز الساعات الخمس. خمس ساعات نسعى من خلالها إلى تعريض الطالب لتجربة تعلّم مميّزة، عبر توظيف استراتيجيّات مُختلفة، وتطويع التكنولوجيا في العمليّة. بهذا، نسعى إلى تعويض الفاقد من زمن كورونا، ونُبعد الملل عن المتعلّمين، كما الجهد والتحضير اليوميّ والواجبات الكثيرة، من خلال حلول، منها:
- - دمج التكنولوجيا في التعليم، لتخفيف الواجبات المدرسيّة والضغوطات النفسيّة على المتعلّم.
- - إضافة يوم عطلة خلال الأسبوع يتضمّن واجبات ومتابعتها من خلال المعلّم، للتقليل من التسرّب المدرسيّ للمتعلّم، والغياب المتكرّر.
- - التركيز على حصص الرياضة والفنّ، والأنشطة التي حُرم منها المتعلّم مؤخّرًا بسبب ضغط الموادّ الدراسيّة.
- - الرحلات المعرفيّة والعلميّة والترفيهيّة والتي تجعلُ من الدافعيّة عمليّة مُستمرّة.
صِفي لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمةً عنوان رواية لذلك، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
"القيم التربويّة في روايات سليم بركات" لمؤلّفه طه خلو، وهو يعرض النتائج التي توصّل إليها خلو من خلال قراءة روايات سليم بركات. ومن النتائج التي توصل إليها خلو من خلال قراءاته روايات سليم بركات، أنّ "الأدب والتربية يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطًا قويًّا، ويصبّان في التربية وتنمية أفكاره ونموّ خياله ووجدانه، كما أنّ الأدب والفنّ بكافّة أشكاله ينبع من المجتمع، سواء كان ريفيّا أو مدنيّا ويهدف إلى تطوير هذا المجتمع".
وهذا يعكس التعليم في الوقت الحاليّ، وفي مسار مدرستي، إذ نهتمّ بالتربية والأدب والفنّ، ودمجها بشكل متكامل بالعلوم المختلفة. ندمج، مثلًا، الفنّ بالرياضيّات، والتربية والأدب والفنون والعلوم المختلفة تعمل على تنمية الأفكار والإبداع والشغف لدى المتعلّمين، بما يحقّق هدف مدرستي، وهو تنمية المتعلّمين وتطويرهم من جميع الجوانب في المجتمع، وتعزيز القيم والتربية فيهم.