عندما نختار ورشة عمل نقدِّمها أو نحضرها نتوقّع، أو ربّما نأمل، أن نسمع الجديد، سواء من حيث الفكرة أم التناول. أستعيد، في هذا المقال، تجربة مشاركتي في اليوم الدراسيّ الذي عُقِد في قطر في الخامس والعشرين من فبراير 2023، بتسليط الضوء على موضوع القراءة الموجَّهة (قراءة التشابك) في مناطق التعلّم داخل الصف، من أجل تمكين الطلّاب من بناء روابط بها.
كان الهدف من الورشة التوصّل إلى مفهوم خاصّ بالقراءة الموجَّهة في الصفوف التي تتعدّى الصفّ الثالث الابتدائيّ، بتطبيق خطواتها في مناطق التعلّم في الصف الدراسيّ، فضلًا عن ممارسة بعض الاستراتيجيّات والأنشطة التي يمكن اعتمادها لتحقيق عناصر القراءة في جميع المراحل الدراسيّة. كما استطعنا في نهاية الورشة أن نشكِّل نواة دليل أنشطة خاصّ بالقراءة، يمكن اعتماده في مناطق التعلّم المقتَرَحة.
مفهوم القراءة الموجَّهة
القراءة الموجَّهة أسلوب يُتيح للطلبة تطبيق استراتيجيّات القراءة التي تعلّموها في نصوصٍ جديدة، ويحثّهم على التفكير بعمق أثناء القراءة، على خلاف القراءة المشتركة التي تركِّز على تفاعل الطلبة مع النصّ. يركِّز الطلبة، وفق هذا الأسلوب، على المعنى والمضمون، ويطّلعون به على مجموعة متنوِّعة من الكتب، ممّا يؤدّي إلى تحليل اللغة والمعاني العميقة التي تتضمّنها النصوص وما تحمله من مفردات جديدة.
إذا أردنا تعريف القراءة بحسب الهدف الرئيس منها، والذي يتمثّل بمساعدة الطلّاب على استخدام استراتيجيّات القراءة للوصول إلى التعلّم المستقلّ، يمكننا تعريفها بأنّها ممارسة أو نهج تعليميّ يدعم المعلّمون فيه مجموعات التعلّم لقراءة نصّ قراءة مستقلّة.
آليّة القراءة الموجَّهة
- - تعتمد ممارسة القراءة الموجَّهة على إقران التعلّم الأمثل للقارئ بمساعدة معلّم أو خبير، لقراءة النصّ وفهمه بتوجيه واضح، ولكنّه محدود.
- - تتيح القراءة الموجَّهة للطلّاب ممارسة استراتيجيّات القراءة الفعّالة وتعزيزها.
- - اهتمّ مؤسِّس فكرة القراءة الموجَّهة، فيج وتسكي، بالطرق التي يتحدّى البالغون بها الأطفال ويوسِّعون نطاق تعلّمهم. كما اعتبر التعلّم الأكثر نجاحًا يحدث عندما يوجِّه الكبار الأطفال نحو تعلّم أشياء لا يمكنهم تجربتها بمفردهم.
- - تسهِم القراءة الموجَّهة في تطوير قدرة الطلّاب على السيطرة على عمليّة القراءة، بتطوير استراتيجيّات القراءة التي تساعدهم في فكّ شيفرة النصوص وبناء المعنى.
- - يوجِّه المعلّم الطلّاب أو يدعمهم أثناء قراءتهم وتحدّثهم، ويشجِّعهم على التفكير باستخدام النصّ.
تمثِّل القراءة الموجَّهة أسلوب تعلّم يعتمد الدعامات (scaffolding)-الشكل "1"
دورة القراءة الموجَّهة
- - التخطيط في البرنامج الأسبوعيّ للتفكير، والتحليل، وسجل تركيز التعلّم، ونواتج التعلّم، والدعم ذو الصلة، لمساعدة الطلّاب على قراءة النصّ الجديد بنجاح.
- - تحليل سجل العمل المراد تنفيذه، أو مراجعة جلسة القراءة الموجَّهة السابقة، وتدوين ملاحظات تدعم الجلسة اللاحقة.
- - بناءٌ على التحليل يُحدِّد ركائز التعلّم.
- - المطابقة بين قدرات الطلّاب والنصّ المقروء والمختار لدعم ركائز التعلّم.
- - تكوين جلسة القراءة الموجَّهة من محطّات منظَّمة ومتتابِعة.
الشكل "2"
القراءة الموجَّهة كما تظهر في مناطق التعلّم
الشكل "3"
الانطلاق
- - تحضير الطلّاب إلى الذهاب في رحلة قراءة، وتعريفهم إلى مناطق التعلّم التي سيتوقّفون عندها.
- - تحديد مدّة الرحلة، والتي يجب ألّا تقلّ عن 70 دقيقة.
- - التعريف بمنطقة الدعم.
تشكيل مجتمع التعلّم
- - يمثّل مجتمع التعلّم مجموعات الطلّاب الذين نستهدفهم في هذه الرحلة.
- - يجب تشكيل مجتمع القراءة على صورة مجموعات متجانسة من حيث العدد ـوالقدرات المهاريّة.
- - توزيع النصّ، بحيث يكون لكلّ فرد نسخة مستقلّة (مرئيّ، ومسموع، ومقروء).
منطقة الدعم (منطقة المعلّم)
تمثّل منطقة الدعم المنطقة التي يتوجَّه إليها الطلّاب، أفرادًا ومجموعات، للاستيضاح من المعلّم عن نقطة محدّدة.
مناطق التعلّم
المنطقة الأولى (القراءة المستقلّة + إدارة النصّ)
توجيه المجموعات إلى قراءة النصّ قراءة فرديّة، وتسجيل المعلومات، ثمّ التشاور ضمن المجموعة لتشكيل فهم مشترك، وذلك وفق الخطوات الآتية:
الخطوة الأولى: بطاقة التعريف
هويّة النصّ (عنوانه- نوع الفنّ- عناصر هذا الفنّ).
الخطوة الثانية: الاستكشاف
- - حدّد قضيّة النصّ (موضوع النصّ).
- - حدّد الأفهام الرئيسة (الأفكار، أو ما فهمه الطالب من موضوع النصّ)
- - ارصد قائمة بالمفردات التي تعبِّر عن الأفهام الرئيسة.
الخطوة الثالثة: التلخيص أو التوليف
ارسم مخطّطًا هيكليًّا لأفكار النصّ الرئيسة. لماذا هذه الأفكار مهمّة؟
|
المنطقة الثانية (منطقة التواصل "قبّعة التفكير")
يشكّل الطالب في هذه المنطقة صلات جديدة مع النصّ، وفق عمل فرديّ، وهي صلات ثلاث، مع الذات والنصّ والعالم. وذلك على النحو الآتي:
كيف يتّصل النصّ بالذات؟
كيف يتّصل النصّ بنصوص أخرى؟ (اختبار تجربة التعلّم)
يكون التواصل هنا بصلة الطالب بالمواد الدراسيّة الأخرى، وتجارب القراءة التي يؤدّيها ذاتيًّا (قد تتعدّد الصلات).
كيف يتّصل النصّ بالعالم؟
يمكن الانطلاق من قضيّة محدّدة، والعمل على بناء روابط بين القضيّة والنصّ.
الشكل "5"
يمثِّل الشكل المختار، وهو مجسَّم السمكة، شكلًا مُقترَحًا كوسيلة للربط بين القضيّة وأركانها، وما يتّصل بها في النصّ، حيث تُحدَّد القضيّة في رأس السمكة. أمّا الصناديق الخارجيّة فتعبِّر عن أركان القضيّة، والصناديق الداخليّة فتمثّل الصلات المعبِّرة عن القضيّة في النصّ.
المنطقة الثالثة (منطقة العمل الحرّ)
تمثِّل هذه المنطقة مجال التعبير عمّا التقطه الطالب وتوصّل إليه وفهمه، تحدّثًا أو كتابة، للوقوف على ما توصِّل إليه من النصّ، والخبرات التي مرّ فيها في مناطق التعلّم السابقة. في هذه المنطقة، يختار الطالب أسلوب التقديم، والفنّ الكتابيّ، وغير ذلك من الأمور التي يقتضيها التعبير.
المنطقة الرابعة (مجمّع الأفكار)
في هذه المنطقة، يعاد بناء المجموعات ضمن فكرة التجانس، بحسب المهارة التي يختار الطلّاب العمل فيها. يعرض الطلّاب هنا أفكارهم، ويستمعون إلى أفكار شركائهم ويناقشونها، ويدوّنون الملاحظات التي يلتقطونها من شركائهم في المجموعة، ثمّ يتّجهون إلى العمل بمفردهم.
ملاحظات حول مناطق التعلّم
- - هذه المناطق ليست ثابتة، يمكن التحرّك فيها وترتيبها بحسب طبيعة المرحلة، أو قدرات الطلّاب واحتياجاتهم.
- - يمكن تكرار هذه المناطق، أو اعتمادها كاستراتيجيّة ثابتة وتغذيتها بأساليب التعلّم.
- - في منطقة العمل الحرّ، يمكن اعتماد إحدى المهارتين وترك حريّة التعبير للطالب.
- - تصلح هذه المناطق استراتيجيّةً للتعليم والتعلّم في مختلف الموضوعات.
* * *
بناءً على ما تقدّم، يمكننا القول إنّ القراءة الموجَّهة قراءة تشابك مرتبطة بمناطق تعلّم، هي بمثابة نهج تعلّميّ متماسك ورصين، يمكِّن المعلّمين من تلبية احتياجات طلّابهم المتنوِّعة وتعزيز فهم النصوص فهمًا عميقًا. يمكن للمعلّمين، بتنفيذ مناطق التعلّم الموضَّحة أعلاه، إنشاء بيئة داعمة تمكِّن الطلّاب من أن يصبحوا قرّاءً ماهرين ومتحمّسين. لا تعزِّز القراءة الموجَّهة فهم المقروء فحسب، بل تنمِّي أيضًا حبّ التعلّم مدى الحياة، فضلًا عن تزويدها الطلّاب بالأدوات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح الأكاديميّ وما هو أبعد منه.