لكي نعرف نتيجة أيّ شيء نقوله ونفعله، علينا أن نُخضعَهُ للتقييم، ومن ثمّ إلى التقويم إذا احتاج إلى ذلك. فما بالنا في عمليتيّ التعلُّم والتعليم، واللتين تحتاجان إلى تقييم وتقويم مستمرّين.

في ظلِّ التطوّر التربويّ والتعليميّ في أساليب التعليم واستراتيجيّاته، كان لتطوّر أساليب التقييم والتقويم حصّة منها. أنا هنا لا أدعو إلى إقصاء أساليب التقييم والتقويم التقليديّة، بل أدعو إلى التوسُّع في هذه الأساليب، من أجل أنْ تتناسب مع أساليب التعليم المتطوّرة، والتي باتَت تعتمد على إبداع الطالب ومهاراته، وقياس مفهومه، وقوَّة نقده وإبداعه، وليس قياس ذاكرته وحفظه فقط.

ومن هذه المسلَّمة التربويّة والعلميّة، أنطلق مع القارئ للتعرُّف إلى فضاءات أوسع في أساليب التقييم والتقويم.

ومن هذه الأساليب نجد ما يسمَّى بـِ "مؤشّرات الأداء"، والتي قد يختلف إعدادها وتطبيقها من مدرِّس إلى آخر، ولكنّ النتيجة المهمّة هي تقييم أداء الطالب، وتقويمه على مستوى الفقرة، وفي كلّ جزء من أجزاء الدرس يستطيع المعلّم الحصول على مؤشّرات أداء الطالب وتجاوبه مع هذه الجزئيَّة، ومن ثمّ قياس مؤشّر أداء الطالب على مستوى الدرس كلّه.

بينما نجد في "التقارير المكتوبة" حول موضوعات علميّة أو أدبيّة أوغيرها وسيلة تقييميّة لمعرفة أسلوب الطالب الكتابيّ، ومستوى إبداعه وتقدّمه. وفي المقابل نجد في "المقابلات الشفهيّة" وسيلة تقييميّة أخرى للطالب الذي يمتلك القدرة على التعبير الشفويّ أكثر من الكتابيّ.

كذلك نجد في "التقويم البديل" وسيلة ناجعة لقياس مستوى الطالب، فهو يركِّز على ما يستطيع الطالب فعلهُ، وليس على ما يستطيع الطالب حفظه وتذكّره. وذلك من خلال وضع الطالب في موقف علميّ وعمليّ حقيقيّ، يسهم في كشف مهارات الطالب، وقدرته على حلِّ المشكلات، ومعرفة نقاط القوَّة لدى الطالب وتعزيزها، بدلًا من الوقوف على نقاط الضعف وإحباطه.

و"للتقييم والتقويم الذاتيّ" للطالب نتائج إيجابية في التعليم، فالطالب يتحرَّر من سلطة المعلّم عليه، وينتقل إلى سلطته الذاتيّة، من خلال مراقبة نفسه في النتاج التعليميّ الذي يمارسه، فالطالب هنا يُحدِّد الأهداف والخطط والإجراءات التي سيقوم بها من أجل تقييم نفسه ذاتيًّا، ومعرفة نقاط القوّة والضعف عنده، ومعالجتها بكلّ أمانة، وهنا لا بدَّ للمعلِّم بين فترة وأخرى، من الاطّلاع على نتائج تقييم الطالب وتقويمه لذاته؛ حتّى لا يكون للجانب العاطفيّ أيّ دور في تقييم الطالب لنفسه.

ومن أساليب التقييم الهامّة التي تُلخِّص إنجازات الطالب وتقدّمه ما يُسمَّى "بملف إنجاز الطالب" الذي يوثِّق فيه الطالب كلّ ممارساته العلميّة والعمليّة، كالامتحانات، والتقارير، والمواضيع العلميّة والأدبيّة التي كتبها، وأوراق العمل والأنشطة، والمشروعات الفرديّة والجماعيّة التي شارك فيها.

يساعد ملفُّ الإنجاز الطالبَ في كشف مستواه ومهاراته ومعارفه وقياسها، ومناقشة معلِّمه في نقاط القوّة والضعف لتقييمها وتقويمها، ومن مزايا ملفّ الإنجاز أنَّه مستمرّ طوال العام الدراسيّ، ولا يقتصر على درس معيِّن أو أسبوع أو شهر.

ونختم هذه التدوينة مع "التقييم الإبداعيّ والنقديّ" لدى الطالب، هذا التقييم يعتمد على أساليب علميّة غير تقليديّة، كونه ينطلق من مهارات الطالب وابتكاراته وإبداعاته ما فوق المعرفيّة، فالطالب يتحرَّر ويتفرَّد هنا بما يبدعه وينتقده، مُثبتًا في ذلك جدارته العلميّة في ما تَعلَّمهُ وفَهمَهُ من معلِّمه، ومضيفًا إليه صبغته الإبداعيّة والنقديّة في التحليل والتركيب.

فالمعلّم هنا، يعطي الطالب الحرّيّة في مهارات التفكير العليا، لكن ضمن حدود الدرس، أو المادّة العلميّة المعطاة. التقييم الإبداعيّ يتوافق بلا شكّ مع استراتيجيّات التعليم الحديثة، ومع أساليب التعليم النشط التي تَتّخذ من مهارات التفكير العليا مادّةً لها.

وأخيرًا، فإنَّ أساليب التقييم والتقويم الحديثة جعلت من المعلِّم شريكًا للطالب في تقييم نفسه، وليست كما كان سائدًا من قبل، معتمدة على سلطة المعلِّم وحده في تقييم الطالب، بالإضافة إلى أنَّها ركَّزت أكثر على الجوانب الإيجابيّة والإبداعيّة لدى الطالب؛ من أجل تعزيزها ورفع معنويّاته، وابتعدت عن مقارنة الطالب مع زملائه الطلّاب، والذي كان يولِّد نوعًا من الخجل والنفور من التعليم لدى الطالب، فكانت هذه الأساليب وسيلة لزيادة الثقة لدى الطالب، ودفعه إلى بذل المزيد من الجهد لتطوير نفسه، فأصبح بذلك التقييم ممتعًا، في حين كان سابقًا مدعاة للقلق والخوف.