هل سألت نفسك وأنت طالب، عن الفائدة من كلّ دروس الرياضيّات التي نتعلّمها؟
إنّ الطريقة التقليديّة لتدريس الرياضيّات تتمحور حول المعلّم، إذ يغلب على الحصّة أسلوب المحاضرة، بالإضافة إلى تفرّد الأستاذ بحلّ مسائل بنفسه على اللوح، يعالج فيها مفاهيم مجرّدة، وأفكارًا نظريّة.
تفشل البيئة التقليديّة في خلق جوّ محفّز للطالب، ولا يكتسب المتعلّم فيها إلا القليل من المهارات المفيدة.
في المقابل، تجد البيئة التعليميّة النشطة تركّز على جعل الطالب محور العمليّة التعليميّة؛ فالطالب هو من يستكشف، ويناقش، يحلّل ويطبّق. ويكون للمعلّم دور فعّال في مساعدة الطالب على فهم حاجيّاته، واكتساب المهارات الضروريّة، كمهارة التواصل، ومهارة حلّ المشكلات.
وفي ضوء الحديث عن التعليم النشط، فإنّ تدريس الرياضيّات بإطار سياقيّ يساهم في مساعدة الطالب على تكوين تصوّر مفاهيميّ واضح للأفكار الرياضيّة، ومعرفة كيفيّة تطبيقها في الواقع.
ما المقصود بتعليم الرياضيات بإطار سياقيّ؟
التعليم بإطار سياقيّ contextualization، هو تجسيد الرياضيّات في وسط تعليميّ حيّ. أيّ بدلًا من أن تكون المسائل الرياضيّة والأمثلة محصورة بالأرقام والرموز، (الإكس والواي)، والأشكال الهندسيّة المجرّدة، تكون المسائل والأمثلة حول مسائل حياتيّة واقعيّة. فمثلًا، بدلًا من أن يتعلّم الطالب كيفيّة حساب القاسم المشترك الأكبر (GCD) بالأرقام فقط، يتعلّم الطالب من خلال أمثلة حقيقيّة، كيف يقوم بتقطيع لوحين مختلفين من الجبن إلى قطع متساويّة ذات حجم كبير على سبيل المثال، أو يتعلّم كيف يجد أصغر عدد قطع من الشوكولاتة يمكنه أن يوزّعه ذاته على 30 أو 40 تلميذًا من خلال حساب المضاعف المشترك الأصغر (LCM). وهكذا يكوّن المتعلّم تصوّرًا مفاهيميّا سليمًا، ويطبّق ما تعلّمه لحلّ مشاكل حياتيّة.
يمكن تطبيق هذا الأسلوب على أفكارٍ في صفوف المراحل الأولى، وفي صفوف المراحل العليا. فبدلًا من أن يطبّق التفاضل والتكامل على (الإكس والواي) فحسب، يتعلّم الطالب احتساب السرعة من خلال احتساب تغيّر الموقع بالنسبة إلى الوقت v=dx/dt، أو احتساب التيّار الكهربائيّ من خلال احتساب تغيّر كمّيّة الشحنات الكهربائيّة بالنسبة إلى الوقت I=dq/dt.
إنّ توظيف المعلومات في مسائل واقعيّة، وعدم الاكتفاء بالقواعد المجرّدة، يساعد الطلّاب في تطوير تصوّر مفاهيميّ متماسك، بالإضافة إلى القدرة على تطبيق قواعد الرياضيّات فعليًّا لحلّ مشاكل واقعيّة مختلفة. ولا يخفى أنّ لهذا الأسلوب دورًا مهمًّا في توظيف الرياضيّات لفهم العلوم، والتعبير عن المتغيّرات في العلوم بشكل دقيق.
يتخطّى التعليم بإطار سياقيّ تقديم مسائل بمعطيات محدّدة، بل يمكن للمعلّم تفعيل أسلوب التعلّم القائم على حلّ المشكلات(PBL) من خلال إعطاء سياق، لكن مع معطيات غير كافية، ما يترك المجال للطلّاب للتفكير بشكل إبداعيّ ونقديّ.
على سبيل المثال، يقسّم المعلّم الطلّاب إلى مجموعات، ويطلب منهم إيجاد الطريقة الأكثر عمليّة لنقل مياه في صهاريج من النبع إلى منطقة تؤوي نازحين. لا يقوم المعلّم بإعطاء معلومات كاملة عن عدد النازحين، أو قدرة الصهاريج الاستيعابيّة، بل يقوم عمدًا بترك الكثير من المعلومات مبهمة، وعلى الطلّاب وضع افتراضات، وإجراء بحثهم باستخدام محرّك البحث.
المشاكل التي سيواجهها الطالب في حياته وفي عمله، تستدعي تمرين الطالب على تطبيق المعلومات في أمثلة واقعيّة، بالإضافة إلى التعوّد على حلّ مشاكل بمعطيات ناقصة؛ فالمشاكل التي سيواجهها في حياته لن تأتي مرفقة بورقة إرشادات ومعطيات، كما يستدعي حلّ المشكلات تطوير مهارة العمل الجماعيّ، ومهارة التواصل الفعّال.
إنّ تعليم الرياضيّات بإطار سياقيّ يتلاءم مع ما وصلت إليه النظريّات التي تفسّر طريقة تعلّم الدماغ.
من الضروريّ أن يشعر المتعلّم بأنّ الرياضيّات مرتبطة بحياته اليوميّة، ومحيطه الماديّ والاجتماعيّ.
كلما كانت المعلومة ذات معنى بالنسبة إلى الطالب، كان استرجاعها وتطبيقها أسهل.
كيف يطبّق المعلّم أسلوب التعليم بإطار سياقيّ بشكل فعّال؟
- - التعرّف إلى الطلّاب، إلى حاجاتهم الفرديّة، وثقافتهم وهواياتهم.
- - إنّ قدرة المعلّم على معرفة طلّابه شرط أساس لتحضير مسائل وأمثلة تعليميّة ترتبط بواقعهم.
- - ربط المعلومات الجديدة بالمعلومات السابقة.
- - إعطاء أمثلة ومسائل مستوحاة من واقع المتعلّم الثقافيّ والماديّ؛ فكلما خاط المعلّم الإرشادات والأمثلة بمقاسات تلائم طلّابه، راعى حاجاتهم الفرديّة المتفاوتة، وشعر المتعلّم بأهمّيّة ما يتعلّمه.
قد يواجه المعلّم مشاكل في تطبيق أساليب جديدة، لكن من الضروريّ أن يعمل جاهدًا على تطوير أساليبه، لخلق بيئة تفاعليّة نشطة، تسهم في تطوير مهارات الطلّاب.