قد يكون اضطرارنا للتقنية آتيًا من ظرف طارئ كالحظر، وقد يكون ناتجًا عن رؤية إداريّة أو قيمة تسويقيّة لمدرسة تريد أن تنافس مدارس أخرى، وما بينهما من احتمالات. الفكرة هي أنّ التقنية التي أثّرت في كلّ شيء لا بدّ أن تؤثّر في التعليم، وهي تؤثّر. الأثر المنشود في النهاية هو ما في صالح العمليّة التعليميّة.
إنّ الاستدخال المنشود للتقنية في الغرفة الصفّيّة لا بدّ أن يحافظ على المكاسب الاجتماعيّة والتربويّة التي تحقّقها الغرفة الصفّيّة ذات البيئة التعلّميّة الصحّيّة، وأن يضيف إليها مكاسب أخرى جديدة مثل إعداد الطلبة لمهارات العصر؛ فهم في النهاية كما يظهر لنا من الماضي القريب، ومن الدراسات المستقبليّة سيشغلون وظائف لا نعرفها الآن.
يهدف هذا المقال إلى توسيع خيارات المعلّمين والمدارس فيما يتعلّق باستخدام التقنية، بتقديم عدد من الخيارات، وتمكين المعلّمين والإدارات من أبجديّات البحث عن التقنية المناسبة.
نوعان من التقنية في التعليم
يمكننا أن ننظر إلى التقنية في التعليم على أنّها تنقسم إلى نوعين أو مدرستين:
الأوّل: التكنولوجيا التي بُنيت على مكاسب الغرفة الصفّيّة
هنا قام المبرمجون بدراسة الغرفة الصفّيّة، ودرسوا حال المعلّم والطالب وعناصر البيئة المدرسيّة بحسبان كلّ من سبق على أنّهم مستخدمون للتقنية أو قطاع مستهدف، وصنعوا برمجيّات تخدم العمليّة التعليميّة؛ إمّا عن طريق زيادة كفاءة عمليّة صفّيّة، أو تقليل الوقت الذي تحتاجه، أو عن طريق حلّ مشكلة تواجه العمليّة التعليميّة.
ومن الأمثلة على هذا النوع: تطبيق "نوهاند" Nohand، وهو تطبيق يتيح اختيار الطلبة بصورة عشوائيّة للإجابة أو التطوع في مهمة صفّيّة ما. إذًا، هو تطبيق يساعد المعلّمة أن تركّز على أشياء أخرى، ويختصر وقت رفع الأيدي والانتقاء، ويضيف نوعًا من الترقّب الذي يصاحب عمليّة السحب العشوائيّ.
الثاني: التكنولوجيا التي حملت مكاسب التقنية من العالم إلى المدرسة
في هذا النوع، رأت الشركات أو الهيئات التدريسيّة فرصةً في تقنية ما لتطبّق في البيئة الصفّيّة، فالشاشة والسمّاعة مثلًا وُجدا خارج البيئة الصفّيّة أوّلا، واستُدخِلتا إلى البيئة الصفّيّة لاحقًا. وهذا ينطبق على تكنولوجيات أحدث مثل: تطبيقات المراسلة، العارض الضوئيّ، الأفلام... إلى آخر ذلك.
عمليّة تبنّي التقنية هي عمليّة تشاركيّة بين الإدارات والمعلّمين والطلبة. تجري هذه العمليّة على هامش عمليّة التعليم، وتتضمّن التجريب والمشاركة والتغذية الراجعة بين عناصر البيئة المدرسيّة نحو انتقاء النافع واستبعاد الأعباء. وكلّ مدرسة ستجد ضالّتها في تقنيات قد تختلف عمّا تجده مدرسة أخرى، إذ ثمّة أساليب وطرائق مختلفة للتعليم تتبنّاها المدارس المختلفة.
في نهاية دورة قدّمتها في مدرستي حول "تطبيقات مفيدة للمعلّم"، تقدّمت باقتراح أرى من المفيد أن يُعمّم على المدارس جميعها:
إنّ كلّ قسم من أقسام المدرسة يجتمع أسبوعيًّا أو كلّ أسبوعين ليتشارك الممارسات الفضلى في تعليم المبحث الخاصّ به، فيفيد المعلّم من خبرة زميلته وبالعكس، فليكنْ عرض هذه الممارسات كلّ مرّة عن طريق تطبيق تعليميّ جديد، يلعب فيه المعلّم المكلّف بمشاركة خبرته دور الأستاذ، ويلعب بقيّة المعلّمين دور التلاميذ. هذا يتيح لنا تجربة التطبيقات في بيئة زمالة آمنة. هكذا نكون تشاركنا المعرفة الخاصّة بالممارسة التعليميّة، وتشاركنا استكشاف التطبيقات المختلفة.
كيف أتعرّف إلى التطبيقات الجديدة؟
- متابعة المجموعات والقنوات الخاصّة بالمعلّمين على وسائل التواصل المجتمعيّ مثل "فيسبوك" Facebook أو "يوتيوب" YouTube أو "تيليغرام" Telegram.
- استخدام مواقع البحث عن البدائل مثل www.alternativeto.com وإدخال التطبيق التعلّميّ الذي تريد الاطّلاع على بدائل له.
- متابعة خدمة بودكاست Podcast يقدّمها معلّمون، مثل: "طائفة البيداغوجيا" Cult Of Pedagogy للمعلّمة جينيفير غونزالس.
- قراءة كتب حديثة عن التقنية في التعليم.
- متابعة الصحافة المدرسيّة أو المهتمّة بالتعليم حول العالم.
تقنيات جديرة بالذكر
أنظمة إدارة التعلّم LMS: Learning Management Systems
يسمح كلّ من هذه التطبيقات بإدارة عمليّة التعلّم بصورة شاملة، ومنها ما هو مدفوع إذ تشتريه المدرسة، ومنها ما هو مجانيّ.
يمكن كتابة قائمة طويلة جدًّا هنا:
- صفوف جوجل Google classroom
- صفوف مايكروسوفتMicrosoft Education
- صفوف آبل Classroom from Apple
- كلاس دوجوClassDojo
- غوروو gooru
- إيديونيشن edu-nation
- مانيجباك managebac
- كانفس Canvas
- موودل Moodle
وتتفاوت هذه التطبيقات في نقاط قوّتها وضعفها، والمفاضلة بينها مجال بحث طويل. منها ما قد يستخدمه المعلّم في صفّه، ومنها ما يتوقّع أن يكون استخدامه قرارًا مدرسيًّا عامًّا. لكنّ المشترك بينها هو أنّ هذه التطبيقات كلّها تسعى إلى رقمنة عمليّة التعليم، أي إنّها تقوم بصناعة نسخة رقميّة للصفّ أو المدرسة، بما في ذلك المنهاج والطلبة وتفاعلهم مع المعلّمة أو المعلّم، ودفاتر العلامات، والحضور والغياب... إلى آخر تلك القائمة الطويلة. ولا بدّ أن نشيد بكون تطبيق عربيّ المنشأ مثل إيديونيشن معرّبًا بالكامل.
ثمّة أمرٌ من المهمّ ذكره هنا، وهو أنّ صفوف جوجل مثلًا وعددًا آخر من التطبيقات تسمح للمدرّس الحرّ، أو المدارس الحكوميّة باستخدام التطبيق مجّانًا، بينما تطلب مقابلًا مادّيًّا في حال كانت المدرسة تتلقّى المال.
تطبيقات مختارة توفّر وسائل مساعدة على التعلّم
هذه التطبيقات توفّر وسيلةً تعليميّة ما، يمكن استخدامها داخل الغرفة الصفّيّة أو خارجها، وتتنوّع الوسائل التي تقدّمها. يجب أن ننبّه هنا إلى أنّ كلّ تطبيق نذكره في هذه القائمة له مجموعة من المنافسين، وسنحاول تبيان شيء من القيمة المضافة التي يقدّمها التطبيق الذي نذكره.
نيربود Nearpod
تطبيق عرض تفاعليّ، بعكس البرامج التي تعرض الشرائح على شاشة كبيرة يواجهها الطلبة، وتلتفت نحوها المعلّمة بين الفينة والأخرى، فإنّ هذا التطبيق يسمح باستعراض الشرائح نفسها على أجهزة الطلبة وهم يجلسون في دائرة، وهو يرقمن عمليّة المشاركة الصفّيّة بالكامل بوجود أسئلة واستفتاءات وعرض أشرطة... إلخ، فيوفّر الوقت الذي يقتطعه تنظيم الأنشطة التفاعليّة من وقت الحصّة. في حال التعليم عن بعد، فإنّ نيربود يضبط الإيقاع الصفّي، ويوجّه الطالب الذي يجد المهمّة سهلةً لأن يقوم بها بعمق، بدل أن ينجزها بسرعة قد تشوّش على من يجدون في المهمّة صعوبةً ما.
بادلت Padlet
تطبيق مشاركة عامّة للمعلومات والروابط بين المجموعة. فيه ما يشبه مجلّة الحائط الرقميّة التي يمكن للأستاذ والطلبة أن يساهموا في بنائها معًا، وقد يعدّ المعلّم هيكلًا عظميًّا أوّليًّا للمعلومات، ثمّ يتولّى الطلبة إضافة عناصر الحياة له. التطبيق مناسب جدًّا للعصف الذهنيّ، وهو وسيلة رائعة لتدوين الملاحظات بطريقة جماعيّة. البادلت الناجز يمكن جعله مرجعًا للدرس، في حال المراجعة مثلًا، أو لمشاركته مع الطالب المتغيّب. وقد يكون بديلّا للتفاعل الصفّيّ في حال التعليم عن بعد.
سلاك Slack
التطبيق في أصله تطبيق لإدارة التعاون بين فرق العمل، يوفّر خدمة المراسلة المبوّبة حسب الموضوع أو مجموعة المراسلة، ويسهّل عمليّة البحث عن الرسائل المقصودة بطريقة تجعل البريد الإلكتروني يبدو بدائيًّا. يستخدمه كثير من المعلّمين إمّا وحده، وإمّا بشبكه مع تطبيقات أخرى، فهو متوافق للتكامل مع عدد هائل من التطبيقات.
فرق مايكروسوفت Microsoft Teams
بالإضافة إلى كونه يوفّر خدمة تقترب من خدمة تطبيق سلاك لإدارة التعاون، يوفّر "فرق مايكروسوفت" القدرة على إجراء الاجتماعات المصوّرة بكفاءة عالية، وهو بديل مفضّل عند كثير من المعلّمين لتطبيق "زوم"، لكونه متوافقًا مع بقيّة تطبيقات مكتب مايكروسوفت، ممّا يجعله خيارًا موفّقًا لكثير من المدارس.
منصّات المساقات الرقميّة
في مواقع مثل "إدراك" و"رواق" العربيّين، وغيرهما مثل: خان أكاديمي Khan Academy، تيد إيد Ted-Ed، إيديكس edX، سكيل شير Skillshare، يوديمي Udemy، كورسيرا Coursera، فيوتشر ليرن Future learn... إلخ، يمكن للمتعلّم أن يشاهد مساقًا تعليميًّا أو شريطًا حول موضوع محدّد، يكون هذا الشريط أو المساق من إعداد أحد المعلّمين المتميّزين، وهو ما يكون مناسبًا للتعلّم الذاتيّ، أو للطلبة الذين يمارسون اللّاتمدرس، أو للمعلّمين أنفسهم.
يؤخذ على هذه التطبيقات أنّها تحاول استبدال المدرسة أو الجامعة كلّيًّا ممّا يهدّد وظيفة المعلّم، ويضعه في مقارنة دائمة مع معلّم آخر، وقد يكون هذا نقطة قوّة في عين أنصار اللّامدرسيّة مثلًا.
تطبيق إدبزل edpuzzle
هذا التطبيق يقدّم خدمةً هجينةً، فهو أتى ليساعد المعلّمين على استخدام موادّ الفيديو المرئيّة بكفاءة أعلى. يقوم التطبيق على وضع أسئلة داخل الشريط الذي يشاهده الطالب، ويمكن عرض الشريط مع أسئلته على أجهزة الطلبة، كلّ طالب على حدة، أو عرضه على الطلبة بوصفهم مجموعةً، وجعل الأسئلة تفتح نقاشًا. ويقدّم كغيره من التطبيقات إضافات أخرى مثل: التصحيح، ومنح الدرجات، ورفع التعليق الصوتيّ، وغير ذلك.
تطبيقات الاختبارات
يمكن الحديث عن التطبيق السابق "إدبزل" بصفته تطبيق اختبارات، لكن ثمّة تطبيقات كثيرة لإتمام الاختبارات، فتطبيقات إدارة التعلّم كلّها تقريبًا تحوي على إضافة إدارة الاختبارات، وتختلف مواصفات الاختبار من تطبيق لآخر، من جهة ممكنات الأسئلة وأشكالها.
من أهمّ التطبيقات لعمل الاختبارات: نماذج جوجل Google Forms، نماذج مايكروسوفت Microsoft Forms، إيدمودو Edmodo، إيزي أسسمنت Easy Assessment، ووفو Woofu. أيضًا يمكن الحديث عن تطبيقات أخرى توظّف مفهوم التلعيب كتطبيقات اختبار، لكنّنا فصلناها هنا إلى نوع مستقلّ.
تطبيقات التلعيب
يقوم مبدأ التلعيب على جعل الأعمال أو الدراسة تشبه اللعبة، وثمّة مساق جدير بالذكر على منصّة "إدراك" حول التلعيب وكيفيّة استدخاله على الأعمال والتعليم. الدرس الذي يوظّف التلعيب يجعل من الطالب عضوًا في لعبة، وعليه كسب النقاط لقاء إنجاز المَهمّات واجتياز الاختبارات المطلوبة.
من أهمّ تطبيقات التلعيب: ماينكرافت النسخة التعليميّة Minecraft: Education Edition، جيمكيت Gimkit، كلاس دوجو ClassDojo، كاهوت Kahoot، كلاس كرافت Classcraft. وفي الحقيقة كثير من التطبيقات التعليميّة السابق ذكرها بدأت توظّف التلعيب أيضًا.
خدمات اكتشاف السطو الأدبيّ
إذا كنتَ معلّما يكلّف الطلبة بمَهمّة كتابة مقالات متخصّصة، كما يجري عادةً ضمن البرامج الدوليّة، فإنّك قد تكون بحاجة لخدمات مثل تيرن إت إن Turnitin، التي تكشف نسبة الاقتباس في أبحاث الطلبة، وهذا يريح المعلّم من بحث طويل لتصحيح المقالات المطوّلة.
التطبيقات كثيرة، ماذا أستخدم؟
المعلّم الذي لم يواكب صدور التطبيقات سيجد نفسه أمام قائمة طويلة من التطبيقات الممكن استخدامها، وسيجد نفسه محتارًا في قراره حول أيّ تطبيق سيستخدم. كذلك، المدرسة التي لم تتبنّ مسبّقًا نظامًا لإدارة التعلّم، ولم تعقد ورشات لتعليم المعلّمين حول التطبيقات التي تريد استخدامها، ستجد نفسها أمام قائمة خيارات محيّرة جدًّا. هنا، لسنا نزكي تطبيقًا بعينه، لكنّنا سنحاول الإضاءة على الأسئلة التي تساعدنا على اتّخاذ القرار الأكفأ لنا.
- هل يتكيّف التطبيق أو النظام مع اللغات المستخدمة في المدرسة؟
- هل ثمّة تطبيقات اعتادها الطلبة بسبب استخدام أحد الزملاء أو إحدى الزميلات في الهيئة التدريسيّة لها؟
- إذا كانت المدرسة تختار تطبيقًا لتعميمه، فما هو الخيار الأنسب لكلّ الحقول المعرفيّة التي تدرّسها المدرسة؟
- هل يتكامل التطبيق أو يتوافق مع تطبيقات أخرى مفيدة؟
- هل يمكن للهيئة الإداريّة مراسلة الشركة لتعديل شيء على التطبيق وتكييفه مع المدرسة حال شرائه؟ هل ثمّة نسخة مجانيّة أو تجريبيّة؟
- هل يجب تحميل التطبيق على خوادم المدرسة، أم يمكن استخدام التقنيات السحابيّة؟ ما تكلفة كلّ خيار؟
- هل لدى الطلبة أجهزة داخل الغرفة الصفّيّة؟ ما درجة توافق التطبيق مع الأجهزة المختلفة؟ يجدر الإشارة هنا إلى أنّ بعض التطبيقات يمكن استخدامها على جهاز المعلّم الذي يقوم بمسح آراء الطلبة وإجاباتهم بوساطة بطاقات مثل بليكرز plickers.
- ما الذي يقوله مستخدمو البرنامج أو التطبيق من المعلّمين عنه؟ يمكن الاشتراك بمجموعات على وسائل التواصل للاطّلاع على حوارات المعلّمين، أو على مراجعاتهم للتطبيقات على "يوتيوب".
- ما مدى مناسبة التطبيق للفئة العمريّة للطلبة؟
- ما جودة خدمات التدريب والصيانة (ما بعد البيع) لدى الشركة المزوّدة؟
خلاصة
لأنّ الشركات تحاول أن تكون "محطّة وحيدة" مفضّلة للمستفيد من الخدمة، صار كثير من التطبيقات يحلّ محلّ بعضها الآخر. واعتياد الطلبة على تطبيق محدّد يزيد من كفاءة استخدامه، ولا يشعر الطلبة أنّهم بحاجة لتنزيل مجموعة كبيرة من التطبيقات بعدد المعلّمين الذين يعلّمونهم. لهذا كلّه، إتقان المعلّم أو الفريق التعليميّ لتطبيق أو اثنين محدّدين هو الخيار الأمثل، وهو بالتأكيد أفضل من الاستخدام السطحيّ لعدد كبير من التطبيقات.
أقتبس هنا من المعلّمة المصريّة ريمان نمر كلامها في ندوة "منهجيّات" حول التعلّم والتعليم في زمن الحجر، إذ تقول:
"لا يمكنني التشديد كفايةً على أهمّيّة التطبيقين نيربود وبادلت... أرى أنّ نجاح التعليم عن بعد لا يكمن في كثرة الأدوات، لكنّه يكمن في التمكّن منها وإن كانت قليلة."