يُعدّ التعليم حقًّا أساسيًّا لكلّ فرد في المجتمع، ويكتسب هذا الحقّ أهمّيّة خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة. فقد أولت الدولة المصريّة اهتمامًا كبيرًا بحقوق هذه الفئة، فاتّخذت خطوات ملموسة لضمان حصولهم على تعليم شامل وعادل، يراعي احتياجاتهم، ويسهم في تحقيق اندماجهم في المجتمع. ومن هذا المنطلق، تبنّت الحكومة المصريّة سياسات وبرامج، تهدف إلى توفير خدمات تعليميّة متكافئة، تضمن عدم التمييز بينهم وبين أقرانهم، فجاء القانون رقم (10) لسنة (2018) لتعزيز حقوقهم في التعليم، والعمل، والخدمات الصحّيّة. وقد أطلقت الدولة مبادرات عدّة لتوفير البيئة التعليميّة الدامجة، مثل إنشاء الفصول المدمجة، وتقديم وسائل تعليميّة مخصّصة لذوي الاحتياجات الخاصّة، إلى جانب تدريب الكوادر التعليميّة على التعامل مع احتياجات هذه الفئة.
كما شجّعت الدولة على إقامة شراكات بين أولياء الأمور والمدارس، لضمان تكامل الجهود المبذولة لدعم هؤلاء الطلّاب، وتعزيز دور الأسرة في العمليّة التعليميّة. ولكنّ السؤال الذي نطرحه هنا: كيف يمكن لهذه الشراكة أن تحدث فرقًا حقيقيًّا في حياة هؤلاء الطلّاب، وتجعل من الغد أملًا لهم؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال، نستعرض معًا ما يلي:
من هم أصحاب الاحتياجات الخاصّة؟
يعدّ الاهتمام بأصحاب الفئات الخاصّة أحد مظاهر التقدّم والإنسانيّة في المجتمعات، فهم أفراد يملكون قدرات واحتياجات مختلفة، تتطلّب رعاية خاصّة لتنمية قدراتهم. وتمكن الإشارة إلى مصطلح "الفئات الخاصّة" على أنّه: مجموعة من الأفراد الذين يختلفون عن أقرانهم في القدرات، أو الاحتياجات، سواء كانوا يعانون إعاقات جسديّة أو حسّيّة أو عقليّة أو اجتماعيّة (أبو النصر، 2004). تشمل هذه الفئات الأشخاص ذوي الإعاقات بأنواعها المختلفة، والذين يحتاجون إلى برامج خاصّة لدعم إمكاناتهم وتحقيق تميّزهم. وصُنِّف ذوي الاحتياجات الخاصّة وفقًا لتقرير منظّمة الصحّة العالميّة (2011)، بناء على نوع الإعاقة، أو الحاجة الخاصّة، والتي تضمّ الإعاقات البصريّة والسمعيّة والحركيّة والذهنيّة، بالإضافة إلى اضطرابات طيف التوحّد، وصعوبات التعلّم، والاضطرابات السلوكيّة، والانفعاليّة.
أهمّيّة الشراكة التربويّة لتحقيق حياة أفضل
يشكّل التعاون بين أولياء الأمور والمدرسة ركيزة جوهريّة، لتقديم تعليم شامل يلبّي احتياجات الطلّاب ذوي الإعاقة، ويسهم في تحسين حياتهم الأكاديميّة والاجتماعيّة. فعن طريق بناء هذه الشراكة، يمكن:
- - تعزيز ثقة الطلّاب بأنفسهم في بيئة داعمة، تشجّعهم على تطوير إمكانيّاتهم.
- - تلبية الاحتياجات الفرديّة لكلّ طالب بطريقة متكاملة.
- - خلق وعي مشترك بين الأسرة والمدرسة بشأن حقوق الطلّاب ذوي الإعاقة، ودور التعليم في تحسين جودة حياتهم.
التحدّيات التي تواجه الشراكة بين الأسرة والمدرسة
تعتبر الشراكة بين الأسرة والمدرسة من الأمور الهامّة لتحقيق بيئة تعليميّة داعمة، تضمن نموّ الطالب ذي الإعاقة، وتطوير قدراته. ومع ذلك، فإنّ هذه الشراكة تواجه عددًا من التحدّيات التي تعوق تحقيق أهدافها المرجوّة، لا سيّما في ظلّ تعقيدات الحياة المعاصرة. ويمكن تصنيف هذه التحدّيات في محاور أساسيّة:
1. التحدّيات الصحّيّة
- - افتقار بعض المدارس إلى التجهيزات اللازمة لاستقبال الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، مثل المنحدرات والكراسي المتحرّكة.
- - عدم توفّر العدد الكافي أحيانًا، من المعلّمين المدّربين على التعامل مع الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة.
- - ضعف جودة بعض الخدمات الصحّيّة والرعاية الطبّيّة داخل المدارس، والتي تلبّي احتياجات الطلّاب الخاصّة.
2. التحدّيات الاجتماعيّة
- - افتقار بعض الأسر إلى المعلومات اللازمة بشأن دورها في دعم العمليّة التعليميّة لأبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصّة.
- - نظرة بعض المجتمعات السلبيّة إلى الإعاقة، والتي تضعف التعاون بين الأسرة والمدرسة.
- - غياب آليّات التواصل أحيانًا، والتي تعزّز التعاون والتواصل الدوريّ مع أولياء الأمور.
3. التحدّيات الاقتصاديّة
- - ضعف قدرة بعض الأسر على تغطية تكاليف التعليم والرعاية الصحّيّة لأبنائهم ذوي الاحتياجات الخاصّة.
- - نقص المخصّصات الماليّة الموجّهة لتحسين البيئة التعليميّة لهذه الفئة.
4. التحدّيات النفسيّة
- - شعور بعض أولياء الأمور بالعجز والقلق حيال قدرة أبنائهم على النجاح في البيئة المدرسيّة.
- - عدم توفّر خدمات نفسيّة كافية في بعض المدارس، لمساعدة الطلّاب أصحاب الإعاقة وأسرهم.
بعض الحلول المقترحة لتحسين الشراكة بين أسرة الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة والمدرسة
لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة، وتحسين حياة الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، يتطلّب الأمر تكاملًا بين أدوار واضعي السياسات التعليميّة، والأسرة، والمدرسة. نتناوله تفصيلًا كما يأتي:
دور واضعي السياسات التعليميّة في توفير الشراكة التربويّة المناسبة بين المدرسة وأسر أصحاب الفئات الخاصّة
تمثّل الشراكة بين الأسرة والمدرسة حجر الزاوية في دعم العمليّة التعليميّة، وتحقيق النجاح الأكاديميّ والاجتماعيّ للطلّاب، لا سيّما ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين تتطلّب ظروفهم بيئة متكاملة، قائمة على التفاهم والتعاون بين مختلف الأطراف. يبرز هنا دور واضعي السياسات عاملًا رئيسًا في تهيئة الأرضيّة المناسبة لتعزيز هذه الشراكة، بما يضمن تقديم الدعم اللازم، وفتح آفاق مستقبليّة أفضل للطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، وذلك عن طريق:
1. وضع الإطار التشريعيّ والتنظيميّ الذي يضمن حقوق الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة في التعليم الشامل، ويضع ضوابط واضحة لتفعيل التعاون بين الأسرة والمدرسة، وإلزام المؤسّسات التعليميّة بتوفير خطط فرديّة لتعليم الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة بمشاركة الأسرة.
2. تعزيز البرامج التوعويّة والتدريبيّة، وتقديم الدعم الكافي للبرامج التدريبيّة الخاصّة بالمعلّمين وأولياء الأمور، لتعزيز فهم احتياجات الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، وطرق التعامل معهم.
3. توفير الموارد الماليّة والبشريّة، وتخصيص ميزانيّات كافية لتقديم الدعم اللازم للمدارس وأسر الطلاب، وتوفير الخبراء والمختصّين في مجالات تعليم ذوي الاحتياجات الخاصّة.
4. إنشاء منصّات تواصل فعّالة، تسهّل تبادل المعلومات والخبرات بين الأسرة والمدرسة، وتعزّز الشفافيّة والمساءلة، ما يضمن اطّلاع الأسر على تقدّم أبنائهم، وتحديد أيّ تحدّيات قد تواجههم.
5. تشجيع الشراكات المجتمعيّة، والتعاون مع منظّمات المجتمع المدنيّ والقطاع الخاصّ، لتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ والتعليميّ للطلّاب وأسرهم، وإدماج الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة في الأنشطة المجتمعيّة.
دور المدرسة في بناء شراكة فعّالة مع أولياء الأمور
تعدّ المدرسة إحدى دعائم العمليّة التربويّة، إذ تتجاوز دورها التقليديّ في التعليم، لتصبح شريكًا حقيقيًّا في بناء مستقبل الطلّاب ذوي الإعاقات. ومع تزايد التحدّيات التي تواجه الأسر في تربية أبنائها، أصبح التعاون بين المدرسة وأولياء الأمور ضرورة لتحقيق بيئة تعليميّة متكاملة، تسهم في نموّ الطالب على المستويَين الأكاديميّ والشخصيّ. لذا، يجب على المدرسة القيام بما يأتي:
1. اتّباع الاستراتيجيّات الآتية لتعزيز التواصل مع طلّاب الفئات الخاصّة:
- - استخدام تقنيّات القراءة الناطقة، والموادّ الدراسيّة بطريقة برايل لذوي الإعاقة البصريّة.
- - دعم مهارات التواصل لذوي الإعاقة السمعيّة، مثل لغة الإشارة، والتطبيقات التكنولوجيّة الداعمة، مع توعية أولياء الأمور بأهمّيّة استخدامها.
- - تنظيم لقاءات دوريّة مع أولياء الأمور، لتقديم إرشادات تساعدهم في دعم أبنائهم ذوي صعوبات التعلّم، أكاديميًّا ونفسيًّا.
- - تنفيذ خطط تعديل سلوك تشاركيّة بين المدرسة والأسرة للطلّاب ذوي الاضطرابات الحركيّة والانفعاليّة.
- - تغيير طبيعة البيئة التعليميّة المادّيّة وتهيئتها لتتناسب مع المعاقين حركيًّا، بالتعاون مع الأسرة.
- - توفير جداول مصوّرة أو مكتوبة، توضّح للوالدين أنشطة الطفل اليوميّة، وكيفيّة تعزيزها لمهارات طلّاب طيف التوحّد.
- - تنظيم جلسات توجيهيّة للآباء لتدريبهم على تعزيز المهارات الأساسيّة، مثل النظافة الشخصيّة، والتواصل الاجتماعيّ لطلّاب الاضطرابات العقليّة والذهنيّة.
2. اتّخاذ التدابير الآتية من أجل توفير بيئة تعليميّة دامجة للفئات الخاصّة من الطلّاب:
- - تكييف البيئة التعليميّة لذوي الإعاقة البصريّة: يشمل توفير الموادّ الدراسيّة بطريقة برايل أو بصيغ سمعيّة، وتهيئة البيئة المادّيّة بوضع علامات مميّزة على الأرضيّات لتيسير التنقّل، بالإضافة إلى دعم أولياء الأمور بتدريبهم على استخدام التكنولوجيا المساعدة، لمتابعة تعليم أبنائهم بفعّاليّة.
- - تقديم خدمات لطلّاب الإعاقة السمعيّة: يشمل ذلك تعزيز التواصل بلغة الإشارة، عن طريق تدريب المعلّمين والطلّاب على أساسيّاتها، وتوفير أجهزة سمعيّة، مثل أجهزة تكبير الصوت داخل الفصول، بالإضافة إلى إقامة شراكة مع أولياء الأمور، بتنفيذ ورش عمل تساعدهم في تحسين تواصلهم مع أبنائهم.
- - دعم الطلّاب ذوي صعوبات التعلّم: يتضمّن ذلك تصميم خطط تعليميّة فرديّة (IEPs)، تراعي نقاط القوّة والتحدّيات لدى كلّ طالب، واستخدام أدوات تعليميّة متنوّعة ووسائل بصريّة تسهّل الفهم، فضلًا عن توجيه الأسرة، وتقديم استشارات حول أساليب الدعم، مثل تخصيص أوقات مراجعة يوميّة بأسلوب مرن.
- - توفير خدمات لطلّاب الاضطرابات السلوكيّة والانفعاليّة: يتمّ ذلك بإعداد خطط تعديل السلوك التي تركّز على تعزيز السلوك الإيجابيّ، وتوفير غرف هادئة تساعد الطلّاب في استعادة الهدوء عند الشعور بالضغط، بالإضافة إلى التواصل المباشر مع الأسرة، وإشراكها في متابعة تنفيذ خطط تعديل السلوك، لضمان استمراريّتها بين المدرسة والأسرة.
- - تهيئة البيئة لطلّاب الإعاقة الحركيّة: يشمل ذلك تهيئة المباني المدرسيّة، وضمان وجود منحدرات ومصاعد مناسبة داخل الفصول الدراسيّة، وتوفير تكنولوجيا مساعدة، مثل أجهزة التعلّم التي تسهّل الكتابة، بالإضافة إلى إشراك الأسرة، بتقديم استشارات حول تحسين البيئة المنزليّة لدعم استقلاليّة الطالب.
- - خدمات موجّهة لطلّاب طيف التوحّد: تتضمّن استخدام الجداول المرئيّة المصوّرة، وتقديم جلسات علاجيّة متكاملة، تشمل أنشطة لتنمية مهارات التواصل، إلى جانب تعزيز شراكة الأسرة، بتدريب الوالدين على تطبيق استراتيجيّات تحسين التفاعل السلوكيّ والاجتماعيّ.
- - دعم طلّاب الاضطرابات العقليّة والذهنيّة: يشمل ذلك إعداد خطط دعم فرديّة، وتقديم مهامّ تعليميّة مبسّطة تتناسب مع قدرات الطالب، وتعزيز التعلّم العمليّ بالتركيز على تعليم المهارات الحياتيّة والاجتماعيّة، مع التواصل المستمرّ مع الأسرة، ووضع خطط واضحة لمتابعة التقدّم وتحقيق الأهداف المشتركة.
3. توفير الدعم الكافي
- - توفير المدرسة للدعم الماليّ، وذلك بتقديم إعفاءات ماليّة جزئيّة أو كليّة من الرسوم الدراسيّة، أو منح تعليميّة للطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، ما يخفّف العبء الماليّ عن الأسر. إضافة إلى تخصيص قدر كافٍ من الميزانيّة لتحسين البنية التحتيّة للمدرسة، بما يضمن تهيئتها لتلبية احتياجات الطلّاب ذوي الإعاقات المختلفة.
- - إنشاء مراكز لتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ داخل المدارس، بحيث تقدّم استشارات للأسر والطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، إلى جانب توفير مجموعات دعم لأولياء الأمور لتبادل الخبرات، وتنظيم حملات توعية مجتمعيّة، تهدف إلى تغيير النظرة السلبيّة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصّة.
دور الأسرة في تعزيز الشراكة التربويّة مع المدرسة
تعدّ الأسرة اللبنة الأولى في بناء شخصيّة الطفل وتوجيه مساره التعليميّ والتربويّ، فهي ليست مجرّد مصدر للحبّ والرعاية، بل تشكّل أيضًا الأساس الذي ينعكس على أدائه في المدرسة وحياته الاجتماعيّة. ومع تزايد التحدّيات التربويّة في عصرنا الحاليّ، يزداد دور الأسرة أهمّيّة في تعزيز الشراكة مع المدرسة، لضمان توفير بيئة تعليميّة متكاملة تدعم تطوّر الأبناء. وبناء على ذلك، تؤدّي الأسرة دورًا محوريًّا في نجاح العمليّة التربويّة، ويتضمّن هذا الدور ما يأتي:
- - تواصل الأسرة المستمرّ مع المدرسة، وحرصها على حضور الاجتماعات والتفاعل مع المعلّمين، لتقديم ملاحظات بشأن تطوّر مسار الطالب.
- - تعاون الأسرة في دعم الأنشطة والبرامج التعليميّة التي تضعها المدرسة، بما يتناسب مع احتياجات الطالب.
- - تقديم الأسرة للدعم النفسيّ الكافي للطالب، وتعزيز ثقته بنفسه، وتحفيزه على المشاركة الفاعلة في الأنشطة المدرسيّة.
- - رفع مستوى وعي الأسرة وتثقيفها بشأن حقوق الطفل ذي الاحتياجات الخاصّة، وسبل دعم تطوّره الأكاديميّ والاجتماعيّ.
***
تمثّل الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة نقطة انطلاق نحو تحسين جودة حياة الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، إذ يسهم التعاون الفعّال في تلبية احتياجاتهم التربويّة والاجتماعيّة، وتعزيز استقلاليّتهم ورفاههم. بالتزام كلّ من الأسرة والمدرسة بدورهما، يصبح التعليم وسيلة لتمكين هؤلاء الطلّاب من بناء مستقبل أكثر إشراقًا، وتجاوز التحدّيات التي يواجهونها، ليكونوا جزءًا فاعلًا ومؤثّرًا في المجتمع.
المراجع
- أبو النصر، مدحت. (2004). رعاية أصحاب القدرات الخاصّة. مجموعة النيل العربيّة.
- الجريدة الرسميّة. (2018). قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2733 لسنة 2018 بشأن القانون رقم (10) لسنة 2018، بإصدار اللائحة التنفيذيّة لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، قطاع الشؤون الاجتماعيّة والثقافيّة: الضمان الاجتماعيّ، 51(51)، 371-574.
- World Health Organization. (2011). World Report on Disability. WHO publisher.