مقدّمة
يقضي الأطفال خمسة أيّام من كلّ أسبوع في المدرسة، وهو وقت طويل فعليًّا، لذا، لا بدّ أن تكون المدرسة مكانًا تتوافر فيه الكثير من مقوّمات تحقيق الرفاه المدرسيّ، بالإضافة إلى كونها مساحة للتعليم، ولا يمكن فهم أهمّيّة الرفاه المدرسيّ دون وضع مفهومه ضمن سياقه الاجتماعيّ والبيئيّ الذي يُطبَّق فيها. قد تختلف النظرة إلى الرفاه المدرسيّ باختلاف البيئة التي ينتمي إليها الطفل، ففي مجتمعات اللجوء والبيئات الفقيرة والمحرومة، تكون الغاية من توافر الرفاه المدرسيّ تعزيز النموّ النفسيّ الاجتماعيّ للطفل وتعويضه عن الحرمان الذي يعيشه نتيجة ظروف اللجوء والوضع الاقتصاديّ الذي يعاني منه أغلبيّة اللاجئين، حيث إنّ ضعف الإمكانات الاجتماعيّة والاقتصاديّة لديهم قد تجعلهم أقلّ اهتمامًا باحتياجات أطفالهم النفسيّة والوجدانيّة. الأمر الذي يوكِل إلى المدرسة عامّة، وإلى المرشد خاصّة، دورًا أساسيًّا في فهم احتياجات الطلّاب من خلال جلسات الإرشاد والدعم النفسيّ، والتي تتيح للمرشد التعرّف إليها والعمل على إشباعها قدر الإمكان.
يهدف هذا المقال الى تبيان أهمّيّة الرفاه المدرسيّ في مجتمعات اللاجئين الفقيرة، ودوره في مساعدة الطلّاب على التكيّف مع بيئة المدرسة وتعزيز دافعيّتهم إلى التعلّم، مسلّطًا الضوء على وظيفة كلّ من المعلّم والمرشد في تحقيق الرفاه المدرسيّ.
الرفاه والرفاه المدرسيّ
يُعرَّف الرفاه بأنّه حالة من الصحّة الكلّيّة وعمليّة تحقيقها، ويشير إلى الصحّة البدنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والإدراكيّة. يشمل الرفاه الأمور النافعة للشخص، ومنها: لعب دور اجتماعيّ فعّال والشعور بالسعادة والأمل والعيش وفق قيم جيّدة، كما هو محدّد محلّيًّا، ووجود علاقات اجتماعيّة إيجابيّة وبيئة داعمة، والتكيّف مع التحدّيات باستخدام المهارات الحياتيّة الإيجابيّة، والتمتّع بالأمن والحماية والحصول على الخدمات الجيّدة، كما يشمل الرفاه جوانب بيولوجيّة وماديّة واجتماعيّة وروحيّة وثقافيّة وعاطفيّة وعقليّة (الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، 2016). إلى جانب كلّ ما سبق يشمل الرفاه المدرسيّ كلّ ما يرتبط بالحياة المدرسيّة للتلاميذ، ويرفع من قدراتهم التعليميّة والتكيّف مع البيئة المدرسيّة.
دور الرفاه المدرسيّ في تعزيز دافعيّة التعلّم
من المتوقّع أن يتأثّر الطلّاب ويتعرّضوا للضغط النفسيّ بفعل عوامل الفقر والنزاعات والهجرة والانتقالات المستمرّة، فقد يتكيّف بعض الطلّاب تكيّفًا مناسبًا تحت تأثير الضغوطات، بينما يتأثّر بعضهم بها تأثّرًا سلبيًّا، لذلك، فمن الجيّد تحديد العوامل المؤثّرة في صحّة الطالب ونموّه، سواءً في المنزل أم المدرسة أم المجتمع. إنّ تحفيز العمليّة التعليميّة لدى الطلّاب اللاجئين يتطلّب توافر بعض العوامل المرتبطة بتحسين البيئة المدرسيّة، حيث يمكن مساعدة الطلّاب الذين تحيط بهم المشكلات والصعوبات من كلّ جانب على تحقيق النجاح بتقديم خدمات تقلّل من تشتّت انتباههم ومن الضغوط التي يرزحون تحت وطأتها، وتقوّي قدرتهم على التعلّم والنجاح (جنسن، 2015).
لعلّ الدور الأهمّ في تحقيق ذلك يحال إلى البيئة المدرسيّة، وإلى الدعم المُقدَّم من المعلّمين والمرشدين في المدرسة، إذ تعزّز البيئة المدرسيّة دافعيّة الأطفال على التعلّم وتجذب انتباههم وتحفّزهم على النجاح، كما أنّ المدارس التي تنجح في تعليم أطفال البيئات الفقيرة وتربيتهم وتحقّق لهم أساليب الرفاهية، تضمن لهم بدورها تعليمًا أفضل، وذلك وفق إجراءات وعناصر محدّدة، من أهمّها:
تفعيل دور المعلّمين في تعزيز الرفاه المدرسيّ
يواجه بعض الأطفال في مجتمعات اللجوء الفقيرة الكثير من التحدّيات الناتجة عن ظروفهم المحيطة، من لجوء وعمالة أطفال وظروف اقتصاديّة واجتماعيّة وتسرّب مدرسيّ وفترات انقطاع عن التعليم وتراجع دور بعض الأسر في تقديم الدعم لهم، والتي تحرمهم من الإفادة من العمليّة التعليميّة بشكل سليم، بالمقارنة مع بقيّة الأطفال. من هنا، لا بدّ أن يكون للمعلّم دور في الصفّ، إلى جانب التعليم، يرتكز على رفاه الأطفال ضمن البيئة الصفّيّة، كي لا يكون هناك عائق في تعليمهم. يحتاج المعلّمون في ذلك إلى فهم احتياجات الطلّاب وظروف أسرهم والمشكلات السلوكيّة والتربويّة المُتوقَّعة من الأطفال من أجل التعامل معها، فضلًا عن تطوير أساليب التدريس والإدارة الصفّيّة الناجحة، بالإضافة إلى مهارات التواصل والدعم والتحفيز لخلق بيئة صفّيّة تعلّميّة وترفيهيّة داعمة، ولا شكّ أنّ تحقيق الرفاه المدرسيّ للطلّاب يقتضي تحقيقه للمعلّمين أيضًا.
توفير المساحات الصديقة للطفل
يواجه الأطفال في الحروب والنزاعات العديد من الظروف التي تؤثّر في نموّهم ورفاههم، والتي قد تترك تأثيرات محتملة في نموّهم والتحاقهم بالتعليم، حيث يتعرّضون إلى تدمير مجتمعاتهم، والنزوح القسريّ من منازلهم ومدارسهم، والانفصال عن أحبّائهم أو فقدهم، وغير ذلك من الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة التي قد تسبّب عبئًا إضافيًّا على الطفل، بالإضافة إلى أنّ الكثير من العائلات اللاجئة تعيش في مخيّمات أو مساكن ضيّقة ومزدحمة، وتعاني من ضعف في البنية التحتيّة، كما تخلو من الحدائق العامّة والشوارع النظيفة ومساحات للعب والحركة يقضي فيها الطفل يومه. وبالتالي، فمن الأهمّيّة بمكان توفير المساحات الصديقة للأطفال (سنايدر، وأجير، 2018)، مثل الباحات المدرسيّة المجهّزة تجهيزًا مناسبًا، وأماكن اللعب والنشاطات، التي توفّر مكانًا آمنًا لهم، يستطيعون الاجتماع فيه للعب والاسترخاء والتعبير عن أنفسهم والشعور بالمساندة وتعلّم المهارات اللازمة للتعامل مع التحدّيات التي يواجهونها، كما أنّها تجعل المدرسة جذّابة للطلّاب.
توظيف النشاطات اللاصفيّة وأثرها الإيجابيّ في التعلّم
تُعـّرِف دائرة المعارف الأمريكيّة النشاطات اللاصفّيّة بأنّها البرامج التي تُنفَّذ بإشراف المدرسة وتوجيهها، والتي تتناول ما يتّصل بالحياة المدرسيّة ونشاطاتها المختلفة ذات الارتباط بالموادّ الدراسيّة، أو الجوانب الاجتماعيّة والبيئيّة، أو الأندية ذات الاهتمامات الخاصّة بالنواحي العمليّة أو العلميّة أو الرياضيّة أو الموسيقيّة أو المسرحيّة أو المطبوعات المدرسيّة (مهنا، 2019). فتكمن أهمّيّة هذه النشاطات في التقليل من الضغوط التي يعاني منها الأطفال، وتوفير مساحات للتعبير عن أنفسهم وفي بناء شخصيّتهم.
للنشاطات اللاصفّيّة دور في تحقيق آثار إيجابيّة في العمليّة التربويّة التعليميّة عامّة، وفي سلوكيّات الطلّاب خاصّة، إذ تسهم في تعزيز احترام الذات والرضا عن الحياة والعمل لديهم، وتساعدهم في تخفيف الضغوط النفسيّة، كما تطوّر مهارات التواصل بينهم، بالإضافة إلى أنّها تفسح المجال أمام المعلّمين والمرشدين للتعرّف إلى مشكلات الأطفال ومساعدتهم على تجاوزها.
توفير الدعم النفسيّ الاجتماعيّ
الدعم النفسيّ الاجتماعيّ هو العمليّات والإجراءات التي تعزّز من الرفاه الكلّيّ للأشخاص في عالمهم الاجتماعيّ، كما يشمل الدعم الذي تقدّمه العائلة والأصدقاء. من الممكن وصف نظام الدعم النفسيّ الاجتماعيّ أيضًا بأنّه عمليّة تسهيل القدرة على التأقلم لدى الأفراد والأسر والمجتمعات، تهدف إلى مساعدة الأفراد على التعافي بعد الأزمة التي مرّوا بها في حياتهم، وإلى تعزيز قدرتهم على العودة إلى الحالة الطبيعيّة بعد معايشتهم لأحداث مؤذية.
تعزيز العلاقات الإنسانيّة بين الطلّاب
يفتقد الكثير من الأطفال اللاجئين، نتيجة اللجوء والتنقّل المستمرّ، إلى شبكات العلاقات الاجتماعيّة التي تربطهم بمجتمعاتهم الأصليّة، كما يعانون من ضعف العلاقات التي تربطهم بالمجتمعات الجديدة أو فقدان أحد الأفراد من الأهل والأقارب، وبالتالي، يكون الطفل بحاجة إلى اللعب والتفاعل مع أقرانه، وتعتبر المدرسة المكان المناسب لبناء الصداقات بين الأطفال، وتقع على المرشد مسؤوليّة في تعزيز ذلك من خلال النشاطات والجلسات الإرشاديّة التي تعزّز من العلاقات والتفاعل والتواصل الإيجابيّ بين الطلّاب والتقليل من التنمّر بينهم، فالبيئة المدرسيّة التي تؤمن بالرفاه المدرسيّ لا بدّ أن تولي أهمّيّة كبيرة للعلاقات الاجتماعيّة بين الطلّاب.
خاتمة
بناءً على ما تقدّم، نجد أنّه مع التطوّر الذي تمرّ به المجتمعات، والتي تعتبر المدرسة جزءًا مهمًّا فيها، أصبح النظر إلى دور المدرسة لا يقتصر على الجانب التعليميّ فحسب، بل يتعدّاه إلى جوانب عدّة يمكن أن تقوم بها المدرسة، وذلك يتطلّب الإيمان بالدور الكبير الذي تلعبه وما تقدّمه من دعم الكوادر وتأهيلها وتعزيز البنية التحتيّة قدر الإمكان، ذلك أنّ المدرسة توفّر الثبات والاستقرار والنظام للحياة اليوميّة. وعلى صعيد آخر، تقدّم الدعم الاجتماعيّ من خلال الصداقات والعلاقات مع البالغين، وفي إطار النزاعات وظروف الفقر والكوارث الطبيعيّة والأمراض، تصبح المدرسة أكثر أهمّيّة، باعتبارها مكانًا يوفّر الدعم والعناية.
المراجع
- جنسن، إيريك. (2015). الفقر والتعليم، ماذا يفعل الفقر بمخ أطفالنا؟ (ترجمة: الأعسر، صفاء). المركز القومي للترجمة.
- سنايدر، ليزلي، وأجير، ويندي. (2018). دليل الأنشطة للمساحات الصديقة للأطفال في الأوضاع الإنسانيّة. منظّمة الرؤية العالميّة الدوليّة.
https://resource-centre-uploads.s3.amazonaws.com/uploads/cfs-activity-catalogue-arabic.pdf
- الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ. (14 نوفمبر، 2016). الدعم النفسيّ الاجتماعيّ (PSS) والتعليم الاجتماعيّ العاطفيّ (SEL).
https://inee.org/ar/collections/psychosocial-support-and-social-and-emotional-learning
- مهنا، عيّاد. (2019). مفهوم الأنشطة اللاصفّيّة وأهمّيّتها. مجلّة أوراق ثقافيّة. https://www.awraqthaqafya.com/672/