مقدّمـة
حسب موجز للأمم المتّحدة، فإنّ جائحة كورونا فرضت العديد من الآثار في قطاع التعليم العامّ عمومًا، ووضعت العمليّة التعليميّة التعلّميّة بصفة خاصّة أمام عدد من التحدّيات بسبب نظام التعلّم عن بعد، أو التعليم المدمج، لا سيّما لفئة الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة. ولا يمكن تجاهل العقبات التي يواجهها الطلّاب ذوو الاحتياجات الخاصّة بسبب الافتقار للمعدّات اللازمة، والوصول إلى الإنترنت، والموادّ المراعية لاحتياجاتهم، والدعم الذي من شأنه أن يسمح لهم بمتابعة البرامج عبر التعليم الرقميّ.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على متابعة الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة من خلال إطار عمليّ يلخّص تجربة مدارس جمعيّة المبرّات الخيريّة حول التعليم الرقميّ خلال جائحة كوفيد-19، وعرض بعض الاستراتيجيّات التي جرى تطبيقها.
من هم الأفراد ذوو الاحتياجات الخاصّة؟
أحد التعريفات المعتمدة حاليًّا هو ما ذكرته اللجنة الوطنيّة المشتركة لصعوبات التعلّم (NJCLD)، الذي ينصّ على الآتي: ”صعوبات التعلّم مفهوم عامّ يشير إلى مجموعة غير متجانسة من الاضطرابات تتمثّل في درجة دالّة من الصعوبة في اكتساب واستخدام أيّ من مهارات الإصغاء، والكلام، والقراءة، والكتابة، والحساب، والمحاكمة. وتتّصل هذه الاضطرابات بمشكلات داخليّة لدى الفرد يمكن أن تعزى إلى عجز وظيفيّ في الجهاز العصبيّ المركزيّ. وعلى الرغم من أنّ صعوبات التعلّم يمكن أن تُصاحب بصعوبات أو اضطرابات أخرى (كالصعوبات الحسّيّة، التخلّف العقليّ، أو المشكلات السلوكيّة)، أو آثار بيئيّة غير مستحبّة (من مثل عدم كفاية فرص التعليم، والفروق الثقافيّة...) إلّا أنّها ليست نتيجةً لها”.
تجربة مدارس جمعيّة المبرّات الخيريّة
تحتضن مدارس المبرّات 1003 من الطلّاب والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصّة في 15 مدرسةً دامجةً منتشرةً في مختلف المناطق اللبنانيّة حيث تستقبل الطلّاب من مرحلة رياض الأطفال حتّى المرحلة الثانويّة، وتتنوّع حالاتهم من الصعوبات التعلّميّة، مثل عسر القراءة والكتابة، واضطرابات اللغة، واضطراب الإفراط الحركيّ وتشتّت الانتباه، واضطراب طيف التوحّد، ومتلازمة "داون"، والشلل الدماغيّ. تجري متابعتهم ضمن الصفوف الدامجة مع تأمين معلّم تربية خاصّة سواءً أكان ذلك ضمن الصفّ، أو بتقديم حصص داعمة خارج إطار الصفّ لوقت محدّد من اليوم في الموادّ التي يقصّر فيها التلميذ. تتراوح نسبة التدخّل من قبل معلّم التربية المختصّة ما بين 50% و70% من الحصص التعليميّة، وقد تصل إلى نسبة 100% وفق حدّة حالة كلّ طالب وصعوبتها.
كيف كانت الانطلاقة خلال الجائحة؟
تضمّنت الانطلاقة التخطيط لمسارات تعلّم مختلفة، إن كان عبر المنصّة التعليميّة أو عبر التعليم المدمج المرتبط جزئيًّا أيضًا بالمنصّة التعليميّة. ولضمان النجاح، جرى التخطيط بصورة ممنهجة تضمّنت:
- وضع برامج الحصص التعليميّة ضمن الصفّ مع المعلّم الأساسيّ، وحصص المساندة والدعم مع معلّم التربية الخاصّة ضمن حصص "الملتقيات" المتوفّرة على المنصّة في مجموعات صغيرة. يدير الملتقيات المعلّم المحتضِن، وتعقد من 3 إلى 5 مرّات أسبوعيًّا بهدف تكريس اكتساب الأهداف ضمن مجموعة صغيرة تصل إلى أربعة طلّاب، أو على نحو فرديّ، إضافةً إلى تمارين تحسين الذاكرة والانتباه، وتطبيق أنشطة للتعلّم العاطفيّ-الاجتماعيّ.
- إجراء حلقات تعارف في بداية العام بين الطلّاب ومعلّميهم عبر خدمة الملتقيات. تضمّنت الحلقات شرح سيناريوهات التعلّم، ومتطلّباته، والأدوات المستخدمة (التعلّم عن المنصّة، وشرح لكيفيّة المتابعة عبر الملتقى... إلخ). إضافةً إلى وضع توقّعات خاصّة بالمادّة التعليميّة، وطرائق المتابعة التعليميّة للطلّاب، والمطلوب منهم في عمليّة التعلّم المختلط تحديدًا، إلى جانب أنشطة متنوّعة ترتكز على التعزيز النفسيّ، وطمأنة التلاميذ واحتضانهم وتحفيزهم على التعلّم.
- وضع إرشادات تفصيليّة للمعلّمين، وأدوات التعليم، وطرائق تفعيلها، مثل التدريب على استراتيجيّة الصفّ المقلوب.
- التأكّد من أن تراعي الدروس عبر المنصّة، والتعليم الافتراضيّ، والملتقيات مجموعةً من الأمور:
- - الانتباه إلى تعابير الوجه، ونبرة الصوت؛ لأنّه لا يوجد تفاعل مباشر مع المعلّمة.
- - تطبيق استراتيجيّة المحاكاة ولعب الأدوار عند التسجيل.
- - استخدام موادّ حسّيّة كالصور المرئيّة مع الإرشادات كلّها.
- تحويل المحتوى التعليميّ/ العلاجيّ إلى محتوًى رقميّ. على سبيل المثال، عمل المعلّمون على تسجيل صوتيّ لنصوص القراءة، ليعرف الطلّاب كيفيّة القراءة الصحيحة، وتوجيه أسئلة فهم المقروء كما هي في الدروس مع تطبيق استراتيجيّة "السؤال الذاتيّ"، فإذا سأل الطلّاب الأسئلة المناسبة عمّا قرؤوا، فهذا يعكس فهمهم للنصّ. فيما يخصّ العلاجات، من العلاج اللغويّ، والحسّيّ-حركيّ، فقد عقدت المتخصّصات هذه الجلسات عبر التفاعل المباشر مع الطلّاب على المنصّة.
- تحديد معلّم محتضِن للمتابعة ضمن مجموعات صغيرة أو فرديًّا خلال الملتقيات على المنصّة.
من هو المعلّم المحتضِن؟
المعلّم المحتضِن هو أحد معلّمي التربية المتخصّصة، الذي يمتلك القدرة والمعرفة بخصوصيّة كلّ تلميذ، ولديه القدرة على فهم مختلف جوانب شخصيّة المتعلّم بأبعادها كافّةً (الجسديّة، والنفسيّة، والذهنيّة، والاجتماعيّة) عبر تهيئة الظروف الملائمة، والسعي إلى التعلّم والتجدّد في سبيل الارتقاء بنوعيّة الخدمات المقدّمة. يتمحور دور المعلّم المحتضِن حول:
- - تأمين الروح الحاضنة، والتعامل مع خصوصيّات كلّ طالب، وتقديم يد العون والمساعدة للوصول بالطلّاب إلى تحقيق الأهداف المرجوّة.
- - وضع برنامج يتضمّن الأهداف التعليميّة التي سيجري تغطيتها، والأنشطة والمهمّات المطلوبة من الطالب مع وضع جدولًا للنشاط المنزليّ يحدّد مدّة كلّ مهمّة.
- - مواكبة سير تطبيق الدروس لدى الطلّاب، والردّ على الملاحظات التي تردّ من الأهل والطلّاب، على أن ينجز ذلك يوميًّا ضمن حصّة ثابتة في برنامج المعلّم.
- - لعب دور الوسيط بين الأهل، والمدرسة لمتابعة أيّة مشكلة قد تواجه الطالب، ونقلها إلى المعنيّين.
كيفيّة المتابعة مع الأسرة
انطلاقًا من الحرص على إنجاح عمليّة التعلّم عن بعد، ولأنّ مسؤوليّة الأسرة باتت مضاعفةً خلال فترة التعلّم عن بعد، ولأنّها أصبحت تمثّل جهة الإشراف المباشرة على المتعلّم، جرى تدريب لأولياء أمور طلّاب مدارس المبرّات تحت عنوان "استدامة الرعاية والتعليم في ظلّ الأزمات للطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة".
تركّز التدريب حول أهمّيّة دور الأهل في كامل مسار العمليّة التعليميّة في هذه الظروف الاستثنائيّة، وتزويديهم بفيديوهات مسجّلة توضّح كيفيّة الدخول إلى الملتقيات والمنصّة وإدراج الفروض، كما جرى أيضًا:
- - توجيه الأسرة خلال اجتماعات افتراضيّة لتكون مصدر المعلومات الموثوقة لإعلام الطفل المدرك بصورة مبسّطة متناسبة مع قدرته الإدراكيّة عمّا يحدث بشأن وباء كورونا، وتجنّب الاستماع إلى المعلومات من مصادر قد تثير فزعه.
- - تحديد مكان ثابت ووضع إشارة مدرسة في المنزل ممّا يساهم في التحفيز، والمحافظة على الروتين اليوميّ.
- - وضع روتين يوميّ (النوم، والأكل، ومشاهدة التلفاز، واللعب، والاستحمام).
- - التأكّد من الحدّ من المشتّتات السمعيّة والبصريّة.
- - وضع الروتين على صورة جدول بصريّ باستخدام الكلمات والصور في مكان واضح للطالب، وبقيّة أفراد الأسرة.
- - التأكيد على الأهل أنّه في حال كان الطفل معتادًا على رؤية أشخاص معيّنين، كالجدّ والجدّة، ورفاق في المدرسة، ومنعتهم الظروف الحاليّة من لقائهم، فمن المستحسن أن يكون عمل مكالمة فيديو معهم جزءًا من الروتين اليوميّ.
- - إيجاد أنشطة، يشارك فيها أفراد الأسرة جميعًا، تتنوّع بين الحسّيّ والحركيّ، وتنشيط التآزر البصريّ أو السمعيّ.
- - تنفيذ أنشطة لعب أدوار لدى العمل على المهمّات المدرسيّة وفق البرنامج اليوميّ.
- - إيجاد مكان داخل البيت للمعالَجة الحسّيّة إذا أمكن (وهو مكان ذو إضاءة منخفضة يمكن أن تكون فيه موسيقا، وألعاب حسّيّة مثل الأرجوحة أو رفّاص "ترامبولين").
خلال متابعة العمليّة التعليميّة
تابع المعلّمون الحصص التعليميّة يوميًّا من الساعة الثامنة حتّى الثانية، إذ تراوح عدد الطلّاب من 3 أطفال في مرحلة رياض الأطفال، إلى 6 طلّاب في الحلقة الثالثة، والمرحلة الثانويّة. وقد تضمّنت الإجراءات:
- - انضمام الطلّاب إلى معلّمة الصفّ والأقران لتعزيز الانخراط والتفاعل.
- - العمل على إعداد بطاقات دعم الأهداف التي يتمّ تصحيحها خلال حصص الملتقى.
- - تدريب يوميّ على القراءة والإملاء.
- - تقديم التغذية الراجعة التصحيحيّة المستمرّة فيما يخصّ الواجبات المدرجة على المنصّة من قبل معلّم التربية الخاصّة، ما ساهم في زيادة جودة التعليم.
- - بدء الحصص التعليميّة على الملتقيات بالمهارات النمائيّة، وذلك للعمل على تحسين مهارات الانتباه، والتركيز، والذاكرة.
- - إجراء امتحانات معدّلة للطلّاب على Google Forms في الحلقة الثانية، والثالثة، والقسم الثانويّ حسب مستوياتهم، في حين اعتماد التقييم المستمرّ من المعلّم لطلّاب قسم رياض الأطفال، والحلقة الأولى.
- - تعديل المخطّطات التعليميّة، وبطاقات الأنشطة، والمفكّرة الخاصّة بالطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتنزيلها على المنصّة من قبل معلّم التربية الخاصّة.
- - مواكبة مسار التعلّم على الملتقيات من قبل مسؤول قسم الدمج التربويّ، والتنسيق، والتبليغ بأيّ مستجدّ عبر المجموعة الخاصّة، أضافةً إلى متابعة كافّة المستجدّات، ومناقشة أوضاع الطلّاب خلال اجتماع الوحدة الأسبوعيّ.
إرشادات عند التدريس
يبدأ المعلّم عند وضع الدروس والعروض التقديميّة، والفيديوهات على المنصّة، أو خلال الصفوف الافتراضيّة، بالتدريب على الخطوات الواجب على الطلّاب اتّباعها خلال التعليم المتزامن؛ لأنّهم يدرسون في المنزل بمفردهم وهي:
- - مشاهدة الفيديو عدّة مرّات للتمكّن من التركيز على إعادة المقطع المتضمّن للمفهوم الجديد، والتمكّن من اكتشاف المفاهيم الجديدة وفهمها.
- - تنفيذ الخطوة الأولى الواردة في التعليمات وهي "استخدام استراتيجيّة السؤال الذاتيّ". يستكمل الطلّاب مشاهدة الخطوات التالية، وتنفيذها.
- - تعليم الطالب كيفيّة تحريك المؤشّر ليتابع على السطر أثناء حضور الدرس.
- - تعليم كيف يظلّل كلّ سطر خلال القراءة، حتّى لا يضيع بين الأسطر، فتتأثّر عمليّة الفهم.
- - شرح كيفيّة تدوين الملاحظات حول الفيديو بمساعدة الأهل.
- - تلخيص الدروس للمساعدة على الحفظ خاصّةً في الحلقة الثالثة، والمرحلة الثانويّة.
- - تنفيذ الأنشطة مع وجود مؤقِّت لدعم الطلّاب من أجل فهم مدّة الأنشطة التعليميّة، وفترات الراحة خلال الوقت المحدّد من اليوم، كأنّهم في المدرسة.
- - حثّ الطلّاب على توجيه الأسئلة لتعزيز الانخراط.
- - استخدام برمجيّات تسمح بتضمين طرح الأسئلة التفاعليّة.
- - التأكّد من أنّ كلّ طالب لديه طريقة لإظهار فهمه للمحتوى.
- - رصد مدى التقدّم عبر التقييم اليوميّ، وجمع البيانات، خاصّةً أنّ الملاحظة في بيئتهم الطبيعيّة تساعد في تحديد الاحتياجات الضروريّة أو الحرجة في مختلف المجالات.
كيف نساعد طلّابنا على الانخراط؟
تبدأ الحصّة بأنشطة التنفّس بغرض الاسترخاء، وذلك للمساعدة في زيادة الانتباه المشترَك، ومن ثمّ جذب الانتباه، واستخدام التدرّج عند تقديم المعينات/التلميحات بدءًا من النمذجة، ثمّ التلميح بالإشارة، فالتلميح اللفظيّ، فالتلميح البصريّ، إلى أن يتمكّن الطلّاب من الاستجابة دون توفير أيّ مُعين، إضافةً إلى الإكثار من استخدام الأسئلة المفتوحة التفاعليّة، مثل: ماذا تعتقد أنّك ستخسر في حال لم تتجاوب مع المعلّمة؟ وما الشيء الذي تودّ تحسينه خلال التعلّم عن بعد؟ تكمن فائدة الأسئلة المفتوحة في أمور، منها:
- - تشجيع الحصول على معلومات صادقة من منظور الطالب.
- - إتاحة فرصة للطفل من أجل التقييم الذاتيّ لأفكاره، ووجهات نظره بالمقارنة مع المعلّمين والأهل.
- - التفكّر بإجابات الطالب، وسماع جُمَله.
- - المساعدة على الضبط الذاتيّ (Self-Monitoring) بعمليّة الإرشاد خلال الأسئلة المفتوحة على الضبط الذاتيّ.
- - تعزيز "الحديث الذاتيّ"، مثل سؤال الطالب نفسَه: «عندما حصل ذلك، هل سمعت صوتًا في رأسي؟»
هذا بالإضافة إلى استخدام استراتيجيّات مختلفة مثل الصفّ المقلوب (Flipped Classroom)، والروايات الاجتماعيّة (Social Narratives)، وهي قصص مصوّرة لتعليم الطلّاب، وضمنهم ذوو الاحتياجات الخاصّة، مجموعةً متنوّعة من المهارات والسلوكيّات، بالإضافة إلى الاستماع التأمّليّ/التفكّريّ (Reflective Listening). لما لهذه الاستراتيجيّة من أثر في تعزيز التعاطف والتعبير الحرّ.
خلاصة
لضمان عدم حرمان الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصّة، ولزيادة اهتمامهم بالتعلّم الرقميّ، لا بدّ من أن تتضمّن المواقع الإلكترونيّة، لا سيّما التعليميّة منها، طرائق يسهُل الاطّلاع عليها مع اعتماد استراتيجيّات تؤمّن تدريبهم بمستوًى أعلى، وزيادة تفاعلهم بهدف تحسين فرص التعلّم، وبذلك نحوّل هذه الأزمة إلى زيادة في فرص التعلّم لهذه الفئة من الطلّاب. لذلك، يجب تعزيز التشبيك والتعاون بين المعنيّين جميعًا للتفكّر في سبل تحسين التعلّم الرقميّ لتحقيق المساواة، وتأمين تعلّم ذي جودة عالية.