لا يقفُ تطوّر التعليم عند نقطة معينة، بل يستمرُ بالتقدّم، طالما أن مجالات المعرفة لا تنضب، ففي كل يومٍ تظهرُ أدوات تعليميّة جديدة، تساهم في جعل التعلّم أكثر متعة، ومرونة، وقابليّة للتأقلم مع القفزات المتلاحقة في البيئة التعليميّة، والناتجة عن الامتداد التكنولوجيّ الرقميّ، الذي واكب مسار التعلّم منذ بداية تدريس مادّة الحاسوب في مطلع القرن الواحد والعشرين، وصولًا إلى استخدام الأجهزة اللوحيّة والألواح الذكيّة، والتي جمعت الغرفة الصفّيّة التقليديّة مع شبكة الإنترنت وأدواتها، وجعلت الوسط التعليميّ أكثر قابليّة للتفاعل مع الطلاب، فتحوّل التدريس من التلقين المباشر إلى عمليّة تفاعليّة متكاملة بين المعلّم والطالب والمنهاج، ومن المصطلحات المستخدمة للتعبير عن ذلك، مصطلح "التعليم الذكيّ".
أسّس التكاملُ بين التعليم والتقنيّة المعاصرة البُنية الأولى نحو مفهوم التعليم الذكيّ.
بدايات التعليم الذكيّ
أثّر التقدّم المتسارع في التقنيّات والأجهزة الرقميّة، وظهور منصّات التراسل، ومواقع التواصل الاجتماعيّ في النّاس عامةً، والطلاب خاصّة؛ من خلال توفير طرق دراسة جديدة، وجذّابة، وسهلة الاستخدام، فنجد أن كافّة الطلاب تقريبًا، مهما كانت مرحلتهم الدراسيّة يتقنون التعامل مع الأجهزة والبرامج، ولا يحتاجون إلى مجهودٍ كبير حتّى يتعلّموا خفاياها، وكيفيّة توظيفها بما يروق لهم، وعلى صعيد التعليم بات يُشكّل استخدامها في النطاق الصحيح والمناسب، وسيلة من الوسائل الداعمة للتعلّم، وتوجيهه نحو التوافق مع حاجات العصر الحديث.
أسّس التكاملُ بين التعليم والتقنيّة المعاصرة البُنية الأولى نحو مفهوم التعليم الذكيّ، الذي تنوّعت التعريفات المستخدمة في التعبير عنه، فيُعرّفُ بأنهُ أسلوبُ تدريسٍ قائمٌ على أنظمة الاتصال التكنولوجيّة، التي تساعد المعلّم على متابعة جميع طلابه في وقت واحد، والتواصل معهم، سواء داخل الغرفة الصفّيّة أو عن بُعد، ومن تعريفاته الأخرى؛ نظام تعلّم مبنيّ على توظيف التكنولوجيا وأدواتها؛ من أجل تغيير نمط التعليم التقليديّ، وإنشاء بيئة تدريسيّة مُحفّزة ومُعزّزة لمهارات الإبداع، والمشاركة التفاعليّة، والتواصل البنّاء بين جميع أطراف التعليم.
إن تنفيذ التعليم الذكيّ في البيئة التعليميّة يحتاجُ إلى استخدام أدوات مساندة ومساعدة على تطبيقه داخل الغرف الصفّيّة.
أدوات التعليم الذكيّ
إن تنفيذ التعليم الذكيّ في البيئة التعليميّة يحتاجُ إلى استخدام أدوات مساندة، ومساعدة على تطبيقه داخل الغرف الصفّيّة، ومن الأمثلة على أدواتِهِ:
1. الألواح التفاعليّة: ألواح رقميّة وحاسوبيّة، تستخدمُ بدلًا من السبورات التقليديّة، وتوفّر وسائط متعدّدة للمعلّم والطالب، مثل إمكانيّة تشغيل الأصوات والفيديوهات، وعرض الشرائح، وجداول البيانات، وغيرها.
2. أجهزة العرض الرقميّ: أجهزة إلكترونيّة، يمكن توصيلها مع جهاز الحاسوب المحمول أو اللوحيّ، أو الهاتف الذكيّ، وتساعد المعلّم على شرح الدرس من خلال عرضه كمقطع فيديو أو صور متتالية أمام الطلاب.
3. التطبيقات التعليميّة: برامج يمكن تنزيلها على الحاسوب العاديّ أو اللوحيّ أو الهاتف الذكيّ، وتُوفّر محتوى تعليميًّا، وفيديوهات تشرحُ الدروس للطلاب، كما تحتوي على اختبارات قصيرة، ومجموعة من الأنشطة التفاعليّة الأخرى.
يعتمدُ نجاح التعليم الذكيّ على متطلّبات يجب توفيرها قبل المباشرة في خطوتِهِ الأولى في البيئة الصفّيّة والمدرسة عمومًا.
تحدّيات التعليم الذكيّ
يواجه تنفيذ التعليم الذكيّ في البيئة المدرسيّة مجموعة تحدّيات، قد تحدُّ من استمراره بصورةٍ صحيحة، وتُقلّلُ فرص نجاحه في كثيرٍ من المدارس، ومن أهم هذه التحدّيات:
1. قلّة أو عدم وجود الأدوات اللازمة لهذا النّوع من التعليم، والتي تشمل الحواسيب، وأجهزة العرض الرقميّ، والألواح الإلكترونيّة المستخدمة في تقديم الحصص بطريقة تفاعليّة داخل الغرفة الصفّيّة.
2. محدوديّة برامج وورشات تدريب المعلّمين، والعاملين في التعليم على استخدام تطبيقات وأدوات التعليم الذكيّ.
3. رفض بعض المعلّمين المشاركة في هذا النّوع من التعليم؛ بسبب عدم اقتناعهم به.
4. قلّة توفّر المخصّصات الماليّة الكافية لدى المدارس والهيئات التعليميّة؛ لشراء الوسائل الداعمة للتعليم الذكيّ.
5. افتقاد بعض أولياء الأمور المهارات اللازمة للتفاعل مع الطلاب، ومحدوديّة قدراتهم المادّيّة؛ لتوفير الوسائل المساندة للتعليم الذكيّ داخل المنزل.
6. فقر البنية التحتيّة في بعض المدارس، مثل ضعف خدمات الاتصالات، وشبكة الإنترنت، التي يحتاجها هذا التعليم.
يُعدُّ التعليم الذكيّ استراتيجيّة تساهم في ازدهار التعلّم المدرسيّ، ويتطلبُ نجاحه وجود رؤية حقيقية، تساعد على التحوّل التدريجيّ والمتسلسل إليه.
متطلّبات نجاح التعليم الذكيّ
يعتمدُ نجاح التعليم الذكيّ على متطلّبات يجب توفيرها قبل المباشرة في خطوتِهِ الأولى في البيئة الصفّيّة والمدرسة عمومًا، وغالبًا تشملُ الآتي:
1. إعداد خطّة عمل تحتوي جميع التفاصيل، والأهداف المُحدّدة، التي تضمن نجاح تحقيق التعليم الذكيّ في المدرسة والصفوف.
2. تحديد المراحل التي سيُنفّذ من خلالها التعليم الذكيّ، وتتكونُ من طريقة التطبيق، والفترة الزمنيّة، والميزانيّة الماليّة المخصّصة، والأطراف المعنيّون بالتنفيذ، والمناهج المشاركة، وأسلوب التقييم المستخدم في تحديد مستويات أداء الطلاب.
3. تطوير البنية التحتيّة داخل المدرسة، عن طريق تزويدها بأجهزة حاسوب حديثة، وخدمات اتصالات مناسبة، وشبكة إنترنت تستطيع أن تتكاملَ مع التعليم الذكيّ.
4. إيجاد وسائل تقويم تتوافق مع التعليم الذكيّ؛ من حيث مدّة الاختبارات، وطبيعتها، وكيفيّة تنفيذها داخل أو خارج المدرسة.
5. وجود رغبة لدى جميع المعلّمين؛ للمشاركة في التعليم الذكيّ ضمن موادهم الدراسيّة، والمعتمدة على قابليتهم للالتحاق في البرامج التدريبيّة الخاصّة بهذا النّوع من التعليم.
6. تحقيق التعاون الفعّال بين الهيئة التدريسيّة وأولياء أمور الطلاب؛ عن طريق توظيف أدوات التعليم الذكيّ في بناء خطوط الاتصال، وجسور الحوار، وتبادل الآراء بينهم، بما يضمن تحقيق النتائج المطلوبة بكفاءة.
يُعدُّ التعليم الذكيّ استراتيجيّة تساهم في ازدهار التعلّم المدرسيّ، ويتطلبُ نجاحه وجود رؤية حقيقية، تساعد على التحوّل التدريجيّ والمتسلسل إليه، والذي لا يشمل البيئة التعليميّة فقط، بل يجبُ أن يُصبحَ ثقافة عامة، وعادةً حياتيّة لدى الطلاب وأولياء أمورهم، ولكن بطبيعة الحال يبدأ ذلك من المدرسة، التي تعملُ بجدٍّ وجُهدٍ على تفعيل أدوات التعليم الذكيّ، ضمن مواردها وإمكانيّاتها المتاحة، كما من المهم التركيز على إيجاد حلول للتحدّيات، التي تقف في طريق هذه القفزة النوعيّة في التعليم، والتي من الممكن تداركها عند توظيف الكفاءات من المعلّمين الذين يمتلكون الرغبة الكافية، والتدريب المتكامل، للمشاركة في الانتقال من التعليم التقليديّ إلى الذكيّ، والذي يدعمُ اندماج التعلّم بصورةٍ واقعيّة مع ملامح عصر المعلومات، وتكنولوجيا الذكاء الصناعيّ، والذي يُؤكّد على أن التعليمَ قابل للتطوّرِ في كلّ زمان.