اهتمّت الدول المتقدّمة في تطوير عمليّة الإشراف التربويّ، نظرًا إلى دوره في تطوير العمليّة التعليميّة تطويرًا مستمرًّا، وتحسين جودة التعليم. ولكونه عملًا تعاونيًّا يركِّز بمفهومه الشامل على تنمية العمليّة التعليميّة والتربويّة، بمختلف عناصرها، وعلى رأسها المعلّم الذي يمثّل العنصر البشريّ الفاعل فيها، والمشرف التربويّ، والمعايش الحقيقيّ للعمل التربويّ الميدانيّ، والملاحظ لجميع العناصر المتّصلة بالعمليّة التربويّة، والمدرك لدور كلّ عنصر في مساعدة المعلّم والطالب، كالمقرّرات الدراسيّة والوسائل التعليميّة وأساليب التقييم.
حول مفهوم الإشراف التربويّ وتغيّراته
حاولت الدراسات إحداث التغييرات المطلوبة في عمليّة الإشراف التربويّ، والحدّ من أوجه القصور في مفهوم الإشراف التربويّ، ولا سيّما ربط الإشراف بالتفتيش وزيارات الرقابة المفاجئة، إذ كان الإشراف التربويّ في الماضي يركِّز أساسًا على الرقابة والتفتيش، حيث كان المشرف التربويّ مفتِّشًا، تكمن مهمّته الرئيسة في تفتيش أداء المعلّم والتأكّد من التزامه بالمعايير والأساسات التربويّة. كما كان يركِّز على تقييم الطلبة بالاختبارات، إذ يزور المشرف التربويّ المعلّمين بهدف الاطّلاع على نقاط ضعفهم وقوّتهم، ثمّ كتابة التقارير الإشرافيّة الدوريّة، ومنح المعلّمين التقدير الملائم حول أداء كلّ منهم، ممّا ولّد نظرة سلبيّة عن الإشراف التربويّ (الرنتيسي، 2020).
تحوّلت رؤية الإشراف التربويّ تدريجيًّا إلى دور تفاعليّ وتشاركيّ، وبدأ المشرفون التربويّون يدركون أهمّيّة دعم المعلّم وتحسين مهاراته وتطوير أدائه، وأصبح الإشراف يعتمد على التحليل المشترك ووضع الاستراتيجيّات المشتركة المناسبة لتطوير الممارسات التعليميّة.
تعرِّف الدراسات الآن الإشرافَ التربويّ على أنّه عمليّة تتضّمن تقديم الدعم والإرشاد للمعلّمين، سعيًا إلى تحقيق الأهداف التربويّة والتعليميّة، وآليّات تطبيق العمليّة التعليميّة، باستخدام أفضل الوسائل والأساليب المناسبة للبيئة التعليميّة والطلبة. بعد ذلك، توسَّع مفهوم الإشراف، ليصبح مجموعة أنشطة تربويّة متخصّصة ومصمّمة لتطوير التعليم، واعتبارها مصدر دعم للمعلّم، وفي الوقت ذاته، تركِّز على زيادة فاعليّة المدرسة بتشجيع نموّ المعلّم المهنيّ، بحيث يكون الإشراف التربويّ عمليّة تعاونيّة يرتكز إليها المشرفون لتنويع خبراتهم، ويعملون ويتشاركون معًا لتحقيق أهداف التعليم (دبابي، 2014). ويضيف أبو عزّام (2020) بأنّه عمل تعليميّ، لأنّه يضع المعلّم أمام حقائق جديدة، وهو عمل تدريبيّ، لأنّه يدرِّب المعلّم على ممارسة مهارات جديدة، وعمل تنسيقيّ كذلك، لأنّه يحرّك المعلّم في إطار خطّة منظّمة معدّة بالتعاون معه، وعمل تغييريّ، لأنّه يستهدف إحداث التغيير في سلوك المعلّم وطلبته، وعمل استشاريّ، ويقدّم مقترحات للحلول. فهو، والحالة هذه، عمليّة تساعد المعلّمين على امتلاك القدرات لتنظيم تعلّم الطلبة، بما يحقّق الأهداف التربويّة.
أهمّيّة المشرف التربويّ ودوره
المشرف التربويّ هو من يمتلك الخبرة والمعرفة والمهارة والقدرة والكفاءة، لدعم المعلّم وتوجيهه ومساندته، ليقوم بمهمّاته التعليميّة والتربويّة بيسر وسهولة، ويكون مواكبًا للتطوّرات الحديثة في المجال التربويّ. يعرِّف شلش المشرف التربويّ بأنّه الشخص الذي يعمل على ترجمة الأهداف التربويّة التي تضعها المؤسّسة التعليميّة، والتي تهدف إلى تطوير المعلّمين وتحسين ممارساتهم التعليميّة (الرنتيسي، 2020). في حين عرّف دليل معايير المشرف التربويّ في فلسطين (2018) المشرفَ التربويّ بأنّه خبير تربويّ يقدِّم الدعم الفنّيّ والمشورة والخبرة للمعلّمين، وإدارة المدرسة؛ بهدف الارتقاء بكفاياتهم ومهاراتهم وخبراتهم واستثمار قدراتهم، من أجل تحقيق تعليم نوعيّ يلبّي حاجات الطلبة وأهداف التعليم.
وعلى المشرف التربويّ أن يتحلّى بالمهارات والمعرفة والعلم، ويكون له اهتمامات واضحة في المجال التربويّ، ممّا يمكِّنه من أن يكون مشرفًا. وأوضحت وزارة التربية والتعليم في دليل الإشراف التربويّ في فلسطين (2013) أهمّ كفايات المشرف التربويّ، والتي يمكن تلخيصها بالآتي:
- - المجال الأوّل: الكفايات الشخصيّة، وتتمثّل بالصحّة الجسميّة، والقدوة الحسنة، والنزاهة والعدالة، وسرعة البديهة، والالتزام بأخلاقيّات المهنة.
- - المجال الثاني: كفايات علميّة تتضمّن معرفة عميقة بمادّة التخصّص، ومعرفة تربويّة شاملة بجميع القضايا الإشرافيّة التي توضِّح مهمّاته وأدواره، ومتابعة المستجدّات التربويّة، وامتلاك ثقافة عامّة.
- - المجال الثالث: كفايات أدائيّة على مستوى التخطيط التربويّ والإشرافيّ، وتصميم خطّة إشراف سنويّة، ومساعدة المعلّمين على تصميم خططهم، وتوظيف أساليب إشراف تربويّة.
- - المجال الرابع: كفايات إبداعيّة فنّيّة خاصّة، ككفايات الإشراف واستراتيجيّات إدارتها، إلى جانب تقنيّات التعليم.
- - المجال الخامس: كفايات إنسانيّة، كالاتّصال والتواصل، وتفهّم مشاعر الآخرين، والعمل بروح الجماعة.
يكتسب الإشراف التربويّ أهمّيّته من أهمّيّة المعلّمين الذين يعدّون من أهمّ المدخلات الرئيسة للعمليّة التعليميّة، حيث يؤدّي الدور الرئيس في تحديد نوعيّة الخرّيجين. فيمكن للمعلّم القدير أن يحدث أثرًا ملموسًا حتّى في حال ضعف المدخلات الأخرى، كالمناهج والأبنية المدرسيّة والأموال التي تنفق. لذلك، اهتمّت الدول المتقدّمة بإعداده إعدادًا تربويًّا سليمًا، وعنيت بإشباع حاجاته الرئيسة عناية فائقة.
من هنا، يعتمد نجاح عمليّة الإشراف على التواصل الايجابيّ والسليم ما بين المشرف التربويّ والمعلّم، والذي يبني نوعًا من التوازن بين النظريّة والتطبيق، يوجَّه المعلّمون والمؤسّسات التعليميّة، بناءً على أسس نظريّة راسخة وقابلة للتطبيق في الوقت ذاته. يؤدّي عمل المشرفين والتربويّين الجاد والمرن إلى تطوير العمليّة التعليميّة وتحسين جودتها، وبالتالي تحقيق نجاح الطلبة وتحقيق مستوى تعليميّ ذي جودة عالية.
واستنادًا إلى ما سبق، ينبغي على المشرف التربويّ أن ينوّع في الأساليب الإشرافيّة، بناءً على طبيعة الموقف التعليميّ والفروق الفرديّة بين المعلّمين واحتياجاتهم التدريبيّة والإمكانات المتاحة. فتطوّرت أساليب الإشراف التربويّ من الزيارات الإشرافيّة المفاجئة، والتي ترتبط في أذهان المعلّمين بممارسات التفتيش، وذلك يتناقض مع المفهوم الحديث للإشراف التربويّ المبنيّ على التوجيه والتواصل الفعّال، والذي يعمل على بناء بيئة محبّبة وداعمة للمعلّم، بالتشارك والتعاون. فزيارة الصفّ مهمّة لتبادل الخبرات بين المعلّم والمشرف، وذلك بالتحضير المسبق وإعلام المعلّم بموعد الزيارة وبناء أهداف مشتركة للزيارة الصفّيّة. كان المشرف يرى نفسه خبيرًا في كافّة المجالات التعليميّة، ويعمل بشكل منفرد ويمتلك الصلاحيّات في تقييم المعلّم، إلّا أنّ الإشراف الحديث ينبع من مفهوم تنمويّ موجَّه نحو الهدف وديمقراطيّ وإبداعيّ وتشاركيّ، يتبع مبدأ العلاقات الإنسانيّة وتحفيز المعلّم ومساعدته على تطوير مهاراته وقدراته.
* * *
بناءً على ما ذُكِر، نجد أنّ الإشراف التربويّ الحديث عمليّة تنمويّة متكاملة ومترابطة، تستند إلى مقوّمات رئيسة، تتمثّل في المشرف والمعلّم ومدير المدرسة. الأمر الذي يزيد من مسؤوليّة المشرف ومهمّاته وأدواره، لتتّضح أهمّيّة وجود مشرف تربويّ، من خارج المدرسة، يعمل على دعم المعلّمين وتطويرهم ومساندتهم، للوصول إلى أهدافهم التربويّة المرجوّة.
المراجع
- الرنتيسي، نانسي. (2022). واقع الإشراف التربويّ في مدارس محافظة رام الله والبيرة وعلاقته بالأداء المتميّز لدى المعلّمين من وجهة نظر مديري المدارس. رسالة ماجستير غير منشورة.
- دبابي، بوبكر. (2014). واقع عمل مفتّش التعليم الابتدائيّ وأهمّ المعيقات التي تعترضه من وجهة نظر المفتّشين أنفسهم: دراسة ميدانيّة في مدينة ورقلة. مجلّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. 6(16). 125–130.
- أبو عزّام، محمّد. (2020). الإدارة التعليميّة والإشراف التربويّ. دار زهدي للنشر والتوزيع.
- وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينيّة. (2013). الإشراف التربويّ في فلسطين. الإدارة العامّة للإشراف والتأهيل التربويّ.
- وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينيّة. (2018). معايير المشرف التربويّ. هيئة تطوير مهنة التعليم.