مقدّمة
أصبح لدينا، بصفتنا تربويّين، الوعي الكامل بأنّ تحقيق التعلّم الناجح يتمّ عن طريق تحسين المهارات المعرفيّة والعلميّة للطلبة، والبحث عن أدوات فعّالة للتعليم والتدريس وتوظيف التكنولوجيا بما يتناسب مع بيئات التعلّم، ولذلك وجب الاهتمام اللازم بتوظيف التكنولوجيا المختلفة والمتنوّعة في المواقف التعليميّة، لما لها من الأثر الإيجابيّ الكبير في تطوير العمليّة التربويّة التعليميّة.
إنّ طلّابنا بحاجة إلى امتلاك مهارات تتّصل بالمعارف المختلفة، وعلى المعلّم استخدام وسائل تدريسيّة وموادّ تعليميّة تضمن التعاون بين الطلبة، وتعزّز لديهم مهارات عديدة يتحقّق بها استيعاب المعارف استيعابًا متكاملًا وعميقًا، كالاستقصاء وحلّ المشكلات. وتعدّ رواية القصّة الرقميّة من أهمّ المستحدثات التكنولوجيّة في التعليم.
نتناول في هذا المقال مفهوم رواية القصّة الرقميّة، وأهمّيّة توظيفها لتحقيق الأهداف التعليميّة، ومكوّناتها، وكيفيّة تقديمها وفق أنماط مختلفة، مشيرين إلى نقاط القوّة والتحدّيات التي تواجه تطبيقها، ومنطلقين من عرض تجربة واقعيّة تبيّن طريقة توظيفها في الموقف الصفّيّ في مدرسة الدسر للتعليم الأساسيّ في محافظة الداخليّة في سلطنة عمان.
أنموذج توظيف رواية القصّة الرقميّة في التعليم
التقيتُ، أثناء بحثي عن كيفيّة توظيف رواية القصّة الرقميّة، ببسمة الشيدي، معلّمة مادّة تقنيّة المعلومات في مدرسة الدسر للتعليم الأساسيّ في محافظة الداخليّة، والتي أكدّت على أهمّيّة توظيف رواية القصّة الرقميّة في التعليم وما لها من أثر كبير في رفع دافعيّة طلّابها للتعلّم، وأكّدت بأنّ هنالك تحسّنًا ملحوظًا في دافعيّة الطلبة، انعكس إيجابًا على نتائج التحصيل الدراسيّ. وتعتمد الشيدي على برمجيّات جاهزة ومعدّة مسبقًا منشورة على الإنترنت، وتقوم بالبحث عن المناسب لمحتوى التدريس وتوظيفه في حصصها الدراسيّة، ولكنّها بدأت بعمليّة إنتاج وتصميم قصص رقميّة باستخدام البرامج الخاصّة بإنتاجها وتصميمها، بالرغم من أنّها تحتاج إلى وقت طويل لاختيار برنامج التصميم الأنسب وعمليّة تسجيل الأصوات والمعالجة والمونتاج. ولهذا السبب تفضّل استخدام ما تجده متاحًا ومناسبًا على الإنترنت، وترى أنّها لا تزال بحاجة إلى تنمية مهاراتها في إنتاج روايات القصص الرقميّة، وتأمل أن تحظى رواية القصّة الرقميّة بما تستحقّ من اهتمام، إلى جانب التوعية بأهمّيّتها، وتدريب المعلّمين على إنتاجها، وتوفير برمجيّات جاهزة لمختلف المقرّرات والموادّ الدراسيّة (الشيدي، 23/ أكتوبر/ 2019).
لكنّ هذه التجربة تخلّلتها العديد من التحدّيات بالرغم من انتشار توظيف رواية القصّة الرقميّة في السنوات الماضية، إلّا أنّها لم تلقَ الاهتمام اللازم والكافي. يمثّل ذلك تقوقعًا على الأساليب التقليديّة، وتوظيف التكنولوجيا المعتادة والمتوفّرة بكثرة فقط، دون السعي إلى توظيف مستحدثات تكنولوجيّة كرواية القصّة الرقميّة، وأرى أنّ الأسباب تُعزَى إلى ضعف مهارات المعلّمين التقنيّة والفنّيّة وكثافة المناهج الدراسيّة التي تستدعي العزوف عن مبادرة التصميم والإنتاج.
مفهوم رواية القصّة الرقميّة
تعّد رواية القصّة جزءًا لا يتجزّأ من الحياة البشريّة، وتعتبر واحدة من أقدم أشكال الفنون الشعبيّة لدى المجتمعات البشريّة، وتحيط القصّة مستخدميها بمعلومات تاريخيّة وثقافيّة وقيم أخلاقيّة ومجتمعيّة، ويمكن للقصّة كذلك أن تساعد بشكل فعّال في اكتساب مهارة القراءة، وكذلك الكتابة والحساب واللغات والمهارات الحياتيّة والقراءات التكميليّة، ولا سيّما في المراحل المبكرة من التعليم، وتعدّ رواية القصّة موردًا وأداة تعليميّة يمكن استخدامها داخل الفصول الدراسيّة وخارجها، كما تسعى إلى تطوير مهارات المتعلّمين الإبداعيّة من خلال تحفيز خيالهم في الجوانب التعليميّة (شيمي، 25/ مارس/ 2015).
تُعرَّف رواية القصّة الرقميّة بأنّها فنّ ينقل فيه الراوي حقائق ومعلومات ومعارف وقيمًا للمتعلّمين بطريقة مسلّية باستخدام مهارات موسيقيّة وفنّيّة، لتعزيز متعة التعلّم وإبقاء أثره (حسن، 2016). تعتبر القصّة الرقميّة وسيلة تعليميّة جذّابة بالنسبة للمتعلّمين، يجدون فيها متعة نابعة من تفاعلهم مع أحداثها، فيعيشون جوًّا من الخيال والبهجة والمتعة، فهي تحقّق بذلك نفعًا تربويًّا في تنمية الثروة اللغويّة وتزويد المتعلّمين بالمفاهيم والمعلومات والأفكار، فضلًا عن تنمية مهارة الاستماع وإثارة خيال المتعلّمين والتعرّف إلى المشكلات بطريقة شيّقة، ومن خلال ذلك ظهرت العديد من البرامج التي تساعد على إنتاج القصص الرقميّة التفاعليّة، ما أدّى إلى توسّع مجال توظيف رواية القصّة الرقميّة (حسن، 2016).
أهمّيّة رواية القصص الرقميّة
يؤكّد ما كشفته الدراسات عن أهمّيّة تأثير رواية القصص الرقميّة على ضرورة التفاعل لدى المتعلّم، وأهمّيّة التنوّع في السرد القصصيّ بما يتلاءم مع مستوى المتعلّمين، وتحقيق الأهداف التعليميّة لتحفيزهم وزيادة فاعليّتهم، على اعتبار أنّ التطوّر العلميّ هو نتاج أفكار المبدعين، وتنمية التفكير لدى المتعلّمين هو الهدف الرئيس للتربية المعاصرة، وذلك من أجل إعداد جيل قادر على مواكبة هذا التطوّر واستيعاب الكمّ الهائل من المعرفة. لذلك، أصبحت القصص الرقميّة نموذجًا مهمًّا للتعلّم الإلكترونيّ، فهي تنشئ بيئة خصبة تثير دافعيّة المتعلّمين نحو التفاعل النشط مع المادّة التعليميّة في جوّ واقعيّ جذّاب، وتساعدهم على التفكير الإبداعيّ بطرح المشكلات وحلولها المقنعة (عمر، 2017).
ذكرت حسن (2016) أنّ رواية القصص الرقميّة تلعب دورًا جوهريًّا في إكساب المتعلّمين معلومات وحقائق ومهارات تغذّي حواسّهم، وتشبع فضولهم، وتنمّي خيالهم، وتساعد على غرس القيم والاتجاهات المرغوبة فيهم، كما أنّها تلعب دورًا في تنمية التفكير السليم لديهم، وتخلق فرصة قويّة أمام المتعلّمين للتفكير في الحياة، وإيجاد الروابط القويّة بينها والمحتوى الدراسيّ الذي تقدّمه، وبين خبرات المتعلّمين خارج الفصل الدراسيّ، وتساعدهم في التعبير عن أنفسهم بتعزيزها الشعور الفرديّ وتنميتها الأفكار الإبداعيّة. وعلى الرغم من تأكيد الدراسات على أهمّيّة توظيف التكنولوجيا في التعليم، إلّا أنّ هذا التوظيف لن يكون فعّالًا إلّا إذا أمتلك المعلّمون الخبرة الفنّيّة والأساليب التعليميّة الداعمة له.
مكوّنات القصّة الرقميّة
هناك مكوّنات ينبغي توافرها في القصّة الرقميّة حتّى تكون مثيرة ومحقّقة للأهداف. لخّصت حسن (2016) هذه المكوّنات في سبعة عناصر، هي:
- - وجهة النظر، إذ تُحدَّد للجمهور وجهة نظر الكاتب كي لا يحدث صدام في وجهات النظر.
- - سؤال دراميّ مثير، يمكن طرحه في التمهيد لجذب انتباه المتعلّمين، ويجاب عنه في نهاية القصّة.
- - المحتوى العاطفيّ، من تفاصيل وأحداث تجذب انتباه المتعلّمين وتثير مشاعرهم.
- - الاقتصاد، ويعني الاكتفاء بالشخصيّات الرئيسة لمحتوى القصّة.
- - السرعة، من خلال عرض تسلسل الأحداث وفق معدّل مناسب لطبيعة كلّ جزء من أجزاء القصّة.
- - الموسيقى التصويريّة التي تدعم محتوى القصّة وتضفي عليها الجاذبيّة.
- - الصوت الذي يسهم في إضفاء الطابع الشخصيّ للقصّة، ويساعد على فهم أحداثها ومحتواها، إذ كلّما كان الصوت مناسبًا في شدّته وانخفاضه، أثّر في المستمع.
أنماط تقديم رواية القصّة الرقميّة
أشار شيمي (2015) إلى أنّ الشكل المسموع هو أقدم أشكال رواية القصص الرقميّة، وهو الشكل الأكثر قبولًا لدى المتعلّمين، ما يسهم في تكوين خبراتهم بإدراكهم الرسالة التعليميّة، ويصبحون بذلك شركاء إيجابيّين في تكوين المعلومة الواردة في القصّة، ورغم ذلك فلا يتعارض الشكل المسموع مع أهمّيّة الشكل المرئيّ، والذي أوصت به العديد من الدراسات، حيث إنّه يجذب انتباه المتعلّمين لما يحتويه من صور وتأثيرات مرئيّة، ولا يقلّ كذلك النمط المكتوب أهمّيّة عن النمطين السابقين، لأنّه يمثّل أداة التعلّم الرئيسة للمتعلّمين في مراحل الدراسة، ولأنّ مفهوم القصّة مرتبط به.
إيجابيّات القصّة الرقميّة
تتميّز رواية القصّة الرقميّة بالعديد من عناصر القوّة وفق ما ذكرته بعض الدراسات حول الممارسات المتّصلة بها، وقد أشارت عمر (2017) إلى هذه النقاط، ذاكرةً منها:
- - إمكانيّة الاستماع إليها مرّات عديدة، والتكرار يساعد على تثبيت المعلومات والمفاهيم في ذهن المتعلّمين.
- - سهولة التشغيل والاستخدام.
- - الاعتماد على أكثر من وسيلة فنّيّة وأدبيّة، نظرًا لتعدّد أنماطها كالسرد والحوار والمؤثّرات الصوتيّة، فهي تجذب المتعلّمين وتثير اهتمامهم.
- - تنمية الانتباه وتعزيزه لدى المتعلّمين.
- - تنظيم أفكار المتعلّمين الفرديّة والجماعيّة.
- - تقديم المفاهيم تقديمًا مختلفًا.
- - تشجيع التواصل والتفاعل بين المعلّم والمتعلّمين.
توصيات لتجاوز التحدّيات
- - ضرورة استحداث مقرّرات تعليميّة للتعريف برواية القصص الرقميّة وأساليب إنتاجها في مؤسّسات التعليم العالي في التخصّصات التربويّة.
- - نشر ثقافة رواية القصص الرقميّة بين المعلّمين وفي الوسط التعليميّ، وبالإمكان إدراجها ضمن خطط الإنماء المهنيّ في المدارس ومراكز التدريب التربويّة.
- - تدريب المعلّمين على إنتاج رواية القصّة الرقميّة بمختلف أنماطها بما يتلاءم مع المحتوى العلميّ.
- - وضع خطّة لتوظيف رواية القصّة الرقميّة ضمن استراتيجيّات رفع مستوى التحصيل الدراسيّ.
- - تنمية مهارات المتعلّمين التقنيّة والفنّيّة بإشراكهم في إنتاج رواية القصّة الرقميّة، نظرًا لوجود طلبة لديهم المهارات الكافية والواضحة للمشاركة في إنتاجها.
- - توجيه نظر المعلّمين إلى دور رواية القصص الرقميّة في إكساب الطلبة المفاهيم والمعارف، وتذليل الصعوبات في دراسة بعض الموادّ الدراسيّة.
- - ضرورة توفير روايات القصص الرقميّة ضمن مستودعات رقميّة، وإدراجها في جميع الموادّ الدراسيّة بمختلف أنماطها، ليتعرّف إليها المعلّمون والطلّاب ويفعّلونها ويستخدمونها.
خاتمة
يسعى الكثير من المعلّمين إلى جعل العمليّة التعليميّة أكثر حيويّة ونشاطًا، وذلك باستخدام الأساليب والاستراتيجيّات المتنوّعة، ولعلّ القصص الرقميّة من أجمل الاستراتيجيّات المُعتمِدة على التقنيّة والتي تضفي طابع المتعة داخل الغرفة الصفّيّة، بالإضافة إلى نقطة مهمّة تعمل عليها هذه الاستراتيجيّة تكمن في عمليّة العصف الذهنيّ، ويمكن للمعلّم من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة. لذلك، فإنّ الميدان بحاجة ماسّة إلى نشر الوعي بأهمّيّتها وتدريب المعلّمين على إنتاجها وتوظيفها كأحد استراتيجيّات التكنولوجيا الحديثة في التدريس التي لا تقلّ أهمّيّة عن بقية الاستراتيجيّات.
المراجع
- حسن، حنان. (2016). أثر دمج حكي القصّة الرقميّة في مراحل دورة التعلّم لتنمية بعض نواتج تعلّم الجغرافية لدى تلاميذ ضعاف البصر بالمرحلة الابتدائيّة. جامعة عين شمس.
- الشيدي، بسمة. (23/ أكتوبر/ 2019). مقابلة.
- شيمي، نادر. (25/ مارس/ 2015). تطوير روايات القصّة الرقميّة كاستراتيجيّة لتقديم المحتوى التفاعليّ. https://www.youtube.com/watch?v=ML4cF0K7jI0
- عمر، إيمان حلمي علي. (2017). أثر التفاعل بين أنماط السرد في القصّة الرقميّة القائمة على الويب وطرق تقديم المحتوى بها على التحصيل المعرفيّ لدى تلاميذ المدرسة الابتدائيّة. الجمعيّة العربيّة لتكنولوجيا التربية.