هل من شهادة حضور؟ سؤال يُطرح باستمرار كلّما قدمتُ ندوة أو ورشة عمل افتراضيّة، أو وجهًا لوجه، هل الشهادة مُعتمدة؟ مِمّن؟
وها أنا أطرح السؤال بصيغة جديدة: هل نحن بحاجة إلى شهادة حضور؟ وهل شهادة الحضور دليلٌ على الفهم أو التطبيق لمحتوى ورشة العمل أو الندوة التي قُدِّمت؟ هل نحصل على شهادة حضور بعد مشاهدة فيلم، أو قراءة كتاب، أو مشاهدة برنامج تلفزيونيّ، أو الاستماع إلى تدوينة صوتيّة (podcast)؟
لماذا تغزو شهادات الحضور صفحات وسائل التواصل الاجتماعيّ للمدرّسين؟ لماذا تحتوي السيرة الذاتيّة لبعض المدرّسين على عدد هائل من الورش التدريبيّة التي حضروها أو شاركوا بها؟ ما سرّ شهادة الحضور، ولماذا هي مهمّة جدًّا بالنسبة إلى البعض؟ وما الرسائل المبطّنة التي تحملها، أتفتح فعلًا أبوابًا جديدة للعمل وفرصًا للترقية؟ هل ترمز الشهادة إلى الخبرة أو المعرفة، أو المهارة والتعلُّم مدى الحياة؟، أم أنّها مجرد ورقة نتباهى بها أمام الآخرين؟ كم من مدرِّس حصل على شهادة حضور لندوة قُدِّمت افتراضيًّا ولم يكن مُشاركًا فيها بفعاليّة بسبب انشغالات أخرى؟ أين المصداقيّة في شهادات الحضور؟ هل أشاهد الندوة، أو أخضع لدورة تدريبيّة من أجل شهادة الحضور، أم لأنّني فعلًا أرغب بتطوير نفسي؟
شهادة الحضور أو الامتحان وجهان لعملة واحدة. عملة تجعلني أسأل عن استراتيجيّات التقييم والتقويم التي نتّبعها في مدارسنا، عن تلك الثقافة التي نتمسّك بها كأولياء أمور ومدرّسين ومدراء ومجتمع مدرسيّ، عن عقليّة تهتمُّ فقط بمن هو الأوّل في الفصل الدراسيّ وبالعلامات والدرجات، وتهمّش التلميذ المتوسّط، أو ذلك من ذوي الاحتياجات الخاصّة. هذه العقليّة تنسى أن تركّز على المهارات، كالتعلُّم الذاتيّ والتعاونيّ. وتنسى أنّ عمليّة التعلّم أهمّ من المنتج، وأنّ التأمُّل والأخطاء فرصتان للتطوير. إنّه مجتمع ينسى، كما قال الأستاذ منير فاشه في هذا الحديث، أنّ الحياة هي المدرسة الأولى، وأنّ المهارات التي تمتلكها والدته الأُمّيّة، مهاراتٌ لا نجدها في الكتب المدرسيّة والامتحانات.
ماذا لو تم منح شهادة الحضور بعد أن يقوم المشارك بتطبيق شيء تعلّمه؟ ماذا لو أصبحت شهادة الحضور تتضمّن عناصر تحدَّد بوضوح إذا اكتسب المشارك، وفهم وطبّق، محتوى الدورة أو الندوة؟ ماذا لو أصبحت كلّ عمليّة التقييم عمليّة ملموسة وواضحة تحدِّد نقاط القوّة ونقاط التطوير للمدرّس وللتلميذ؟ هناك فرق كبير بين أن أقول: أحسنت لقد حصلت على 10 من 10، أو أن أقول: بعد هذه الوحدة، تمكّنتَ من حلّ المسائل الحسابيّة من دون أخطاء، واستطعتَ استخدام القاعدة بشكل صحيح.
هذا التغيير مرهق بالنسبة إلى المدرّس، لأنّ تقديم تغذية راجعة بنّاءة للتطوير أمر يتطلّب مجهودًا ووقتًا، بينما العلامة تُعطى بشكلٍ سريع. هذا التغيير مرهق أيضًا للمدرّب، لأنّ متابعة المدرِّسين أمر يتطلّب مجهودًا ومساعدة فرديّة، بينما شهادة الحضور تجهّز بثوانٍ لعددٍ كبيرٍ من الحضور.
حين كنت مدرِّسًا، قرّرت مديرة المدرسة تقييم المدرِّسين مع نهاية العام الدراسيّ من خلال ملف تراكميّ (portfolio) يحتوي على رؤية المدرِّس، وفلسفته في التعليم، ونماذج من تحضير دروس وأعمال التلاميذ، ومقالات كتبها، أو ملخّصات كتب قرأها. لقد كانت كلّ شهادة حضور تُرفق بفكرة يطبّقها المدرّس، وأدلّة ملموسة على نقاط قوّته وخططه للتطوير. وكنت أتشارك هذا الملفّ التراكميّ، أو ملفّ الإنجاز، مع تلاميذي لتشجيعهم على تحضير ملفّاتهم التي سيتشاركونها مع أولياء الأمور خلال الاجتماع الذي يقوده التلميذ.
أدعو جميع المدرّسين إلى التأمّل للحظة بعد قراءةِ هذا النصّ، وعدم انتظار التغيير من المدير أو الإدارة المدرسيّة أو الوزارة. التغيير يبدأ من أسفل الهرم، من وجهة نظري، ولو قام كلّ مدرس بوضع خطّة واضحة للبدء في تحضير ملفٍّ تراكميّ، بشكل ورقيّ أو إلكترونيّ، يعطي فكرة واضحة عنه وعن رؤيته للمهنة، ويستخدمه في مقابلات العمل، فيظهر فعلًا أنه يواكب التطوّر، ويقوم بتطبيق ما تعلّمه، عندها سيحدث التحوّل الذي نرغب فيه، وسيكون بمثابة تحوّل مستدام يساعد على تغيير الأنظمة والقوانين والأفكار السائدة.