ندوة: الرفاه المدرسيّ وعافية المعلّم
ندوة: الرفاه المدرسيّ وعافية المعلّم

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر حزيران/ يونيو 2024، بعنوان "الرفاه المدرسيّ وعافية المعلّم". وركّزت على محاور مختلفة، هي:

1. المعلّم الإنسان: كيف يحافظ المعلّم على عافيته في ظلّ الظروف الصعبة، أكان الأمر مرتبطًا بواقع عمل غير عادل، أو بتأثّر المعلّم بواقع اجتماعيّ ضاغط يريد التعبير عنه (التأثر بمأساة غزّة مثالًا)؟ ما الخطوات التي يستطيع المعلّم فيها أن يستعيد عافيته ويرمّم روحه للاستمرار؟ هل من تجارب شخصيّة في هذا؟

2. الأوضاع القانونيّة للمعلّمين: الحقوق والأجور والتقاعد؛ خطوات الارتقاء والتدرّج؛ أنواع الرقابة المفروضة؛ حرّيّة التعبير والتغيير؛ الحماية الوظيفيّة...

3. وكالة المعلّمين: حرّيّة المعلّم بين القانون ومزاج الإدارات؛ المعلّم والمنهاج: من يسود؟ وما الضوابط؟؛ اختيار مادّة التدريس والنصوص الأدبيّة وعلاقتها بالسائد الاجتماعيّ؛ التطوير المهنيّ للمعلّمين: آفاق وعقبات...

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هُمّ: د. جنان شيّا، باحثة وأستاذة جامعيّة، لبنان؛ أ. زهرة الشيكلي، معلّمة فيزياء، سلطنة عُمان؛ أ. سوزان أبو هلال، مرشدة تربويّة، فلسطين؛ أ. مهدي بن شعبان، مدير عامّ أكاديميّة قطر، الجزائر؛ أ. فهمي رشيد كرامي، قانوني وخبير إقليميّ في حقوق الطفل، لبنان.

أدار الندوة أ. محمود عمرة، المدير العامّ لمدارس الأكاديميّة العربيّة الدوليّة، وعضو الهيئة التأسيسيّة لمجلّة منهجيّات، وافتتح الندوة بتقديم منهجيّات وهي مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعددة، وتتابع المستجدات في الحقل، وتشجع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربي، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة بمتابعتها والمُشاركة في أقسامها.

 

المحور الأوّل: المعلّم الإنسان

كيف يُمكن للمعلّم أن يسيطر على الضغوطات المحيطة بهِ بطريقة تجعله يستمرّ في عمليّة التعليم بشكلٍ فعّال؟

داخلت أ. أبو هلال حول خصوصيّة هذا العام الدراسيّ في فلسطين، إذ أثّرت حرب غزّة في المعلّم والطالب بشكلٍ مستمرّ من شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر، في ظلّ استشهاد أكثر من 264 معلّمة ومعلّم، وأكثر من 5000 طالبة وطالب في غزّة، و50 طالبة وطالب في الضفّة الغربيّة. وأشارت أ. أبو هلال إلى أنّ التحدّيات أمام المعلّم الفلسطينيّ كبيرة، خصوصًا الحواجز بين المدن والمناطق الفلسطينيّة، وتعرّض المعلّمين، في طريقهم إلى المدارس، إلى التفتيش المستمرّ والتحقيق، إلى جانب تأخّر صرف رواتب المعلّمين، ناهيك عن صرف 50% منها بعد التأخّر. وأضافت أنّ التعليم المدمج، بين الوجاهيّ والإلكترونيّ، والذي اعتُمِدَ في مدارس الضفّة الغربيّة منذ تشرين الأوّل، عادَ بالمعلّم إلى تحدّيات ظهرت خلال جائحة كورونا، من فقدان أدوات التكنولوجيا، وانقطاع الطالب عن التعلّم.

وداخلت أ. أبو هلال أنّ المعلّم الفلسطينيّ مع هذه الظروف الصعبة، والتحدّيات الكبيرة، وفي فرق من زملائه المعلّمين استطاع تقديم دعم نفسيّ عاطفيّ لبعضهم، خصوصًا بعد تجارب عصيبة مرّ فيها البعض على الحواجز التي حدّت من حرّيّة حركتهم. وقالت إنّ أحد أهمّ دوافع المعلّم خلال هذه المرحلة، كان إحساسه بالمسؤوليّة تِجاه الطلبة، والذي دفعه إلى الاستمرار بالعطاء. وفي الوقت نفسه، صمود الأهل في قطاع غزّة، وصور بعض الطلبة الذين يبحثون عن كتبهم، وإصرار المعلّمين هناك على استكمال التعليم مع ظروف النزوح والفقدان والحصار، شكّل ذلك كلّه حافزًا للصمود والعطاء أيضًا.  

وتحدّثت عن عملها الإرشاديّ مع المعلّمين، إذ قدّمت استراتيجيّات مختلفة للمعلّم ركّزت على مجموعة عوامل لتفريغ الضغوط والتخفيف منها، بالشراكة مع مؤسّسات نفّذت مشاريع مختلفة، منها التركيز على العلاقات الاجتماعيّة، والعلاقة مع الذّات، والتأمّل من أجل تفريغ القلق، والتركيز على نظام الاستجابة إلى الضغوطات عند المعلّم، من أجل مساعدته على الاستمرار في أداء رسالته.

 

عن تجربة شخصيّة حاولتِ فيها مواجهة الضغوطات بطريقة تجعلها لا تؤثّر في سير تجربة التعليم، شاركينا هذه التجربة أ. الشيكلي.

استهلّت أ. الشيكلي حديثها بالإشارة إلى الظروف الصعبة الناتجة داخل البيئة المدرسيّة، وقسّمت هذه الظروف إلى قسمين: الأوّل: ظروف بسبب ضغوطات في العمل بسبب كثرة المهام الموكلة إلى المعلّم. والثّاني: سوء التفاهم في البيئة المدرسيّة، إمّا مع الزملاء أو الإدارة أو طالب أو وليّ أمر.

وأشارت إلى أنّ حلّ المُشكلة الأولى كان ببساطة تحويل العمل من فرديّ إلى جماعيّ؛ بمعنى تكوين فرق عمل داخل المدرسة، ربما لكلّ مرحلة، تعمل بالتوازي من أجل تخفيف المهام الملقاة على كاهل المعلّم الفرد. أمّا عن حلّ المشكلة الثاني، الناتجة عن سوء فهم، فقسّمت الحلّ إلى قسمين وفقًا للمشكلة:

1. إن كان سوء التفاهم مع الزملاء في مرحلة أوّليّة، فعلى المعلّم هُنا التأمّل في الأمر وفي الشخصيّات التي يتعامل معها، ونصحت بقراءة كتاب "الابتزاز العاطفيّ" للدكتورة سوزان فورورد، كونه ساعدها بشكلٍ شخصيّ في التعافي.

2. إن كان سوء التفاهم متقدّمًا، هناك خطوات ثلاثة للحلّ:

  • - الابتعاد وتقليل الاحتكاك مع الأشخاص الذين حدث معهم سوء الفهم.
  • - التأمّل والتفكّر في الموقف والرجوع إلى مصادر مختلفة لتوسيع الفهم.
  • - الانخراط بدراسة أو إجراء بحوث من أجل التفريغ العاطفيّ للذكريات والمشكلة.

وقدّمت أ. الشيكلي نصيحةً للمعلّمات والمعلّمين "مهما كان نوع الظرف الصعب الذي تمرّون فيه، امنحوا أنفسكم راحةً، سواء مع الأسرة أو مع الزملاء خارج المدرسة أو المؤسّسة".

وسلّطت د. شيّا الضوء على دور الإدارة المدرسيّة المهمّ في عمليّة تعزيز رفاه المعلّم، وهذا ما تؤكّده الأدبيّات التربويّة. وذكرت مجموعة استراتيجيّات منها، 1. تعزيز ثقافة الرعاية، إذ تخلق مناخًا عاطفيًّا إيجابيًّا في المدرسة، بحيث يشعر كلّ معلّم وكلّ إداريّ في المدرسة بالتقدير والدعم، الأمر الذي يتعزّز بسياسة الباب المفتوح، فيقوم المعلّم بمشاركة أيّ مشكلة مع الإدارة، ويشعر، بالتالي، بالدعم والاحتفاء والاحتفال بالنجاحات والتعاضد عند الصعوبات. 2. تحقيق التوازن بين العمل والحياة، خصوصًا وأنّ أعباء العمل المفرطة من المُمكن أن تؤدّي إلى إرهاق وفقدان الرفاه، وما يوصل إلى هذا النوع من الإرهاق لدى المعلّم هو أسلوب الـ ((Micromanagement؛ الإدارة التي تراقب كلّ التفصيلات، والتي تحدّ المعلّم من اتّخاذ القرار. ومن هُنا، من الضروريّ تمكين المعلّم من اتّخاذ القرار وتوفير الموارد اللازمة لهم لإدارة صفوفهم بكفاءة، وتقديم المساعدة من أجل رسم حدود بين العمل وحياتهم اليوميّة، وتعزيز ترتيبات العمل المرنة.

أمّا أ. كرامي فتحدّث عن أهمّيّة إدخال أسلوب الوساطة والتحاور إلى الحرم المدرسيّ؛ تحفيز الحوار الفعّال وتحفيز إيجاد هذا التواصل الفعّال بين عناصر العمليّة التعليميّة يساعد في الرفاه، كونه يخلق وسيلة فعّالة يُمكن توظيفها في حال حدوث سوء تفاهم، وفي الوقت نفسه، يخلق أدبيّات تمسي وسائلَ وقائيّة لتجنّب الكثير من التباين أو الاختلاف في وجهات النظر.

 

المحور الثاني: الأوضاع القانونيّة للمعلّمين

قارب أ. كرامي هذا المحور بنظرة إلى ماهيّة المواكبة القانونيّة التي يجب أن توجد لتؤمّن الرفاه للمعلّم، وتؤمّن الإنتاجيّة المأمولة من عمل المعلّم. وأشار إلى أهمّيّة أن يكون التشريع أو القانون ابن البيئة التي يصدر فيها، والتشريع والقانون يجب أن يوضع لمواكبة الحاجات الاجتماعيّة والسعي إلى الرقيّ الاجتماعيّ. ومن هذه الثوابت، ننظر إلى مهمّة المعلّم، فنجد أنّ مهمّة المعلّم هي رسالة، وعندما ننظر إلى القوانين، نُدرك أنّ على هذه القوانين حماية هذه الرسالة، وهذه أوّل أرضيّة مُشتركة على التشريعات الانطلاق منها. والمعلّم الذي يحمل هذه الرسالة إنسان، وأضعف الإيمان أن تؤمَّن له حقوق الإنسان، سواء ما نصّت عليه المواثيق الدوليّة، أو ما نصّت عليه الحقوق المتعارف عليها. ولأنّ المدرسة جزء من المجتمع والدولة بامتداد تشريعيّ قانونيّ، فإنّ المعلّم، كعنصر في هذه المدرسة، يتأثّر بالحالة التشريعيّة، بما هو أبعد من حقوقه المباشرة كالأجور والتقاعد وساعات العمل والإجازات، إنّما بالواقع والسياسات التشريعيّة للمجتمع والدولة. ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع السياسات للدولة، رسالة هذا المعلّم وحمايته ورفاهه. وبالتالي، فإنّ المشكلة لا تكمن فقط بالتشريع نفسه، إنّما بتحدّيات كبيرة لها علاقة بتطبيق التشريع والاجتهاد في تفسيره، والحرص على حمايته، خصوصًا أنّ معظم البلاد العربيّة تعيش أزمات مختلفة. وهُنا، علينا التساؤل، هل الدولة تُعطي أولويّة لحماية المعلّم؟ وهذا ما علينا الانتباه له خلال الحديث عن التشريعات.

وذكر أ. كرامي أنّ خلال الحديث عن رفاه المعلّم، بطبيعة الحال، علينا أن نتطرّق إلى الحديث عن حماية المعلّم، وحقوقه، والدخل، وساعات العمل، والتقاعد، وإجازاته وحقّه في الإجازة، وإجازاته المرضيّة، وعن تأمين هذا الجوّ المريح لهُ، خصوصًا أنّ على التشريع التنبّه للظروف الخاصّة التي يمرّ فيها المعلّم وتسبّب لهُ ضغوطات مختلفة، وتؤمَّن لهُ هذه المساحة من الإجازات من أجل السماح بتخفيف الضغوط عليه.

وأكّد أ. كرامي على ضرورة توفير نظام محاسبة مواكِب لدى التشريعات، يمكن أن يلجأ إليه المعلّم، فلا تخضع دعاوي المعلّمين أو نزاعاتهم إلى عجلة القضاء البطيئة والتي ينتج عنها هلاك هذه القضايا ونتائجها. وبالتالي، على الدولة التنبّه لحماية هذه القوانين، ناهيك عن حماية العمل النقابيّ، والتعبير عن الرأي، وهي أمور يجب أن تكون واضحة وصريحة في التشريعات، بالإضافة إلى التطوير المهنيّ للمعلّم وإتاحة المجال له لتطوير عمله.

وضمن المحور ذاته، أضاف أ. بن شعبان أهمّيّة وعي المعلّم بهذه التشريعات، وبحقوقه كمعلّم. فمن المهمّ عند تقدّم المعلّم لعمل في مدرسة ما، عليه أن يسأل ويستوضح حول هذه الأمور، وعليها أن تكون واضحة بالنسبة إليه قبل الالتحاق بالمدرسة، لئلّا يتفاجأ هذا المعلّم بقوانين أو تشريعات معيّنة لم يعلم عنها سابقًا.

وأشار أ. بن شعبان إلى ضرورة وضع تعريف للرفاهيّة، بدلًا من تعريفها بالضدّ، أي بعدم وجودها. ومن خلال العمل وصلنا إلى محاورَ أربعة تُلمّ بتعريف الرفاهيّة:

1. الحالة النفسيّة للمعلّم.

2. الحالة الجسديّة للمعلّم.

3. إحساس المعلّم بفعاليّة دوره.

4. إحساس الانتماء إلى مجتمع المدرسة وبيئتها.

وبالتالي، أيّ سياسة تنقص محورًا من المحاور، لن تكون ملمّة بالرفاهيّة كمفهوم وتطبيق. ولاحظنا سياسات في بلدان أوروبّيّة تركّز تركيزًا كبيرًا على الحياة الشخصيّة والحياة المهنيّة للمعلّم، وتدرج أهمّيّة كبيرة لإجازات المعلّم خلال عمليّة التخطيط للعام الدراسيّ، ما يسمح للمعلّم بأن يرتاح وأن يعود إلى مكان عمله بفعاليّة. ورأينا كيف أنّ فنلندا واليابان، وفّرتا دعمًا ببرامج استشاريّة للمعلّمين مع علماء نفس. وأيضًا من الضروريّ الانتباه إلى موضوع المرونة في الدوام، خصوصًا بعد كورونا، إذ أدركت المؤسّسات أن الدوام يُمكن أن يكون مرنًا من دون أن يؤثّر في النتائج.

وذكر أ. بن شعبان تجربة سنغافورة، كتجربة مميّزة في وضع السياسات، إذ قرّروا استخدام منهجيّة بحث تقوم على تجميع بيانات بطريقة مستمرّة، وحلّ المشكلات التي تظهر بطريقةٍ مرنة؛ أيّ لا حلول جاهزة مُسبقًا، إنّما قبول لفكرة مرونة التعامل مع المشاكل، وهذه استراتيجيّة طُبّقت على مستوى الدولة.

أمّا د. شيّا فأضافت نقاط أُخرى إلى سياسات رفاه المعلّم وعافيته، مثل زيادة الاستثمار بموارد الصحّة الفكريّة كبرامج التأمّل الواعي، وهذا ما طُبّق في المملكة المتّحدة، فبات المعلّمين أنفسهم يُمارسون التأمّل الواعي، ويشجّعون طلبتهم على مُمارسته في الوقت ذاته. نقطة ثانية هي التطوير الوظيفيّ والتقدير، فدول مثل كندا، عملت على سياسة تعزّز مجتمعات التعلّم المهنيّة، والتي تُشجّع على التعاون بين المعلّمين. ونقطة ثالثة هي التقدير الوطنيّ، ففي كندا، تُنظّم جائزة المعلّم الوطنيّ، لتشجيع المُمارسين في المجال التربويّ، وأيضًا لتشجيع الإقبال على مهنة التعليم.

 

المحور الثالث: وكالة المعلّمين.

ما أهمّيّة حرّيّة المعلّم لرفاهه؟ وما دور الإدارات في تعزيز هذه الحرّيّة وتمكين المعلّم؟

ناقشت د. شيّا أهمّيّة ربط الحديث عن رفاه المعلّم بالحديث عن وكالة المعلّم. ووكالة المعلّم هي استقلاليّته، وقدرته على أخذ القرارات التي تؤثّر في ممارساته وتعليم الطلّاب، وبالتالي يحصل على حرّيّة ودعم من أجل أخذ اختيارات مستنيرة ضمن إطار مُحدّد. وذكرت مجموعة مهامّ ضمن هذا السياق، وهي: 1. تصميم المناهج، فمع ثبات المنهج، نعرف أهمّيّة أن يكون المنهج مرنًا، ليتناسب مع مختلف الطلبة بواقع معيّن، ومن هُنا، من الضروري أن يكون المعلّم كفوؤًا وعنده القدرة على تصميم المنهج بما يتناسب والظروف المحيطة به، بطبيعة الحال، ضمن استراتيجيّات تقييم واضحة. 2. إدارة الصفّ، ضرورة تحديد القوانين مع الطلبة، ذهابًا لخلق بيئة تعليميّة إيجابيّة، وفتح قنوات تواصل مع الأهل. 3. مُناصرة السياسات، حيث لا يقتصر دور المعلّم في العمليّة التعليميّة فقط وفقًا للأدبيّات، ومن هُنا، عليه مناصرة السياسات التي تساعده على تطبيق مهامه بطريقةٍ فعّالة.

 

كيف تعزّز وكالة المعلّم رفاهيّته؟

أضافت د. شيّا أنّ وكالة المعلّم تعزّز من تحفيزه ورضاه الوظيفيّ، خصوصًا عند إحساسه بتطبيق رؤيته بفعاليّة مع الطلبة. وكذلك تقلّل من التوتّر والإرهاق، انطلاقًا من إحساسه بالتحكّم بمجريّات العمل، وقدرته على أخذ قرار من دون أن تطبّق عليه سياسات إداريّة تنتهج الـ ((Micromanagement. وفي الوقت نفسه، تعزّز نموّه المهنيّ، ما يرتبط بشكلٍ واضح بتعزيز رفاهه. وفي الواقع، حتّى يتمتّع المعلّم بهذه الوكالة، عليه أن يؤمن بقدرتهِ كفرد فعّال قادر على إحداث فرق، ولديه القدرة على إحداث تغيير اجتماعيّ، ويتمتّع بمهارات التفكير النقديّ وحلّ المشكلات والتواصل والتشبيك والتعاون، وعنده قدر من الثقة بالنفس، ومُدرك لأهمّيّة التأمّل في المُمارسات المختلفة من أجل تقييم الأداء.

وتطرّقت د. شيّا إلى التحدّيات، وهي ليست من القيادة المدرسيّة، إنّما أيضًا من النظام التربويّ والذي يفرض اختبارات موحّدة ومناهج صارمة، تخفّف مرونة المعلّم، وتحدّ قدرته على التغيير. ومن التحدّيات: 1. نقص الدعم الإداريّ، وهو ما سيحدّ قدرته على التعرّض إلى تجارب وتدريبات مُختلفة في التطوير المهنيّ تُمكّنه من الابتكار في المُمارسات والمرونة والمواكبة. 2. الاحتراق الوظيفيّ، عدم القدرة على التطوّر، وعدم تحقيق التوازن بين العائلة والعمل، قد تؤدّي بالمعلّم إلى الاحتراق الوظيفيّ.

وهُنا داخل أ. عمرة حول الواقع العربيّ في سياق التعليم، وفرض مناهج من خلال كتب مدرسيّة تحتوي على تفاصيل دقيقة، ولا تفتح مجالًا أمام مرونة المعلّم ووكالته، وبالتالي الأثر في رفاه المعلّم يصبح سلبيًّا. وهذا يدلّ على عدم الثقة بالمعلّم، وفتح المساحات أمامه للإبداع والانطلاق في التعليم.

تحدّث أ. بن شعبان عن الخارطة التربويّة المحدودة والمفصّلة والتي تعتمد على امتثال المعلّم لقرارات من أعلى، تمثّل وصفة معكوسة لرفاه المعلّم. وأضافَ أنّ موضوع وكالة المعلّم يشمل أيضًا أخذ المعلّم لزمام الأمور في موضوع رفاهيّته، وبالتالي التفكير برفاهه من حيث بيئة العمل وتعديلات مختلفة فيها. وشارك أ. بن شعبان تجربته كمدير مدرسة، وفشل تجربته الأولى، في الرفاهيّة، وكان سبب هذا الفشل هو تفكيره في ظروف واستراتيجيّات لتحسين ظروف عمل المعلّم، كمحاولة تقليل ساعات عمل الدوام، وفرح المعلّمون بهذه المبادرة، إلّا أن الشكوى من ظروفهم استمرّت. وكذلك كان عندما اهتمّت الإدارة بالتأمّل والممارسات الإيجابيّة للمعلّمين، وكذلك استمرّت الشكوى. اختلفت التجربة عندما شكّلنا لجنة من المعلّمين لتمثيلهم وتمثيل صوتهم، وكانت اللجنة على دراية بظروف الإدارة بعلاقتها مع الوزارة مثلًا، وهنا بدأت النتائج الإيجابيّة بالظهور، لأنّ الوكالة هُنا أنتجت الرفاهيّة، وعزّزت الثقة بين الإدارة والمعلّم.

 

وأشار أ. كرامي إلى نقطتين أساسيّتين: 1. التجربة في فلسطين بشكلٍ عامّ، وغزّة بشكلٍ خاصّ، جعلتنا نعودُ إلى حقوق الإنسان قبل حقوق المعلّم، وهو ما ينبّهنا في خضمّ تأمين رفاه الطفل أو المعلّم، للحقوق الأساسيّة كي تبقى مقدّسة ولا تُمسّ، وألّا تكون عرضة للانتهاكات. 2. على مداخلات وكالة المعلّم ورفاهه أن تُترجم في التشريعات، ويجب أن تُترجم في تعديل القوانين التي تخضع لها المدارس الرسميّة لتشكّل غطاءً للمعلّم الذي يريد أن يُمارس وكالته بطريقةٍ مُثلى، خصوصًا في سياقات ترى أنّ وكالة المعلّم هي خروج عن أدبيّات المدرسة وسياساتها، وتُلقي المعلّم في سلّم المحاسبة واللوائح والقوانين. وهُنا من الضرورة الإشارة إلى أهمّيّة التعديل التشريعيّ، وحماية المناصرة، ويجب توفير الحماية للمعلّم من أجل إيصال صوته بشكلٍ ديمقراطيّ. كما أشار إلى أنّ التغيير الحقيقيّ هو التغيير الذي يأتي من القاعدة، وإضافةً إلى سماع صوت المعلّم، علينا الاستماع إلى صوت الطالب، وهو شريك المعلّم في تحقيق الرفاه.

 

أسئلة الجمهور

- إن كان الضغط على المعلّم ناتج عن مرض أحد أفراد العائلة، فكيف يُمكن للمعلّم مواجهة هذا النوع من الضغط بطريقةٍ لا تؤثّر في عمله داخل الصفّ؟

أجاب أ. كرامي أنّه من منحى تشريعيّ، القانون، على الأقلّ اللبنانيّ، لا يلحظ هذا النوع من الإجازات والتي يُقصد بها الرعاية.

أمّا د. شيّا فاقترحت طلب المساعدة من المدير، والحديث عن هذا الظرف، ومن المهم أن تُقدّم الإدارة دعمها، وأيضًا يُمكن الحديث مع الزملاء لتعزيز التعاون.

وأجابت أ. الشيكلي أنّه في سياق مدرستها في سلطنة عُمان، الحديث مع الزميلات والزملاء، ومن ثمّ رئيسة القسم التي تقوم بتخفيف نصابها، وتوزيع ذلك على الزميلات.

وأشار أ. بن شعبان إلى ضرورة الاستثمار بالعلاقات في المؤسّسة، من أجل تحقيق التعاون بينهم في ظلّ تفهّم من الإدارة.

وأضافت أ. أبو هلال أنّ مصادر الدعم تشكّل أساسًا في هذا السياق، من أصدقاء وزملاء، وكذلك التدريبات الخاصّة بالرعاية الذاتيّة، من خلال أهمّيّة الحفاظ على بعض العادات الصحّيّة، وممارسات بعض النشاطات الرياضيّة، والتي ستسهم في تجاوز الأمر بطريقةٍ قويمة، من دون أثر سلبيّ. وأيضًا هُنا من الضرورة التعبير عن مشاعره، من أجل التخفيف من الضغوطات، والمحافظة على التأمّل والوجود في الطبيعة، هي أيضًا أمور من شأنها تخفيف الضغط.

 

- في ظلّ أوضاع اقتصاديّة صعبة في العالم العربيّ، كيف يُمكننا مواجهة ضغط كهذا؟ وكيف يُمكننا الحفاظ على صحّتنا النفسيّة والذهنيّة وقدرتنا على العطاء في مهنتنا بشكلٍ مميّز؟

أجاب أ. كرامي أنّ على أيّ دولة أداء دور خلال الأزمة الاقتصاديّة التي تمرّ فيها، من دون أن تتنازل عن دورها. في لبنان مثلًا، الأزمة تتفاقم لأنّ الدولة تتقاعس عن أداء دورها. تجربة إيجابيّة أودّ ذكرها هي التكافل والتضامن بين المدارس الخاصّة، لإعادة دعم المعلّم خلال مسيرته.

أمّا د. شيّا فقالت إنّ الوضع المادّيّ صعب التجاوز، وفي حال غطّى الراتب احتياجات المعلّم الأساسيّة، يُمكن لوكالة المعلّم هُنا دفعه بإحساس إيجابيّ إلى استكمال أداء رسالته.

أمّا أ. بن شعبان فأشار إلى أهمّيّة التطوير النفسيّ والمهنيّ لدى المعلّم، فالمعلّم الذي يمتلك الخبرة والتجربة، له القدرة على فتح منافذ دخل جديدة أمامه، كمدرّب واستشاريّ، وهذا لا يظهر بوضوح للمعلّم الذي لا يفكّر بأبعد من يومه. ودعا أ. بن شعبان المعلّمين إلى إعطاء الدورات، كلٌّ في تخصّصه، لأنّ الحاجة أيضًا موجودة لهذه الخبرات.

 

- هل حقوق المعلّم متوفّرة في دول العالم العربيّ، كما في الغرب؟

قال أ. كرامي إنّ الاهتمام في التعليم متفاوت، ودعم المعلّم أيضًا متفاوت، ولكن ما أودّ قوله هو في النهاية التعليم رسالة، وهو أساس بناء الأوطان، وإن كانت دولنا لم تصل بعد إلى فهم أهمّيّة التعليم، فهذا دليل على أنّها بحاجة إلى مزيد من التطوير والتوعية، وتحسين أسلوبنا في التفكّر في طريقة التعاطي مع المعلّم، وأهمّيّة دوره في المجتمع، وهذا يحتاج إلى عمليّة تجديد شاملة من القاعدة إلى القمّة، انطلاقًا من واقعنا.

 

في الخِتام

شكر أ. عمرة المشاركات والمشاركين على الإسهامات في هذه الندوة، وأكّد على أنّ الموضوع متباين بين الدول وبين المجتمعات، وهو ما يعتمد على سياقات مختلفة، ولكن في النهاية رفاه المعلّم هو أمرٌ أساسيّ وله تأثير كبير في تعلّم الطالب، ونموّ المدرسة، والعمليّة التربويّة بشكلٍ عامّ، ولهُ أثره، كذلك، في الصحّة النفسيّة والجسديّة والذهنيّة للمعلّم ذاته.