عقدت منهجيّات ندوتها لشهر أيّار/ مايو 2024، بعنوان: "التعليم في فلسطين من وجهة نظر المعلّمين: ثقافة المواجهة والأمل". وهي الندوة الثانية ضمن سلسلة ندوات تعقدها منهجيّات تحت عنوان: "علّمتنا غزّة"، وركّزت هذه الندوة على ثلاثة محاور، وهي:
1. دور المعلّم في مواجهة الاستعمار الاستيطانيّ.
2. الوعي المجتمعيّ والأهليّ ودوره في دعم المعلّمين.
3. تجارب تعليميّة في زمن الإبادة.
استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، وهم: د. جميلة محمود شنان أستاذة علم الاجتماع التربويّ والاختصاصيّة بدور التعلّم في التحرّر؛ ود. مريم محمد صالح حثناوي من فلسطين، المشرفة التربويّة في وزارة التربية والتعليم ونائب رئيس مؤسّسة مجتمعات محليّة؛ ود. محمد الرزّي، أكاديميّ وتربويّ من غزّة، أستاذ محاضر في قسم دراسات الطفولة في جامعة بريستول بريطانيا، وعمل سابقًا في مبادرات الدعم التعليميّ، ومشروع سينما الطفل في غزّة.
أدارت الندوة د. نضال الحاج سليمان، الباحثة الأكاديمية في علم الاجتماع التربويّ، وبدأت الندوة بالترحيب بالزملاء المشاركين من قطاع غزّة عبر المداخلات المسجلة، وهم: د. محمد عوض شبير، أكاديميّ مختصّ بالإدارة التربويّة، ومشرف في جامعة الأقصى؛ وميسون أبو موسى، مختصّة بتدريس العلوم الحياتيّة. وأسماء مصطفى، معلّمة لغة إنجليزيّة وباحثة تربويّة.
في البداية، عرّفت د. الحاج سليمان بمنهجيّات، المجلة التربويّة الإلكترونيّة الدوريّة ذات الطبيعة التفاعليّة، وبمنصّتها التربويّة التي تتفاعل فيها الأفكار، والمعارف، والتجارب، والمبادرات التربويّة الخلاقة، وتسهم في الارتقاء في التعليم في العالم العربيّ من خلال حوار نقدي يشجع على التساؤل، والخيال، والابتكار. تعمل منهجيّات على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا للأفراد والمؤسّسات.
وأشارت د. نضال إلى حلول ذكرى النكبة المستمرّة منذ سنة 1948م، والاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين، والأحداث الأخيرة في غزّة، والتي تستهدف البلاد والأرواح والتاريخ، والتعليم بكلّ مظاهره وأركانه. مركّزة على ما نواجهه من معركة الوعي والحرية، وعلى أنّ الفكرة والكلمة والمناصرة أدوات في معركة التحرّر. وأنّنا كمجتمع تربويّ عربيّ أمام فرصة لنستقي دروسًا من زملائنا المعلّمين في فلسطين، ونساندهم، ونعبر من خلال تجاربهم إلى ضفّة التعليم النقدي والتحرّر الإنسانيّ الكامل.
المحور الأول: دور المعلّم في مواجهة الاستعمار الاستيطانيّ
بدأ هذا المحور باستضافة مداخلة من المعلّمة ميسون أبو موسى في فلسطين، تحدثت فيها على دور المعلّم الفلسطينيّ في ظلّ الإبادة الحاليّة، وأشارت إلى صعوبة الأمر في بداية الحرب في ظلّ اتّساع النزوح والهجرة، وارتفاع أعداد الشهداء؛ ففي بداية الأمر وقف المعلّم مكتوف اليدين عالقًا بين الحرب والقصف من جهة، واستخدام المدارس كمراكز للإيواء، واستعمال الأدوات المدرسيّة وقودًا للطهو. لكن هذا لم يمنع بعض المعلّمين من القيام بمبادرات فرديّة بجمع بعض الطلاب في مخيّمات اللجوء، وتدريسهم بعض المفاهيم الأساسيّة كقواعد اللغة العربيّة، والإنجليزيّة، وتسميع آيات القرآن الكريم، وتفسير بعض الأحاديث النبوية، واستخدام الفنّ كنوع من التفريغ الانفعاليّ للأطفال. من غير أن ننسى عن دور المؤسسات الخاصة التي قدّمت مساعدات.
كما أشارت إلى دورها كمعلّمة باستغلال أوقات فراغها في تصميم أوراق العمل، في ظلّ الظروف الصعبة كانقطاع الكهرباء، وصعوبة شحن الحاسب النقّال. وإلى تصوّر إستراتيجيّات تعلّم معيّنة، ومحاولة تنفيذها وهميًّا في خيالها لبعض الدروس قدر الإمكان.
كيف يتمكن المعلّم الفلسطينيّ من إنتاج أدوات الصمود وبناء الأمل والإصرار في ظل الاحتلال وحرب الإبادة؟
أجاب د. محمد على هذا السؤال بوجود عدّة أدوات تمثّل الصمود الفلسطينيّ في موضوع التعليم، وهناك شواهد من التاريخ وما يحدث في قطاع غزّة، ومنها الإصرار على البقاء والحياة، والإصرار على التعليم، والمحافظة على السرديّة الوطنيّة، والانخراط في التعليم الرسميّ وغير الرسميّ، مستشهدًا بما قالته أ. ميسون حول المبادرات الفرديّة للمعلّمين. وأشار إلى محاولات المعلّمين الحفاظ على رسالتهم التعليميّة، وإلى ما يتعرّض إليه المعلّمون من ضغوطات سياسيّة مباشرة وغير مباشرة، وإلى أن المضيّقات الحياتيّة التي على كواهلهم لا تمنعهم من الحفاظ على رسالتهم في القيام بمهنة التعليم.
ما أهمّيّة استهداف الاحتلال كلّ أركان التعليم في غزّة؟
أجابت د. جميلة على هذا السؤال باستعراض تاريخ الاستعمار، وقدّمت أمثلة من تجارب الولايات المتّحدة، والاستعمار الصهيونيّ، والاحتلال العسكريّ في الضفة. وتابعت بأنّ الاستعمار يبدأ دائمًا بالمدارس، باعتبارها المؤسّسة الوحيدة الرسميّة التي تعمل كمنبر للثقافة، حيث السيطرة على المدارس تمثّل السيطرة على الفكر.
وأضافت أنه لا توجد وسيلة لمواجهة الاحتلال غير التعليم، بمفاهيمه الموسّعة وليس المدرسة كمؤسّسة، كتعليم وتعلّم، ومعرفة البشر. واستشهدت بما قالته أ. ميسون عن اختيار قواعد اللغة العربيّة، والإنجليزيّة، وتسميع آيات القرآن الكريم، وتفسير بعض الأحاديث النبوية موادّ تعليميّة في ظلّ ظروف طارئة، لأن المعلّم هو من يقرر ما هو أساسيّ للتعليم، ما يتيح له السرد والتعبير عن الإرث الثقافيّ، وعن القضيّة الفلسطينيّة، وما يمرّون به من مصاعب.
ما الدور المجتمعي للمعلّم والمعلّمة الفلسطينيّين خارج إطار التعليم النظاميّ الرسميّ؟
أجابت د. مريم عن هذا السؤال بأنّ المعلّم الفلسطينيّ جزء لا يتجزّأ من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، فقد قاد حركات أدبيّة وثقافيّة من شعراء وكتّاب، وحمل راية التوعية والتثقيف في قضايا المواطنة والحقوق في ظلّ غياب الدولة. وأضافت أنّ المعلّم يقوم بعدّة أدوار فعليّة إلى جانب دوره التدريسيّ؛ ممّا أضاف عليه مزيدًا من الأعباء. وقدّمت أمثلة من الواقع لأدوار المعلّم، ومنها: تقديم الدعم المعنويّ والحماية للطلّاب داخل قاعات المدارس أثناء الامتحانات الثانويّة، إلى جانب التعليم الشعبيّ كتقديم التفريغ النفسيّ للأطفال واللعب معهم في المراكز الموجودة داخل الحارات.
ذلك فضلًا عن دور المعلّم في إثارة الوعي الوطنيّ والمجتمعيّ في ظلّ حرب الإبادة، وتعزيزه الهويّة الفلسطينيّة والانتماء إلى الوطن والتعريف بتاريخ فلسطين وثقافتها. وبعد أحداث السابع من أكتوبر، قدّم المعلّم الدعم والأنشطة الإنسانيّة والإغاثيّة وأشرف على دور الإيواء، وعزّز القيم الإنسانيّة والتعايش. فالمعلّم هو الشريك الإنسانيّ في بناء المجتمع، ودوره مهمّ ومحوريّ في تحقيق الأمل، على رغم ما يعيشه من تحدّيات وحروب.
المحور الثاني: الوعي المجتمعيّ والأهليّ ودوره في دعم المعلّمين
بدأ هذا المحور باستضافة مداخلة من د. محمد عوض شبير من غزّة، تحدّث فيها على أهمّيّة التدخّلات التي تحدث في مراكز الإيواء، واستعادة التعافي التعليميّ من خلال تقديم جرعات تعليميّة تربويّة في الموادّ والمهارات الأساسيّة، من المؤسّسات الرسميّة، وغير الرسميّة، والمتطوّعين، والخرّيجين. وأشار إلى تأثير هذه التدخّلات بأحداثها حراكًا داخل مراكز النزوح، واستجابة عالية من الأطفال والأهالي لحرصهم الكبير على التعليم، وتعويض ما فات على مدار سنة تعليميّة كاملة.
كيف يتشكّل الوعي النقديّ الوطنيّ والاجتماعيّ لدى المعلّم كي يتمكّن من القيام بهذا الدور المهمّ، وكيف ينعكس هذا الوعي على الطلاب؟
أجابت د. جميلة عن هذا السؤال بتشكّل الوعي لدى المعلّم في أوضاع مثل وضع الاحتلال، عندما تصبح المدرسة إحدى ساحات المعارك التي تدور فيها محاولات الاحتلال، والدفاع عنها، وأشارت إلى أنّ المدرّس يتأثّر بهذا الهجوم جسديًّا وماديًّا؛ فالهجوم يكون على المؤسّسة التعليميّة والسيرورة التعليميّة، وقدّمت أمثلة، مثل: الامتناع عن استيراد الكتب، ومنع المعلّمين من حضور المؤتمرات، وقصف الجامعات.
كما طرحت سؤالًا مهمًّا: ما الذي يتعلّمه الطفل الفلسطينيّ عن دوره في الحياة؟ وقالت إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلّب ضرورة مناقشة المعلّمين المناهج التي يجب أن يتعلّمها الأطفال؛ إذ إنّ المناهج الحاليّة مموّلة ومفروضة من قِبل الاحتلال. وأكدّت على ممارسة الاحتلال الضغوط السياسيّة، وعلى التعسّر في تقديم تمويل ماليّ للمؤسّسات الفلسطينيّة التي ترفض هذه التدخّلات المفروضة. وأشارت إلى أنّ المناهج الحاليّة تمنع الطلاب من فهم ما يحدث حولهم في فلسطين، وتحديدًا في غزّة، أو تخيّل مستقبلهم. فالاستعمار يجرّد المفهوم التربويّ من بُعديّه السياسيّ والإنسانيّ، ويقلّل حجم المساحات التربويّة "التحرريّة" فتنحصر في بعض الممارسات، ضمن منظار مجتمعيّ عريض ينطبق على المستعمِر ولا يصلح لأهل فلسطين.
ما دور المعلّمين في هذا السياق، وما الذي يحتاج إليه المعلّمون للقيام بهذا الدور، وما دور المجتمع العربيّ والعالميّ والمناصرين للحقّ الفلسطينيّ؟
أجاب د. محمد عن هذا السؤال بأنّ دور المعلّم مركزيّ، وينبع ذلك من مركزيّة التعليم ودوره في المجتمع الفلسطينيّ، وتحديدًا في مراكز اللاجئين. فالتعليم هو القيمة التي يحملها الإنسان، وإن ضاقت به سُبل العيش. وعليه، يولي المجتمع الفلسطينيّ قيمة مهمّة للتعليم، ويظهر ذلك في معدّل تسجيل الفلسطينيّين في المدارس، والجامعات. وهذا ينعكس إيجابيًّا على صورة المعلّم في المجتمع الفلسطينيّ.
وأضاف بأنّ المعلّم ذو قيمة في المجتمع الفلسطينيّ نظرًا إلى دوره التعليمي، وهو يحافظ على الرفاه النفسيّ والاجتماعيّ للطلّاب، كما يساعد في قيادة عمليّات توزيع المعونات وإدارة مراكز اللجوء، وتوفير الحاجات الأساسيّة، وينبع ذلك من سلطته الأخلاقيّة على رغم محاولات التهميش وسيطرة الاحتلال على طريقة تفكير المعلّم.
ويتّفق د. محمّد مع ما قالته د. جميلة حول التمويل والأجندة المفروضة على المعلّمين، سواء أكانت من منظّمة الأونروا أو المؤسّسة الرسميّة والتعليم الحكوميّ، وعلى أنّ تلك الأجندة قائمة على حقوق الطفل والإنسان من دون أن ندرك أو نفهم ما الذي تعنيه حقوق الإنسان والطفل في السياق الفلسطينيّ؛ فالحرب والإبادة الحاليّة تهدم الإيمان بمنظومة الحقوق ومعناها الحقيقيّ. وفي الأخير أشار إلى أهمّيّة دور المعلّم في العودة إلى الحالة الطبيعيّة – وهي نسبيّة – في ظلّ الحرب القاسية التي يعيشها الفلسطينيّون.
ثمّ عُرضت مداخلة من المعلّمة أسماء مصطفى من غزّة، تحدّثت على ما يتعرّض إليه الأطفال الفلسطينيّون من سلب لأبسط حقوقهم، وهو تلقّي التعليم والتعلّم داخل المدارس التي أصبحت مراكز إيواء، ونصفها الأخر مدمّر جزئيًّا أو بالكامل. وحكت تجربتها في نزوحها الأوّل إلى وسط قطاع غزّة، والثاني إلى شرق رفح، وإقامتها في المكتبة المدرسيّة المليئة بالكتب والقصص؛ حيث قامت بتقسيم الكتب حسب الفئة العمريّة والدراسيّة للطلّاب، وبدأت بتنفيذ أولى جلساتها التعليميّة مع الأطفال بالحكاية. وعلى رغم تغيّر مكان نزوحها الرابع، إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من الاستمرار، فقد اشترت الكتب والقصص، وقدّمت أنشطة تصحبها مناقشات عن الدروس المستفادة، ونظّمت أنشطة تلعيب فرديّة وجماعيّة، وأنشطة رسم وتلوين، ومسابقات ثقافيّة، وأناشيد تراثيّة. كان هدفها الأوّل والأساسيّ تعليم الطفل قيمة حياتيّة، وتعزيز سلوكيّات معيّنة، ومحاولة التخفيف عنهم وسط ما يحدث من قصف ودمار.
من يدعم المعلّم في فلسطين؟ من يعطيه القوة المعنويّة للصمود؟
أجابت د. مريم عن هذا السؤال بأنّه لا بدّ للمعلّم من أن يبدأ بنفسه، فقد شكّل الصفوف بنفسه. واستشهدت بمبادرة المعلّمة أسماء كتوفير وسائل تعليميّة خلقت استراتيجيّات ملائمة تواكب الوضع الراهن، ومناسبة للفئة العمريّة للطلّاب. وأشارت إلى الجهود الرسميّة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي المتمثّلة في التدريب، والمساعدة، والتطوّر المهنيّ والدعم. ودور مؤسّسات المجتمع المدنيّ في تنظيم الورش ودعم مبادرات المعلّمين، وتنظيم الفاعليّات، والتدريب وتعزيز مواردهم. فضلًا عن دور المجتمع المحليّ وأولياء الأمور، وتواصلهم مع المعلّمين، وتشجيعهم ورفع معنويّاتهم، ومساعدة المعلّمين والطلّاب على مساءلة المسؤولين عن التعليم في ظلّ الظروف الحاليّة.
المحور الثالث: تجارب تعليميّة في زمن الإبادة.
بدأ هذا المحور باستضافة مداخلة من د. محمد عوض شبير من غزّة، يقدّم فيها رسالة إلى الطلّاب الفلسطينيّين بضرورة تماسكهم في هذه الأجواء الصعبة، وما يعيشونه من معاناة، وأن المعلّمين سيكونون أوفياء لحقّ الطلّاب في التعليم؛ فالتعليم حقّ لكلّ طفل وللأجيال القادمة. وقدّم تحيّة لأولياء الأمور الحريصين على أن يتلقّى أطفالهم التعليم، والمعارف، والمهارات، والمعلومات، ويحاربون على رغم المعاناة من أجل الحصول على حقّهم في التعليم، بإحضارهم إلى مراكز النزوح والإيواء لتلقّي التعلّم.
كما قدّم رسالة إلى كلّ المعلّمين حول العالم، بأنّنا شركاء ونحمل رسالة التعليم، وهي رسالة إنسانيّة من الدرجة الأولى، وعليهم أن يكونوا صوت المعلّمين والأطفال في فلسطين، كيّ يوقظوا ضمير العالم، لأنّ هناك شعبًا يتعرّض إلى الإبادة من قِبل آلة الحرب المسعورة التي لا ترحم أحدًا، والتي أبادت التعليم. وأنهى مداخلته بتمنيّاته لكلّ أطفال العالم العيش في أمان وسلام.
ثم عُرضت مداخلة من المعلّمة أسماء مصطفى من غزّة، أعربت فيها عن رغبتها في تقديم كلّ ما في وسعها لمساعدة الطفل الفلسطينيّ، وعن إيمانها بالطفل الفلسطينيّ ومستقبله. وأنّها تؤمن بدورها كمعلّمة في ظلّ الحرب بتقديم إسعاف أوليّ لقطاع التعليم. وتمنّت انتهاء هذه الأزمة عن قريب، وعودة التعليم إلى أفضل حال.
علّقت د. جميلة على هذه المداخلات قائلة: لا يقتصر دور المعلّم الفلسطينيّ على تعليم "موادّ" منهجيّة فحسب؛ بل هو يعلم الحياة لأطفال فلسطين. ولا بد لكلّ المعلّمين حول العالم من تقدير دور المعلّم الفلسطينيّ، وما يقوم به من محاولات دعم الأطفال في فلسطين، وتخفيف معاناتهم. وأشارت إلى أنّ هذا الإيمان الإنسانيّ للمعلّم الفلسطينيّ له دور مهمّ وأساسي، تمكن من خلاله إعادة أحياء ثقافة التربية التي تؤدّي إلى خلق شعب حرّ.
أضاف د. محمد بأنّه من المهم إلقاء الضوء على التعليم المقاوم التحرّريّ، وهو الذي يهدف إلى التخلّص من الاحتلال وسلطته المباشرة وغير المباشرة، وأدواته. وتابع بأهميّته في التعليم الفلسطينيّ، فقد مرّ هذا الشعب بالكثير منذ الاحتلال، فلا بدّ للتعليم من أن يكون وسيلة خلّاقة للنظر إلى مستقبل ما بعد الاحتلال. فالنظرة التحرّريّة للمعلّمين في فلسطين تتطلّع إلى المستقبل، وتتمثّل في معاني الأمل، والصمود، والحقوق فجميعها ذات صلّة وثيقة تتعدّى وجود الاحتلال.
وتابع بأنّ هناك طرائق للتعليم المقاوم التحرّريّ في السياق الفلسطينيّ، ومنها: قدرة المعلّمين على جمع الشتات الفلسطينيّ. وعلى رغم بناء أنظمة تعليمية بالتوازي، في كافة أماكن التواجد الفلسطينيّ، والتي تذهب إلى توجّهات مختلفة، إلّا أنّها في الأخير متمركزة حول الحقّ الفلسطينيّ، والحقّ في العودة، والحقّ في تقرير المصير. وأكّد ختامًا على ضرورة التعليم الشعبيّ.
في سياقٍ متّصل، أشارت د. مريم إلى مبادرة قامت بها جمعيّة مجتمعات محلّيّة في تشرين الثاني / نوفمبر من العام المنصرم، في مدينة جنين الفلسطينيّة، أثناء احتلال المدارس: فقد عقدت لقاءات وتدخّلات لمساعدة الإدارات المدرسيّة والمعلّمين على مواجهة الأزمات وحالات الخطر (ظواهر طبيعيّة أو ناتجة عن الإنسان، أو اجتياحات مدن من قِبل الاحتلال). كما أنّ مركز إبداع المعلّم قدّم العديد من مبادرات الدعم النفسيّ والاجتماعيّ والعاطفيّ في غزّة. وختمت كلامها بأنّ الجميع يحاول أن يقدّم كلّ المساعدات الممكنة.
أسئلة الجمهور
حول مثال تجربة المربيّ الجزائريّ عبد الحميد بن باديس، وأهمّيّة الاستفادة من الدروس والتجارب السابقة في العالم، علّقت د. جميلة بأنّ هناك بعض الجامعات داخل فلسطين قدّمت مبادرات تعليم إلكترونيّة، وتبحث عن متطوّعين للتدريس. وأشارت إلى أنّ هذه المبادرات تُعدّ فرّصة لتواصل طلّاب غزّة الجامعيّين مع العالم من حولهم، وتنادي بالمشاركة في هذا التواصل وضرورة التطوّع.
وحول مستقبل التعليم في غزّة مع تمويله من جهات غربيّة أو منظّمات حكوميّة، وكيف سيتحقّق التعلّم التحرّريّ في ظلّ ذلك؟ أجاب د. محمد بأنّ التعليم الفلسطينيّ في ظلّ اتّفاقيّة أوسلو كانت مناهجه مرتبطة بإرادة المموّل، كما أنّ هذه المناهج لم يتمّ تحديثها مطلقًا، وعزا ذلك إلى ارتباط التعليم بأكمله بالمموّل الدوليّ، فضلًا عن غياب السيادة الفلسطينيّة، ووجود حالة من الفساد. ويمكن مستقبلًا التفكير في روافد عربيّة أو إقليميّة أو فلسطينيّة، سواء من رجال أعمال أو خيرييّن، وذلك سيمثّل استقلالًا وطنيًا.
واختُتِمت الندوة برسالة من الأستاذة أسماء مصطفى لطلبتها.