مع بدء اتّخاذ الحكومات قرار تخفيف القيود التي فرضتها جائحة كورونا، وما صحب ذلك من قرار العودة للمدارس، وبدء الطلبة والمعلّمين اللقاء وجهًا لوجه من جديد، تبرز خصوصيّة هذا اللقاء، فهو لقاء سبقته الكثير من التحوّلات في فضاء التعليم والتعلّم واختلفت فيه الأولويّات، ويحتاج لمنهجيّات جديدة تدعم الطلبة في الانتقال إلى الفصل الدراسيّ، وفي الوقت نفسه تدعم المعلّمين في إدارة هذا الانتقال، وتعزيز مشاعر الأمان وتخفيف حالة القلق التي تصاحب العودة، فحين اختلفت الأولويّات صار لزامًا تعديل وتطوير الخطط المدرسيّة لتصبح خطط الدعم النفسيّ للانتقال على رأس الأولوّيات. وفي هذه المقالة سنستعرض أكثر من جانب حول كيفيّة دعم هذا الانتقال.
أثر الدعم النفسيّ
يشكّل الدعم النفسيّ أساسًا في هذه المرحلة، فعلى الرغم من الوضوح الإعلاميّ العالميّ حول طبيعة الفيروس، والحالات المصابة، وعدد الوفيّات، وحالات الشفاء، وتطوّرات إنتاج اللقاح. قد يشكّل هذا الوضوح عبئًا نفسيًّا على الطلبة على اختلاف أعمارهم. مما يحتاج إلى التدخّل، وذلك بالتحقّق من صحّة الطلبة النفسيّة بالاستماع إليهم وهم يعبّرون عن مشاعرهم ومخاوفهم، ولا مانع من الحديث عن المشاعر التي صاحبت عودتهم للمدرسة سواءً السلبيّ منها كالخوف والقلق، أو الإيجابيّ كتجدّد الأمل، والسعادة بلقاء الرفاق والزملاء، وسيكون من المهمّ الإصغاء بعمق، حتّى وإن كانت هذه المشاعر شديدة أو مضطربة، ولابد من إظهار التفهّم والتعاطف، وقد يكون السماح لطالب أو أكثر بإدارة جلسات الحديث أو تنظيمها توجّهًا مقبولًا؛ لأنّه يتيح الفرصة لهم لتحديد قضاياهم وإبراز وجهات نظرهم، وبل وتساعد في فتح حوار حول طبيعة هذه المخاوف وكيف يمكن التخلص منها.
دور الإدارة المدرسيّة والمعلّمين في توجيه الدعم النفسيّ للطلبة
لا شكّ أنّ الوضوح والصراحة هما المطلوبان في هذه المرحلة، لا الطمأنة، سيتوجّه الطلبة إلى مدارسهم يحدوهم على الأرجح القلق والخوف، وهم بحاجة إلى بعض التأكيد من المحيط. أقصد هنا، أن تؤكّد الإدارة المدرسيّة أنّ العودة للمدارس أمرٌ غير مقلق، ولكن من الضروريّ تجنب عبارات الطمأنة العامّة مثل "لا داعي للقلق"، أو "لا يوجد ما يدعو للخوف فمدرستنا آمنة"، لأنّ ما يحتاجه الطلبة ليشعروا بالأمان هو أن نشاركهم البروتكولات المعمول بها لحمايتهم، وتشجيعهم على عرض أفكارهم حول تجنّب المخاطر المصاحبة، ومدى شعورهم بالرضا حول العودة إلى المدرسة في ضوء الإجراءات التي اتّبعت لحمايتهم.
علينا في هذه المرحلة أن نعزّز لدى الطلبة مهارات التفكير الواقعيّ، والتوصّل إلى حلول لمخاوفهم الخاصّة أيّما أمكن ذلك، بعبارات من مثل: "ما الذي يمكنك فعله هنا لتهدئة نفسك؟" أو "ما هي الخيارات المتاحة لدينا هنا بدلًا من مجرّد تجنّبها؟"
أو "حدّد المشكلة وحدّد الحلول الممكنة، واختر الحلّ وجرّبه!"، أيضًا "لا تدع القلق ينتصر عليك"، أو "استعدّ للقاء زملائك"، كذلك "صمّم كماماتك الخاصّة"، أو "اعتمد حقيبةً خاصّة من تصميمك لموادّ التعقيم خاصّتك". ولا مانع أن تكون هذه العبارات جزءًا من تصميم ديكور الصفّ أو مرافق المدرسة، كالمرافق الصحيّة والمداخل والساحات، كما يمكن إرسالها كنشرات لهم قبل بدء الدوام المدرسيّ.
في مرحلة العودة إلى المدارس سنواجَه بوصفنا إداراتٍ مدرسيّةً ومعلّمين ببعض الأسر أو الطلبة الذين لا يمكنهم تخطّي قلقهم وتخوّفاتهم، والموافقة على العودة والتفاعل الاجتماعيّ مع المحيط، حيث أصبح العزل هو الشكل الأكثر أمنًا لهم، فهم على قناعة أنّ أيّ قدر من التخطيط لن يجنّب أبناءهم/ يجنبهم الإصابة بالفيروس، والخوف بصورةٍ طبيعيّة يشجّع الرغبة في الهروب، ولمثل هؤلاء لا بدّ من وضع خطّة للعودة التدريجيّة إلى المدرسة، على سبيل المثال، قد تتوجّه المدرسة للتشجيع على النهج التدريجيّ، فيقوم الطالب القَلِق بزيارة المدرسة لمدّة قصيرة، أو الحضور الجزئيّ لساعة أو ساعات محدّدة، كما يمكن توجيهه للمرشد النفسيّ لوضع خطّة تخطّي القلق، أو استخدام أدوات مواجهة القلق أو المخاوف.
من الضروريّ أن ندرك أنّ تعزيز الطلبة، وامتداحهم على تقبّلهم العودة إلى المدارس، وما تحلّوا به من شجاعة لتخطّي قلقهم ومخاوفهم سيساعدهم هم وزملاؤهم على تجاوز محنة هذه الجائحة معًا، وعلينا أن نعبّر لهم أنّنا نثّمن ذلك، ونفخر بهم لمواجهتهم مخاوفهم وأنّنا نقدّر مشاعرهم وقلقهم.
أثر المعلّم القدوة ودوره في تحقيق الدعم النفسيّ
لقد اعتدنا على سماع عبارة "المعلّم قدوة للطلبة"، ونحن في هذه المرحلة الدقيقة أكثر ما نكون بحاجة أن نكون قدوةً في سلوكيّات التكيّف الجيّدة: الهدوء، والصدق، والاهتمام؛ لأنّ الطلبة سوف يتطلّعون إلى معلّميهم بوصفهم قدوةً، ولا نستطيع أن ننكر دورنا كمحرّك لهؤلاء الطلبة، لذا علينا أن نفكّر كيف نتعامل مع مخاوفنا، وضغوطنا، وكيف نتصرّف على مدار اليوم.
إنّ السماح للطلبة بمعرفة تجاربنا مع القلق، ومشاركتهم تجاربنا الشخصية، سواءً على المستوى العائليّ أو العمليّ وما صاحبها من خوف، وكيف استطعنا تجاوز الخوف والقلق، بالإضافة إلى استراتيجيّات التأقلم الخاصّة بنا، يمكن أن يجعلهم يشعرون بالراحة، ويخفّف من مشاعر القلق التي تساورهم، ويمكن أن تزوّدهم بدليل لكيفيّة التعامل مع الموقف بأنفسهم.
في معظم الحالات، من المناسب أن نكون منفتحين وصادقين معهم بطريقة مناسبة من الناحية التربويّة، خاصّة في الإجابة عن أسئلتهم حول المستقبل. قد يعني ذلك:
-
مساعدتهم على فهم أن إغلاق المدارس في المستقبل قد يكون احتمالًا.
-
الاعتراف بأن زملاءهم (أو معلّميهم) قد يصابون بمرض COVID-19.
-
الصراحة بشأن المواقف المسبّبة للتوتّر، التي قد تحدث خلال العام الدراسيّ القادم، والتي لم نتوقّعها بعد.
يمكنّنا أن نعلن عن مخاوفنا وآرائنا وأنّ هذه المواقف قد تكون مزعجةً، وأنّ التفكير فيها أمر صحيّ ومنطقيّ، ولكن يمكننا أيضًا حثّهم على محاولة التعامل مع الظروف يومًا بيوم، والاستمتاع باليوم الحاليّ بدلاً من القلق بشأن ما يخبّئه المستقبل، خاصّةً عندما يكون هذا المستقبل غير مؤكّد إلى حدّ ما.
قد تكون هذه المناقشات صعبة، لكنّها ضروريّة لمساعدة الطلبة على تخطّي القلق، كما توجّههم للتعامل مع يومهم ومع الظروف المستقبليّة بصورة أكثر مرونةً وتقبّلًا. ويمكن دمج الوقاية من الفيروس ومكافحة القلق في الأنشطة والدروس اليوميّة وجلسات التأمّل التي تعقد داخل الصفّ سواء في بداية الحصّة أو في نهايتها. ويمكن أيضًا تطويع المحتوى ليستجيب للعمر والجنس ولطبيعة المتلقّي.
رؤية منظمة اليونيسف في توجيه الدعم النفسيّ عبر أنشطة التعلّم
تقترح منظّمة اليونيسف بالتعاون مع منظّمة الصحّة العالميّة مجموعةً من الأفكار والأنشطة الداعمة للطلبة على اختلاف مراحلهم بناءً على محدّدات (اللغة، القدرة، الجنس)، وتقّسم هذه الأنشطة تبعًا للمرحلة التعليميّة:
مرحلة ما قبل المدرسة
-
التركيز على السلوكات الصحيّة الجيّدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع وغسل اليدين بصورة متكرّرة.
-
ترديد أغنيات وأناشيد موجّهة أثناء ممارسة غسل اليدين لمدّة 20 ثانية كما هو موصى.
-
تدريب الأطفال على غسل أيديهم بمطهر اليدين.
-
تطوير طريقة لتتبّع غسل اليدين ومكافأة غسل اليدين المتكرّر/ في الوقت المناسب.
-
استخدام الدمى لتوضيح الأعراض (العطس والسعال والحمّى)، وماذا تفعل إذا شعرت بالمرض (ألم الرأس، ألم المعدة، الشعور بالحرارة أو التعب الشديد) وكيفيّة إراحة شخص مريض.
- تصميم الفصول لتكون المقاعد متباعدة، وتدريب الأطفال على كيفيّة التوجّه لمقاعدهم وتدريبهم على مدّ أذرعهم أو "الرفرفة بأجنحتهم" للتعبير عن أنهم يحتفظون بمسافة كافية لعدم لمس أصدقائهم.
المرحلة الابتدائية
-
تأكّد من الاستماع إلى مخاوف الأطفال والإجابة عن أسئلتهم بطريقة مناسبة للعمر؛ لا ترهقهم بالكثير من المعلومات. شجّعهم على التعبير عن مشاعرهم. ناقش ردود الفعل المختلفة التي قد يواجهونها واشرح أنّ هذه ردود فعل طبيعيّة لموقف غير طبيعيّ.
-
التأكيد على أنّ الأطفال يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.
-
قدّم مفهوم التباعد الجسديّ (الابتعاد عن الأصدقاء، وتجنّب الحشود الكبيرة، وعدم لمس الناس إذا لم تكن بحاجة لذلك، وما إلى ذلك).
-
التركيز على السلوكات الصحيّة الجيدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع، وغسل اليدين.
-
مساعدة الطلبة على فهم المفاهيم الأساسيّة للوقاية باستخدام التمارين التي توضّح كيفيّة انتشار الجراثيم.
-
توضيح سبب أهميّة غسل اليدين بالماء والصابون لمدة 20 ثانية.
- تكليف الطلبة بتحليل نصوص/ مواقف تتحدّث حول سلوكات عالية الخطورة واقتراح تعديل لهذه السلوكات.
المرحلة المتوسطة
-
التأكيد على أنّ الطلّاب يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.
-
التعريف بمفهوم التباعد الجسديّ.
-
التركيز على السلوكات الصحيّة الجيّدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع وغسل اليدين.
-
تذكير الطلبة بأنهم يستطيعون أن يكونوا أنموذجًا لسلوكات صحيّة لأسرهم.
-
تشجيع الطلبة على تجاوز فكرة وصم الإصابة بالفيروس.
-
مناقشة ردود الفعل المختلفة التي قد يتعرضون لها.
-
تشكيل الطلبة في مجموعات وجعلهم يروّجون للحقائق حول الصحّة العامة.
-
الطلب من الطلاب إصدار إعلانات الخدمة العامة الخاصّة بهم من خلال المدرسة.
-
دمج التثقيف الصحيّ ذي الصلة في المواد الأخرى.
-
يمكن أن تغطّي مادّة العلوم دراسة الفيروسات وانتقال الأمراض وأهميّة المطاعيم.
-
الدراسات الاجتماعيّة يمكن أن تركّز على تاريخ الأوبئة وتطور السياسات الخاصّة بالصحّة والسلامة العامّة.
- دروس التوعية الإعلاميّة/ الإرشاديّة يمكن أن تمكّن الطلّاب من أن يكونوا مفكّرين، وصناّع قرار، وناقدين، قادرين على التواصل الفعّال.
المرحلة الثانوية
-
التأكيد على أن الطلاب يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.
-
التعريف بمفهوم التباعد الجسديّ
-
التركيز على السلوكات الصحيّة الجيّدة.
-
دمج التثقيف الصحيّ ذي الصلة في الموادّ الأخرى.
-
يمكن أن تغطّي دورات العلوم دراسة الفيروسات وانتقال الأمراض وأهميّة التطعيمات.
-
يمكن للدراسات الاجتماعيّة أن تركّز على تاريخ الأوبئة وآثارها الثانويّة، وتحرّي كيف يمكن للسياسات العامّة أن تعزّز التسامح والتماسك الاجتماعيّ.
-
الطلب من الطلبة إصدار إعلانات الخدمة العامّة الخاصّة بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ والراديو أو حتى البثّ التلفزيونيّ المحليّ.
-
دروس التوعية الإعلاميّة يمكن أن تمكّن الطلبة من أن يكونوا مفكّرين، وصنّاع قرار، وناقدين، ومتواصلين فاعلين، ومواطنين نشطين.
خلاصة
ختامًا، اليومَ، وقد أصبح الطلبة مواطنين عالميّين، فلا شكّ أنّ عوامل التغيير التي صاحبت هذه الجائحة ستفرز جيلًا من مقدّمي الرعاية كعلماء وأطباء وتربويّين، هم بأمسّ الحاجة إلى التعلّم بصورة مختلفة تقوم على تنمية التعاطف، وزيادة المرونة لبناء مجتمع أكثر احتواءً، وأمانًا، ورعايةً.