تنشر منهجيّات مقالة الزميلة سحر من غزّة، من غير الحصول على موافقتها النهائيّة على النشر بعد التحرير، لانقطاع التواصل معها برغم كلّ محاولاتنا للاطمئنان عليها.رجاؤنا السلامة لها ولكلّ أهل غزّة.
في السنوات الأخيرة، شهد العالم ثورة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، وظهرت آثاره في معظم مجالات الحياة. فيكاد لا يخلو مجال من توظيف تطبيقات هذا الذكاء، من طبّ وهندسة وأسلحة وتصنيع واستثمار وعلوم فضاء واتّصالات... لم يكن ذلك متخلّفًا عن بيانات الثورة الصناعيّة الحديثة التي كانت بمثابة شرارة أضاءت مساحة جديدة للمعلّمين، بحثًا عن إثراء ثقافة الذكاء الاصطناعيّ (المهدي، 2021).
من هنا، أحدث الذكاء الاصطناعيّ ثورة في التعليم بسبب مزاياه العديدة وقدرته على تحسين كفاءة المعلّمين عند استخدامه استخدامًا صحيحًا، حيث تكون لديهم القدرة على فهم المعلومات فهمًا أفضل، وعلى زيادة وعيهم وثقافتهم. (شلتوت، 2023).
حول مفهوم الذكاء الاصطناعيّ وبدايته
الذكاء الاصطناعيّ (IA) مجال متعدّد التخصّصات يركِّز على تطوير أنظمة الحاسوب التي يمكنها أداء المهمّات التي تتطلّب عادةً ذكاءً بشريًّا، مثل الإدراك والاستدلال واتّخاذ القرار. كما يعرِّفه شحاته (2022) بأنّه العلم الذي يهتمّ بجعل الأنظمة الإلكترونيّة ذات ذكاء مشابه للذكاء الإنسانيّ، ممّا يمكِّن الأنظمة من التفكير واتّخاذ القرارات والعمل وفقها، ووفق ما يتناسب مع طبيعة المهمّات المحدِّدة لها.
بدأ الذكاء الاصطناعيّ رسميًّا سنة 1956 في جامعة دارتموث في هانوفر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في مدرسة صيفيّة نظَّمها أربعة باحثين أمريكيّين، جون مكارثي ومارفن مينسكي وناثانيال روتشستر وكلود شانون. منذ ذلك الحين، أصبح مصطلح "الذكاء الاصطناعيّ"، والذي ربّما اختُرِع لأوّل مرّة لجذب انتباه الجمهور، شائعًا إلى درجة أنّه لا أحد غافل عنه اليوم. انتشر هذا الفرع من المعلوماتيّة أكثر فأكثر بمرور الوقت، وأسهم إسهامًا كبيرًا في تغيير العالم (غاناسيا، 2018).
أهمّيّة توظيف الذكاء الاصطناعيّ في التعليم
تكمن أهمّية توظيف الذكاء الاصطناعيّ في عمليّة التربية والتعليم في النقاط الآتية:
1. تقييم الطلّاب تقييمًا فوريًّا ورصد درجاتهم، لمساعدتهم في تطوير أدائهم الدراسيّ.
2. تقديم التغذية الراجعة الفوريّة والمستمرّة للطلّاب.
3. توفّر وكلاء افتراضيّين لمساعدة الطلّاب، وإفادتهم بالإجابات الصحيحة.
4. تحسين جودة التعلّم، وذلك بتحديد صعوبات الطلّاب بالتدريبات والاختبارات، ممّا يوجّههم إلى شرح أجزاء محدّدة من المنهج والتركيز عليها أكثر.
5. توفير تعلّم تكيّفيّ لمساعدة الطلّاب على إحراز التقدّم المطلوب بتعليمهم تعليمًا فرديًّا، وتقديم تقارير لهم حول وضعهم الدراسيّ ونتيجة تعلّمهم. (شحاته، 2022).
ميزات استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم وعيوبه
تتمثّل إحدى الميزات الرئيسة لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، في قدرته على تخصيص تجربة التعلّم. يمكن لخوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ تحليل بيانات الطلبة لتحديد نقاط القوّة والضعف الفرديّة، وتطوير خطط تعلّم مخصّصة ومصمّمة وفق احتياجات كلّ طالب. بالإضافة الى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعيّ في أتمتة المهمّات الإداريّة، مثل الدرجات والتقييمات، ومنح المعلّمين الوقت للتركيز على التعليم وتقديم الملاحظات. ذكرت العديد من الدراسات تأثير استخدام الذكاء الاصطناعيّ في أداء الطلبة، حيث بيّنت أنّ الطلبة الذين استخدموا نظام التعلّم القائم على الذكاء الاصطناعيّ كان أداؤهم في التقييمات أفضل من الطلبة الذين تلقّوا التعليمات تلقّيًا تقليديًّا. ووجدت دراسة أخرى أنّ خطط التعلّم المخصّصة التي طُوِّرت باستخدام الذكاء الاصطناعيّ أدّت إلى تحسين مشاركة الطلبة وتحفيزهم.
مقابل هذه الفوائد المحتمَلة لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، هناك بعض العيوب المحتمّلة أيضًا، والتي تتمثّل في ما يمكن أن يؤدّي إليه من تفاقم تحدّيات عدم المساواة القائمة في نظام التعليم. على سبيل المثال، اذا دُرِّبت خوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ على بيانات متحيِّزة، فقد تنتج عنها نتائج متحيِّزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق من أن يؤدّي استخدام الذكاء الاصطناعيّ إلى انخفاض التفاعل البشريّ والمهارات الاجتماعيّة بين الطلبة.
وبرغم ذلك، لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم في مراحله الأولى، وهناك إمكانات كبيرة لتطويره في المستقبل، إذ يعدّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ أحد مجالات النموّ المحتمل لتطوير خبرات تعلّم تفاعليّة، مثل الواقع الافتراضيّ والواقع المعزَّز. بالإضافة الى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعيّ لتحليل البيانات الكبيرة لتحديد اتّجاهات أداء الطلبة وأنماطها، ممّا يؤدّي إلى تحسين استراتيجيّات التعليم وتطوير المناهج الدراسيّة.
مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعيّ في التعلّم
النظم الخبيرة
هي نظم حاسوبيّة معقّدة، تجمع معلومات متخصّصة في مجال واحد من المعارف البشريّة، وتُهيّئها في صورة تتيح للحاسوب تطبيق تلك المعلومات في حالات مشابهة. وتعدّ النظـم الخـبيـرة الدعامة الرئيسة لأنظمة التعلّم المبنيّة على الذكاء الاصطناعيّ، حيث تحاكي إجراءات الخبراء في التعامل مع المشكلات المعقّدة وحلّها. تُحوَّل معارف الخبراء إلى نظم خبيرة يفيد منها الطلّاب في حلّ المشكلات، فالغرض الرئيس من النظم الخبيرة دعمُ الطلّاب ومساعدتهم في عمليّات التفكير، وليس تزويدهم بالمعلومات. تعتمد النظم الخبيرة على قواعد البيانات الخاصّة بها لاتّخاذ القرارات وإنجاز المهمّات. حيث تتميّز هذه النظم بإتاحتها للطالب ممارسة المهارات في بيئات تعليميّة وتفاعليّة، وبالإجابة عن استفساراته وتساؤلاته، وتقديم الإرشاد والتوجيه الفرديّ له، وإيجاد حلول لمشكلاته التعليميّة، فضلًا عمّا تتميّز به من سهولة الاستخدام، وما تقدّمه من دعم للتواصل الأكاديميّ. كما تساعد في توزيع الخبرة البشريّة لصنع القرارات الجيّدة وتوفير الوقت والجهد، وتقدِّم وسيلة مناسبة لمعرفة الأخطاء وإصلاحها. بالإضافة إلى ما تتميّز به هذه النظم من مساعدة الطالب على التركيز والتميّز والسرعة في التعلّم والإبداع، بحفظ سجلّات أداء المتعلّم أثناء تفاعله مع بيئة التعلّم.
روبوتات المحادثات
تطبيق مبرمج يحفِّز التعلّم، ويتضمّن مساعدات رقميّة تعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعيّ، ويقدِّم المساعدة للطلّاب، ويمكنه الردّ تلقائيًّا على استفساراتهم بلغتهم، ويسمح لهم بالتفاعل كما لو كانوا يتواصلون مع فرد حقيقيّ. من المتوقّع أن تتمكّن روبوتات الدردشة من الإجابة عن الأسئلة بطرق متعدّدة، اعتمادًا على من تتحدّث إليه، حتّى يتمكّنوا من العثور على تفضيلات الطلّاب بمرور الوقت، فهي توفِّر شكلًا من أشكال التفاعل بين الطلّاب وبيئة التعلّم. ويجري الحوار باستخدام الكتابة النصّيّة والرسائل الصوتيّة، والأسئلة التي تُطرَح عليهم. تظهر إجاباتهم كما لو كانت صادرة عن شخص حقيقيّ، ومصمَّمة للعمل من دون تدخّل بشريّ (شحاته، 2022).
التعلّم المخصَّص
يمكن استخدام خوارزميّات الذكاء الاصطناعيّ لإنشاء مسارات تعلّم مخصَّصة لكلّ طالب، استنادًا إلى نمط التعلّم والسرعة الفرديّة الخاصّة بكلّ منهم.
أنظمة التعليم الذكيّة
يمكن للطلّاب استخدام المعلّمين الافتراضيّين المدعومين بالذكاء الاصطناعيّ لتوفير المساعدة المخصَّصة للطلّاب، والإجابة عن أسئلتهم وتقديم الملاحظات في الوقت المحدّد.
التقييم الآليّ
يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يقيّم التمارين والاختبارات والواجبات الدراسيّة تلقائيًّا، ممّا يوفِّر وقت المعلّمين للتركيز على مهمّات أخرى، مثل تقديم الملاحظات ودعم الطلّاب الذين يواجهون صعوبات.
التعلّم المتكيّف
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل بيانات أداء الطلّاب لتحديد المجالات التي قد يواجهون فيها صعوبات، ثمّ ضبط المواد التعليميّة والمحتوى لتناسب احتياجاتهم أكثر.
المحتوى الذكيّ
يمكن للذكاء الاصطناعيّ إنشاء مواد تعليميّة مخصّصة، مثل الكتب المدرسيّة والفيديوهات، استنادًا إلى تفضيلات الطلّاب أساليبَ تعلّم تناسبهم.
توصيّات الدورات التعليميّة الذكيّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ المدعوم بالخوارزميّات أن يوصي الطلّاب بالدورات التعليميّة والمواد، استنادًا إلى أهدافهم الأكاديميّة واهتماماتهم.
تحليلات التعلّم
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل كمّيّات كبيرة من بيانات أداء الطلّاب لتحديد الأنماط والاتّجاهات، ممّا يمكِّن المعلّمين من تحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى تحسين أساليبهم التعليميّة.
المساعدون الافتراضيّون
يمكن للمساعدين الافتراضيّين المدعومين بالذكاء الاصطناعي،ّ مساعدة الطلّاب في مهمّات الجدولة وادارة الوقت والتنظيم.
التنبّؤات التحليليّة
يمكن للذكاء الاصطناعيّ تحليل بيانات الطلّاب للتنبّؤ بأدائهم الأكاديميّ المستقبليّ، ممّا يتيح للمعلّمين التدخّل مبكرًا إذا لاحظوا علامات صعوبات تعلّم عند طلّابهم.
تعلّم اللغات
يمكن لأدوات التعلّم المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ مساعدة الطلّاب في تعلّم لغات جديدة، وذلك بتحليل نطقهم وتقديم الملاحظات.
* * *
في الختام، يسهم دمج الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، في تحويل عمليّة التعلّم وتحسين نتائج الطلبة. وبرغم وجود مزايا وعيوب محتملة لاستخدامه، تشير الأبحاث إلى أنّ الذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يؤدّي إلى تحسين أداء الطلبة ومشاركتهم. وعليه، مع استمرار تطوّر استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، هناك الكثير من الإمكانات لنموّه وتأثيره في المستقبل.
المراجع
- شحاته، نشوى رفعت. (2022). توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ فى العمليّة التعليميّة. مجلّة الجمعيّة المصريّة للكمبيوتر التعليميّ. 2(20). 205-214.
- شلتوت، محمّد. (2023). تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ في التعليم. مكتبة الملك فهد الوطنيّة.
- غاناسيا، جان غابريال. (2018). الذكاء الاصطناعيّ بين الأسطورة والواقع. اليونسكو.
- المهدي، مجدي صلاح. (2021). التعليم وتحدّيات المستقبل في ضوء فلسفة الذكاء الاصطناعيّ. مجلّة تكنولوجيا التعليم والتعلّم الرقميّ. 97-140.