تعريض الطلبة لثقافة بناء المعرفة لا استقبالها فقط
ينبغي، باعتقادي، على مدرسة القرن 21 السّعي لمساعدة طلبتها على التميُّز والإبداع والابتكار، لا دفعهم للنجاح في الاختبارات فقط، فالنجاح والعلامات والدرجات لا تصنع للأجيال نجاحًا مستقبليًّا مُثمرًا بهذا العصر؛ التعلُّم لأجل التعلّم والدرجات هي مُركّبات تقع ضمن مفهوم تقليديّ يجب استبداله بمفهوم "التعلُّم من أجل الحياة"؛ التعلُّم من أجل العمل والإنتاج ومعالجة المشكلات الحياتيّة والاجتماعيّة والبيئيّة والتنمويّة.
ومن هُنا، تحتاج مدرسة القرن 21 لتعريض طلبتها على ثقافة بناء المعرفة ذاتيًّا والوصول الى الخبرات التعليميّة بأنفسهم، وتوظيف تلك الخبرات في حياتهم ومجتمعهم وبيئاتهم. وقبل التركيز على الدروس والمقرّرات وفرص التعلّم، يجب على مدرسة القرن 21 إيقاظ الرغبة المشتعلة للتعلُّم وإشعال الشغف الدراسيّ في عقول الطلبة، والسّعي لبناء شخصيّاتهم، بخلاف المدارس التقليديّة التي تركّز على فرص التعلُّم واستكمال المقرّرات الدراسيّة.
يجب على مدرسة القرن 21 تبنّي استراتيجيّات تقويم بديلة، تُحدّد مستوى التحصيل الدراسيّ، وفي الوقت نفسه، تكشف عن إبداعات ومواهب الطلبة.
تغيير استراتيجيّات التقويم وطبيعة الدارسة
في إدارة منظومة التقويم، يجب على مدرسة القرن 21 تبنّي استراتيجيّات تقويم بديلة، تُحدّد مستوى التحصيل الدراسيّ، وفي الوقت نفسه، تكشف عن إبداعات ومواهب الطلبة، وتتنبأ وتُهيّئ للمعالجات العصريّة، وتذهب لتعالج الضعف وتعزيز القوّة وتمكين الطلبة. إنّ التقييم التقليديّ الرامي لقياس مستويات التحصيل فقط لم يعد مناسبًا لبناء مستقبل الأجيال في هذا العصر.
على مدى عقود ظلّت طبيعة الدراسة في بعض المدارس مُجرّد تدريس مقرّرات، تلك هي الثغرة التي أحدثت فجوة واسعة بين الأجيال ومستقبلهم، وفجوة واسعة وبين الأجيال ومتطلّبات التنمية المستدامة في هذا العصر. وباعتقادي، بالإضافة إلى تدريس المقرّرات، يجب على مدرسة القرن 21 تقديم اهتمام مماثل لتنمية مهارات الطلبة من مُختلف الجوانب.
لقد كانت نتائج المفهوم التقليديّ لعمليّة التعليم، القائم على الحفظ والتلقين، مأساويّة، كونها صنعت أجيالًا مُستهلكة يغيب عنها الإنتاج. وهُنا، على مدرسة القرن 21، الانتقال إلى مفهوم توظيف عمليتيّ التعليم والتعلّم في تلبية احتياجات الطلبة، واحتياجات المُجتمع، واحتياجات البيئة، واحتياجات قطاعات الإنتاج، واحتياجات قطاعات التنمية المستدامة.
المُعلّم كمرشدٍ لعمليّة التعلّم، واستراتيجيّات تدريس جديدة
على دور المعلّم أن يتغيّر، من دور ناقل المعلومةِ، إلى أن يكون موجّهًا مُرشدًا لعمليّة التعلّم، ومُساعدًا لوصول الطلبة إلى مُختلف المعارف بأنفسهم، عليه أن يُصبح بنّاءً للأنفس والعقول، ومُشاركًا في الأنشطة داخل المدرسة، ذلك لتحقيق التغيُّر المنشود عند الطلبة وتحويلهم من أوعية حفظ، إلى أفراد فاعلين يتوصّلون إلى الخبرة التعليميّة، ويتمكّنون من بناء المعارف بأنفسهم، وتوظيفها في معالجة مشاكلهم الذاتيّة، إضافةً إلى مشكلات المُجتمع والبيئة، بما يلامس صميم حياتهم.
الديكتاتوريّة وثقافة التسلّط والعقاب والسخرية والتهديد والوعيد والترغيب والترهيب، ثقافة طالما هيمنت على عقل المعلّم في أسلوبه لإدارة الصفّ. ويجب على مدرسة القرن 21 أن تنتقل بعقول معلّميها من هذه الثقافة إلى ثقافة إدارة الصفّ، والسّيطرة على سلوك الطلبة باستراتيجيّة إدارة الطاقات والمعنويّات، وإدارة الشغف والرغبة للتعلّم وإدارة دوافع وحاجات الطلبة. يجب أن يعرف معلّم القرن 21 أنّ أهم مهارة لإدارة الصف تتمثّل بإدارته لذاته؛ مهاراته الشخصيّة وتمكُنِه التخصصيّ والمهنيّ والوظيفيّ، وثقته بنفسه، وحماسه وشغفه وحبّه لمهنته، وأنه لن يتمكّن من إدارة الصفّ دون هذه المهارات.
لقد ظلّت المدارس التقليديّة، ولعشرات السنين، تستهلك كلّ طاقات الأجيال في تحقيق التدرّج بهم في الصفوف الدراسيّة إلى أعلى بلا أي رؤية تنمويّة.
لم تُقدم استراتيجيّات التدريس التقليديّة أي جديد نهضويّ أو تنمويّ منذ عشرات السنين، وفي هذا السّياق، على مدرسة القرن 21 أن تتبنّى استراتيجيّات جديدة خلّاقة وحيويّة، مثل: استراتيجيّة التعلُّم بالمشروع، والتعليم الإلكترونيّ، والتعلُّم بحلّ المشكلات، والتعلُّم التعاونيّ والتشاركيّ، والتعلُّم النشط، والتعلم الذاتيّ.
في عصر التكنولوجيا والحياة الرقميّة يجب أن لا يكون هناك مكانًا للوسائل التعليميّة التقليديّة في مدرسة القرن 21، يجب أن تصبح كافة الوسائل التعليميّة تكنولوجيّة ورقميّة، ليس فقط في مجال التدريس، إنّما في كافّة قِطاعات المدرسة.
لقد ظلّت المدارس التقليديّة، ولعشرات السنين، تستهلك كلّ طاقات الأجيال في تحقيق التدرّج بهم في الصفوف الدراسيّة إلى أعلى بلا أي رؤية تنمويّة، وقد يكون هذا الهدر الطاقيّ أحد أسباب بقاء بعض الأقطار في قائمة دول العالم الثالث، من هُنا، يجب على مدرسة القرن 21 أن تستثمر القدرات الخفيّة وتوقظ الطاقات الكامنة لتنمية الإبداع وصناعة المبدعين والمهاريّين والمنتجين والمخترعين، للخروج ببلدانها من دائرة العالم الثالث إلى عصر سباق الأجيال وصراع الحضارات.
يجب على مدرسة القرن 21 أن تجعل مهارة البحث العلميّ واحدة من أهم المهارات العصريّة، التي يجب أن يمارسها الطلبة والمعلّمين والإداريّين في المدرسة.
مهارات البحث العلميّ للطلبة أساسًا لمدرسة القرن 21
على مدرسة القرن 21 أن لا تقع في فخّ الاكتفاء بمحاكاة ذاكرة الطلبة فقط، بل يجب أن تسعى للتاثير على مستويات وترددات العقل الباطن، والوجدان، والدوافع والحاجات يجب عليها التركيز على تنمية مهارات السيطرة الدماغيّة، ذلك لتوظيفها في إشباع الحاجات والتخطيط للمستقبل.
في عصر الانفجار المعرفيّ الهائل والاتساع الرأسيّ والأفقيّ للمعلوماتيّة والاكتشاف والابتكار، يجب على مدرسة القرن 21 أن تجعل مهارة البحث العلميّ واحدة من أهم المهارات العصريّة، التي يجب أن يمارسها الطلبة والمعلّمين والإداريّين في المدرسة.
لا يكفي أن تكون مدرسة القرن 21 متميّزة في النظام الدراسيّ، بل ينبغي أن تكون حاضنة إبداع لها مقاييسها المنهجيّة المعتمدة لاكتشاف الموهوبين ولها برامجها المنهجيّة لتمكينهم ورعاية أفكارهم وإبداعاتهم وإخراجها إلى النور. وأن تتبنّى توجّه التعليم المختبريّ وتوفّر المعامل الواقعيّة الحديثة، والمعامل الافتراضيّة الإلكترونيّة بالفيديو، وأن تهتم إلى حدٍّ كبير بمعالجة ثغرات الجفاف التنمويّ والجفاف العلميّ والجفاف المهاريّ في المناهج وفي استراتيجيّات التدريس وفي سياسات المنظومة الإداريّة.
إنّ تخريج طلبة ناجحين دراسيًّا لا يكفي لتلبية احتياحات التنمية المستدامة واحتياحات سوق العمل في هذا العصر.
تطوير مكتبة المدرسة، وتعميق الأنشطة الثقافيّة
ينبغي على مكتبة مدارس القرن 21، أن لا تظلّ ديكورًا أو مكانًا صوريًّا، بل أن تتطوّر لتصبح أهمّ مصدر تعلُّم للطالب والمعلّم والإداريّ. هُنا على المدارس الاهتمام بتوفير مكتبة ورقيّة تتكامل مع مكتبة إلكترونيّة وأرشيف للدراسات والأبحاث، وأرشيف لآخر مصادر التنمية المهنيّة والدورات التدريبيّة، يُضاف لها نظام تدريب إلكترونيّ، تمهيدًا لإنشاء دائرة خاصّة للبحث العلميّ في التعليم ومُختلف موضوعاته.
وعلى مدرسة القرن 21، التّركيز على تكوين أنشطة ثقافيّة مبنيّة على برامج ثقافيّة تستند إلى قوانين علم البرمجة اللغويّة العصبيّة وهندسة السلوك، ويجب أن تهدف من خلالها إلى بناء شخصيّة الطلبة، نشاطات ثقافيّة تسعى إلى غرس القيم والمبادئ وتنمية المهارات وتوجيه السلوكيّات وتغيير القناعات.
الطلبة كمركزٍ ونتيجة
إنّ تخريج طلبة ناجحين دراسيًّا لا يكفي لتلبية احتياحات التنمية المستدامة واحتياحات سوق العمل في هذا العصر. على هذه الخلاصة أن تصل حتّى نتمكّن من تكوين طلبة متميّزين ومبدعين، كلٌّ في مجالهِ، أجيال يعرفون جيّدًا طاقاتهم وقدراتهم والمهارات التي يحتاجون، ويعرفون ميولهم واتّجاهاتهم، لديهم شخصيّات متكاملة علميًّا وتربويًّا وروحيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ومهنيًّا، بما يُمكّنهم من الالتحاق بالتخصّصات الجامعيّة التي يريدون، وبما يُناسب ميولهم، وبما يخدم مُجتمعاتهم.