لطالما راودتني أفكار وهواجس عن الأيّام الأولى للمدرسة، وكثرت التساؤلات عن إمكانيّة نجاحي مع مجموعة المتعلّمين الجديدة التي سأدرّسها خلال العام الدراسيّ، ومن هذه الأسئلة:
- - هل سأكون معلّمة جديرة بكسب ثقة الطلبة؟
- - ماذا لو كان هناك طلّاب مختلفون؟
- - كيف لي إرساء ثقافة مبنيّة على الاحترام والتعاون بين أفراد المجتمع الصفّيّ؟
- - كيف سأتواصل مع أهالي طلّاب الصفّ، وأحدّد معهم أهدافًا مشتركة؟
ولأنّ التخطيط المسبق والتفكير بهذه الأسئلة، كان بمثابة الداعم الأكبر لي في طريق نجاح مسيرة التعلّم والتعليم مع الطلبة، أردت أن أشارك بعض الاستراتيجيّات التي اعتمدتها خلال مسيرتي المتواضعة في التعليم:
الاستراتيجيّة الأولى
التعرّف إلى الطلبة من خلال أفراد المجتمع المدرسيّ قبيل بداية الفصل. أنصح جميع المعلمين بالتوجّه إلى الإدارة للاطّلاع على بيانات الطلاب من ملفّات تراكميّة، وإرسال استمارات إلى أهالي طلّابهم لجمع المعلومات والبيانات وتحليلها ليتمّ التخطيط بطريقة فعّالة.
الاستراتيجيّة الثانية
اللقاء المفتوح: لطالما كان اللقاء المفتوح مع الأهالي فرصة ذهبيّة لتحديد أهداف مشتركة بين المعلّم والأهل. كما أنّه يشكّل فرصة لمشاركة الرؤية والرسالة والتوقّعات المتعلّقة بالمنهج، وسير العمليّة التعليميّة.
الاستراتيجيّة الثالثة
اليوم الأوّل للطلّاب هو الفرصة التي لا تعوّض لكسر الجليد، ولطمأنة المتعلّم بأنّ مسيرة التعلّم ستكون آمنة. سأشارككم هُنا بعض الأفكار التي يمكن استخدامها عند التحضير لليوم الأوّل:
- ترك رسالة تشجيعيّة وإيجابيّة في الممرّ المؤدّي إلى صفّك، والإشارة إلى الطلّاب بقراءتها. يمكن أن تتضمّن الرسالة كلمات تحفيزيّة، وأهدافًا فرديّة وضعتها مسبقًا بالتنسيق مع الأهل في اللقاء التعريفيّ، مثل: "تلميذتي سيما، أتمنّى أن تكون هذه السنة/ الفصل محطّة رائعة لك لتعبّري عن أفكارك من خلال رسومات مبدعة، لقد اطّلعت على بعض منها من معلّمك السابق، وأنا واثقة بأنّك ستبدعين هذا العام في صفّ الفنون".
- شجرة ذكرياتنا: أطلب من الأهل خلال اللقاء التعريفيّ أن يتركوا رسالة لولدهم. وفي اليوم الأوّل، اطلب من المتعلّم أن يقرأ الرسالة، ويكتب ردًّا عليها لتعزيز الثقة وبناء المجتمع الصفّيّ.
- أركان هادئة وأثاث مريح: صَمّم ركنًا هادئًا باستخدام أثاث بيتيّ من الستائر والأضواء الخافتة وحتّى الكنب المريحة، لتكون هذه الزاوية مكانًا للمتعلّمين والمعلّم يعرضون فيها صور عائلاتهم، أو الأشخاص المحبّبين إليهم، وتدريجيًّا سيفهم المتعلّمون الرسالة بأننا جميعًا ننتمي إلى مجتمع صفّيّ يتقبّل الآخرين واختلافاتهم.
- حجر وأمنية: بإمكانك ترك سلّة فيها أحجار، واطلب من كلّ متعلّم أن يكتب أمنية يودّ أن تتحقّق في صفّك.
- من نحن: ممكن تصميم شعار أو اسم للصّفّ مع طلّابك، أو حتّى اسم للفريق. وأيضًا من الأنشطة التي تعزّز فهم الثقافات والاختلافات نشاط "بيوت مختلفة ومدن مختلفة"؛ باستطاعة الطلّاب فيه تجهيز خريطة، أو مجسّم، لعرض صور لبيوتهم أو المدن التي جاؤوا منها، بهدف فهم الاختلافات والتنوّع بينهم تقديرًا لذواتهم وهويّتهم.
الاستراتيجيّة الرابعة
الميثاق والاتفاقيّات الصفّيّة: انطلاقًا من قناعاتنا بأنّ للمتعلّم دورًا فعّالًا، وصوته يحترم، قمنا بعقد اتفاقيّات صفّيّة تتضمّن النظام الداخليّ والتوقّعات. وكنّا نستفيد من المواقف التي تحصل معنا لتُتاح لنا مناقشتها وإضافة بنود جديدة عليها.
الاستراتيجيّة الخامسة
لكلّ فرد في مجتمعنا الصفّيّ حقّ الحصول على الثناء والدعم. ومن هنا، انطلقنا بفكرة اللقاء الذهبيّ كلّ خميس، بحيث نثني على المواقف التي يقوم بها الطالب، ونحتفي بالإنجازات. وأيضًا اعتمدنا نظام التحفيز والمكافآت المعنويّة لجميع أفراد المجتمع الصفّيّ (Token Economy System)، وكنّا نجمّع النقاط، ونقرّر ما المكافأة المعنويّة التي نرغب بالحصول عليها، ومن الأمثلة على المكافأة:
- زيارة إلى مكتب المدير للتحدّث معه.
- إقامة حفلة موسيقيّة مع الطلّاب.
- الذهاب في نزهة.
- الحضور بلباس مفضّل لدينا.
- العمل في ركن من اختيار المتعلّم.
وكان للتحفيز الجماعيّ أثر رائع وايجابيّ في خلق بيئة صفّيّة آمنة ومريحة ومفعمة بالفرح.
الاستراتيجيّة السادسة: لعبة التوقّعات
اسأل طلّابك عن توقّعاتهم من صفّك، وشارك توقّعاتك معهم. أعلمهم بأن سقف توقّعاتك منهم سيكون عاليًا، وبأنّك تتطلّع إلى أن يكون صفّك مميّزًا، وعنده القدرة على مواجهة التحدّيات والصعوبات بفكر منفتح ومرونة عالية.
الاستراتيجيّة السابعة: رسالة ورؤية موحّدة
خلال الأيّام الأولى يُمكن للطلّاب العمل مع المعلّم على فهم رؤية للمدرسة ورسالتها، ومن ثمّ نشرك الطلّاب بصياغة أهداف للفريق.
الاستراتيجيّة الثامنة: صندوق بريد للتواصل الفعّال
قد يكون هناك طلّاب خجولين ولا يرغبون بالتحدّث أمام أقرانهم في الأيّام الأولى من الفصل الدراسيّ، ولذلك ننصح بأن تكون هناك طرق للتواصل، مثل ترك رسالة للمعلّم أو الأقران في الصندوق. ومن الممكن تشجيعهم على ترك أفكار جديدة وملهمة، لجعل البيئة الصفّيّة بيئة آمنة وإيجابيّة.
الاستراتيجيّة التاسعة: مساحات عمل مريحة وآمنة
انطلاقًا من قناعتنا بأن خيال الطلّاب وإبداعهم لا حدود له، حرصنا دومًا على إشراك الطلّاب في تصميم مساحات التعلّم، وسؤالهم عن تنظيم الأركان واللوحات التفاعليّة، وأيضًا تصميم خطّة للجلوس بشكل مريح بهدف التعلّم.
الاستراتيجيّة العاشرة: الساعات المكتبيّة
لطالما كانت ملاقاة الطلّاب خارج جدران الصفّ، من أنجح الاستراتيجيّات للحديث مع الطلاب، والاستماع بفعاليّة أفكارهم واقتراحاتهم، والعمل على دعمهم. وقد يكون هذا اللقاء رسميًّا، أي في مكتبك حول طاولة الحوار، أو غير رسميّ كوجودك في قاعة الطعام والملاعب وغيرها من المرافق، بحيث يشعر الطالب بوجودك ويكسب ثقتك.
وختامًا نوصي جميع المعلمين الجدد بالتعاون مع المعلّمين القدامى، وإحداث الفرق بالانضمام إلى مجموعات تعلّم مكوّنة من معلّمين قدامى وتربويّين داعمين. وأيضًا نوصيهم بالمجازفة والتجربة وعدم التردّد بطلب المساعدة الفوريّة، للحصول على نصائح ودعم فوريّ من القادة التربويّين. بالإضافة إلى ذلك، حضور ورش تدريب وقراءة مقالات تتمحور حول الإدارة الصفّيّة الفاعلة، لتحقيق الأهداف المرجوة، وضمان نجاح المجتمع الصفّيّ في بدايات رحلة التعليم والتعلّم.